البنك المركزي الأوروبي يرسم مسار سياسته الجديدة الأسبوع المقبل

قال صانعو السياسة النقدية بالبنك المركزي الأوروبي اليوم الاثنين إن البنك سيرسم مسارا جديدا لسياسته في اجتماعه المقبل ليعكس تغيير استراتيجيته ويظهر أنه جاد في التعامل مع مسألة التضخم.

جرى الإعلان الأسبوع الماضي عن استراتيجية البنك المركزي الأوروبي الجديدة التي تسمح للتضخم بأن يرتفع إلى مستويات أعلى من هدفه البالغ اثنين بالمئة عندما تكون المعدلات قريبة من الصفر، كما هو الحال الآن.

يهدف هذا الإجراء إلى طمأنة المستثمرين إلى أن السياسة لن يجري تشديدها قبل الآوان وتدعيم توقعاتهم بشأن نمو الأسعار والتي تخلفت عن هدف البنك المركزي الأوروبي خلال معظم العقد الماضي.

قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد ونائبها لويس دي جويندوس ومحافظ البنك المركزي البرتغالي ماريو سينتينو اليوم الاثنين إن الاستراتيجية الجديدة سيتم دمجها في توجيهات سياسة البنك المركزي في اجتماع 22 يوليو تموز.

وأبلغت لاجارد تلفزيون بلومبرج “نظرا للإصرار الذي نحتاجه لإثبات الوفاء بالتزاماتنا، فمن المؤكد أنه سيتم إعادة النظر في التوجيهات المستقبلية”.

تقول التوجيهات الحالية للبنك المركزي الأوروبي إنه سيشتري الديون طالما كان ذلك ضروريا وسيبقي أسعار الفائدة عند مستوياتها القياسية المنخفضة الحالية حتى يرى توقعات التضخم “تتقارب بقوة” مع المستوى الذي يستهدفه. كما تُلزم البنك بإعادة استثمار عائدات السندات المستحقة لفترة طويلة بعد ذلك.

ولم تتطرق لاجارد إلى تفاصيل بشأن كيف يمكن أن تتغير هذه الرسالة، مكتفية بالقول بأن الهدف سيكون الحفاظ على “ظروف تمويل مواتية”.

ولم ينجح صانعو السياسة بالبنك المركزي الأوروبي في الاتفاق على توجيهات السياسة الجديدة خلال اجتماعهم الأسبوع الماضي.

كريبتو كومبير: أحجام تداول العملات المشفرة تراجعت 40% في يونيو .. والسبب الصين

 

خلص بحث إلى أن أحجام التداول على منصات العملات المشفرة الرئيسية انخفضت بما يزيد على 40 بالمئة في يونيو حزيران في ظل قيود تنظيمية في الصين وكانت قلة التقلبات من العوامل التي أثرت على النشاط.

وأظهرت بيانات مؤسسة كريبتو كومبير البحثية في لندن أن أحجام المعاملات الفورية انخفضت 42.7 بالمئة إلى 2.7 تريليون دولار، مع انخفاض أحجام المشتقات 40.7 بالمئة إلى 3.2 تريليون دولار.

 

وانخفضت بتكوين، أكبر عملة مشفرة، بأكثر من ستة بالمئة الشهر الماضي، مسجلة أدنى مستوياتها منذ يناير كانون الثاني بعد أن شددت السلطات في الصين القيود على تداول العملة وعمليات التعدين لاستخراجها.

 

كانت بتكوين قد هوت 35 بالمئة في مايو أيار في ظل خسائر ناجمة عن تحركات بكين لكبح جماح القطاع سريع النمو. وتميل أحجام تداول العملات المشفرة إلى الارتفاع خلال فترات تقلبات الأسعار الشديدة.

وقالت كريبتو كومبير إن منصة تداول العملات المشفرة الرئيسية بينانس، التي واجهت تدقيقا من جهات تنظيمية في جميع أنحاء العالم، احتفظت بمكانتها كأكبر منصة من حيث حجم المعاملات الفورية.

