أهم أحداث هذا الأسبوع..

سيأتي الأسبوع المقبل ومعه تقرير الوظائف الأمريكية الشهري، وهو تقرير مهم للغاية نظرًا لأنه يأتي مع دخول أسواق الأسهم في الربع الثاني، ومن المقرر أيضًا أن تجتمع أوبك في الأسبوع المقبل، كما تقوم البنوك المركزية في أستراليا ونيوزيلندا بالإعلان عن أحدث قراراتها بشأن أسعار الفائدة.

  1. الوظائف غير الزراعية

ينتظر مراقبو السوق صدور تقرير الوظائف غير الزراعية يوم الجمعة للحصول على آخر تحديث حول سلامة سوق العمل الذي ظل قوياً خلال العام الماضي في مواجهة وابل (NASDAQ:AAPL) من رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.

يتوقع الاقتصاديون أن يكون الاقتصاد الأمريكي قد أضاف 238,000 وظيفة في مارس بعد زيادة قدرها 311,000 في فبراير. ومن المتوقع أن يرتفع متوسط الدخل في الساعة بمعدل 4.3٪ على أساس سنوي، وهو أبطأ معدل زيادة منذ يوليو 2021.

سيكون تقرير التوظيف لشهر مارس هو الأخير قبل الاجتماع القادم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في مايو، ويأتي وسط انقسام المستثمرين حول ما إذا كان صانعو السياسة سيرفعون أسعار الفائدة للمرة الأخيرة. من المرجح أن تعزز الزيادة في الوظائف التي تزيد عن 200,000 من التوقعات برفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس.

أشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى أنهم يتوقعون بقاء أسعار الفائدة بالقرب من المستويات الحالية لبقية هذا العام للمساعدة في مكافحة التضخم.

  1. بيانات أخرى، حديث مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي

قبل تقرير الوظائف المهم لشهر مارس ليوم الجمعة، يتضمن التقويم الاقتصادي أيضًا تقرير الوظائف الشاغرة في فبراير يوم الثلاثاء وبيانات مارس حول التوظيف في القطاع الخاص يوم الأربعاء.

من المقرر إصدار استطلاعات رأي مديري المشتريات ISM لنشاط قطاع الصناعة والخدمات يومي الاثنين والأربعاء على التوالي.

ومن المقرر أن يظهر العديد من صانعي السياسة في الاحتياطي الفيدرالي خلال الأسبوع، بما في ذلك لوريتا ميستر رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، و جيمس بولارد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، ومحافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك.

أشار مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنهم يتوقعون بقاء أسعار الفائدة بالقرب من المستويات الحالية لبقية هذا العام للمساعدة في إعادة التضخم إلى المستوى المستهدف للبنك وهو 2٪. ولكن نظرًا لأن الضغوط التضخمية لا تزال مرتفعة، سيتعين على المسؤولين أن يوازنوا تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على الاستقرار المالي، خاصة بعد الاضطرابات الأخيرة في القطاع المصرفي.

قرارات سعر الفائدة لبنك الاحتياطي الأسترالي (RBA) والبنك الاحتياطي النيوزيلندي (RBNZ)

من المقرر أن يجتمع بنك الاحتياطي الأسترالي يوم الثلاثاء لاتخاذ قرار بشأن رفع أسعار الفائدة أو الإبقاء عليها كما هي.

وقد أظهرت بيانات الأسبوع الماضي أن التضخم الأسترالي قد تباطأ إلى أدنى مستوى له منذ ثمانية أشهر عند 6.8٪ على أساس سنوي في فبراير، مما دفع المستثمرين إلى استبعاد فرص رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس.

قال محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي فيليب لوي إن البنك المركزي كان أقرب إلى إيقاف زيادات أسعاره مؤقتًا لأن السياسة النقدية أصبحت الآن في منطقة مقيدة، واقترح التوقف في أقرب وقت ممكن في أبريل اعتمادًا على البيانات.

في غضون ذلك، لا تزال الأسواق تراهن على رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من قبل بنك الاحتياطي النيوزيلندي عندما يجتمع يوم الأربعاء.

أكبر عملة بالليرة أقل من أصغر عملة بالدولار

 

نعيش اليوم تاريخاً أسود من تاريخ لبنان، سيُسجّل في الكتب الداخلية وأيضاً في كل كتب تاريخ الإقتصاد العالمي، ويُعرف بأكبر عملية نهب وتدمير ذاتي، وأكبر أزمة إقتصادية، مالية ونقدية ستُحفر في التاريخ الدولي. وقد أصبحت أكبر عملة ورقية لبنانية (ورقة المئة ألف ليرة) تُوازي أقل من أصغر عملة ورقية بالدولار الأميركي. وتتواصل هذه الخطة من التدمير الشامل والمعتمد يوماً بعد يوم.

لقد خسرت العملة الوطنية حتى اليوم أكثر من 98% من قيمتها، وانهار سعر الصرف من 1500 ألف ليرة إلى 120 الفاً، أي 80 مرة أكثر، في ظل غياب أي خطط لأي نيّة للإصلاح، لا بل ثمة نيات لمتابعة التدمير الذاتي والشامل.

نذكّر بحزن وأسف، أنّه خلال سنوات الحرب الأهلية، كان الدولار الأميركي يُوازي 3 ليرات لبنانية ثم تدهور وانهار حتى وصل إلى 3300 ليرة للدولار، يعني 1100 مرة أكثر.

