قائمة المليارديرات في الذكرى المئوية للصين الشيوعية

تستطيع من مشهد ترتيب الزهور الممتدة عبر ساحات المدينة استنتاج أن الاستعدادات للاحتفال بالعيد المائة للحزب الشيوعي الصيني قد اكتملت.
يركز غالبية السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة على عروض الألعاب النارية الكبيرة والاستعراضات الباهظة، لكنّ المستثمرين والمدونين الماليين والمضاربين، لديهم وجهات نظر محددة في الاعتبار، هي أن المليارديرات الصينيين يريدون بشغف أن يروا أنفسهم في الاحتفالات؛ يريدون معرفة من دخل القائمة ومن خرج منها، وهو ما يمكن أن يطلق الألعاب النارية الحقيقية في الأسواق.
إن دعوة الأحزاب الكبيرة في بكين لرجال الأعمال امتياز هائل وعلامة على التأييد الرسمي، حيث تمت دعوة روبين لي، رئيس شركة «بيدو إنك» ثلاث مرات للاحتفال بعيد استقلال الصين. ومن بين الرؤساء التنفيذيين وكبار رجال الأعمال البارزين أيضاً في المسيرات دونغ مينجزو رئيس شركة «غري إلكتريك أبلاينس» التي تعد رائدة أعمال بارزة.
شهدت الذكرى السبعون لتأسيس جمهورية الشعب في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وجود لي جون، رئيس مجلس إدارة شركة «شاومي كورب» للهواتف الذكية والأجهزة المنزلية الذكية التي تبلغ قيمتها 90 مليار دولار، وهو يتقدم وسط المسيرات الملوّحة بالزهور. وعلى موقع خدمة المدونات الصغيرة الشهير «ويبو»، قال لي كم إنه فخور ومتحمس لأنه سار وسط ساحة «تيانانمين» وشاهده الشعب كله.
كان لدى الحكومة أسباب وجيهة لوضع لي، رئيس شركة «بايدو» وكذلك لي من شركة «شاومي» في أدوار البطولة. فقد كان لي «سلحفاة بحرية»، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى المهاجرين العائدين من وادي «السيليكون» الذين كانوا يدفعون التقدم التكنولوجي للصين. وابتكر لي هواتف ذكية متطورة ميسورة التكلفة للأسواق الناشئة، وهو نوع المؤسسات التي تقع في صميم «مبادرة الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس شي جينبينغ.
ثم كان هناك قطب العقارات هوي كا يان، مؤسس «مجموعة إيفرغراند» الصينية. ففي احتفال عام 2019، التقط صوراً في برج بوابة ميدان «تيانانمين» الذي يعتبر منصة المشاهدة الرئيسية لنخبة النخبة، وقد تم عرض صور حضوره على الإنترنت. وذكرت مؤسسة «إيفرغراند» صورة له في قسم «المعالم» في تقريرها السنوي لعام 2019، حيث قالت إن هوي بدا شاباً بالنسبة لشخص يبلغ 60 عاماً، وكذلك بدا ثرياً وقوياً ووسيماً. في الواقع، ربما تكون المكانة والنفوذ الواضح اللذان شهدهما وضع هوي البارز في ميدان «تيانانمين» قد ساعدا على تعافي سندات «إيفرغراند» الدولارية المتعثرة في أواخر عام 2019، فما الذي يمكن أن يطلبه الملياردير أكثر من ذلك؟
يمكن لهوي استخدام بعض علامات التفضيل الجديدة. هذا العام طُلب منه تقليص الديون بعد أن تجاوزت مؤسسة «إيفرغراند» – المطور العقاري الأكثر مديونية في البلاد – جميع «الخطوط الحمراء الثلاثة» لبكين حدود الاقتراض التي تمت صياغتها في أغسطس (آب) 2020. يقال إن المنظمين يبحثون في معاملات «إيفرغراند» مع الأطراف ذات الصلة، شركة «بنك شنغن» المتوسطة الحجم، والتي تعتبر «إيفرغراند» أكبر مساهم فيها. ولم يبد هوي أي تعليقات عامة على هذه القضية.
العام الجاري، هناك حافز مالي حقيقي لأصحاب المليارات للتنافس على دعوات لحضور الحفلة الكبيرة للحزب. ذلك ليس فقط لدعم غرورهم، فقد تكون ثرياً بشكل لا يصدق، لكن في هذه الأيام، حتى الملياردير يجب أن يُنظر إليه على أنه الجانب المشرق من الحكومة لكي يزدهر. ما عليك سوى إلقاء نظرة على ملحمة جاك ما، مؤسس مجموعة «علي بابا» القابضة المحدودة، الذي شوهد بالكاد منذ نهاية عام 2020، عندما اختلفت مجموعة «آنت» مع المنظمين الحكوميين.
في الآونة الأخيرة، استدعت الحكومة وانغ شينغ، مؤسس شركة «مياوتن»، ثالث أكبر شركة للتكنولوجيا في الصين، وحذرته من محاولة لفت الأنظار. ونشر قطب توصيل الطعام قصيدة قديمة على الإنترنت في مايو (أيار)، اعتبرها الكثيرون بمثابة انتقاد مبطّن لقوانين الحكومة لمكافحة الاحتكار.
تشعر بكين في الوقت الحالي بالقلق من كبار المطورين لأنهم مثقلون بالكثير من الديون لدرجة أنهم ساعدوا في تحويل الصين إلى واحدة من أكثر دول العالم نفوذاً. ففي أكتوبر الماضي، عندما جاء شي إلى «شنتشن» للاحتفال بالذكرى الأربعين للمدينة كمنطقة اقتصادية خاصة، لم يقم مطور واحد بوضع قائمة الحكومة لأهم 40 شخصاً ساهموا في نهوض المدينة. وفي الوقت نفسه، تشعر الحكومة بالقلق من شركات التكنولوجيا الكبرى أيضاً، حيث تشعر أن الشركات استخدمت امتيازات السوق لخنق المنافسة والابتكار. كما طُلب من عمالقة التكنولوجيا الآخرين، من «تينسينت هولدنغ ليمتد» إلى «بايتي دانس»، كبح التجاوزات في مراجعة بكين لمكافحة الاحتكار.
هل يمكن أن يشير مقعد جيد في الحزب الشيوعي الكبير إلى تغيير في السياسة الرسمية؟ هل يعني الغياب عن المسيرات أن الأسوأ لم يأتِ بعد للمليارديرات في مرمى النيران؟ هل يمكن أن تؤدي العودة إلى ميدان «تيانانمين» إلى إحياء سندات إيفرغراند الدولارية؟
إن معنويات السوق بشأن السندات الدولارية لشركة «إيفرغراند» في أسوأ حالاتها منذ عمليات الإغلاق في مارس (آذار) 2020.
كان هوي – ولا يزال – أكثر رجال الأعمال الخيرية في الصين. بعبارة أخرى، يعتبر هو الرجل الوطني الأكرم. ويتكهن المدونون الصينيون بأن سخاءه ربما أكسبه دعوة عام 2019 إلى منصة تيانانمين الكبرى. لكن ذلك كان قبل عامين، فالعمل الخيري وحده قد لا ينفع إذا كنت تريد أن تكون على قائمة «A». ماذا سيحدث؟ سيشاهد الكثير من المستثمرين المصابين بجنون العظمة احتفال هذا الأسبوع لتحليل من سيدخل ومن سيغادر القائمة، وسيشاهدون الأشخاص المفضلين لتلك الاحتفالات.