لكن أحجام التداول على بينانس نزلت 56 بالمئة في يونيو حزيران إلى 668 مليار دولار.

متابعة قراءة كريبتو كومبير: أحجام تداول العملات المشفرة تراجعت 40% في يونيو .. والسبب الصين

قائمة المليارديرات في الذكرى المئوية للصين الشيوعية

تستطيع من مشهد ترتيب الزهور الممتدة عبر ساحات المدينة استنتاج أن الاستعدادات للاحتفال بالعيد المائة للحزب الشيوعي الصيني قد اكتملت.
يركز غالبية السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة على عروض الألعاب النارية الكبيرة والاستعراضات الباهظة، لكنّ المستثمرين والمدونين الماليين والمضاربين، لديهم وجهات نظر محددة في الاعتبار، هي أن المليارديرات الصينيين يريدون بشغف أن يروا أنفسهم في الاحتفالات؛ يريدون معرفة من دخل القائمة ومن خرج منها، وهو ما يمكن أن يطلق الألعاب النارية الحقيقية في الأسواق.
إن دعوة الأحزاب الكبيرة في بكين لرجال الأعمال امتياز هائل وعلامة على التأييد الرسمي، حيث تمت دعوة روبين لي، رئيس شركة «بيدو إنك» ثلاث مرات للاحتفال بعيد استقلال الصين. ومن بين الرؤساء التنفيذيين وكبار رجال الأعمال البارزين أيضاً في المسيرات دونغ مينجزو رئيس شركة «غري إلكتريك أبلاينس» التي تعد رائدة أعمال بارزة.
شهدت الذكرى السبعون لتأسيس جمهورية الشعب في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وجود لي جون، رئيس مجلس إدارة شركة «شاومي كورب» للهواتف الذكية والأجهزة المنزلية الذكية التي تبلغ قيمتها 90 مليار دولار، وهو يتقدم وسط المسيرات الملوّحة بالزهور. وعلى موقع خدمة المدونات الصغيرة الشهير «ويبو»، قال لي كم إنه فخور ومتحمس لأنه سار وسط ساحة «تيانانمين» وشاهده الشعب كله.
كان لدى الحكومة أسباب وجيهة لوضع لي، رئيس شركة «بايدو» وكذلك لي من شركة «شاومي» في أدوار البطولة. فقد كان لي «سلحفاة بحرية»، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى المهاجرين العائدين من وادي «السيليكون» الذين كانوا يدفعون التقدم التكنولوجي للصين. وابتكر لي هواتف ذكية متطورة ميسورة التكلفة للأسواق الناشئة، وهو نوع المؤسسات التي تقع في صميم «مبادرة الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس شي جينبينغ.
ثم كان هناك قطب العقارات هوي كا يان، مؤسس «مجموعة إيفرغراند» الصينية. ففي احتفال عام 2019، التقط صوراً في برج بوابة ميدان «تيانانمين» الذي يعتبر منصة المشاهدة الرئيسية لنخبة النخبة، وقد تم عرض صور حضوره على الإنترنت. وذكرت مؤسسة «إيفرغراند» صورة له في قسم «المعالم» في تقريرها السنوي لعام 2019، حيث قالت إن هوي بدا شاباً بالنسبة لشخص يبلغ 60 عاماً، وكذلك بدا ثرياً وقوياً ووسيماً. في الواقع، ربما تكون المكانة والنفوذ الواضح اللذان شهدهما وضع هوي البارز في ميدان «تيانانمين» قد ساعدا على تعافي سندات «إيفرغراند» الدولارية المتعثرة في أواخر عام 2019، فما الذي يمكن أن يطلبه الملياردير أكثر من ذلك؟
