اليوم (الخميس) اجتماع مصيري آخر لتحالف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مع كبار المنتجين خارجها، وهو التحالف المعروف باسم «أوبك بلس». وفي ظروف مثل التي يمر بها الاقتصاد العالمي مع جائحة كورونا، فكل اجتماع للتحالف هو مصيري على ما يبدو. وبالنسبة للملايين الذين لا يتابعون أخبار «أوبك بلس»، ولا يهتمون لما يجري، فعليهم معرفة أن هذا التحالف اليوم يتحكم في أكثر من نصف الطاقة الإنتاجية للنفط في العالم؛ أي أن القرار الذي سيتخذه وزراء التحالف اليوم سيؤثر على أسعار وقود السيارات في المرة المقبلة التي سنذهب لتزويد مركباتنا به، خاصة أن أسعار النفط حتى لحظة كتابة هذه السطور عند أعلى مستوى لها منذ عامين (حول 75 دولاراً).
وحتى نعرف اتجاه الأسعار في الأشهر المقبلة، نحتاج إلى فهم ما سيجري في الاجتماع، حيث سيتم فيه مناقشة وضع عام 2021 الذي تبقى فيه النصف، وكذلك مناقشة ما يجب فعله في 2022، وهو جزء مهم كذلك مع توقع الجميع تعافي الاقتصاد العالمي.
هناك موقف واحد يجتمع عليه الجميع، وهو الحاجة لرفع إنتاج دول التحالف التي من بينها روسيا والسعودية، ابتداءً من شهر أغسطس (آب) المقبل، لكن الاختلاف حول: هل يتم رفع الإنتاج دفعة واحدة أم يُرفع تدريجياً على مراحل؟ ولكل اتجاه ما يؤيده ودوافع تؤدي إليه، غير أن النتيجة لن تكون واحدة في كل الاتجاهين. ولو أخذنا الاتجاه الأول، وهو رفع الإنتاج كاملاً دفعة واحدة، الذي تدعمه روسيا، فإن الكمية التي يمكن للتحالف إضافتها ما بين نصف مليون إلى مليون برميل إضافية، ولكنها ليست كافية لسد العجز في الإمدادات في السوق، وهذا الدافع هو ما أعلنته روسيا بطريقة غير مباشرة على لسان مصادر غير معلنة.
وبالنسبة للسوق، فإن زيادة الإنتاج دفعة واحدة بمليون برميل لن تكون غير متوقعة، بل قد تكون غير كافية إذا ما نظرنا للتوقعات المختلفة. فإذا أخذنا توقعات وكالة الطاقة الدولية (المنظمة المنافسة لأوبك)، فإن السوق ستمر بعجز هذا العام والعام المقبل، لولا أن يتحرك التحالف لضخ 1.4 مليون برميل يومياً بشكل إضافي. وإذا نظرنا لأرقام «أوبك»، فإن السوق في حالة شح، خاصة مع هبوط المخزونات التجارية من النفط في الدول الصناعية المتقدمة، لتصل عند مستوى أقل من مستوى متوسط الخمس سنوات (2015 – 2019) بنحو 20 مليون برميل، وهذا مؤشر مهم على أن السوق تعاني من شح في الإمدادات، مع وجود تحسن في الطلب. وفي الوقت ذاته، تتوقع «أوبك» زيادة الطلب على النفط بنحو 5 ملايين برميل في النصف الثاني من هذه السنة، وترجح أن يكون متوسط العجز بين الطلب والعرض في السوق بنحو 1.9 مليون برميل في النصف الثاني. أما مصرف «غولدمان ساكس»، فيرى أن السوق حالياً حتى هذه اللحظة تمر بعجز قدره 2.5 مليون برميل يومياً، وسيصل العجز إلى 5 ملايين برميل يومياً بنهاية العام الحالي.
إذن، نستطيع أن نفهم أنه حتى لو زادت «أوبك بلس» إنتاجها بمليون برميل يومياً دفعة واحدة ابتداءً من أغسطس (آب)، فإن السوق ستظل تشهد عجزاً بين 900 ألف برميل يومياً إلى 4 ملايين برميل. وفي هذه الحالة، لماذا يتردد التحالف في زيادة الإنتاج، خاصة أنه قادر على إضافة 5.8 مليون برميل إضافية ابتداءً من هذا الشهر؛ أي خمسة أضعاف الكمية التي يتم التفاوض عليها؟
لا تزال هناك بعض عوامل الضبابية في السوق التي تتطلب من التحالف أن يزيد إنتاجه تدريجياً؛ أولها تأثير الاتفاق النووي الإيراني الذي لا يزال التفاوض مع إيران جارياً عليه. فمتى توصلت إيران إلى اتفاق مع الدول الكبرى، صار من المحتمل أن يتم السماح لها بتصدير نفطها مجدداً، مما يعني دخول مليوني برميل تقريباً من النفط إلى السوق. ثانياً، لا أحد يعلم قدرة المنتجين خارج «أوبك» على زيادة إنتاجهم هذا العام والعام المقبل مع بقاء الأسعار مرتفعة. ثالثاً، لا يزال العالم يواجه جائحة جديدة مع «كورونا المتحور»، وحركة السفر والسياحة لم تنتعش بالشكل المطلوب. رابعاً، بافتراض أن التحالف أراد ضخ مليون برميل الآن في السوق، ماذا سيفعل ذلك في الأسعار؟ تقريباً لا شيء يذكر. والسبب في هذا أن الدول إذا زادت إنتاجها في أغسطس (آب)، فإن النفط سيصل إلى المصافي على نهاية الشهر، ويدخل في دورة تكرير، ومن ثم بيعه للمستهلكين، وهذه الدورة تأخذ بين 30 إلى 45 يوماً؛ أي أن موسم الصيف سينتهي، وسيقل الطلب في الربع الثالث، ولن يستفيد من هذه الزيادة، إذا تمت بصورة مستعجلة، المستهلك ولا الدول المنتجة.
وبالأخير، سيصل التحالف إلى حل وسط، مثل ما حدث في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتبقى النقطة المهمة التي يحرص عليها الجميع هي: ما تأثير كل هذا على الأسعار؟ لا أزال أرى صحة توقعات «غولدمان ساكس» بأن النفط في 2021 سيصل إلى 80 دولاراً (مع هامش صعود ونزول حوله). ويتوقع «غولدمان ساكس» أن زيادة «أوبك بلس» نحو مليون برميل ستؤثر بنحو 3 دولارات هبوطاً (أي 77 دولاراً). لذا من المنطقي أن نتوقع سعر النفط هذا العام في حزمة بين 70 و80 دولاراً؛ خبر جيد لميزانيات الدول، وغير جيد للمستهلك الذي سيذهب لمحطات الوقود الشهر المقبل. أما عام 2022، فمن المبكر توقع أسعاره في ظل كل المتغيرات أعلاه.