قفزة لدولاري أستراليا ونيوزيلندا مع ترقب المستثمرين مؤشرات من الفدرالي

 

ارتفعت العملتان النيوزيلندية والأسترالية، مستفيدتين من تراجع الدولار، إذ يترقب المستثمرون مؤشرات حول الموعد الذي قد يبدأ فيه مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في تقليص التحفيز بعد انحسار الضغط لرفع أسعار الفائدة على خلفية بيانات مختلطة فيما يتعلق بسوق العمل.

 

وقفز الدولار النيوزيلندي بعد مسح قوي بشكل لافت للنظر لظروف العمل دفع المستثمرين للمراهنة على رفع سعر الفائدة في وقت مبكر قد يكون في نوفمبر تشرين الثاني.

وارتفع الدولار النيوزيلندي بنحو 0.77 بالمئة إلى 0.7080 دولار بعد أن وصل إلى أعلى مستوياته منذ منتصف يونيو حزيران.

وارتفع الدولار الاسترالي بما يصل إلى 1.2 بالمئة في وقت ما من الجلسة إلى 0.7599 دولار، بعد أن قلص بنك الاحتياطي الأسترالي مشتريات السندات وعدل توقعاته لأسعار الفائدة، ليفتح الباب أمام احتمالية رفع أسعار الفائدة قبل عام 2024.

لكن العملة الأسترالية فقدت بعض الزخم وارتفعت بنحو 0.7 بالمئة في التعاملات الصباحية بأوروبا.

وكان الدولار الأمريكي والعملات الرئيسية الأخرى مستقرة إلى حد كبير، إذ ينتظر المستثمرون محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفدرالي في يونيو حزيران عندما فاجأ الأسواق بميل نحو التشديد. ومن المقرر صدوره غدا الأربعاء.

وانخفض مؤشر الدولار 0.05 بالمئة إلى 92.08. وكان اليورو مستقرا عند 1.1865 دولار، وذلك في الوقت الذي لا يزال فيه البنك المركزي الأوروبي يتخلف كثيرا عن نظرائه في دورة التشديد.

وارتفع الجنيه الإسترليني 0.3 بالمئة إلى أعلى مستوى في أسبوع عند 1.3888 دولار، إذ تتطلع الأسواق إلى أن تصبح إنجلترا أول دولة كبرى تبدأ رسميا في التعايش مع فيروس كورونا بالتخلص من القيود المرتبطة بكوفيد-19 في غضون أسبوعين.

عن صراعات المناخ وحروب التجارة و«مستقبل لم يعد كما كان»