أما اليوم، بعد نحو 40 عاماً، ها هو التاريخ يعيد نفسه، حيث بلغ تدهور الليرة نحو 80 مرة حتى اليوم، وليس له أي آفاق ولا حدود، ويُمكن أن يصل إلى زيادة أصفار وعشرات ومئات الآلاف في خلال أيام قصيرة.

فالتدهور النقدي مستمر، من دون خطط واستراتيجيات ونيات لوقف النزف، والخسائر التي يتكبّدها الشعب الكادح والاقتصاد الأبيض.

في وجه هذه الخسائر الفادحة والضخمة، من قِبل الرياديين والمبتكرين والمستثمرين، هناك أرباح فادحة من قِبل المروّجين والمهرّبين والمبيّضين، الذين لهم مصلحة مباشرة ومستمرة جراء هذا الانهيار والتهديم.

لوكان هناك نية حقيقية لوقف الإنهيار، كان أولاً قد بدأوا وأجبروا الاقتصاد على متابعة سوق صرف موحّدة ورسمية، وليست منصّات هاتفية غامضة، لا نعرف مَن يديرها وبأي طريقة تعمل؟

لو كان هناك نية حقيقية جدّية، لكانت الأولوية لإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية والنمو والاستقرار للقطاعين العام والخاص. شئنا أم أبينا، مهما كان التمويل والمساعدات والمؤتمرات من دون إعادة النمو والدورة الاقتصادية، ولا سيما الثقة، لا يُمكن إعادة سنت واحد للمودعين.

لا يمكن أن نحلم بإعادة نمو وثقة، من دون إعادة تمكين وعمل مؤسسات الدولة، والمؤسسات الخاصة والمالية، لتمويل النمو والاقتصاد الجديدين.

عندما اختلفت دول المنطقة، اختلفنا في لبنان، بعد أكثر، ورفعنا سقف الخلاف، والتشنجات، أما حين اتفقوا فكان تغييبنا سيّد الموقف، واستمررنا بالخلافات والتجاذبات الداخلية عينها، من دون أي حدود وحتى أي أهداف إلاّ الأهداف التخريبية، الذاتية والتدميرية.

مرة أخرى يُبرهن العالم لنا، أننا لم نعد من أولويات وحتى أجندات الدول، والحقيقة المرّة، التي لا نريد مواجهتها، وتصديقها، هي أنّ التدهور المالي والنقدي والإقتصادي سيستمر أكثر فأكثر، وسيزيد سعر الصرف ليس بالعشرات لكن بالمئات، ولا سقف لهذا التدهور المعتمد الراهن.

إنّ هذا البرنامج والحلقات وهذه المسرحية التدميرية مستمرة، بهدف واضح هو تدمير ما تبقّى من الاقتصاد الأبيض، وهدر ما تبقّى من أموال المودعين البخسة، ودعم الاقتصاد الأسود، والسوق السوداء المظلمة، والتبادل التجاري العشوائي والتدميري، وجذب كل الأيادي السود العالمية إلى منصتنا، وإلى أرضنا اليابسة.

لا شك في أنّ اقتصادنا يلين وشعبنا ينزف، لكن نذكر بفخر، أنّ إرادتنا لم ولن تُهدم، والرياديين والمبتكرين والمستثمرين لم ولن يستسلموا، وستبقى شعلتنا مضيئة ولا تنطفئ، ومرونتنا وصمودنا في قلب معركتنا المصيرية.

د. فؤاد زمكحل

البنك الدولي: اقتصاد العالم ذاهب إلى “عقد ضائع”

اعتاد العالم على سماع التوقّعات الاقتصاديّة المتشائمة خلال السنوات الثلاث الماضية، بعدما تظافرت مجموعة من العوامل لتفرض على الاقتصاد العالمي ضغوطاً قاسية لم نشهدها منذ عشرات السنين. إلا أنّ تقرير البنك الدولي الأخير، المعنون بـ”تراجع آفاق النمو على الأجل الطويل: الاتجاهات والتوقعات والسياسات”، قدّم للمرّة الأولى تقييمًا شاملًا لمعدلات النمو الاقتصادي العالمي المحتملة على المدى البعيد، في أعقاب جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، وما يشهده العالم اليوم من سياسات نقديّة انكماشيّة تحاول ضبط معدلات التضخّم.

أمّا أخطر ما وصل إليه التقرير، فهو أنّ أقصى معدّل للنمو على المدى الطويل، سينخفض إلى أدنى مستوياته منذ ثلاثة عقود بحلول العام 2030. وهذا التراجع، قد يكون أشد حدّة أو أقسى، في حال حدوث أزمة ماليّة عالميّة أو ركود طويل الأجل، حتّى ذلك الوقت، وهذا محتمل بشدّة طبعًا. وفي النتيجة، لخّص البنك الدولي الوضع بعبارات حسّاسة لا يفترض تجاهلها: “قد نكون أمام عقدٍ ضائع للاقتصاد العالمي. إن التراجع المستمر في النمو الاقتصادي، سيكون له تداعيات خطيرة على قدرة العالم على التصدّي لمجموعة من التحديات، كالفقر المدقع وتباين مستويات الدخل وتغيّر المناخ”.

