يشكو اللبنانيون من تردّي ظروف الحياة الطبيعية في لبنان، والامور الظاهرة للعيان تتلخص بالمظاهر الآتية:
– ارتفاع أعداد طالبي الهجرة وغالبيتهم من خريجي الجامعات.
– انحسار حجم المعاملات التجارية والاستثمارية في شكل واضح. فأعمال مقاصة الشيكات كل يوم اربعاء، لدى مصرف لبنان الذي أمّن هذه الخدمة منذ زمن، تقلصت بنسبة 80%.
– معدلات التضخم، ويجب النظر اليها من زوايا مختلفة. فتضخم المواد الغذائية هو الاعلى، والتضخم وفقدان المواد المطلوبة ظاهر في انخفاض توافر الادوية وارتفاع اسعار الموجود منها.
– انحسار الرغبة في الاستثمار بلبنان، ومعطياته سواء من قِبل غير اللبنانيين او اللبنانيين الوافدين والحاملين مبالغ من النقد الاجنبي، والذين لا ثقة لهم بالبنوك التي جمدت حسابات المودعين وحمّلتهم خلال عام خسارة 30% من القيمة الاسمية للودائع، وليس هنالك من برنامج لضمان الحصول على 50% من الودائع المترصدة خلال 5 اعوام.
– ارتفاع نسبة مؤسسات التصنيف الدولية التي اعتبرت منذ القرار الشجاع (!) بعدم دفع فوائد اليوروبوند في آذار من العام المنصرم لبنان بين الدول المتخلفة عن تسديد ديونها.
– لم يُصر الى وضع خطة مالية اقتصادية منذ الاحساس ببداية الازمة عام 2016، وكل ما توافر تقديرات لخسائر الدولة، والمودعين، والمصارف ومصرف لبنان، ولم يتوافر حساب دقيق حتى تاريخه، والنطق بالمحاسبة الاجرامية خيالي ولن يؤدي الى نتيجة مادام بعيدا عن تفحّص نفقات وزارة الطاقة وميزانياتها وممارساتها منذ عشر سنين واكثر.
جميع الدراسات التي اجريت حول الكهرباء وتوافر الطاقة من مشتقات النفط المستورد بعد تكريرها في لبنان لا تزال مطمورة في أدراج المسؤولين عن الكارثة المالية، وقد وصف رئيس لجنة المال والموازنة هذا التصرف بالكارثي.
– قدرة اصحاب الودائع على الاستمرار تتقلص يوما بعد يوم بسبب الغلاء من جهة وقرارات المصارف بالنسبة الى تأمين الاموال…ولا نتحدث عن مشروع الـ 400 دولار شهريًا نقدًا وما يعادل 400 دولار بالعملة اللبنانية بسعر 12000 ل.ل. للدولار ومبلغ مماثل لمشتريات اصحاب البطاقات المصرفية الخاصة بهذا الموضوع – وبعض المصارف لجأ الى وسائل غير قانونية تطلب من المودع المستفيد من هذا التسهيل تجميد اي اصول تتبقى له حتى فترة طويلة، كما تطلب من المودع منذ لحظة توقيعه على المعاملة اعفاء المصرف من اي مسؤولية افلاسية في المستقبل، ولا شك في ان تصرفات المصارف، التي اشتملت على خفض المستحقات الشهرية لاصحاب الودائع بالعملات ممن يحتاجون الى معاملات الـ 400 دولار، وهذا الخفض غير قانوني، كما ان اقرار خفوضات ملحوظة في الاساس هو ممارسة غير قانونية، وبالتالي فان معظم المصارف تقامر بودائع المودعين ولا تكرس جهدا لانجاح خطوات البنك المركزي، وجمعية المصارف برئيسها الحالي الذي جُدّد له (لماذا؟) لا احد يعرف، لن تقدم اي مشروع لانقاذ الوضع واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي، وربما اكبر حاجز في وجه لبنان لاستعادة جاذبيته للمودعين والمدخرين يتمثل في عجز جمعية المصارف عن تقديم مشروع عقلاني عملاني، والامين العام للجمعية نبه الى خطورة اهمال مهمة كهذه منذ سنوات.
اذا لم يكن هنالك خطة انقاذية تحصر الخسارة بما تحقق حتى تاريخه او تاريخ انتهاء السنة، لن يستعيد لبنان صحته الاقتصادية والمالية بسرعة حتى لو تمتع بحكومة من اصحاب الاختصاص والصيت الحسن، لان حكومة كهذه ستكون مضطرة، إبعادًا للشبهات، الى تكليف وزراء ومديرين مهمات اقتصادية ومالية كبيرة بعد كل ما حدث، بما في ذلك ادعاء حكومة حسان دياب انها توصلت الى حل 97% من المشاكل العالقة.
ان النيات الدولية بالمساعدة، حيث استطاع الرئيس الفرنسي اقناع الرئيس الاميركي بمساندتها، وعلى الارجح ولي العهد السعودي، اضافة الى الرئيس المصري، تحتاج الى جهاز اداري يتّبع وسائل عمل نقية وواضحة للمواطنين وتكريس لأهم القضايا، ومنها تأمين مقدار من الثقة باستعادة المودعين بقية ودائعهم باسعار صرف معقولة تتجاوز ما تمارسه المصارف التي مقابل كل الف دولار توفر 3.9 ملايين ليرة تستطيع استبدال وديعة الالف بـ 12 مليون ليرة لبنانية من مصرف لبنان، الامر الذي يفاقم ارتفاع الاسعار.
إن حاجتنا ملحّة لاستعادة الثقة وليس هنالك ثقة بطاقم الوزراء الذين يُفترض فيهم تسيير الامور وهم معتكفون الا عند الحاح رئيس الجمهورية على تنفيذ مقررات مجلس الدفاع الاعلى التي هي في معظمها غير دستورية وغير قابلة للتنفيذ.
ومادام لدينا وزراء من مثل وزيرة الدفاع نائبة رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الخارجية بالوكالة تستقبل سفيرة فرنسا مع عدد من السفراء وتسمع كلاما غير ديبلوماسي لفشل حكومة حسان دياب واتهام عدد كبير من السياسيين بالاستفادة المالية غير المشروعة…طالما ان وزيرة كهذه تعبّر في مؤتمر صحافي عن شكرها لفرنسا لاهتمامها بالطقم الحاكم، وكل ما سمعته كان انتقادًا قاسيًا، وطالما ان الاستماع الى النصيحة غير وارد لدى نسبة كبيرة من الوزراء…فأين هو الامل بخطة اصلاحية؟
تأليف اي حكومة جديدة من عدد من اصحاب الخبرة والسمعة الحسنة يمهد ربما لاقرار خطوات تصحيحية في وقت قريب، ويمكن القول ان اي حكومة جديدة يمكنها الاعتماد على توصيات مفيدة في المجال المالي من قِبل وزير المال غازي وزني الذي مارس وظيفته بكفاءة وتجرد، ومن الوزيرة المميزة منال عبد الصمد التي تقدمت بمشروع جيد لتنظيم الإعلام، وهي في الوقت عينه استطاعت ان تنتزع قرارا من زملائها وزراء الاعلام العرب باعطاء بيروت دورًا اساسيًا في هذا المجال، ويجب التنويه هنا ايضًا بان الوزيرة عبد الصمد هي خبيرة في قضايا الضريبة المضافة ولديها اطلاع على 160 ألف شركة ناشطة منذ تولّيها مسؤولية الاشراف على تطبيق الضريبة المضافة…وعسى ان تكون لدينا وزارة اختصاصيين والاستناد الى خبرة وزيرين مقتدرَين ومنزَّهين.
مروان اسكندر