شولي رين

«جيو استراتيجيات» خريطة طريق «صفر انبعاثات»

أثار تقرير وكالة الطاقة الدولية حول خريطة طريق «صفر انبعاثات 2050» أسئلة وانتقادات عدة؛ أهمها تمحور البحث، أكثر من أي شيء آخر، حول أهداف ومصالح الدول الصناعية. من المفهوم أن وكالة الطاقة تعمل وتدافع عن مصالح أقطارها الأعضاء؛ الدول الصناعية، لكن ما يثير التساؤل حول دراسة خريطة طريق التغيير المناخي العالمي بالذات هو أنه من المفروض أن تشمل كيفية معالجة التغيير المناخي حول الكرة الأرضية جمعاء وليس الدول الصناعية فقط… بمعنى الاستمرار في النهج الذي أدى إلى إنجاح «اتفاق باريس للمناخ 2015»، وهو الاتفاق على أن كل دولة تحدد تعهداتها والجدول الزمني لتنفيذ التزاماتها ضمن الأهداف العامة لـ«اتفاق باريس»، حسب إمكاناتها الاقتصادية.

هذا يعني أنه كان من المفروض على خريطة الطريق المقترحة أن تأخذ في الحسبان مصالح وإمكانات الدول النامية والبترولية وبقية دول العالم الثالث في تنفيذ الأهداف المرسومة، وليس المصالح والإمكانات للدول الصناعية فقط.

على سبيل المثال؛ أثارت الوكالة كثيراً من اللغط في اقتراحها إيقاف الاستثمار في الصناعة النفطية بعد عام 2021، بعيداً عن أي نقاش أو مداولات مع أقطار منظمة «أوبك».

الغريب في هذا الاقتراح المفاجئ، هو أن الوكالة لا تكف عن المطالبة في تقاريرها الدورية والسنوية عن زيادة الاستثمار في تطوير الحقول البترولية؛ أكانت لتلبية الزيادة السنوية في الطلب النفطي العالمي، على الأقل إلى حين توفير الطاقات المستدامة الوافية على الصعيد العالمي برمته، أم زيادة إمدادات الغاز الطبيعي؛ لأنه الوقود الوسيط والأنظف نسبياً للمرحلة الانتقالية ما بين عصري الطاقة.

من الواضح، من خلال تقرير الوكالة نفسه، أن دول العالم ليست جاهزة حالياً للانتقال من عصر الطاقة الهيدروكربوني إلى عصر الطاقات المستدامة، كما لا توجد معالم واضحة لإمكانية تنفيذ الاتفاق بحلول 2050.

هناك اتفاق عالمي على ضرورة معالجة الاحتباس الحراري والحد من ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 1.5 إلى درجتين مئويتين لإنقاذ البشرية. لكن هذا الأمر لا يمكن تمريره بتوصية من وكالة دولية تمثل مصالح الدول الصناعية فقط؛ فالأمر يحتاج إلى تشريعات وطنية وإقليمية، وفترة زمنية حددت في مؤتمرات الأمم المتحدة، وتريليونات الدولارات سنوياً لتغيير منشآت الطاقة ووسائل المواصلات برمتها، ناهيك بالشركات المختصة لتنفيذ هذا الانتقال على صعيد الكرة الأرضية برمتها… فمن دون عولمة الانتقال، من الصعب جداً تحقيق «صفر الانبعاثات» بحلول 2050… فالبديل هو «انبعاثات أقل» وليس «صفراً».

تمادى بحث وكالة الطاقة في افتراضاته بأن التغيير المناخي أمر يتعلق بالدول الصناعية فقط. ولربما السبب هو أن الاستشارات والمداولات التي قامت بها الوكالة كانت مع مؤسسات من بيئتها نفسها. ومن ثم؛ التوصية المثيرة للجدل بالإيقاف السريع لتطوير صناعة الوقود الأحفوري.

تتطلب الصناعة البترولية سنوات عدة للتخطيط لتطوير حقول بترولية وبتكلفة ملايين الدولارات لكل حقل. وهناك مشاريع معلنة في دول عربية عدة في الوقت الحاضر لتطوير حقول جديدة، حيث تخطط معظم الدول العربية لزيادة طاقتها الإنتاجية، بالذات السعودية التي تخطط لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً. من نافلة القول إن صناعة الطاقة حيوية جداً لاقتصاد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أن هذه الصناعة مهمة لجميع دول العالم، إلى أن تستطيع طاقة جديدة الحلول كلياً محل البترول.

تعلم وكالة الطاقة جيداً أن الصناعة البترولية لا تعني فقط تزويد الأسواق العالمية بالطاقة، بل أيضاً هي المصدر الاقتصادي الرئيسي لدول عدة. من ثم؛ فمن غير المعقول الطلب بتهميش هذه الصناعة فجأة ودون سابق إنذار.

على سبيل المثال، تخطط وتدرس دول بترولية عدة؛ منها أقطار عربية، إمكانية إنتاج الهيدروجين من البترول. كذلك إمكانية تجميع وتخزين ثاني أكسيد الكربون الصادر عن الإنتاج البترولي، ضمن سياسة «صفر انبعاثات». وهناك أيضاً محاولات جادة لتنقية الميثان من الانبعاثات الكربونية.

أما بالنسبة لاستهلاك البترول، فلا تزال الأغلبية الساحقة من محطات الكهرباء العالمية تعتمد على الـ«فيول أويل» أو الغاز. كما أن الأغلبية الساحقة من سيارات العالم تستعمل البنزين أو الديزل. ويستهلك كل من قطاع الكهرباء والمواصلات نحو 30 في المائة لكل منهما من مجمل الاستهلاك البترولي في الدول الصناعية. ومن المعروف أن 80 في المائة من مصانع الكهرباء الجديدة عالمياً تزود بالطاقات المستدامة، وأن هناك نحو 10 ملايين سيارة كهربائية على الطرق مقارنة بأكثر من مليار سيارة تقليدية. من ثم؛ هذا لا يعني أن استهلاك البترول سيتقلص غداً. فقد تراوح الاستهلاك النفطي العالمي حول 100 مليون برميل يومياً قبل وباء «كورونا»، وانخفض الاستهلاك إلى نحو 80 مليون برميل يومياً خلال منتصف عام 2020. وقد عاد الاستهلاك إلى نحو 95 مليون برميل يومياً حالياً، والتوقعات بالعودة إلى معدل 100 مليون برميل يومياً بحلول نهاية السنة مع عودة الحياة الطبيعية عالمياً.

لقد دق تقرير وكالة الطاقة جرس الإنذار للدول البترولية العربية. كيف يمكن الاستفادة من الاحتياطات البترولية الضخمة في منطقتنا؟ وما الأسس الاقتصادية والعقد الاجتماعي في عصر الطاقات المستدامة؟ وماذا عن جيوسياسات المنطقة عند منتصف هذا القرن، أو حتى قبله؟

وليد خدوري