نهاية ثلاثة عقود سعيدة
عاش العالم ثلاثة عقود من النمو الاقتصادي العالمي المستدام، منذ العام 1990. فعلى مدى هذه المدّة الطويلة، تمكّن العالم من خفض معدلات التضخّم، وزيادة مستويات الدخل، ورفع إنتاجيّة القطاعات الاقتصاديّة المختلفة، كما انخفضت معدلات الفقر المدقع العالميّة على نحو ملحوظ. في النتيجة، تمكنت ربع الاقتصادات النامية من الانتقال إلى مستوى دخل مرتفع، خلال جيل واحد.

اليوم، بات كل ما يجري من تحوّلات اقتصاديّة يدفع الاقتصاد العالمي بالاتجاه المعاكس تمامًا. فخلال السنوات العشر التي سبقت تفشّي وباء كورونا، بدأ الانخفاض العالمي تدريجيًّا في معدلات الإنتاجيّة الاقتصاديّة، والتي تؤثّر بشكل تلقائي على معدلات نمو الأجور والرواتب، وهو ما بدأ بإثارة القلق تجاه آفاق النمو الاقتصادي العالمي.

وخلال العقد الراهن، أي بين العامين 2020 و2030، من المتوقّع أن تنخفض معدلات نمو الإنتاجيّة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق منذ 23 سنة. مع الإشارة إلى أنّ معدلات الإنتاجيّة تقيس كميّة السلع والخدمات التي يمكن إنتاجها من خلال كميّة معيّنة من المدخلات (أي العمالة والمواد الأوليّة).

في الوقت نفسه، تتراجع اليوم معدلات الاستثمار إلى حدود مقلقة. فبين العامين 2022 و2024، من المتوقّع أن يبلغ معدّل الاستثمار السنوي نحو نصف المعدلات السنويّة، التي حققها العالم خلال العقدين الماضيين. كما ستستمر القوّة العاملة بالنمو بتواضع، في الدول المتقدمة والكثير من الأسواق الناشئة والدول النامية، نتيجة تراجع معدلات الولادات. وفعاليّة القوّة العاملة، تأثّرت أساسًا بالصدمات الصحيّة التي تعرّضت لها، وبحالات إقفال المدارس خلال الفترة الماضية، وتراجع معدلات ساعات التعليم، وغيرها من العوامل. أمّا معدلات التجارة الدوليّة، التي نمت بنحو ضعفي معدلات النمو الاقتصادي بين 1990 و2011، فتعاني اليوم للنمو بمعدلات النمو الاقتصادي نفسها.

نهاية العقود الثلاثة السعيدة، حسب البنك الدولي، هي ما سيقودنا نحو عقدٍ ضائع. وهذا لن يشمل بعض الدول والمناطق حول العالم، كما جرى في الماضي، بل سيشمل العالم بأسره من دون استثناء.

انخفاض حاد في النمو الاقتصادي العالمي
وبالأرقام، حسب التقرير، “من المتوقع أن ينخفض متوسط النمو العالمي المحتمل، لإجمالي الناتج المحلي بين عامي 2022 و2030، بنحو ثلث المعدل الذي كان سائدًا في العقد الأول من هذا القرن (أي بين عامي 2000 و2010)، ليصل إلى 2.2% سنوياً”. مع الإشارة إلى أنّ هذا المعدّل كان يبلغ حدود 3.5% بين عامي 2000 و2010.

وبالنسبة للاقتصادات النامية بالتحديد، سيكون الانخفاض حادًا بالدرجة نفسها: من 6% سنوياً بين عامي 2000 و2010، إلى 4% سنوياً خلال الفترة المتبقية من هذا العقد (أي حتّى نهاية 2030). وسيكون هذا التراجع أشد حدة في حالة حدوث أزمة مالية عالمية أو ركود اقتصادي. بمعنى آخر، لا تأخذ كل هذه التوقّعات بالاعتبار احتمالات حصول انهيارات اقتصاديّة استثنائيّة أقسى وأشد.

ويشير التقرير إلى مجموعة من الأحداث التي ضغطت على الاقتصادات العالميّة بأسرها خلال السنوات الثلاث الماضية: من تفشّي الوباء خلال العام 2020، إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، وصولًا إلى سياسات رفع الفوائد وامتصاص السيولة وغيرها من الإجراءات الإنكاماشيّة التي قامت بها المصارف المركزيّة الغربيّة منذ العام 2022، بعدما توسّعت في تقديم رزم الدعم وضخ السيولة خلال فترة تفشّي الوباء. وفي هذا الإطار، ساهم رفع الفوائد خلال الفترة الماضية في الوصول إلى أقصى مستوى من التشديد النقدي منذ أربعة عقود من الزمن.

أمّا السياسات الماليّة للحكومات، فباتت أقل دعمًا لمتطلّبات النمو، بعدما تدهورت توازنات الميزانيّات العامّة للدول خلال الأزمة عام 2020، فيما ارتفع مستوى الديون الحكوميّة إلى مستويات تاريخيّة منذ ذلك الوقت. وأمام كل هذه الضغوط والصدمات التي تعرّض الاقتصاد العالمي، انخفضت معدلات النمو بشكل قاسي، بعد الركود الذي شهده العالم عام 2020.

