على مدار عقود، كان الاقتصاد الألماني الأقوى في أوروبا، وقاطرة اقتصادات منطقة اليورو، معتمدا على جناحين رئيسيين، الصناعة والتجارة… والآن يبدو أن الأمرين في تراجع حاد بلا أفق واضح لاستعادة القوة.
في معرض ميونخ الدولي السنوي للسيارات، بدا أن البساط ينسحب من تحت أقدام الألمان.
فمعرض ميونخ هو أحد أكبر المعارض المتخصصة في العالم، والذي يقام في دولة تعد معقلا عتيدا لإنتاج سيارات مثل Mercedes وBMW وVolkswagen وPorsche وغيرها من العلامات التجارية ذات الأسماء الرنانة.
ومع افتتاح أعماله يوم الاثنين، ظهر أن Tesla والشركات الصينية تسرق الأضواء من الأوروبيين في المعرض، مع تراجع وهج “فخر الصناعة الألمانية”. حيث ظهر خلال يوم الصحافيين الاهتمام بشكل أكبر بالشركات الصينية عن نظيرتها الألمانية.
ومن بين الشركات العارضة، 41% تتخذ مقراً لها في الصين. وهي تهدد الوضع المهيمن للمصنعين الأوروبيين في السوق الاستراتيجية للطرازات الكهربائية، في وقت أصبحت فيه التوقعات الاقتصادية قاتمة مع استمرار ازدياد نسب التضخم في أوروبا.
ولا يقتصر الأمر على آراء الصحافيين، إذ حذرت هيلدغارد مولر، رئيسة الاتحاد الألماني لصناعة السيارات، في تصريحات إعلامية، من خسارة ألمانيا مستقبلها كموقع صناعي للقطاع. وقالت إن المصنعين الألمان لن يخسروا السباق من أجل المستقبل، “لكن ألمانيا كموقع صناعي ستخسر بدون إصلاحات ضخمة”.
وأكدت مولر أن المشكلة الأساسية هي “أن ألمانيا كموقع تفقد قدرتها التنافسية الدولية بشكل كبير بسبب هيكل التكلفة”، مشيرة إلى أن ألمانيا بها أعلى تكاليف للطاقة، موضحة أن قطاع صناعة السيارات يرى من الضروري تحديد سعر خاص للكهرباء الصناعية على نحو مؤقت، وذلك للحيلولة دون هجرة صناعات مهمة مثل تكنولوجيا البطاريات أو أشباه الموصلات من ألمانيا أو عدم التوطن فيها من الأساس.
ونقلت مولر عن موردين متوسطين قولهم: “موضوع أسعار الطاقة أصبح ساما بالنسبة لنا”، موضحة أن هذا لن يؤدي إلى عدم زيادة الاستثمارات في هذا البلد بعد الآن فحسب، “بل ستذهب إلى دول أوروبية أخرى أو إلى الولايات المتحدة”.
وبالتزامن مع المخاوف حول مستقبل الصناعة، تراجعت الصادرات الألمانية مجددا في يوليو (تموز) بعد انتعاش طفيف في يونيو (حزيران)، وفق ما أظهرت بيانات رسمية الاثنين، فيما يعاني أكبر اقتصاد في أوروبا من تباطؤ النشاط الصناعي.
وانخفضت الصادرات بنحو 0.9% في يوليو مقارنة بالشهر السابق، وفق الأرقام المعدلة الصادرة عن وكالة الإحصاءات الفدرالية “ديستاتيس”، وبلغ إجمالي الصادرات 130.4 مليار يورو (141 مليار دولار).
في حين ارتفعت الواردات بنحو 1.4% في يوليو مقارنة بشهر يونيو، ليبلغ مجموعها 114,5 مليار يورو، وتراجع الفائض التجاري الألماني بشكل طفيف إلى 15.9 مليار يورو.
وقال خبير الاقتصاد لدى مصرف “آي إن جي” كارستن برجسكي إن “التجارة لم تعد محرّك النمو القوي والقادر على الصمود في الاقتصاد الألماني كما كانت في السابق، بل تحوّلت إلى عامل إبطاء”.
تشهد الصادرات الألمانية تباطؤا منذ أشهر نتيجة الصعوبات المرتبطة بسلاسل التوريد والاقتصاد العالمي الهش والتضخم المرتفع.
وشهد الاقتصاد الألماني كساداً في الربع الثاني من العام 2023، بعدما انكمش في الربعين السابقين. وتتوقع أبرز مؤسسات البلاد الاقتصادية أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 0.2% إلى 0.4% خلال العام 2023 بأكمله.