يمكن لهوي استخدام بعض علامات التفضيل الجديدة. هذا العام طُلب منه تقليص الديون بعد أن تجاوزت مؤسسة «إيفرغراند» – المطور العقاري الأكثر مديونية في البلاد – جميع «الخطوط الحمراء الثلاثة» لبكين حدود الاقتراض التي تمت صياغتها في أغسطس (آب) 2020. يقال إن المنظمين يبحثون في معاملات «إيفرغراند» مع الأطراف ذات الصلة، شركة «بنك شنغن» المتوسطة الحجم، والتي تعتبر «إيفرغراند» أكبر مساهم فيها. ولم يبد هوي أي تعليقات عامة على هذه القضية.
العام الجاري، هناك حافز مالي حقيقي لأصحاب المليارات للتنافس على دعوات لحضور الحفلة الكبيرة للحزب. ذلك ليس فقط لدعم غرورهم، فقد تكون ثرياً بشكل لا يصدق، لكن في هذه الأيام، حتى الملياردير يجب أن يُنظر إليه على أنه الجانب المشرق من الحكومة لكي يزدهر. ما عليك سوى إلقاء نظرة على ملحمة جاك ما، مؤسس مجموعة «علي بابا» القابضة المحدودة، الذي شوهد بالكاد منذ نهاية عام 2020، عندما اختلفت مجموعة «آنت» مع المنظمين الحكوميين.
في الآونة الأخيرة، استدعت الحكومة وانغ شينغ، مؤسس شركة «مياوتن»، ثالث أكبر شركة للتكنولوجيا في الصين، وحذرته من محاولة لفت الأنظار. ونشر قطب توصيل الطعام قصيدة قديمة على الإنترنت في مايو (أيار)، اعتبرها الكثيرون بمثابة انتقاد مبطّن لقوانين الحكومة لمكافحة الاحتكار.
تشعر بكين في الوقت الحالي بالقلق من كبار المطورين لأنهم مثقلون بالكثير من الديون لدرجة أنهم ساعدوا في تحويل الصين إلى واحدة من أكثر دول العالم نفوذاً. ففي أكتوبر الماضي، عندما جاء شي إلى «شنتشن» للاحتفال بالذكرى الأربعين للمدينة كمنطقة اقتصادية خاصة، لم يقم مطور واحد بوضع قائمة الحكومة لأهم 40 شخصاً ساهموا في نهوض المدينة. وفي الوقت نفسه، تشعر الحكومة بالقلق من شركات التكنولوجيا الكبرى أيضاً، حيث تشعر أن الشركات استخدمت امتيازات السوق لخنق المنافسة والابتكار. كما طُلب من عمالقة التكنولوجيا الآخرين، من «تينسينت هولدنغ ليمتد» إلى «بايتي دانس»، كبح التجاوزات في مراجعة بكين لمكافحة الاحتكار.
هل يمكن أن يشير مقعد جيد في الحزب الشيوعي الكبير إلى تغيير في السياسة الرسمية؟ هل يعني الغياب عن المسيرات أن الأسوأ لم يأتِ بعد للمليارديرات في مرمى النيران؟ هل يمكن أن تؤدي العودة إلى ميدان «تيانانمين» إلى إحياء سندات إيفرغراند الدولارية؟
إن معنويات السوق بشأن السندات الدولارية لشركة «إيفرغراند» في أسوأ حالاتها منذ عمليات الإغلاق في مارس (آذار) 2020.
كان هوي – ولا يزال – أكثر رجال الأعمال الخيرية في الصين. بعبارة أخرى، يعتبر هو الرجل الوطني الأكرم. ويتكهن المدونون الصينيون بأن سخاءه ربما أكسبه دعوة عام 2019 إلى منصة تيانانمين الكبرى. لكن ذلك كان قبل عامين، فالعمل الخيري وحده قد لا ينفع إذا كنت تريد أن تكون على قائمة «A». ماذا سيحدث؟ سيشاهد الكثير من المستثمرين المصابين بجنون العظمة احتفال هذا الأسبوع لتحليل من سيدخل ومن سيغادر القائمة، وسيشاهدون الأشخاص المفضلين لتلك الاحتفالات.