إجراءات مطلوبة على المدى الطويل
ومع ذلك، يشير التقرير إلى أنّ هناك ما يمكن فعله لتفادي هذا السيناريو المتشائم، إذ أن النمو المحتمل لإجمالي الناتج المحلي العالمي “يمكن زيادته بما يصل إلى 0.7 نقطة مئوية، أي إلى متوسط سنوي قدره 2.9%، إذا اعتمدت البلدان المختلفة سياسات مستدامة موجهة نحو النمو”. ومن هذه الإجراءات التي يعددها التقرير، مثلًا:

– زيادة الاستثمارات في مجالات مثل النقل والطاقة، والزراعة والصناعات التحويلية المراعية للمناخ، وأنظمة الأراضي والمياه. هذا النوع من الاستثمارات المتوافقة مع الأهداف المناخية الرئيسية، يمكن لها أن ترفع النمو المحتمل بنسبة تصل إلى 0.3 نقطة مئوية سنوياً، فضلاً عن تعزيز القدرة على الصمود في وجه الكوارث الطبيعية في المستقبل.

– خفض تكاليف التجارة التي ترتبط في معظمها بالشحن البحري والخدمات اللوجستية واللوائح التنظيمية، والتي تؤدي فعليًا إلى مضاعفة تكلفة السلع المتداولة عالمياً اليوم. ويمكن للبلدان التي ترتفع فيها تكاليف الشحن واللوجستيات أن تخفض تكاليفها التجارية إلى النصف من خلال اعتماد اتفاقات تيسير التجارة، وغيرها من الممارسات المعتمدة في البلدان التي تعاني من أدنى تكاليف للشحن واللوجستيات.

– تعزيز قطاع الخدمات، بما يسمح لهذا القطاع بأن يكون المحرك الجديد للنمو الاقتصادي. فقد قفزت صادرات الخدمات المهنية المقدمة رقميًا، والمتعلّقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال، إلى أكثر من 50% من إجمالي صادرات الخدمات في عام 2021، مقارنة بـ40% في 2019.

– زيادة المشاركة في قوة العمل، إذ يُعزى نحو نصف التباطؤ المتوقع في النمو المحتمل لإجمالي الناتج المحلي حتى عام 2030 إلى تغير الأوضاع الديموغرافية، بما في ذلك تقلص عدد السكان في سن العمل وتراجع المشاركة في القوى العاملة مع تقدم المجتمعات في العمر. في بعض المناطق -مثل جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا- يمكن زيادة معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة، إلى نفس معدلات جميع اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، بما يسمح بتسريع وتيرة النمو المحتمل لإجمالي الناتج المحلي بحدود 1.2 نقطة مئوية سنوياً بين عامي 2022 و 2030.

– يجب على واضعي السياسات إعطاء الأولوية للحد من التضخم، وضمان استقرار القطاع المالي، وخفض الديون، واستعادة الحصافة في المالية العامة. ويمكن لهذه السياسات أن تساعد مختلف البلدان على اجتذاب الاستثمارات من خلال تعزيز ثقة المستثمرين في المؤسسات الوطنية وسياساتها.

أمّا أهم توصيات التقرير، فهي ضرورة تعزيز التعاون العالمي، لتحقيق التكامل والتعاون بين اقتصادات مناطق العالم المختلفة. فقد ساعد التكامل الاقتصادي الدولي على دفع عجلة الرخاء العالمي لأكثر من عقدين منذ عام 1990، لكنه تعثر لاحقاً، بعد أن تنامت مؤخرًا ظواهر الحروب التجاريّة والقيود على التجارة الدوليّة، وتراخي الدول في تنفيذ التزاماتها المرتبطة بالمناخ. ففي النهاية، وكما يشير التقرير، يدين سكّان الأرض اليوم “للأجيال القادمة بصياغة سياسات يمكنها تحقيق نمو قوي ومستدام وشامل للجميع”، وهو ما يفرض القيام بخطوات جريئة وجماعيّة لتحفيز النمو المستدام على المدى البعيد.

