قدمت الدول مرشحيها لرئاسة منظمة التجارة العالمية، بدلاً عن الرئيس الحالي المنتهية رئاسته بنهاية شهر أغسطس (آب) المقبل، ورشحت كل من السعودية ومصر وكينيا وبريطانيا ومولدوفا ونيجيريا وكوريا الجنوبية والمكسيك. وتبدو المنظمة في الآونة الأخيرة في حالة يرثى لها، فالاختلاف مستمر بين كبريات الاقتصادات العالمية، والمفاوضات المطولة أصبحت هاجساً اقتصادياً؛ كل ذلك وسط تشكيكات مستمرة في كون المنظمة قادرة على التعامل مع القضايا الاقتصادية الحالية بالأنظمة نفسها التي لم يتغير بعضها لأكثر من عشرين سنة.
والدور الملقى على منظمة التجارة العالمية في هذا الوقت تحديداً يعد دوراً حرجاً لعدة أسباب؛ أولها أن المنظمة لاقت انتقادات كثيرة من كثير دول العالم في الفترة الماضية، فالاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة لاموا لوائح المنظمة كثيراً فيما سموه تجاوزات الصين التجارية، بل إنهم قدموا مقترحاً بداية هذا العام لتغيير لوائح المنظمة لهذا السبب، والواقع أن الصين من الناحية القانونية لم تخالف لوائح المنظمة، فالصين -في نظر المنظمة- ما تزال دولة نامية، وذلك بسبب نظام طالما انتقدته الدول الغربية، يعطي كل دولة أحقية تصنيف نفسها بصفتها دولة نامية (وهو نظام لم يمس منذ أن انضمت الصين للمنظمة عام 2001).
والنزاعات التجارية الدولية كذلك أصبحت أكثر تأثيراً خلال العامين الماضيين، فكثير من المفاوضات توقفت على أثر هذه النزاعات، وبدأت كل دولة تجنح إلى الاعتماد على نفسها، في خطوة أشبه ما تكون بالعزلة الاقتصادية للدول، إذ بدأت كل دولة بزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة لدعم منتجاتها المحلية، دون أن يكون للمنظمة دور فعال لمجابهة هذه الإجراءات. وبدا أن العالم يفضل الانغلاق الاقتصادي على التجارة الحرة، ولم يكن هذا التأييد من دول منغلقة غير مستفيدة من الانفتاح التجاري، بل من دول كالولايات المتحدة!
والمنظمة حالياً تشهد تحدياً حقيقياً بعد أزمة كورونا، وهو تحدٍ إضافي زادها أعباء على أعباء، حيث يشهد الاقتصاد العالمي تغييرات جذرية فرضتها الجائحة، سواء على مستويات الأنظمة وسلاسل التوريد. هذه التغييرات، وبناء على الأحداث الحاصلة في أثناء الجائحة، أيدت أن تستغني كل دولة بمنتجاتها عن غيرها، وهو ما قد يهدم كثيراً من الجهود السابقة التي قامت بها المنظمة التي لا تبدو حالياً في وضع صحي يسمح لها بمواجهة هذه الموجة. ولم يكن للمنظمة دور فعال في الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، ولا في مفاوضات «نافتا» بين دول الأميركيتين، وحتى معدل الاستثمار الأجنبي بدأ في التباطؤ في السنوات الأخيرة على ضوء التوجه للانغلاق الاقتصادي.
وفيما قدمت 8 دول مرشحين لقيادة المنظمة، تبرز قوة السعودية بصفتها مرشحة لقيادة المنظمة من عدة أوجه؛ أولها أن المملكة إحدى القوى الاقتصادية في العالم، وهي عضو في مجموعة العشرين التي تشكل دولها 85 في المائة من الناتج القومي لدول العالم. كما أن المملكة ليست متحيزة لقوة اقتصادية ضد أخرى، فهي على وفاق مستمر مع الصين، وهي حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وعلاقتها بروسيا كذلك في «أوبك بلس» كانت عاملاً جوهرياً في استقرار أسواق النفط، وهي شريك اقتصادي مهم للاتحاد الأوروبي، بتبادل تجاري عادل ما يزيد على 50 مليار دولار سنوياً، وبعجز بسيط لا يزيد على 350 مليون دولار. هذه الحقائق توضح أن المملكة شريك اقتصادي حالي لكبريات الاقتصادات العالمية. ومن ثم، فإن تولي المملكة رئاسة منظمة التجارة العالمية يبدو منطقياً في هذا الوقت تحديداً، بما تملكه المملكة من مميزات لا يمتلكها مجتمعة أي من الدول المتقدمة بمرشحين. فالمملكة على اطلاع بالقضايا الاقتصادية الحالية بدورها كأحد أكبر منتجي النفط في العالم، وهي عضو في مجموعة العشرين، ورئيس لها في الدورة الحالية، وهي شريك رئيس لكبريات الاقتصادات، ومصلحتها تصب بشكل كبير في ازدهار الاقتصاد العالمي والتكامل بين أطرافه. كما أن مرشحها محمد التويجري وزير اقتصاد سابق للمملكة، وملف ترشيحه يوضح اطلاعه على المشكلات الحالية للمنظمة، وحاجتها الماسة إلى إعادة هيكلة تعيد لها ثقتها بين دول العالم، لا سيما مع إعلان بعض الدول نية انسحابها من المنظمة؛ هذا الدور الذي يبدو أنه يناسب المملكة أكثر من أي دولة أخرى، وأكثر من أي وقت سبق.
د. عبدالله الردادي.