شولي رين

«جيو استراتيجيات» خريطة طريق «صفر انبعاثات»

أثار تقرير وكالة الطاقة الدولية حول خريطة طريق «صفر انبعاثات 2050» أسئلة وانتقادات عدة؛ أهمها تمحور البحث، أكثر من أي شيء آخر، حول أهداف ومصالح الدول الصناعية. من المفهوم أن وكالة الطاقة تعمل وتدافع عن مصالح أقطارها الأعضاء؛ الدول الصناعية، لكن ما يثير التساؤل حول دراسة خريطة طريق التغيير المناخي العالمي بالذات هو أنه من المفروض أن تشمل كيفية معالجة التغيير المناخي حول الكرة الأرضية جمعاء وليس الدول الصناعية فقط… بمعنى الاستمرار في النهج الذي أدى إلى إنجاح «اتفاق باريس للمناخ 2015»، وهو الاتفاق على أن كل دولة تحدد تعهداتها والجدول الزمني لتنفيذ التزاماتها ضمن الأهداف العامة لـ«اتفاق باريس»، حسب إمكاناتها الاقتصادية.

هذا يعني أنه كان من المفروض على خريطة الطريق المقترحة أن تأخذ في الحسبان مصالح وإمكانات الدول النامية والبترولية وبقية دول العالم الثالث في تنفيذ الأهداف المرسومة، وليس المصالح والإمكانات للدول الصناعية فقط.

على سبيل المثال؛ أثارت الوكالة كثيراً من اللغط في اقتراحها إيقاف الاستثمار في الصناعة النفطية بعد عام 2021، بعيداً عن أي نقاش أو مداولات مع أقطار منظمة «أوبك».

الغريب في هذا الاقتراح المفاجئ، هو أن الوكالة لا تكف عن المطالبة في تقاريرها الدورية والسنوية عن زيادة الاستثمار في تطوير الحقول البترولية؛ أكانت لتلبية الزيادة السنوية في الطلب النفطي العالمي، على الأقل إلى حين توفير الطاقات المستدامة الوافية على الصعيد العالمي برمته، أم زيادة إمدادات الغاز الطبيعي؛ لأنه الوقود الوسيط والأنظف نسبياً للمرحلة الانتقالية ما بين عصري الطاقة.

من الواضح، من خلال تقرير الوكالة نفسه، أن دول العالم ليست جاهزة حالياً للانتقال من عصر الطاقة الهيدروكربوني إلى عصر الطاقات المستدامة، كما لا توجد معالم واضحة لإمكانية تنفيذ الاتفاق بحلول 2050.

هناك اتفاق عالمي على ضرورة معالجة الاحتباس الحراري والحد من ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 1.5 إلى درجتين مئويتين لإنقاذ البشرية. لكن هذا الأمر لا يمكن تمريره بتوصية من وكالة دولية تمثل مصالح الدول الصناعية فقط؛ فالأمر يحتاج إلى تشريعات وطنية وإقليمية، وفترة زمنية حددت في مؤتمرات الأمم المتحدة، وتريليونات الدولارات سنوياً لتغيير منشآت الطاقة ووسائل المواصلات برمتها، ناهيك بالشركات المختصة لتنفيذ هذا الانتقال على صعيد الكرة الأرضية برمتها… فمن دون عولمة الانتقال، من الصعب جداً تحقيق «صفر الانبعاثات» بحلول 2050… فالبديل هو «انبعاثات أقل» وليس «صفراً».

تمادى بحث وكالة الطاقة في افتراضاته بأن التغيير المناخي أمر يتعلق بالدول الصناعية فقط. ولربما السبب هو أن الاستشارات والمداولات التي قامت بها الوكالة كانت مع مؤسسات من بيئتها نفسها. ومن ثم؛ التوصية المثيرة للجدل بالإيقاف السريع لتطوير صناعة الوقود الأحفوري.