علي نور الدين

غاز شرق المتوسط

تُعدّ أوروبا السوق الأفضل لغاز شرق المتوسط؛ نظراً للتقارب الجغرافي ما بين المنطقتين، ومن ثم ركزت معظم الدراسات على تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، لكن في الوقت نفسه برز عاملان مهمان أضيفا إلى هذه الفرضية: هل الاحتياطات الأكيدة كافية لتلبية الطلب الأوروبي؟ وماذا عن الطلبين المحلي والإقليمي؟ وقد أضيف مؤخراً «العامل الأوكراني»؛ بمعنى إمكانية تعويض إمدادات الغاز الروسية التي قررت أوروبا مقاطعتها.
ويتوجب عند دراسة تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، الأخذ بنظر الاعتبار، وسيلة التصدير (عبر أنبوب يَعبر البحر الأبيض، وما هو الطريق الأنسب لهذا الأنبوب؟) وإمكانية تسييل الغاز (كما يجري حالياً في مصر)، ومن ثم شحنه إلى أوروبا. هذه العوامل، وكثيرٌ غيرها من العوامل الجيواستراتيجية (هل يتوجب التصدير خلال خط أنابيب يمتدّ عبر قبرص، ومن ثم اليونان، أم خط أنابيب بحري إلى تركيا حيث يتم ربطه هناك مع أحد الخطوط البرية العاملة حالياً عبر دول جنوب وجنوب شرق أوروبا؟)، وأخيراً هناك مسألة تكاليف المواصلات أو مصانع التسييل، وأثرها على السعر النهائي للغاز.
يطرح السؤال الأول نفسه تلقائياً: هل الاحتياطات المؤكَّدة لغاز شرق المتوسط كافية لتلبية الطلب الأوروبي، وفي الوقت نفسه تلبية الطلب المحلي الإقليمي للغاز، حيث السوقان الضخمتان المصرية والتركية من جهة، والأسواق الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية واللبنانية والقبرصية حيث لا تتوفر مصادر طاقة وافية أخرى معروفة حتى الآن. لقد أصبح الغاز بفضل سعره المنافس للنفط والفحم ودوره بصفته وقوداً «نظيفاً»، مقارنة ببقية الوقود الأحفوري، هو العنصر المعتمَد عليه في تزويد محطات توليد الكهرباء والمصانع بالوقود.
بلغ مجمل الاحتياطي الغازي المؤكَّد المكتشَف حتى الآن في مياه مصر وإسرائيل وقبرص حوالي 2400 مليار متر مكعب، أو نحو 85 تريليون قدم مكعب، وهذا الرقم مؤهَّل للارتفاع نتيجة استمرار الاكتشافات. وتشكل طاقة التسييل المصرية أكبر إمكانية حالياً لتصدير الغاز من شرق المتوسط، ويتوقع أن تزداد الطاقة التصديرية الغازية من شرق المتوسط إلى حوالي 50 مليار متر مكعب بحلول أوائل عقد الثلاثينات.
من الجدير بالذكر أن دول السوق الأوروبية أنتجت نحو 210 مليارات متر مكعب من الغاز، أو 38 % من الطلب في عام 2021. وفي الوقت نفسه، صدّرت روسيا إلى أوروبا عبر شبكة الأنابيب نحو 167 مليار متر مكعب، أو نحو 30 % من مجمل الإمدادات الغازية لأوروبا البالغة 551 مليار متر مكعب، الأمر الذي يعني أن احتياطيات شرق المتوسط وافية لكن متأخرة لتلبية الطلب الأوروبي (الذي بحاجة سريعة لتعويض الغاز الروسي).
من المعروف أن التقنيات الحديثة تعتمد أكثر وأكثر على الكهرباء. هذا معناه ازدياد استهلاك الكهرباء سنوياً، مما يعني بدوره أن دول شرق المتوسط ستحتاج إلى طاقة كهربائية أكثر مستقبلاً، مع ازدياد اعتمادها على الكهرباء، وخصوصاً في تلك الدول، ومنها ما يعاني عجزاً كهربائياً فادحاً غير مسبوق؛ بمعنى أنه مع زيادة استهلاك السيارة الكهربائية وكثير من السلع الاستهلاكية المعتمدة على الكهرباء، يتوجب أيضاً الأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السريعة المتوقعة للاستهلاك الداخلي والإقليمي للغاز.
تستفيد الدول المصدِّرة للغاز في شرق المتوسط من الأسواق الإقليمية عبر شبكات وأنابيب قصيرة المدى وقليلة الكلفة نسبياً. وبالفعل، نجد الآن أن مصر والأردن وإسرائيل تزوِّد الأغلبية الساحقة من محطاتها الكهربائية بالغاز.
هذا، وتبقى المحطة الكهربائية الوحيدة في مناطق السلطة الفلسطينية، محطة كهرباء غزة التي تزوِّدها إسرائيل بالغاز، تحت رحمة إسرائيل في إيقاف وإيصال الإمدادات وفق ضغوط السياسات الإسرائيلية. وتبقى الضفة الغربية دون محطة كهرباء حتى الآن، حيث تمدُّها محطة غزة بالكهرباء، بالإضافة إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية. ويتوفر لدى السلطة الفلسطينية حقل غاز مكتشَف في بحر غزة البحري، أوقفت إسرائيل تطويره. ورغم احتياطات الحقل الضئيلة، يمكن أن يزوّد كلاً من غزة والضفة الغربية بالوقود الكافي، في حال سماح إسرائيل بتطويره.
المسألة المهمة في الوقت الحاضر هي الطلب الأوروبي للغاز في ظل حرب أوكرانيا. وأقطار السوق الأوروبية تختلف في سياساتها الطاقوية المستقبلية، إذ إن هناك مصالح اقتصادية مختلفة فيما بينهم، وخصوصاً فرنسا وألمانيا وحلفاءهما. أدى اختلاف قطاع الطاقة الأوروبي إلى تباين في سياساتها المستقبلية، إذ يدور حالياً نزاع بين ألمانيا وفرنسا وحلفائهما الأوروبيين حول موعد إيقاف بيع سيارات محرك الاحتراق الداخلي، ليكون في عام 2035 كما تطالب فرنسا، أو في موعد لاحق كما تدعو ألمانيا التي تطالب، في الوقت نفسه، باستمرار استعمال سيارات محرك الاحتراق الداخلي «وقوداً نظيفاً» بدلاً من «تخريدها». وقد برز، خلال الأسبوعين الماضيين، خلاف جديد بين الدولتين الأوروبيتين الكبريين حول مدى اعتماد الطاقة النووية، بصفة طاقة مستدامة، كبقية الطاقات المستدامة التي يجري اعتمادها للمستقبل. فألمانيا تُعارض استعمال الطاقة النووية، بينما لدى فرنسا العشرات من المفاعلات، وتصدِّر الكهرباء لدول الجوار.
يستمر الاعتماد على الغاز في أوروبا، على الأقل في مرحلة «تحول الطاقة». المشكلة أن أوروبا الشمالية، ولا سيما ألمانيا، والنمسا، وهولندا، قد اعتمدت كلياً على الغاز الروسي المستورد عبر الأنابيب. هذا يعني أن أي تغيير في الإمدادات سيتطلب بعض الوقت لتشييد موانئ ومنشآت لاستقبال الغاز المُسال. وقد بدأت ألمانيا فعلاً بالتشييد اللازم خلال سنتين، وبكلفة نحو 6 مليارات يورو. أما دول أوروبا الجنوبية فوضعها أحسن، إذ تربطها منذ سنوات أنابيب غاز عبر البحر الأبيض، وخصوصاً من الجزائر (حيث تزوّد أيضاً دول أوروبا الجنوبية بالغاز المسال)، بالإضافة إلى كميات إضافية عبر الأنابيب من الجزائر وليبيا والغاز المسال عبر مصر.
تزور وفود أوروبية دولاً مصدّرة للغاز لتعويض الإمدادات الروسية. ورغم أن الدول الغازيّة مستعدّة للتصدير، وخصوصاً الغاز المسال للدول خارج منطقة البحر الأبيض، فهناك عقبة رئيسة تواجه الأقطار الأوروبية: مدة العقود التي عادةً تتراوح نحو عقدين أو أكثر من الزمن، نظراً للمصاريف الباهظة التي تتحمّلها الدولة المصدِّرة، ومحاولة الأوروبيين تقليص هذه الفترة إلى نحو 15 سنة، الأمر الذي تعتبره الدول المصدرة غير اقتصادي لها. وهناك طبعاً المفاوضات حول المعادلة السعرية للغاز.