في أثناء مشاركتي بإحدى حفلات الخريجين في الجامعات البريطانية لهذا العام، استمعت لمتحدثة باسم الخريجين وهي تكرر في كلمتها مقولة «إن المستقبل لم يعد كما كان»، مشيرة إلى أنه رغم سعادتها وأقرانها بإنجازهم الدراسي وحصولهم على مؤهلات أكاديمية من جامعة مرموقة، فإنهم يستشعرون قلقاً أكبر لما ينتظرهم في اقتصادات عانت من تقلبات حادة بسبب الجائحة وما سبقها من سنوات شهدت أزمات مالية وحروباً تجارية تراها تعود بقوة، ويتزامن مع ذلك كله إجراءات للتصدي لتغير المناخ لن تكون كلها بالضرورة حانية على سوق العمل.
وكلمات الخريجة النابهة ذات الأصول الأفريقية محقة في تخوفاتها، ويشاركها فيها أقران لها في بلداننا، ولن يهدئ من هذه التخوفات تعاطف مستحق أو إبداء تفهم لأسبابها. فالمطلوب حقاً هو نهج جديد للاستثمار والنمو المقترن بتوليد فرص للعمل اللائق.
ويردد مسؤولو الدول المتقدمة مقولة «إعادة البناء بشكل أفضل»، قاصدين بها السعي لنمو ذكي أخضر يعتمد على التحول الرقمي ومراعاة الاشتراطات البيئية. وقد رصدوا لذلك موازنات ضخمة ممولة بتكاليف منخفضة بسبب تدني أسعار الفائدة المصاحبة بإجراءات غير مسبوقة من البنوك المركزية، حتى تجاوز الإنفاق العام للتصدي للجائحة والتعافي الاقتصادي 10 في المائة في كثير من البلدان الغنية، وما زالت مستمرة في إنفاقها حتى الاطمئنان على التعافي.
أما في بلداننا النامية فلا يهدد فرص التعافي الاقتصادي فيها تحورات في فيروس كورونا ونقص اللقاحات وقلة الموارد المتاحة للإنفاق العام فحسب، بل ما يتجدد من صراع دولي حول أولويات التصدي لتغيرات المناخ، وشحذ استعدادات ترسانة الحمائية في سبيل حركة التجارة الدولية. ومع قدوم أجيال جديدة بأعداد غفيرة إلى سوق العمل في بلداننا يثور تساؤل مشروع، مماثل لما طرحته الخريجة البريطانية ذات الأصول الأفريقية، حول فرص التحاقهم بعمل لائق، وإن كانت التحديات أمامهم أكبر. وهذا يؤكد مرة أخرى ضرورة تبني سياسات دافعة للاستثمار والتشغيل والنمو مع التصدي لعقبات التمويل، ولكن كيف سيكون ذلك في ظل صراعات المناخ وحروب التجارة؟
– خطورة تبني سياسات للتصدي لتغيرات المناخ بمعزل عن إطار التنمية المستدامة: يجد المتابع للجدل الدائر حول تغير المناخ تسييساً مفرطاً في أولوياته، واستقطاباً حاداً حول برامجه، وتغلبت فيه الآيديولوجيا فأزاحت أهل العلم عن الصدارة، وصار إطار الحديث عن تغيرات المناخ والمشاعر المشحونة يذكرك بالصراعات الدينية في القرون الوسطى. فكأنك بين أشياع مبشرين وجموع من المشككين وآخرين متهمين بالهرطقة. وفي عصر يتباهى بتطورات العلم كان من المفترض أن تكون الأدلة المثبتة هي السند الأساسي للحوار حول تغيرات المناخ. وقد أكد أهل الاختصاص ما يحيق بعالمنا من مخاطر وجودية بسبب الانبعاثات الضارة بالمناخ وبما يهدد الحياة. ثم تأتي بعد هذا منطقياً الإجراءات التي ينبغي اتخاذها للتعامل مع هذه المخاطر، وقد استقر الأمر باتفاق دولي ملزم تم إبرامه في باريس في عام 2015. ثم يأتي بعد ذلك التنفيذ المحكم لما تم الاتفاق عليه، بما في ذلك وفاء الدول الغنية بتعهداتها السابقة بتوفير 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية لتعينها في تمويل استثمارات التوافق مع متطلبات حماية المناخ. وهو رقم زهيد لم يتم الوفاء به، رغم الاحتياجات المكلفة، خاصة أن الدول النامية مطالبة للإسهام في إصلاح ما أفسدته الانبعاثات الضارة المتولدة من الدول المتقدمة. فوفقاً لمعهد الموارد العالمية هناك مصادر كبرى أكثر ضرراً بالمناخ والبيئة ومنها المصادر التسع التالية: 1) إنتاج الكهرباء والتدفئة بنسبة إسهام تقدر بنحو 33 في المائة. 2) النقل والمواصلات بنسبة 15 في المائة. 3) التصنيع والتشييد بنسبة 13 في المائة. 4) الزراعة والإنتاج الحيواني بنسبة 11 في المائة. 5) حرق أنواع مختلفة من الوقود بما في ذلك الأخشاب بنسبة 8 في المائة. 6) منتجات صناعية كثيفة الاستخدام للطاقة مثل الألمونيوم والإسمنت وغيرها بنسبة 6 في المائة. 7) إزالة الغابات الشجرية الاستوائية بنسبة 6 في المائة. 8) انبعاثات مرتبطة بإنتاج الطاقة بنسبة 5 في المائة. 9) دفن النفايات والمخلفات الصلبة 3 في المائة.