تتطلب الصناعة البترولية سنوات عدة للتخطيط لتطوير حقول بترولية وبتكلفة ملايين الدولارات لكل حقل. وهناك مشاريع معلنة في دول عربية عدة في الوقت الحاضر لتطوير حقول جديدة، حيث تخطط معظم الدول العربية لزيادة طاقتها الإنتاجية، بالذات السعودية التي تخطط لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً. من نافلة القول إن صناعة الطاقة حيوية جداً لاقتصاد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أن هذه الصناعة مهمة لجميع دول العالم، إلى أن تستطيع طاقة جديدة الحلول كلياً محل البترول.

تعلم وكالة الطاقة جيداً أن الصناعة البترولية لا تعني فقط تزويد الأسواق العالمية بالطاقة، بل أيضاً هي المصدر الاقتصادي الرئيسي لدول عدة. من ثم؛ فمن غير المعقول الطلب بتهميش هذه الصناعة فجأة ودون سابق إنذار.

على سبيل المثال، تخطط وتدرس دول بترولية عدة؛ منها أقطار عربية، إمكانية إنتاج الهيدروجين من البترول. كذلك إمكانية تجميع وتخزين ثاني أكسيد الكربون الصادر عن الإنتاج البترولي، ضمن سياسة «صفر انبعاثات». وهناك أيضاً محاولات جادة لتنقية الميثان من الانبعاثات الكربونية.

أما بالنسبة لاستهلاك البترول، فلا تزال الأغلبية الساحقة من محطات الكهرباء العالمية تعتمد على الـ«فيول أويل» أو الغاز. كما أن الأغلبية الساحقة من سيارات العالم تستعمل البنزين أو الديزل. ويستهلك كل من قطاع الكهرباء والمواصلات نحو 30 في المائة لكل منهما من مجمل الاستهلاك البترولي في الدول الصناعية. ومن المعروف أن 80 في المائة من مصانع الكهرباء الجديدة عالمياً تزود بالطاقات المستدامة، وأن هناك نحو 10 ملايين سيارة كهربائية على الطرق مقارنة بأكثر من مليار سيارة تقليدية. من ثم؛ هذا لا يعني أن استهلاك البترول سيتقلص غداً. فقد تراوح الاستهلاك النفطي العالمي حول 100 مليون برميل يومياً قبل وباء «كورونا»، وانخفض الاستهلاك إلى نحو 80 مليون برميل يومياً خلال منتصف عام 2020. وقد عاد الاستهلاك إلى نحو 95 مليون برميل يومياً حالياً، والتوقعات بالعودة إلى معدل 100 مليون برميل يومياً بحلول نهاية السنة مع عودة الحياة الطبيعية عالمياً.

لقد دق تقرير وكالة الطاقة جرس الإنذار للدول البترولية العربية. كيف يمكن الاستفادة من الاحتياطات البترولية الضخمة في منطقتنا؟ وما الأسس الاقتصادية والعقد الاجتماعي في عصر الطاقات المستدامة؟ وماذا عن جيوسياسات المنطقة عند منتصف هذا القرن، أو حتى قبله؟

وليد خدوري

حزب ديون «كوفيد» لا يزال نشطاً في أوروبا

هي مهمة محيرة أن تتبع قصة نجاح ساحق، لكن الاتحاد الأوروبي لم يواجه مثل هذه المشاكل مع بيع سنداته ذات الشريحة المزدوجة البالغة 15 مليار يورو (18 مليار دولار) لمدة خمس سنوات و30 سنة، الثلاثاء الماضي.
بعد الافتتاحية الأكروباتية في منتصف يونيو (حزيران) لصندوق إنعاش «جيل الاتحاد الأوروبي الجديد»، مع بيع سندات بقيمة 20 مليار يورو لأجل 10 سنوات، كان حجم الطلب على المتابعة في نفس المستوى. هذه المرة، كان هناك أكثر من 130 مليار يورو من الطلبات لجمع أموال بلغت 15 مليار يورو – وهي نتيجة أقوى نسبياً من البيع الأول. كان الأمر مثيراً للإعجاب أيضا مع الاستحقاق لأجل 30 عاماً. كان التسعير الإجمالي أقرب بكثير إلى المنحنى الحالي لقضايا الاتحاد الأوروبي المعلقة من علاوة الإصدار الجديدة السخية المشار إليها في البداية لمدة 10 سنوات.
على الرغم من أن العائد على شريحة الاتحاد الأوروبي لأجل خمس سنوات أقل من -0.3 في المائة، فإنه لا يزال أعلى بأكثر من 20 نقطة أساس من عائد الديون المماثلة الصادرة عن الحكومة الألمانية. وتعتبر شريحة 30 عاماً التي تزيد على 0.7 في المائة جذابة للمستثمرين الذين يبحثون عن مدة أطول مع تحصيل 40 نقطة أساس عن المكافئ الألماني.
ويستقر الجدول الزمني لإصدار برنامج التعافي من «كوفيد» التابع للاتحاد الأوروبي المتعدد السنوات الذي تبلغ تكلفته 800 مليار يورو في منطقة سلسة، مع استمرار الطلب القوي عبر منحنى العائد بأكمله.
من المفيد أن يتمكن البنك المركزي الأوروبي من شراء ما يصل إلى نصف كل إصدار في برامج شراء سندات التيسير الكمي، لكن اهتمام المستثمرين كبير جدا في الوقت الحالي لدرجة أن السيولة الإضافية التي يوفرها بديل ذو عائد أعلى للمعيار الألماني بات موضع تقدير على نطاق واسع.
اهتمام المستثمرين مهم للغاية إذا كان التعافي في منطقة اليورو سيرتفع بسرعة. وهناك الكثير من التمويل الذي يجب جمعه، وليس فقط للاتحاد الأوروبي ككيان مُصدرٍ حديثٍ.
في النصف الأول من العام الجاري، جرى جمع 310 مليارات يورو من الديون السيادية بالطريقة المجمعة (حيث تتعامل البنوك الاستثمارية مع طلب المستثمرين بدلاً من عملية المزاد العادية) – حوالي 10 في المائة أكثر من العام الماضي وتقريباً ثلاثة أضعاف النسبة عام 2019، فيما تتنازل السيادات عن 30 في المائة من إجمالي الديون المبيعة في أوروبا العام الجاري.
وعلى الرغم من أن هذا لم يزاحم مصدري الشركات بعد، فإن مثل هذا الحوت يوضح جدول الأعمال إلى حد ما؛ أربع شركات فقط تحدت سوق الإصدارات الجديدة الثلاثاء الماضي، ومع ذلك، سيعود العرض للظهور قريباً بما يكفي بمجرد استقرار المياه من دفقة الاتحاد الأوروبي العملاقة.
أيضاً من الجيد أن نرى أن المفوضية الأوروبية قد خففت قبضتها على العديد من البنوك الاستثمارية بشأن الانتهاكات السابقة للتواطؤ في الأسعار. فبعد استبعادها من صفقة «نيكست جينريشن» الافتتاحية، كان «كرديت أغريول إس إيه» و«دورتيش بنك آي جي» و«جي بي مورغان تشيس»، و«يوني كريديت» جميعها على قائمة هذه الصفقة.
ومع عدم وجود وقت نضيعه في بدء أول دفعة حوافز مالية جماعية في الاتحاد الأوروبي، فلن يكون الصيف هادئاً بالنسبة للحكام السياديين في أوروبا. والمستثمرون سعداء ومستعدون للانضمام.

ماركوس اشوورث

لبنان سقط عمليا… والوصاية المالية الدولية تأخذ طريقها

الجميع أصبح على بينة أن القوى السياسية فقدت السيطرة على لبنان من خلال المؤسسات الدستورية. فالإقتصاد الذي يحتاج إلى قوانين لضبطه أصبح رهينة كارتيلات تتحكم فيه من دون أي تطبيق للقوانين وهو نتاج غياب السلطة التنفيذية – أي الحكومة – ولكن أيضًا نتيجة تفشّي الفساد.