وليد خدوري

من أين الدولارات للدولرة الشاملة في لبنان؟ المشروع بدأ منذ الثمانينات!

منذ انكشاف حجم الانهيار المالي- النقدي- المصرفي أواخر عام 2019 بعد تراكم احتقان متمادٍ منذ انقلاب المؤشرات الاقتصادية، لاسيما منها ميزان المدفوعات عام 2011، حتى أصبحت فجأة الإشكاليات الاقتصادية، ولاسيما النقدية، مادة سجال واسع النطاق وتجاذب إعلامي ونقاش مفتوح، بينما جوهر البحث يحتاج حداً أدنى من مرتكزات علمية دقيقة، لا يمكن فلشها بشكل شعبوي مهما حاولنا تبسيطها. اليوم، وبعد سقوط نظام سعر الصرف المرن في لبنان، واستحالة اعتماد نظام سعر صرف عائم في ظلّ معدّل دولرة جزئية جداً جداً مرتفع، الاتجاه الواقعي هو نحو نظام الربط الصارم لسعر الصرف المتمثّل بالدولرة الشاملة الرسمية أو رديفها «مجلس النقد»، إستناداً الى جميع النظريات العلمية النقدية المعروفة في كل الأدبيات الاقتصادية والتجارب الدولية المماثلة.. السؤال المركزي، لم يعد إذا كان يمكن الذهاب نحو هذا الخيار أو غيره. إنما كيف وبأي شروط وآلية يمكن تسهيل عملية الانتقال وضمان استدامتها؟ طبعاً الآلية التطبيقية العلمية لها أسسها وأركانها التي تحتاج تخصّصاً معروفاً، إنما من حق الرأي العام الاجابة عن السؤال البديهي الذي يرفعه الجميع: من أين الدولارات للدولرة الشاملة؟

قبل حرب 1975-1990 في لبنان، في نهاية عام 1974، لم تكن تتجاوز الودائع بالعملات الأجنبية (823 مليون دولار أميركي) 18% من إجمالي الكتلة النقدية في البلاد، وكانت أقل بكثير من الأصول الخارجية للعملات الأجنبية للنظام المصرفي (2.11 مليار دولار). وهذا يعني أنّ معظم العملات الأجنبية التي كانت تدخل لبنان كانت تحوّلت إلى ليرة لبنانية، ما أدّى إلى ارتفاع قيمة العملة الوطنية.

منذ اندلاع الحرب عام 1975، تراجعت التحويلات من الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية تدريجيًا، وانعكست في النهاية مع اندلاع عملية الدولرة الجزئية غير الرسمية الناتجة من الاختيار الحرّ للقطاع الخاص، في أعقاب التدهور الحاد في شراء الطاقة للعملة الوطنية، خلال الأزمة النقدية في الثمانينات، لا سيما مع التضخم الجامح في عام 1987 الذي تلاه انخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والذي بلغ ذروته في عام 1992. وجاءت الزيادة في الودائع بالعملات بعد ارتفاع فائض ميزان المدفوعات تقريبًا، في نهاية عام 1992، 63% من إجمالي المعروض النقدي. خلال هذه الفترة، بدأ الدولار الأميركي يحتل مكان الليرة اللبنانية بوظائفها الثلاث: وحدة التسعير والحساب، وسيط التداول والدفع في التبادل التجاري، والادخار. ارتفع سعر الصرف، الذي كان قبل الحرب 3 ليرات لبنانية/ دولار أميركي، إلى أكثر من 2850 ليرة لبنانية / دولار أميركي في نهاية عام 1992.