هذه المصادر ترتبط بها حياة البشر والإنتاج، ولكنها تتركز في دول بعينها أكثر استهلاكاً ودخلاً، وعليها أن تتحمل أعباءها ولا تحيلها إلى غيرها. كما أن القطاعات الحيوية المذكورة يمكن تسييرها وإدارتها بطرق أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأفضل فاعلية في توافقها مع الاعتبارات البيئية. وهنا تأتي الحلول الاقتصادية بما ينفع الناس؛ وأولها الاستثمار في التكنولوجيا والبحوث والتطوير، فبفضلها أصبحت الطاقة البديلة أكثر كفاءة وأقل تكلفة. فقد أوضح تقرير أخير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أن تكلفة الطاقة الشمسية قد انخفضت بمقدار 16 في المائة في العام الماضي وحده، بينما انخفضت تكلفة الطاقة المولدة من الرياح بنسب تتراوح بين 9 في المائة و13 في المائة، بما جعل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أقل مما كانتا عليه سعراً منذ عشر أعوام بنحو 85 في المائة و52 في المائة على الترتيب.
الأمر إذن يتعلق بإدارة التحول بعناية حتى لا تأتي الهرولة والتعجل غير المنضبط بدعوى حماية المناخ بنتائج عكسية تضر بالنمو وفرص العمل بما يعوق في نهاية الأمر سياسات حماية المناخ نفسها. وعلينا أن نتذكر أن هدف حماية المناخ هو الهدف رقم 13 من 17 هدفاً عاماً من أهداف التنمية المستدامة لا يقل أي منها عنه أهمية بحال؛ فمنها القضاء على الفقر المدقع والجوع، والارتقاء بالتعليم والصحة، وزيادة النمو والتشغيل، وتوفير الطاقة والمياه، وغيرها من أولويات لا تستقر حياة المجتمعات ولا تطور الاقتصادات من دونها.
– أضرار العودة للسياسات الحمائية: يبدو أن دولاً متقدمة قد استمرأت التبني لإجراءات تدعو لها مبشرة طالما استفادت منها، ثم تحيد عنها بعدما تصل بها إلى مبتغاها. وقد كان هذا الشأن مع تحرير التجارة وإزالة معوقاتها كالتعريفة الجمركية والحصص. وقد لامت دول متقدمة التجارة الدولية على تعثر مشروعات وخسارتها على أرضها، في حين أن الأوْلى باللوم هو تراجع الإنتاجية والكفاءة وانخفاض مهارة العمل وارتفاع تكلفته. وقد لجأت أحزاب وحركات شعبوية لتأجيج مشاعر الغضب وتوجيه الاتهام لوارداتها من دول أكثر كفاءة وأفضل نوعية وأقل تكلفة. وحركت بعض الدول الغنية الحنين إلى ماضيها الصناعي برفع التعريفة الجمركية وزيادة قيود التجارة وتحجيم المنافسة وزيادة الدعم الموجه لصناعات فقدت مزاياها النسبية. ولم تحقق أكثر هذه الإجراءات إلا زيادة في أعباء الإنفاق العام والدعم. وفي مقال للاقتصادي الأميركي أدم بوزن في مجلة «الشؤون الدولية» عن ثمن الحنين إلى الماضي، ومقال آخر للاقتصادية الأميركية آن كروجر عن السياسة الصناعية الأميركية المضطربة، تحذير واضح عن التوغل المكلف في سياسات مدفوعة بمقاصد جيدة للتشغيل وحماية الصناعات وزيادة الإنفاق العام المرتبطة بها، ولكنها ستنتهي إلى ما انتهت إليه إجراءات سابقة عجزت عن انتقاء مشروعات مرشحة للنجاح، فقد كانت فعلياً أقرب للفشل والخسارة، وهو ما كان.
لا مراء أن للدولة واستثماراتها دوراً في علاج قصور السوق وعجز إمكانات المشروعات الخاصة المحلية والأجنبية وحدها عن الوفاء بمتطلبات التنمية. وهذه الاستثمارات العامة أولى بها أن توجه إلى البنية الأساسية والتكنولوجية ومساندة البحث والتطوير وتجويد التعليم والرعاية الصحية والإسهام في زيادة مهارات وقدرات رأس المال البشري وتأهيله للمنافسة الدولية في عالم سريع التغير. وإذا كان على الدولة أن تقدم دعماً، كما هو متوقع منها وفقاً لوظائفها، فيجب أن يكون موجهاً لمستحق من خلال نظم الضمان الاجتماعي الشامل. أما تبني الإجراءات الشعبوية كتقييد حركة التجارة والمنافسة فهي قصيرة الأمد عالية التكلفة، وإنْ صاحبها تشجيع المتهافتين في بدايتها فسيتبرأون منها بعدما تلحقه من دمار وإضاعة لفرص عمل حقيقية كتلك التي يمكن أن تلتحق بها هذه الخريجة الجامعية وأقرانها، إذا وفقت السياسات في تحديد أولوياتها صياغة وتنفيذاً.

د. محمود محي الدين

النفط إلى أين بعد اجتماع «أوبك بلس»؟

اليوم (الخميس) اجتماع مصيري آخر لتحالف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مع كبار المنتجين خارجها، وهو التحالف المعروف باسم «أوبك بلس». وفي ظروف مثل التي يمر بها الاقتصاد العالمي مع جائحة كورونا، فكل اجتماع للتحالف هو مصيري على ما يبدو. وبالنسبة للملايين الذين لا يتابعون أخبار «أوبك بلس»، ولا يهتمون لما يجري، فعليهم معرفة أن هذا التحالف اليوم يتحكم في أكثر من نصف الطاقة الإنتاجية للنفط في العالم؛ أي أن القرار الذي سيتخذه وزراء التحالف اليوم سيؤثر على أسعار وقود السيارات في المرة المقبلة التي سنذهب لتزويد مركباتنا به، خاصة أن أسعار النفط حتى لحظة كتابة هذه السطور عند أعلى مستوى لها منذ عامين (حول 75 دولاراً).
وحتى نعرف اتجاه الأسعار في الأشهر المقبلة، نحتاج إلى فهم ما سيجري في الاجتماع، حيث سيتم فيه مناقشة وضع عام 2021 الذي تبقى فيه النصف، وكذلك مناقشة ما يجب فعله في 2022، وهو جزء مهم كذلك مع توقع الجميع تعافي الاقتصاد العالمي.
هناك موقف واحد يجتمع عليه الجميع، وهو الحاجة لرفع إنتاج دول التحالف التي من بينها روسيا والسعودية، ابتداءً من شهر أغسطس (آب) المقبل، لكن الاختلاف حول: هل يتم رفع الإنتاج دفعة واحدة أم يُرفع تدريجياً على مراحل؟ ولكل اتجاه ما يؤيده ودوافع تؤدي إليه، غير أن النتيجة لن تكون واحدة في كل الاتجاهين. ولو أخذنا الاتجاه الأول، وهو رفع الإنتاج كاملاً دفعة واحدة، الذي تدعمه روسيا، فإن الكمية التي يمكن للتحالف إضافتها ما بين نصف مليون إلى مليون برميل إضافية، ولكنها ليست كافية لسد العجز في الإمدادات في السوق، وهذا الدافع هو ما أعلنته روسيا بطريقة غير مباشرة على لسان مصادر غير معلنة.
وبالنسبة للسوق، فإن زيادة الإنتاج دفعة واحدة بمليون برميل لن تكون غير متوقعة، بل قد تكون غير كافية إذا ما نظرنا للتوقعات المختلفة. فإذا أخذنا توقعات وكالة الطاقة الدولية (المنظمة المنافسة لأوبك)، فإن السوق ستمر بعجز هذا العام والعام المقبل، لولا أن يتحرك التحالف لضخ 1.4 مليون برميل يومياً بشكل إضافي. وإذا نظرنا لأرقام «أوبك»، فإن السوق في حالة شح، خاصة مع هبوط المخزونات التجارية من النفط في الدول الصناعية المتقدمة، لتصل عند مستوى أقل من مستوى متوسط الخمس سنوات (2015 – 2019) بنحو 20 مليون برميل، وهذا مؤشر مهم على أن السوق تعاني من شح في الإمدادات، مع وجود تحسن في الطلب. وفي الوقت ذاته، تتوقع «أوبك» زيادة الطلب على النفط بنحو 5 ملايين برميل في النصف الثاني من هذه السنة، وترجح أن يكون متوسط العجز بين الطلب والعرض في السوق بنحو 1.9 مليون برميل في النصف الثاني. أما مصرف «غولدمان ساكس»، فيرى أن السوق حالياً حتى هذه اللحظة تمر بعجز قدره 2.5 مليون برميل يومياً، وسيصل العجز إلى 5 ملايين برميل يومياً بنهاية العام الحالي.
إذن، نستطيع أن نفهم أنه حتى لو زادت «أوبك بلس» إنتاجها بمليون برميل يومياً دفعة واحدة ابتداءً من أغسطس (آب)، فإن السوق ستظل تشهد عجزاً بين 900 ألف برميل يومياً إلى 4 ملايين برميل. وفي هذه الحالة، لماذا يتردد التحالف في زيادة الإنتاج، خاصة أنه قادر على إضافة 5.8 مليون برميل إضافية ابتداءً من هذا الشهر؛ أي خمسة أضعاف الكمية التي يتم التفاوض عليها؟
لا تزال هناك بعض عوامل الضبابية في السوق التي تتطلب من التحالف أن يزيد إنتاجه تدريجياً؛ أولها تأثير الاتفاق النووي الإيراني الذي لا يزال التفاوض مع إيران جارياً عليه. فمتى توصلت إيران إلى اتفاق مع الدول الكبرى، صار من المحتمل أن يتم السماح لها بتصدير نفطها مجدداً، مما يعني دخول مليوني برميل تقريباً من النفط إلى السوق. ثانياً، لا أحد يعلم قدرة المنتجين خارج «أوبك» على زيادة إنتاجهم هذا العام والعام المقبل مع بقاء الأسعار مرتفعة. ثالثاً، لا يزال العالم يواجه جائحة جديدة مع «كورونا المتحور»، وحركة السفر والسياحة لم تنتعش بالشكل المطلوب. رابعاً، بافتراض أن التحالف أراد ضخ مليون برميل الآن في السوق، ماذا سيفعل ذلك في الأسعار؟ تقريباً لا شيء يذكر. والسبب في هذا أن الدول إذا زادت إنتاجها في أغسطس (آب)، فإن النفط سيصل إلى المصافي على نهاية الشهر، ويدخل في دورة تكرير، ومن ثم بيعه للمستهلكين، وهذه الدورة تأخذ بين 30 إلى 45 يوماً؛ أي أن موسم الصيف سينتهي، وسيقل الطلب في الربع الثالث، ولن يستفيد من هذه الزيادة، إذا تمت بصورة مستعجلة، المستهلك ولا الدول المنتجة.
وبالأخير، سيصل التحالف إلى حل وسط، مثل ما حدث في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتبقى النقطة المهمة التي يحرص عليها الجميع هي: ما تأثير كل هذا على الأسعار؟ لا أزال أرى صحة توقعات «غولدمان ساكس» بأن النفط في 2021 سيصل إلى 80 دولاراً (مع هامش صعود ونزول حوله). ويتوقع «غولدمان ساكس» أن زيادة «أوبك بلس» نحو مليون برميل ستؤثر بنحو 3 دولارات هبوطاً (أي 77 دولاراً). لذا من المنطقي أن نتوقع سعر النفط هذا العام في حزمة بين 70 و80 دولاراً؛ خبر جيد لميزانيات الدول، وغير جيد للمستهلك الذي سيذهب لمحطات الوقود الشهر المقبل. أما عام 2022، فمن المبكر توقع أسعاره في ظل كل المتغيرات أعلاه.

كيف نخرج من الأزمة المالية والركود الاقتصادي؟

ثلاثة إجراءات ضرورية للخروج من الأزمة المالية والركود الاقتصادي 1. تحرير سعر الصرف بالكامل وتطبيقه على جميع المعاملات المالية والسلعية والخدماتية في الداخل ومع الخارج للقطاعين العام والخاص. 2. العمل على تحقيق توازن مالي لمعاملات الدولة حالاً، واستهداف تحقيقه في غضون سنة واحدة من الآن. 3. إعادة جدولة التزامات القطاعين العام والخاص بالليرة والدولار، وكذلك أصول وخصوم الجهاز المصرفي بأكمله.

وللتوضيح:

إنّ التحرير الكامل لسعر صرف الليرة مقابل الدولار سيسهم في تحقيق التوازن الداخلي والخارجي، من خلال رفع القدرة التنافسية للإنتاج المحلي وزيادة الطلب عليه وكبح الطلب على السلع والخدمات المستوردة. فقد بدأت بوادر هذا الاتجاه في الاقتصاد حالياً، فانخفضت معظم المستوردات (باستثناء السلع المدعومة، وبدأت تتعافى بعض القطاعات التي اكتسبت قدرة تنافسية على إثر انخفاض سعر الصرف في السوق الموازي، على الرغم من التردّد في اخذ اية اصلاحات. ومن المهم الأخذ في الاعتبار، انّ تحرير سعر الصرف سينهي الدعم غير المباشر لنسبة كبيرة من السلع المستوردة واهمها المحروقات، التي تستحوذ على 5 مليارات دولار من الدعم سنوياً، لتسعيرها على أساس السعر الرسمي البالغ 1500 ليرة للدولار مقابل 15000 ليرة في السوق الموازي الحر. كما انّ تعدّد أسعار الصرف مع القيود المرفقة على السحب أدّيا الى فقدان الثقة في الأسواق المالية، وفي خلق تفاوت بين الدولار النقدي والدولار المصرفي، حيث أصبحت قيمة الأخير نحو ربع الدولار النقدي. كما انّ القرار الذي خَوّل دفع الديون والعقود بسعر الصرف الرسمي، خلق فجوة كبيرة بين الاستحقاقات والالتزامات، وشوّه الأسواق المالية وادّى الى استمرار تسجيل خسارات مصطنعة في المصارف. فلا بدّ من الالتزام بالاستحقاقات المالية حسب سعر الصرف المحرّر، وتبرير مراجعة العقود.

 

للدعم المباشر وغير المباشر من خلال تعدّد سعر صرف الليرة آفات عدّة ومن أهمها التالي:

يؤدي هذا الدعم الى: تردّي الوضع المالي، تهويد القطاع المصرفي، وضع قيود غير مبرّرة وغير شرعية على الودائع وعلى التدفقات المالية وهدر ودائع المواطن، انخفاض في النمو وارتفاع في البطالة ونزوح للطاقات البشرية، تردٍ في وضع ميزان المدفوعات مع خسارة الاحتياطات لمصرف لبنان وتدهور سعر الصرف، تحفيز تهريب السلع المدعومة الى الخارج، منح ارباح استثنائية للتجار والمهرّبين، دعم الفئة الغنية على حساب الفئة الفقيرة ويُفقر الفئتين معاً، نقص في السلع المدعومة لتهريبها وتخزينها، خلق سوق سوداء لها، تثبيط القطاعات الإنتاجية عن انتاج السلع البديلة للواردات المدعومة، ويخلق تشوهات في توزيع موارد الاقتصاد. كما يساهم في تقويض الثقة بالدولة في معظم مرافقها وقدرتها على ممارسة الحوكمة الصالحة، وفي الوقت نفسه يعطي سلطة غير دستورية للسلطة. وقد ينتج من كل ما تقدّم إذلال للمواطن وعوارض اجتماعية سلبية عديدة نتيجة البطالة وازدياد الفقر.

 

أما التوازن المالي، فهو من الضروريات في هذه المرحلة، وسيسهم في تحقيقه التحسن التلقائي للإيرادات الاسمية (وخصوصاً الجمارك وضرائب الدخل، وايرادات القيمة المضافة) على إثر تطبيق سعر صرف حرّ وموحّد على جميع المعاملات. اذ انّ قيمة القواعد الضريبية الأساسية، كالدخل والواردات والاستهلاك ستُضاعف. فيما النفقات تتبع القرار السياسي المالي، باستثناء تكلفة خدمة الدين بالعملة الاجنبية (بعد انهاء توقف خدمته) ودعم شركة كهرباء لبنان بالوقود المستورد، وكليهما يُعالجان من خلال اعادة جدولة الدين وإنهاء الدعم السخي للكهرباء. وتحتل النفقات على الأجور والرواتب المرتبة الاولى في الإنفاق الجاري، ولا بدّ من إعادة النظر في تكلفتها، مع اعتبار القدرة الشرائية للموظف وتوخّي الحذر في الإسراف في تعديلها. وتليه خدمة الدين العام المحلي، وتتأثر تكلفته بتقلّبات أسعار الفائدة والتي يتوقع ان تنخفض وتستقر، بفعل استهداف تحقيق التوازن المالي واعادة الجدولة للدين.

 

وأجرينا محاكاة بالاستناد الى سعر الصرف الحرّ السائد حالياً في السوق الموازي. وأثبت انّ التوصل الى توازن مالي من الممكن بعد تحرير سعر الصرف خلال فترة وجيزة. إنّ تحقيق توازن كامل في المالية العامة سيعود على الاقتصاد بفوائد عدة، مع توقف الدولة عن منافسة القطاع الخاص في التمويل، وسيؤثر ايجاباً في تشجيع الاستثمار الخاص في جميع القطاعات، ويساهم في استقرار سعر الصرف نفسه. انّ معظم الدول التي عانت من أزمات مالية كان سببها الرئيسي العجوزات المالية المرتفعة وسياسات الصرف الخاطئة للعملة، وكان خفض العجز المالي من اهم الإصلاحات المتبعة.

 

وفي شق جدولة الدين العام، فهي حاجة ماسة لإعطاء الوقت اللازم لتعافي الاقتصاد ومالية الدولة. ومن الممكن معالجته بالعملات الأجنبية والمحلية مع القطاع الخاص المحلي (المصارف، مؤسسات القطاع العام، الشركات الخاصة، والافراد) من خلال الاتفاق على برنامج إعادة جدولة، بما فيها خدمة الدين. وسيسهم تحقيق التوازن المالي في خفض الفوائد ودعم الحل. وفي هذا الصدد، من المفضّل إجراء اختزال كلي لدين الدولة بالليرة لدى مصرف لبنان، او اعتباره ديناً استثنائياً دون اجل محدّد، وجزءاً من الأصول الأخرى. من الممكن اعادة جدولة الدين الخارجي مع المؤسسات المالية الدولية الخاصة (والذي لا يتعدّى استحقاقها 10 % من مجمل الدين العام)، من خلال طلب تشكيل لجنة موحّدة من قِبلهم للتفاوض مع الحكومة.

 

اضافة الى ذلك، لا بدّ من اعادة جدولة أصول وخصوم المصارف للقطاع الخاص، بمبادرة من جمعية المصارف، حسب صيغة تستند إلى الاستحقاقات التي كانت سارية حين بدء الأزمة. ومن المتوقع ان تجد المصارف الحلول المناسبة لحل أزمة القروض المتعثرة. إنّ التأكيد على صيانة الودائع سيعطي الثقة للمودعين ويسهم في التحول الى استعمال المعاملات الرقمية (بطاقات إئتمان وتحويلات الكترونية) والصكوك، بدلاً من المعاملات النقدية، مما يساهم في حلّ ازمة السيولة. انّ التَخوّف من الاستيلاء على الودائع، والذي طُرح جدّياً في الخطة السابقة، زعزع الثقة بالمصارف وأسهم في الإقبال على سحب الودائع منها.

 

والجدير ذكره، انّ القطاعات المحلية والخارجية تنتظر ان تبدأ الحكومة بإعادة جدولة ديونها وتقديم خطة تستند الى المصالح المشتركة، بدلاً من التوقف الغوغائي عن الدفع.

النتائج:

إنّ هذه الإجراءات الثلاثة كفيلة بأن توجّه الاقتصاد نحو التعافي لتحقيق نمو اقتصادي وتوازن في المعاملات مع الخارج. وهي أولويات قبل الانهماك في تفاصيل الإصلاحات الهيكلية، كالضمان الاجتماعي ومؤسسات القطاع العام، مع العلم أنّه لا بدّ من معالجة الكهرباء حالاً للجم الخسارات فيها، واهميتها للاقتصاد ودورها في تحقيق التوازن المالي.

 

يجب ان يرتكز الجهد أولاً على انعاش الاقتصاد وليس على ادارة الخسارات (ومنها خسارات وهمية) كما اتُبّع في الخطة السابقة. وتستهدف أولاً الاصلاحات ذات الأثر المباشر والآني، ومن أهمها تحرير سعر الصرف وتوحيده لجميع المعاملات. وسيُخوّل هذا الاجراء، تعديل الاجور في القطاع الخاص تلقائياً، استجابة الى قوى سوق العمل ومرونته. فكلما ارتفع الفارق بين أسعار المبيع وأسعار التكلفة فلا بدّ للأجور من ان تتعدل.

 

ومن المتوقع بعد اخذ هذه الإجراءات الثلاثة، ان يستقر سعر الصرف على مستوى من التنافسية الداعمة للاستقرار الاقتصادي، وتحقيق معدلات نمو ايجابية مع انخفاض في البطالة. فمن الأفضل للسياسات ان تخلق فرص عمل تنتج سلعاً، بدلاً من ان توفّر سلعاً بأسعار بخسة مصطنعة وغير قادرة على الاستمرارية. اما انتظار المؤسسات المالية الدولية لكي تقدّم حلاً فسيعمّق الأزمة المالية.

د. منير راشد

900 مليون دولار تهبط من السماء

يمكن القول انّ 900 مليون دولار سوف تهبط على لبنان من حيث لا يتوقع، إذ يتجه صندوق النقد الدولي الى إقرار حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء لدعم الاحتياطات العالمية، خصوصاً في ظل جائحة كورونا. لكنّ التساؤلات تتمحور حول سبل استخدام هذا المبلغ في حال وصل الى لبنان، ومن سيقرّر مصير تلك الأموال؟

 

تبلّغ وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني أمس أنّ المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي ناقش اقتراح تخصيص حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء (SDR) البالغة 650 مليار دولار، ليُحال بعدها الى مجلس المحافظين الذي يدرسه بدوره في شهر تموز.

 

وفي حال إقراره تتم عملية التخصيص ‏نحو نهاية شهر آب المقبل. ‏والمتوقع أن تكون حصة لبنان زهاء 900 مليون دولار، يستطيع الاستفادة منها بعد الإقرار، وفق ما أعلن المكتب الإعلامي لوزني.

 

وقد أكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في تصريح امس، انّ التخصيص القادم لحقوق السحب الخاصة «مهمّ» لأنه سيوفّر زيادة في الاحتياطات المالية التي تشتد الحاجة إليها في الأسواق الناشئة والبلدان النامية، وخاصة البلدان ذات الدخل المنخفض والتي استنفدت احتياطاتها بشدة، وذلك استجابة لوباء كورونا، مشيرة الى انّ تعزيز احتياطات تلك البلدان قد يجعلها في وضع أفضل يمكّنها من تخصيص حيّز مالي لمكافحة الوباء وتطعيم شعوبها ودعم الفئات الضعيفة من السكان، وفقاً لجورجيفا.

 

وبما انّ تجربة لبنان مع الدعم المالي الخارجي الذي يحصل عليه غير مشجّعة ولا تصبّ دائماً وبشكل كامل في مصلحة الفئات المستهدفة او الاهداف المرصودة، وهي في حالة الـ900 مليون دولار المنتظرة أواخر آب، مكافحة الوباء وتطعيم المواطنين ودعم الفئات الضعيفة من السكان، فإنّ الدولة لا يمكنها تجيير تلك الاموال لمصرف لبنان لدعيم احتياطاته المستنزفة على غرار قرض البنك الدولي البالغة قيمته 246 مليون دولار لدعم الأسَر الفقيرة والمتضررين من الأزمة الاقتصادية، والذي قررت السلطة التشريعية والتنفيذية في لبنان توزيعه بالليرة اللبنانية وعلى سعر صرف حَدّده البنك المركزي لا يمتّ بصلة الى أي سعر صرف معتمد في السوق اليوم.

 

وبالتالي، عَلت الاصوات المحذّرة من كيفية استخدام حصة لبنان من حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء (SDR) التي سيوزّعها صندوق النقد الدولي في نهاية شهر آب المقبل والبالغة 900 مليون دولار، حيث اعتبر البعض انّ على المجتمع الدولي منع لبنان من الاستخدام الحرّ لهذه المخصصات الإضافية، على ان تتم مراقبة استخدامها للتأكد من انها تستهدف فئات المجتمع التي تحتاجها بشدّة، أي لبناء شبكة الأمان الاجتماعي، وليس لدعم سياسات الدولة المالية والاقتصادية الخاطئة التي لم ولن تؤدي سوى الى إفلاس البلاد، وإفقار السكان وتجويعهم أكثر فأكثر.

 

كما شدّد المراقبون على انّ المخصصات المالية المنتظرة لا يجوز ان تُستخدم لخدمة الزعماء والسياسيين ولتمويل الانتخابات بشكل ضمنيّ من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي مفصّلة على قياس الناخبين، أي تخصيص التقديمات المالية من خلال البطاقات التموينية او التمويلية لمناصري أحزاب السلطة الحاكمة.

 

ما هي حقوق السحب الخاصة وكيف تُستخدم؟

هي الأصول الاحتياطية لصندوق النقد الدولي، والتي يمكن استبدالها بالدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين واليوان الصيني أو الرنمينبي. يتطلّب تخصيص حقوق السحب الخاصة موافقة أعضاء صندوق النقد الدولي الذين يمتلكون 85% من إجمالي الأصوات. ولأن الولايات المتحدة تمتلك 16.5% من الأصوات، فإنّ وجهة نظر واشنطن حاسمة.

يُصدر صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاصة للبنوك المركزية في البلدان الأعضاء كاحتياطي يمكن استبداله بسهولة بالعملة الصعبة مع بنك مركزي آخر. وتجري معظم البنوك المركزية عملية التبادل طواعية، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك فإنّ صندوق النقد الدولي لديه سلطة إصدار مرسوم في شأن من يجب أن يقبل حقوق السحب الخاصة.

 

ويتم تحديد قيمة حقوق السحب الخاصة يومياً إستناداً إلى سلّة من 5 عملات دولية رئيسية: الدولار الأميركي (42%) واليورو (31%) واليوان الصيني (11%) والين الياباني (8%) والجنيه البريطاني (8%) والعملة المحلية.

 

ونظراً لأنّ حقوق السحب الخاصة يتم تخصيصها على أساس نسبي مرتبط بالكوتا المحدّدة لكلّ بلد عضو في صندوق النقد الدولي، فإنّ التوزيع يميل بشكل أكبر نحو البلدان الأكبر والأغنى التي يمكن القول إنها الأقل حاجة إليها. ستتلقّى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وحدها حوالى نصف السيولة الجديدة.

وقدّر المحللون أنّ تخصيص حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء (SDR) والبالغة 650 مليار دولار، سيوفّر حوالى 21 مليار دولار من الاحتياطات المضافة إلى البلدان المنخفضة الدخل. وقد يكون الرقم أكبر بكثير إذا قامت الدول الغنية، التي ستحصل على حوالى 400 مليار دولار من المخصصات، بإقراض أو التبرّع ببعض حقوق السحب الخاصة الجديدة الخاصة بها.

 

وبحسب المحللين أيضاً، فإنّ تلك المخصصات ستضاعف احتياطات الدول من العملات الأجنبية لزامبيا على سبيل المثال، وتزيد احتياطات زيمبابوي بأكثر من 6 أضعاف. في حين انها سترفع احتياطات الأرجنتين وتركيا وسريلانكا وجنوب إفريقيا وباكستان ونيجيريا بنسبة بين 10% و20%.

 

أمّا لبنان الذي لا يعرف أحد الحجم الفعلي والحقيقي لاحتياطه المتبقّي من العملات الاجنبية، والذي يتم استنزافه بشكل يومي على سياسة الدعم الفاشلة، فإنّ تقدير نسبة الزيادة على احتياطه او تداعيات تلك الزيادة غير مجدٍ، لأنّ الطبقة الحاكمة أثبتت انها تنوي استنفاد كامل احتياطي البنك المركزي حتّى آخر دولار لخدمة مصالحها السياسية والشخصية.

رنى سعرتي