لبنان رسميًا لم يعد قادرا على تأمين المواد الغذائية ولا السلع الأساسية (محروقات وأدوية…) لشعبه. فمصرف لبنان – المؤسسة الأخيرة في الدولة التي تمتلك المال – أعلن عن أخر 400 مليون دولار أميركي لدعم الأدوية والطحين بوتيرة 50 مليون دولار شهريا للأدوية و15 مليون دولار للطحين، أضف إلى ذلك إعتمادات المحروقات التي يتمّ تمويلها من خلال القرض من أموال المودعين بقيمة 200 مليون دولار أميركي والذي أقرّه رئيس الحكومة حسان دياب بإقتراح من وزير المال غازي وزني.

رفع الدعم أصبح واقعًا بالنسبة للسلع والبضائع وبالتالي وكنتيجة لذلك أصبح التجّار هم المُتحكّمون الفعليون بالإقتصاد من خلال قدرتهم على الإستيراد بواسطة حساباتهم بالدولار في الخارج وبيعها بالسعر الذي يريدونه. من هذا المُنطلق، سترتفع الأسعار عمليًا بثلاثة إلى خمسة أضعاف (بأقلّ تقدير) في المرحلة المُقبلة مع بقاء الأزمة على البنزين والمازوت نتيجة الإحتكار والتهريب.

الدعم على الخدمات ما زال قائمًا على الإنترنت، والتلفون، والتأمين، وبقاء هذا الدعم هو مسألة وقت قبل أن يتمّ رفعه نظرًا إلى تراجع القدرات المالية لمصرف لبنان. أما فيما يخص القروض المصرفية بالدولار الأميركي، فهي تُراكم خسائر على مصرف لبنان نظرًا إلى أن الودائع بالدولار تُسدّ على 3900 ليرة لبنانية (تعميم 151) و12 ألف ليرة لبنانية (تعميم 158) في حين أن القروض للأفراد، أصحاب الدخل بالليرة اللبنانية، تتمّ على 1500 ليرة لبنانية. إلى متى سيستمر هذا الأمر؟ لا أحد يعلم ولكن وقف هذا الدعم يعني تعثر أكثر من 70% (تقديراتنا) من القروض بالدولار الأميركي وهي قروض آتية من ودائع المودعين! وهذا الأمر إن حصل، سيؤدّي إلى مشاكل قانونية جمّة نظرًا إلى أن القروض هي مُقابل ضمانات.

في هذا الوقت طوابير الإنتظار على محطات الوقود تطول وتطول حتى أنها أصبحت تُعيق السير بشكل جدّي، والظاهر أن لا نهاية للأزمة إلا بوقف التهريب أو رفع الأسعار إلى أكثر من 200 ألف ليرة للصفيحة الواحدة! أيضًا الأدوية والمستلزمات الطبية أصبحت مفقودة بسبب الإحتكار والتهريب الذي يُمارسه تجار الأدوية بالتواطؤ مع المهربين. في هذا الإطار، قال أحد أصحاب الصيدليات أن «بائعًا مُتجوّلا يقوم ببيع الأدوية للصيدليات بالدولار الأميركي ونقدًا»، وهذا إن دلّ على شيء يدل على مدى فظاعة العصابات التي تفشّت في كل القطاعات ليصحّ القول «أحقر الناس من ازدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم».

المجتمع الدولي أصبح صريحًا جدًا مع السلطات اللبنانية حيث أصبح يتهمها علنًا بالتقاعس عن القيام بواجباتها تجاه الشعب اللبناني. وأخر هذه التصريحات، الردّ القاسي الذي وجهته السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والذي كلفها قطع البث وهي تتحدث! السفيرة الأميركية من جهتها أكدت على ما قالته السفيرة الفرنسية من أن المُجتمع الدولي قدّم مئات ملايين الدولارات إلى الشعب اللبناني مباشرة وأن السلطات اللبنانية تتقاعس عن القيام بواجباتها تجاه شعبها. والمُلفت في الأمر أكثر اللهجة الحاسمة التي إستخدمتها السفيرة الفرنسية والتي إن دلّت على شيء تدلّ عن مدى الإمتعاض الدولي من أداء السياسيين في لبنان. وشدّدت غريو على أن الأزمة الحالية هي نتاج الإدارة السيئة للدولة اللبنانية وليست نتاج الحصار الدولي على لبنان.

على صعيد المساعدات وتماشيًا مع طرح الرئيس الفرنسي ماكرون وصل إلى لبنان منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان لتنسيق المساعدات الدولية للبنان والتي كان قد صرّح عنها ماكرون عبر قوله إن فرنسا تعمل مع شركاء دوليين لإيجاد آلية لتأمين إستمرار الخدمات للشعب اللبناني في ظل الأزمة الحالية. وبالتحديد سيقوم دوكان بإثارة ثلاث نقاط: تحذير المسؤولين اللبنانيين من خطورة إستمرار الوضع على ما هو عليه، إظهار الفوائد من تشكيل حكومة والمضي في إصلاحات إقتصادية، والبحث في آلية الدعم التي سيُقدّمها المُجتمع الدولي – أو بالأحرى إخطار المسؤولين اللبنانيين بهذه الآلية نظرًا إلى أن السلطة لن تكون جزءًا منها.

من ناحية أخرى تُغادر اليوم السفيرة الأميركية برفقة السفيرة الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية بهدف عقد إجتماعات مع مسؤولين سعوديين كتكّمِلة للاجتماع الثلاثي الاميركي – الفرنسي – السعودي الذي عُقد في إيطاليا الأسبوع الماضي بشأن الوضع في لبنان. ومن المتوقّع بحسب بعض المصادر أن يتمّ بحث موضوع الملف الحكومي مع عبارة السفيرتين الشهيرة «ضرورة تشكيل الحكومة»، ولكن أيضًا موضوع المساعدات إلى الشعب اللبناني.

فشل القوى السياسية بتشكيل حكومة، دفع المجتمع الدولي من باب «تقاعس السلطات اللبنانية عن تأدية واجباتها تجاه شعبها» إلى أخذ المبادرة فيما يخص المساعدات إلى الشعب اللبناني مباشرة من دون المرور بالمؤسسات الرسمية بإستثناء الجيش اللبناني الذي يحظى بالثقة الدوّلية. هذه المبادرة التي بدأت من باب إيصال المساعدات الغذائية والعينية وحتى المالية مباشرة إلى الشعب، ستتمدّد لتصل إلى الشق المالي المتعلّق بالدولة اللبنانية حيث ينصّ أحد السيناريوهات على أن يتمّ تجميد الأصول المالية اللبنانية التابعة للدولة اللبنانية ووضعها تحت وصاية قد تكون على الأرجح أميركية – فرنسية – عربية ولا يتمّ إستخدامها إلا لدعم الشعب اللبناني مباشرة. في نفس الوقت، يقوم المجتمع الدولي بفرض عقوبات على عدد كبير من السياسيين من الصفين الأول والثاني مع تجميد كامل لحساباتهم الموجودة في الخارج. هذا السيناريو بحسب أحد المراجع القانونية هو سيناريو مُحتمل نظرًا إلى أن هناك خرقا لشرعة حقوق الإنسان (عبر تجويع الشعب) وبالتالي هناك أسباب موجبة تسمح للمجتمع الدولي بالقيام بمثل هذه الخطوة.

على كل الأحوال يبقى الواقع الأليم على الأرض وهو الواقع الذي يعيشه المواطن اللبناني والذي من دون مُساعدات خارجية، سيشهد مأساة غذائية ستكون من الأسوأ عالميًا.​

البروفسور جاسم عجاقة