منذ عام 1993، تخلّى لبنان عن نظام سعر الصرف العائم ليتبنّى نظام ربط انزلاقي من 1993 إلى 1997، يسمح بتخفيض سعر الصرف تدريجيًا حتى تطبيق نظام الربط المرن لعملة واحدة، يربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي بسعر الصرف بهامش 1501-1514 ومعدّل متوسط 1507.5 منذ عام 1997.

في الوقت نفسه، منذ عام 1993، بدأت تتنامى الفجوة بين نمو الودائع بالعملات الأجنبية والأصول الخارجية للنظام المصرفي، وأخذت تتسع تدريجياً. وفي محاولة لاستعادة الثقة بالليرة اللبنانية، إنتهج مصرف لبنان سياسة ترسيخ قيمتها، ولكن كان لها تأثير سلبي يتمثل في تعميم استخدام الدولار في المدفوعات الداخلية، خصوصاً بعد إنشاء غرفة المقاصة للشيكات بالدولار الأميركي بدءًا من عام 1994. وبعدها تطوّرت الدولرة باتجاه أجهزة الصرّاف الآلي التي أخذت تمتلئ بالدولار الأميركي، خلافًا لما هي حال جميع البلدان التي لا تملأ أجهزة الصراف الآلي سوى بالعملة الوطنية التي يمكن للمصرف المركزي للبلاد طباعتها، خشية من تعميم التداول الورقي بالعملة الأجنبية واستخدامها لتبييض الأموال والمضاربة على العملة الوطنية في السوق السوداء…. ثم تضمن العملة الوظيفة الثالثة لأي عملة، وهي أن تكون أداة صرف. وقد تمّ تأكيد هذا الاتجاه مع تثبيت سعر الصرف عند 1507.5 ليرات لبنانية بدءًا من نهاية عام 1997. وبالتالي، فإنّ المدفوعات بالدولار لا تتمّ فقط عن طريق بطاقات الدفع أو الشيكات المسحوبة على الودائع، ولكن أيضًا عن طريق الأوراق النقدية. بالإضافة إلى السماح بعمليات التحويل التلقائي من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي. وأدّى استخدام العملة كأداة دفع إلى تطوير منح قروض مصرفية للقطاع الخاص بالدولار الأميركي للسوق الداخلية، ومنحها حتى لمن مدخولهم بالليرة اللبنانية، بما في ذلك من مخاطر تقلّب سعر الصرف وعدم إمكانية السداد كما حصل بعد 2019، حتى تمّ السماح لهم بالتسديد بالليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف الرسمي. وهذه خيارات تؤدي في جميع مصادرها إلى خلق المزيد من النقد عن طريق «مضاعف الائتمان» .. حيث يتبيّن صوريًا أنّ الودائع تتزايد بالدولار، وهي معظمها مجرّد تحويل ودائع من الليرة إلى الدولار من دون غطاء دخول دولار فعلي وتحديداً من تراكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ عام 2011. وكذلك عمدت الدولة اللبنانية إلى دولرة متنامية للدين العام، بما في ذلك من مخاطر صعوبة التسديد، وتوّجهتها من خلال «الهندسات المالية» التي كان من أهدافها تخفيض وهمي لخدمة الدين العام، لأن الفوائد على الأوروبوند أقل من الفوائد على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية (بفعل فرق عامل المخاطرة بين العملتين) فضلًا عن محاولة تسويق الأوروبوند في الأسواق المالية الدولية (الأمر غير الممكن بالنسبة لسندات الخزينة بالليرة اللبنانية).

تمّ الحفاظ على هذا الوضع طالما كان ميزان المدفوعات فائضًا، أي حتى عام 2011 الذي بدأ فيه ميزان المدفوعات في تسجيل تراكم للعجز (باستثناء عامي 2016 و 2017 بسبب «الممولين الهندسيين»، والذي جعل من الممكن جذب رأس المال بالدولار الأميركي من الخارج لاستثمارها في سندات اليورو وشهادات الإيداع بالدولار الأميركي لدى مصرف لبنان). منذ عام 2011، اتسعت الفجوة بطريقة بارزة، مثل «تأثير القمع» بين الودائع بالدولار الأميركي التي كانت تتزايد بوتيرة متسارعة، والأصول الخارجية للنظام المصرفي التي بدأت في الانخفاض، مما قلّل تدريجيًا من القدرة على تلبية جميع طلبات سحب ودائع العملاء بالعملة الأجنبية في عام 2019 ، مما سلّط الضوء على انهيار نظام 2019، مع العلم أنّ مصرف لبنان لا يستطيع طباعة الدولارات لتزويد المصارف، واحتياطياته من العملات الأجنبية بدأت في النضوب (بسبب التدخّل المستمر على العملات الأجنبية) في سوق الصرف للحفاظ على تثبيت سعر الصرف، ومشاركته في تمويل الدولة سواء عن طريق سندات الأوروبوند أو التمويل المستمر لشراء الوقود للكهرباء أو لضمان الدولارات للواردات المختلفة بسعر الصرف الرسمي، فضلًا عن سياسة الدعم ومن ثم منصة صيرفة»..

باختصار، كل الأمكنة التي تمّ فيها توظيف الودائع بالدولار الأميركي (الدولة والمصرف المركزي والقطاع الخاص) تخلّفت عن إعادتها بالدولار الفعلي النقدي الى المصارف، فهي إما أعلنت العجز عن السداد (الدولرة) أو سدّدتها بالليرة اللبنانية أو بشكل تدريجي أقل من قيمتها وفق سعر السوق..

بعد تجاوز عتبة 80% من الدولرة الجزئية في لبنان، لم يعد المقدار الضروري من احتياطيات العملات الأجنبية مرتفعًا للتحول المحتمل إلى نظام الربط الصارم عبر الدولرة الشاملة، لأنّه يحتاج فقط تغطية القاعدة النقدية بالدولار الأميركي (وليس كل الكتلة النقدية): أي النقد المتداول خارج النظام المصرفي، بالإضافة إلى الاحتياطيات الإلزامية بشكل أساسي على الجزء من الودائع التي سيتمّ سدادها «بالدولار الأميركي الجديد» بالإضافة إلى الحدّ الأدنى من الودائع التي سيتمّ تحويلها إلى الليرة اللبنانية (لأنّه سيتعيّن تقسيمها على سعر السوق بعد شهر من التعويم الحرّ، لتحويلها مرة أخرى إلى «دولارات جديدة»). فليس من الضروري تكوين احتياطيات إلزامية على جزء من الودائع التي سيتمّ تحويلها إلى أسهم وسندات. إذا اعتبرنا مثلًا أنّ مجموع الأوراق النقدية المتداولة هي 75 تريليون ليرة لبنانية أو بسعر صرف 100.000 كاليفورنيا يتطلّب: 0.75 مليون دولار أميركي) التغطية اللازمة للودائع بالدولار الأميركي حتى 100،000 دولار أميركي وفقًا لخطة الحكومة اللبنانية: 19 مليار دولار والتي تتطلب احتياطيات مطلوبة (14%) بقيمة 2.66 مليار دولار (بمعدل مرجعي 100،000 يبقى 2.66 مليون دولار أميركي).

الودائع المتبقية بالدولار الأميركي: 101394 – 19 = 82394 مليار دولار (والتي لن يتمّ إرجاعها جديدة ولا تتطلب تغطية كاملة في الاحتياطيات الجديدة .. يجب تحويلها إلى ليرة لبنانية ثم تقسيمها على سعر الصرف في السوق. افترض أنّ التحويل إلى ليرة لبنانية بسعر 15000 ثم أقسم على 100000 للتحويل إلى دولار أميركي جديد، للاحتفاظ باحتياطي 14% (بمعدل 100000: 14% * 82494 * 15000/100000 = 1.732 مليون دولار أميركي). الودائع بالليرة اللبنانية: 47535 مليار ليرة تُقسّم على 100،000: 0.475 مليون دولار.

بذلك يكون المبلغ المطلوب من الاحتياطيات بالدولار الأميركي لتغطية القاعدة النقدية بسعر السوق البالغ 100000 دولار أميركي / ليرة لبنانية، ستتمّ تغطية القاعدة النقدية فقط بـ :: 0.75 + 2.66 + 1.732 + 0.475 = 5.617 مليار دولار.

وبحسب الميزانية العمومية لمصرف لبنان في آذار 2023 ، تبلغ الاحتياطيات المتبقية في مصرف لبنان بالدولار الأميركي 9.5 مليار دولار، إضافة إلى 5.03 مليارات دولار من سندات اليورو التي أعلنت الدولة اللبنانية عن عدم سدادها. فيما بلغ احتياطي الذهب حوالى 16.65 مليار دولار. وسيحدّد هذا المبلغ من الدولارات الحجم الفعّال الجديد للاقتصاد، وسيُلزم الدولة باعتماد صرامة في الميزانية لتجنّب حدوث عجز وإلزام البنك المركزي بتكوين أموال لتغطيتها.

الانتقال إلى الدولرة الشاملة هو أعلى مستوى للإصلاح النقدي الذي يجب أن ترافقه مجموعة من الإصلاحات المالية والمصرفية والاقتصادية والإدارية اللازمة … والصدمة الإيجابية الناتجة من هذا الانتقال ستعيد الثقة في الاقتصاد اللبناني وبعودة الاستقرار في الحسابات بعملة دولية ثابتة، وتشجيع الاستثمار والنشاط الاقتصادي والسياحي وسرعة تداول الدولارات المجمّدة اليوم من قِبل الأفراد والشركات خوفاً من الغد.

إنّ القرار الرئيسي بوضع حدّ لازدواجية النقد التي تسبّب اليوم كل الفوضى في الأسواق، وأبشع أنواع قلّة العدالة بين أفراد المجتمع الواحد والتفاوتات الاجتماعية الناتجة من دولرة كل الفواتير حتى منها احتساب كلفة خدمات الدولة، فيما لا يزال جزء كبير من المواطنين يتقاضى مدخوله فقط بالليرة اللبنانية..

طباعة الليرة المستمرة، لم تعد اليوم سوى مصدر فقر لحامليها ومصدر ثروة للمضاربين عليها والمتسببين بتدهور قيمتها…

د. سهام رزق الله

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات