أكبر إفلاس مصرفي أميركي منذ 2008: درس للمصارف اللبنانية

لم يستغرق الأمر أكثر من 48 ساعة: تهبط أسهم مصرف “سيليكون فالي” بنسبة 66% في البورصة. يفشل المصرف في تأمين 2.25 مليار دولار من السيولة لزيادة رساميله وتعويض خسائر سابقة متراكمة في الميزانيّة. يهرع المودعون إلى أبواب فروع المصرف في كاليفورنيا. تعلن مؤسسة ضمان الودائع إقفال المصرف ووضع اليد عليه (راجع “المدن”). خلال يومين فقط، تحوّل المصرف من مؤسسة ماليّة طبيعيّة، إلى أكبر إفلاس مصرفي أميركي منذ حصول الأزمة الماليّة العالميّة عام 2008، وإلى ثاني أكبر إفلاس مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركي.

أمام كل تلك الأحداث المتسارعة، تُرك الأميركيون أمام سلسلة من الأسئلة البديهيّة: كيف تولد أزمة بهذا الحجم خلال يومين من الزمن؟ كيف ولدت “خسائر” هذا المصرف؟ وما علاقة ما يجري بأزمة سقف الديون الأميركيّة القائمة حاليًا، وبأزمة التضخّم وارتفاع الفوائد؟ وثمّة من راح يبحث خلف أسئلة أخطر: كيف يمكن أن تؤثّر هذه الأزمة على قيمة الدولار وموقعه في الأسواق العالميّة؟ وإذا كان العالم يترقّب الأزمة الماليّة المقبلة، وينتظر شرارتها من مكانٍ ما، هل يمكن لوادي السليكون وأبرز مصارفه أن يكونا مهد هذه الشرارة المنتظرة؟

كيف أفلست؟ تدريجيًّا.. ثم فجأة
البحث عن السؤال الأوّل، “لماذا”، قد يكون سهلًا ومتعذّرًا، في الوقت نفسه. ثمّة الكثير مما نعلمه عن أسباب الصعوبات الذي واجهت المصرف خلال الفترة الماضية، ومنها ما يتصل بمسألة ارتفاع الفوائد وأثرها على قيمة سندات الخزينة الأميركيّة. إلا أن ترتيب هذه الأحداث بشكل مفصّل، وتحديد أثر كلٍّ منها بالأرقام على الميزانيّة، سيحتاج إلى انتظار التدقيق الذي ستجريه مؤسسة ضمان الودائع.

لكن باختصار شديد، يشبه ما جرى الغالبيّة الساحقة من الانهيارات المصرفيّة الكبرى عبر التاريخ. ويمكن تلخيصه بعبارة شهيرة وردت في رواية “الشمس تشرق أيضًا” المشهورة: “كيف أفلست؟ تدريجيًا…ثم فجأة!”. بمعنى آخر، ما جرى لم يكن سوى حصيلة تراكم خسائر عبر سلسلة من الأحداث الصغيرة المتدرّجة، قبل أن ينكشف كل شيء خلال ساعات معدودة.

قيمة أصول المصرف تتجاوز 209 مليار دولار. لتبسيط المسألة للقارئ اللبناني أو العربي، توازي قيمة هذه الأصول نحو 2.2 مرّات قيمة كل ما تبقى من ودائع في القطاع المصرفي اللبناني. والجزء الأكبر والأساسي من موجودات المصرف الأميركي، تركّزت في سندات الخزينة الأميركي، أي في الدين العام الأميركي (هل يذكركم ذلك بشيء أيها اللبنانيون؟).

في الأصل، لم يكن هناك ما يدعو للقلق بالنسبة إلى توظيف بنك “سيليكون فالي” أموال المودعين في الدين العام الحكومي الأميركي، طالما أن المقترض هو حكومة الولايات المتحدة، وطالما أنّ الولايات المتحدة هي من يقبض على مفاتيح مطبعة الدولار (ولو أنّ سيناريو تخلّف الحكومة عن سداد إلتزاماتها بات احتمالًا يتردد ذكره بقوّة اليوم).

لكن مصاعب المصرف بدأت مؤخرًا مع تتالي قرارات رفع الفوائد، الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي منذ العام الماضي. وقد لا يعرف ذلك كثيرون من الذين لا يتابعون أخبار أسواق المال ودهاليزها، لكن سندات الدين تصدر في العادة بقيم ثابتة يفترض أن يدفعها المقترض عند الاستحقاق، فيما تتذبذب قيمة هذه السندات الراهنة عند تداولها بيعًا وشراءً في السوق. وبمجرّد ارتفاع الفوائد، تنخفض تلقائيًا قيمة التداول السوقيّة الراهنة لهذه السندات، لزيادة الفارق بين القيمة الراهنة والقيمة التي سيتم دفعها عند الاستحقاق، وإعطاء المستثمر الربح الذي يتناسب مع الفوائد الجديدة المرتفعة.

لن يكون صعبًا على القارئ هنا تخيل سلسلة الأحداث التي جرت بعد ذلك: منذ بدء ارتفاع الفوائد الأميركيّة خلال العام الماضي، بدأت قيمة سندات الدين العام التي يملكها مصرف “السيليكون فالي” بالانخفاض، وبدأت قيمة المحفظة الاستثماريّة للمصرف بأسرها بالانخفاض. وعلى مدى الأشهر الماضية، كانت تتراكم بصمت كتلة من الخسائر، هي الفارق بين قيمة الأصول وقيمة الإلتزامات المتوجّب دفعها للمودعين (مجددًا: هل يذكركم ذلك بشيء، أيها اللبنانيون؟).

في الوقت نفسه، ومع النزاع الحاصل بين الجمهوريين والديموقراطيين حول رفع سقف اقتراض الولايات المتحدة الأميركيّة، بدأت ترتفع الأصوات المحذّرة من احتمال تخلّف الحكومة الأميركيّة عن دفع السندات عند الاستحقاق. وهذا تحديدًا ما ساهم بدوره في خفض قيمة سندات الدين العام الأميركي في الأسواق، فازدادت خسائر المصرف.

الهلع ورد فعل السلطات
ما تبقى من أحداث جرت خلال الساعات 48 الأخيرة، قبل إفلاس المصرف، كان مجرّد انكشاف لكل ما تراكم في الأشهر السابقة. تتوالى أخبار الخسائر، فيزداد ضغط سحوبات المودعين من المصرف. يحاول المصرف التعامل مع الوضع، فيقوم ببيع ما قيمته 21 مليار دولار من الاستثمارات التي يملكها، وأغلبها من سندات الدين العام الأميركيّة، للحصول على السيولة. فيتكبّد المصرف خسائر إضافيّة نتيجة اضطراره لبيع السندات بخصومات كبيرة، نظرًا لقيمتها المتدنية اليوم، ونظرًا لمعرفة الأسواق بحراجة موقف المصرف. خلال يومين فقط، دخل المصرف دوّامة الهلع والسحوبات والخسائر المتكررة (مجددًا، يبدو كل ذلك مألوفًا للبنانيين، بما فيه بيع محفظة السندات).

ما سيحصل لاحقًا، لن يكون مألوفًا لأي لبناني. لن يشبه ما جرى منذ العام 2019 هنا. بعد 48 ساعة فقط من بدء الأزمة، أي يوم الجمعة الماضي، وضعت مؤسسة ضمان الودائع الفيدراليّة يدها على المصرف، وأقفلت فروعه. كل وديعة مضمونة لغاية 250 ألف دولار، من السيولة الموجودة بحوزة المؤسسة، وبإمكان المودع سحب المبلغ ابتداءً من يوم الإثنين (أي غدًا، في أوّل يوم عمل بعد إقفال المصرف، بلا أي مبالغة!).

وابتداءً من هذه اللحظة، وضعت المؤسسة جميع الخيارات على الطاولة: بيع الأصول والتصفية، أو بيع المصرف بأسره، أو دمجه أو إعادة رسملته..إلخ. الخيارات المطروحة اليوم، يفترض أن تستند إلى التدقيق الذي سيجري في قيمة الأصول المتبقية، وتوزيع الخسائر يفترض أن يستند إلى أسباب الخسائر وتسلسل الأحداث، بما فيها قيمة الحوافز والمكافآت التي حصلت عليها إدارة المصرف، المسؤولة عن الإفلاس.

لم يتحدّث أحد عن قدسيّة الودائع، ولا عن “الثقة” بالنظام المصرفي الأميركي. لم يطرح أحد شعارات عن القطاع الذي “صنع مجد الاقتصاد” الأميركي. لم يطرح “اليمين” صندوقاً سيادياً، يحمّل الدولة مسؤوليّة إعادة رسملة المصرف، بحجّة أن سبب الخسائر سندات الدين العام وارتفاع الفوائد.

في الواقع، كان ميت رومني، المرشّح الجمهوري السابق لرئاسة الجمهوريّة، يقولها بصريح العبارة: المساهمون والمدراء سيخسرون كل شيء، كما يفترض أن يكون الحال. هذه مسألة بديهيّة. أما المودعون من أصحاب النيّة الحسنة (ضعوا خطّين تحت عبارة “النيّة الحسنة”)، فيجب أن يحصلوا مما تبقى وسريعًا على الأموال الضروريّة والكافية لتأمين الرواتب والدفع للمورّدين. وبطبيعة الحال، لم يتهم أحد رومني بكونه يساريًّا متطرّفًا أو سوفياتيًّا، كما اتهمت أوساط جمعيّة المصارف اللبنانيّة كل من عارض طروحاتها في لبنان.

المسألة واضحة إذًا، معايير التعامل مع المصارف المفلسة ستُحترم في قضيّة مصرف “سيليكون فالي”. ويرّجح كثيرون اليوم أن تكون خسائر مودعي المصرف محدودة جدًا، أو قد تكون هامشيّة، طالما أن السلطات التفتت للخسائر وفرملت عمل المصرف سريعًا، في وقت مبكر. فقبل إقفال المصرف بساعات، كان حجم السيولة المطلوبة لإنقاذ المصرف لا يتجاوز 2.5 مليار دولار، مقابل أصول تناهز قيمتها 207 مليار دولار. أمّا أهم ما في الأمر، فهو أن السلطات لم تترك –بتحرّكها السريع- هامشًا لأي نوع من العمليّات الاحتياليّة، التي تجري في العادة خلال الانهيار المصرفيّ، تمامًا كما حدث في لبنان.

علي نور الدين

نوعية جديدة من المواجهات بين المصارف و«الدولة»

 

لا شك في انّ قراءة متأنية في مضمون البيان الصادر عن المصارف في 3 آذار الجاري، تُظهر انّ أسلوب المصارف في مقاربة الأزمة بدأ يتبدّل، وأن المقتنعين في صفوف المصرفيين بضرورة اتخاذ موقف صَلب حيال السلطتين السياسية والنقدية، بدأ يزيد عددهم. وهذا يعني ان نوعية المواجهات في المرحلة المقبلة قد تتغيّر. لماذا هذا التغيير الآن؟ والى أين يمكن أن يصل في النتيجة؟

يبدو انّ ادارات المصارف أُصيبت بصدمة بعدما لاحظت انّ المسؤولين لا يقدّرون حجم المخاطر التي تهدّد القطاع المالي، جرّاء بعض الممارسات القضائية، وبعض الاستهتار القائم، سواء من السلطات القضائية المختصة، او من قبل السلطات السياسية. وشهدت المصارف على حالة من العقم في اتخاذ القرارات، وشعرت في فترة من الفترات بأن القطاع المصرفي قد ينهار بخفّة غير مسبوقة. وهذا ما يفسّر اللجوء الى الاضراب، مع علمها المسبق بأنّ الاغلاق سيؤدي الى زيادة النقمة الشعبية ضدها. لكنها اعتبرت انها الطريقة الوحيدة التي قد توقِظ من يعنيهم الامر من سباتهم العميق.

اليوم، تبدو المصارف وكأنها انتقلت الى مرحلة جديدة عنوانها الضغط والمواجهة مع الطرفين اللذين يرتبط الحل بالقرارات التي سيتخذانها، وهما «الدولة» ومصرفها المركزي. وهنا، يعتبر البعض ان لا وجود لطرفين، بل لطرف واحد هي الدولة على اعتبار انّ البنك المركزي، وإن كان يتمتع بالاستقلالية في عمله، الا أنه جزء من هذه الدولة، بل انّ الدولة مسؤولة عنه وفق ما ينص القانون. وهذا ما يفسّر ورود المادة 113 من قانون النقد والتسليف في بيان المصارف الاخير. وهو البند الذي ينصّ على مسؤولية الدولة في تسديد الخسائر التي قد يُمنى بها مصرفها المركزي.

بالاضافة الى خسائر المركزي، باتت المصارف تصرّ على ان تحسم الدولة أمرها من مسألة الديون المترتبة عليها، وان تعلن كيف ستتعاطى مع هذه الديون. ولا بد من البدء في التفاوض مع الاطراف الداخليين والخارجيين حول مصير هذه الديون، لأنّ ذلك سيشكّل خارطة طريق لمعرفة الاتجاه الذي ستسلكه الأزمة في المرحلة المقبلة.
إنطلاقاً من هذه المواقف المصرفية، يمكن توقّع مرحلة عضّ اصابع قاسية في الفترة المقبلة، بين المصارف والدولة ومعها مصرف لبنان. فقد وصلنا الى ساعة الحسم، خصوصاً ان المودع، وإن أدرك ان امواله أنفقتها الدولة، إلا أنه يعتبر، وهذا حقه الطبيعي، انّ المصرف هو المسؤول تجاهه عن ضياع وديعته. وبالتالي، أدركت المصارف بدورها ان سياسة المهادنة الدائمة مع الدولة ومع مصرف لبنان قد تجعلها تدفع الثمن لوحدها. وبالتالي، سيدفع المودع ايضا الثمن الأكبر، بحيث سيفقد امواله، وسيفقد البلد قطاعه المصرفي.

هذه الوقائع التي شكّلت الدافع الاساسي نحو اعلان الاضراب، ومن ثم إصدار البيان الأخير، تعني عملياً انّ المصارف تتخلى تدريجاً عن سياسة التحفّظ والمهادنة، وقد نشهد في المستقبل القريب قرارات لم تكن واردة من قبل. هذه القرارات يمكن ان تأخذ سياق محاولة تحديد المسؤوليات، لكي لا يبقى القطاع لوحده في المواجهة، في حين انّ الطرف الاساسي في الأزمة (الدولة) تلعب دور الحَكَمْ، وأحياناً المُحرّض. وما هو مُستغرب اكثر ان الدولة تتعاطى مع مصرفها المركزي وكأنه كيان غريب عنها، اذ انّ قسماً ممّن في السلطة يهاجم البنك المركزي ويحمّله مسؤولة الانهيار، من دون ان يَعي انّ الدولة، والسلطة السياسية التي تمثل هذه الدولة، بموجب نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، هي المسؤولة قانونياً وأخلاقياً عن النتائج التي قد تتمخّض عن اي سياسة يتبعها البنك المركزي.

في المرحلة الجديدة، لن يكون مستبعداً ان ينتقل «الصراع» بين الدولة ومصرفها المركزي من جهة، وبين المصارف من جهة أخرى، الى القضاء، سواء المحلي او الدولي. وهناك من يعتقد ان الوصول الى هذه المواجهة قد لا يكون كارثياً، لأنه قد يحسم الجدل في تحديد المسؤوليات، وفي توزيع الخسائر، ويعطي دفعاً لتسريع الاتفاق على خطة للتعافي، تسمح بإعادة الحقوق الى المودعين المستحقين، وتمنع انهيار القطاع المصرفي، وتعيد الاقتصاد الى سكة
التعافي.

انطوان فرح

اقتصاد الابتكار والمسائل الأخلاقية

منذ وصف جيمس واتسون وفرانسيس كريك البنية اللولبية المزدوجة للحمض النووي لأول مرة، ناقش العلماء إمكانية تكوين أطفال معدلين وراثياً. ففي عام 2018، أعلن عالم صيني، يدعى هي جيانكوي، أنه نفّذ ذلك بالفعل، إذ استخدم أداة للتعديل الجيني تُسمى «كريسبر» لتعديل أجنة الفتيات التوائم، على أمل جعلها مقاومة لفيروس نقص المناعة البشرية.
كانت قوانين الصين الحاكمة للطب الإنجابي وتعديل الجينات مُحددة بصورة غير جيدة في ذلك الوقت. لكن الغضب بين العلماء والجمهور أدى إلى الحكم على الدكتور جيانكوي بالسجن 3 سنوات بتهمة «الممارسة الطبية غير القانونية»، بموجب قانون واسع النطاق، ونُدّد به بصفته ساعياً إلى «الشهرة الشخصية والربح».
شددت الصين، منذ ذلك الحين، من قوانينها الحاكمة لتعديل الجينات وطب الخصوبة. كان الدكتور جيانكوي قد تحرك في أبحاثه بسرعة كبيرة، وفشل في إثبات حمايته الفعلية للتوائم من فيروس نقص المناعة البشرية. لذلك ينبغي على الحكومات والمجتمع العلمي تطوير أطر قانونية واضحة لمنع العلماء المارقين من تتبع خُطاه.
ألفتُ كتاباً عن تجربة الدكتور جيانكوي، وكنت أحادثه بانتظام منذ إطلاق سراحه من سجنه في مارس (آذار) 2022. قال لي: «التأمل في هذه الانتقادات ألهمني رؤى جديدة». ومع ذلك، شرع الدكتور جيانكوي مؤخراً في مشروعات جديدة ضمن مجال التقنية الحيوية تعكس إشارات على تكرار زلاته الأخلاقية الماضية. يمنح هذا الجدل الفرصة لمناقشة أكثر قوة بشأن مستقبل تقنيات تعديل الجينات في عيادات الخصوبة.
وتوضح قصة الدكتور جيانكوي مشكلة غير محلولة في اقتصاد الابتكار. وتتصادم قيم السوق (المُحبذة للسرعة، والأرباح، والطفرات) مع قيم أساسية أعمق تتعلق بصحة الإنسان، والإنصاف، والتنوع.
تلقى الدكتور جيانكوي تدريباً لمدة عام في جامعة ستانفورد، في قلب وادي السيليكون، حيث «يتحرك التقنيون بسرعة عالية ويعصفون بالأشياء». ثم عاد إلى الصين بفضل الحوافز الحكومية في عام 2012. وأنشأ هناك مختبراً في مدينة شينزين، المدينة المعروفة صينياً بالسرعة والإبداع. بعد تأسيس شركة ناشئة، بقيمة 312 مليون دولار، أنفق بعض أسهم الشركة لتمويل مشروعه «كريسبر».
كان مسؤولو الحزب الشيوعي الحاكم قد دعموا في البداية أبحاث «كريسبر» للدكتور جيانكوي، في سياق الحلم الصيني للرئيس شي جينبينغ، وهي سياسة داعمة «للتقنيات المتطورة» لجعل «الصين بلد المبتكرين». وهكذا، قال الدكتور جيانكوي إنه ظن أنه سوف يُصبح بطلاً وطنياً، ثم تفاجأ عندما صار منبوذاً.
دفع أكاديميو أخلاقيات علم الأحياء بأنه لا ينبغي السماح للدكتور جيانكوي بنشر أبحاثه، لانتهاكه المبادئ والمعايير الأساسية للعلم. أنا لا أوافق على ذلك، فلا يزال هناك كثير مما يمكن أن نتعلمه من زلاته الأخلاقية الخاطئة، فضلاً عن بياناته العلمية.
وينبغي إخضاع مزاعمه بشأن المقاومة الهندسية لفيروس نقص المناعة البشرية للتفحص النقدي الذي يقترن مع المراجعة العلمية للنظراء. ويجب نشر بياناته الأصلية حتى يتمكن المجتمع العلمي من التعرف على إمكانات ومشكلات «كريسبر» في الطب الإنجابي.
إذا ما نجح أسلوبه، فلا بد من معالجة التساؤلات الأخلاقية واسعة النطاق، وليس دسّها أسفل البساط، إذا كان بوسعنا تعديل الحمض النووي للأجنة البشرية بصورة فعالة، فهل ينبغي لنا ذلك حقاً؟
استخدام «كريسبر» على الأجنة البشرية يمكن أن يُغيّر التركيب الجيني للأجيال القادمة بطرق متنوعة. ربما نستهدف بعض أشكال الصمم والعمى بأدوات تعديل الجينات قبل ولادة الأطفال. وربما يستخدم الأطباء تقنيات تعديل الجينات في الأجنة لإصلاح الأمراض الخلقية، مثل «فقر الدم المنجلي» و«التليف الكيسي».
كما أن تعديل الجينات يُغذي المناقشات بشأن مبحث تحسين النسل (أو علم الوراثة البشرية). وكما ذكرت مجلة «بيزنس إنسايدر»، فإن أصحاب رؤوس الأموال المتجاسرين وأهل الرؤى التقنية الذين يطلقون على أنفسهم مسمى «المؤيدين للإنجاب»، يريدون إنقاذ الحضارة عبر إنجاب أطفال متفوقين وراثياً. ويبدو أن بعض أصحاب الرؤى المثالية يعتقدون أنهم يمتلكون بالفعل جينات جيدة، في حين يسعى آخرون إلى التحسينات الوراثية. ويعمل رواد الأعمال في وادي السيليكون على استقطاب علماء «كريسبر» ضمن مساعيهم لتصميم جينات الأطفال المثاليين.
نظراً لإمكانية إساءة استخدام هذه التقنية، فإن فوائد استخدام «كريسبر» في طب الخصوبة قد لا تفوق المخاطر. وبصفة جماعية، يمكننا اتخاذ القرار بنقل هذه التقنية إلى المحفوظات، لأن تعديل «كريسبر» للجينات لصالح الاستخدامات الإنجابية يمكن أن يسير في سبيل الاستنساخ البشري، ومن ثم حظره، أو قد يُقرر أساتذة العلم وزعماء المجتمع المدني أن بعض استخدامات تعديل الجينات مسموح به في الأجنة البشرية، إذا كان «كريسبر» قادراً على طرح حلول للمشكلات الطبية المنتشرة، على سبيل المثال. لكن هناك حاجة إلى مبادئ توجيهية أخلاقية وقواعد قانونية جديدة لتنظيم هذه التقنية في عيادات الخصوبة.
لتنفيذ ذلك بصورة جيدة، نحتاج إلى فهم المخاطر التقنية، فضلاً عن المخاطر الاجتماعية.
لقد ضلّل الدكتور جيانكوي الجماهير عندما أصدر إعلانه عام 2018 على موقع يوتيوب قائلاً: «جاءت فتاتان صينيتان صغيرتان جميلتان، اسمهما لولو ونانا، إلى هذا العالم بصحة جيدة مثل أي طفل آخر، قبل بضعة أسابيع».
في الواقع، أمضى التوأمان الأسابيع الأولى في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في المستشفى. فقد ولدت لولو ونانا قبل الأوان، بعملية قيصرية طارئة في الأسبوع 31، وكانتا تُعانيان في البداية من صعوبة في التنفس.
يمكن أن تكون المشكلات الصحية التي واجهتها لولو ونانا عند الولادة ناتجة عن المخاطر المعروفة للحمل بالتوائم وعلاجات الإخصاب التقليدية في المختبر، أو قد تكون نتيجة لمخاطر غير معروفة مرتبطة بتعديل الجينات بتقنية «كريسبر». واليوم، يُقال إنهما تتمتعان بصحة جيدة، لكن مستقبلهما غير معروف.
يقول الدكتور جيانكوي إنه يجب استخدام «كريسبر» لأسباب طبية فقط، برغم أنه يمكن القول إن تجربته الخاصة أسفرت عن طمس الحدود ما بين الطب الإكلينيكي والتحسين البشري. جاء في ورقة بحثية بشأن أخلاقيات تعديل الجينات، شارك الدكتور جيانكوي في تأليفها (وسُحبت الدراسة لاحقاً): «ليس لأحد الحق في تحديد الخصائص الوراثية للطفل إلا بغرض الوقاية من المرض». لكن الدراسة تابعت: «كل شخص يستحق التحرر من المرض الوراثي».
كما يمكن للمبادئ المجردة بشأن الوقاية من الأمراض في المستقبل أن تسفر عن حدوث مشكلات غير مقصودة. ويشعر كثير من الصُمّ والمكفوفين بالقلق من أن أشخاصاً مثلهم سيجري تعديلهم (استبعادهم) من الوجود، بدلاً من أن يتعلم المجتمع كيفية استيعابهم بصورة أفضل. في الوقت نفسه، تحتشد بعض جماعات الدفاع عن المرضى مؤيدةً لعلاجات «كريسبر».
كما أن الحصول على هذه التقنية في المستقبل هو مصدر قلق أيضاً. إن تعديل الجينات في الأجنة قد يكون باهظ التكاليف بالنسبة لأغلب الأزواج. وتتراوح دورة واحدة من الإخصاب المختبري في الولايات المتحدة من 15 ألفاً إلى 30 ألف دولار، اعتماداً على احتياجات المريض، في حين أن تكاليف العلاجات الجينية المعتمدة للبالغين باهظة بالفعل.
القوانين ذات الصلة بتعديل الجينات في الولايات المتحدة غامضة حالياً، على الأقل مقارنة باللوائح الصارمة التي أقرتها الصين. وقد حظر الكونغرس الأميركي التمويل الفيدرالي لأي تجربة إكلينيكية تتعلق بتعديل جينات الأجنة البشرية، غير أن هذا الحظر يخضع لإعادة التفويض بصفة دورية.

إيبن كيركسي

“Bregret” .. مصطلح جديد يجوب شوارع لندن .. فماذا يعني؟

منذ نحو 7 سنوات، طرق مصطلح “Brexit” باب البريطانيين، وهو اختصار لـ “British Exit”، أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

أمّا اليوم .. هناك مصطلح جديد يتردد على مسامع الكثيرين ويدعى “Bregret”، والذي يعني “British Regret”، أي ندم البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي !

فما القصة؟

منذ ما يقرب من 7 سنوات و4 رؤساء وزراء .. صوّت البريطانيون في المملكة المتحدة لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لكن استطلاعات الرأي اليوم تشير إلى أن المشاعر العامة قد انقلبت على هذا القرار، وأصبحت مكلّلة بـ “الندم”..

استطلاعات :

في أحدث استطلاع لشركة الأبحاث البريطانية YouGov، والذي نُشر الأسبوع الماضي، قال 53% من المشاركين في الاستطلاع إن المملكة المتحدة كانت مخطئة في مغادرة الاتحاد الأوروبي، مقابل 32% ممن ما زالوا يعتقدون أنها كانت الخطوة الصحيحة.

كما أشارت استطلاعات لشركة الأبحاث الفرنسية Ipsos في يناير إلى أن 45% من السكان يعتقدون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعل حياتهم اليومية أسوأ ، مقابل 11% فقط قالوا إنها حسنت من معيشتهم.

كما وجد استطلاع للرأي أجرته شركتا Focaldata و UnHerd البريطانيتين بنهاية 2022، أنه من بين حوالي 10 آلاف مشارك على مستوى البلاد، 54% إما “يوافقون بشدة” أو “موافقون بشكل معتدل” على العبارة القائلة بأن “بريطانيا كانت مخطئة بمغادرة الاتحاد الأوروبي”.

توقعات :

من المتوقع أن يكون اقتصاد المملكة المتحدة هو الأسوأ أداءً في مجموعة العشرين على مدار العامين المقبلين، في حين أدت أزمة تكلفة المعيشة والاضطرابات السياسية إلى تفاقم المشاكل في حكومة المحافظين، حيث يتقدم الحزب الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء ريشي سوناك الآن على حزب العمال المعارض الرئيسي بأكثر من 20 نقطة عبر استطلاعات الرأي العامة قبل الانتخابات العامة في عام 2024.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات