تعتبر إدارة المخاطر في #المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية من المسائل المهمّة جداً في ظلّ التطوّر الهائل في عالم التكنولوجيا والعولمة وانفتاح الأسواق. وقد استحوذت على اهتمام معظم المؤسّسات الماليّة والمصرفيّة نتيجة لهذا التطوّر، ولتشابك هذه المؤسّسات وانخراطها في الأسواق المالية، ونتيجة للأزمات التي حصلت؛ فتنامي سوق الائتمان ومنح القروض والتسهيلات التجارية أدّى إلى تنامي هذه المخاطر ناهيك بتنامي المشكلات الناتجة من التطوّر التكنولوجيّ، ممّا حتّم على هذه المؤسّسات البحث عن حلّ لهذه المخاطر، وإدارتها بطريقة سليمة تهدف إلى الحدّ منها، وتخفيفها من أجل تخفيف الخسائر ورفع نسبة الأرباح.
فالمخاطر ترافق حياة الإنسان من المهد إلى اللّحد؛ لذلك فهو يبحث عن هذه المخاطر ويعدّ العدّة لمواجهتها. وكذلك على الصعيد المصرفي، فإن مفهوم المخاطر بدأ يبرز دوره ويتعاظم نتيجة للانفتاح والعولمة وظهور مشتقات جديدة. فالمخاطر موجودة في كلّ مكان، ولا يمكن من دونها للمصرف أن ينمو ويتطوّر؛ فمن دون مخاطر لا يوجد أرباح. لذلك أصبحت المخاطر المالية حديث العصر، فشرعت لها المصارف إدارات تُعنى بها، وتعمل على تحديدها، وقياسها، والتقليل من آثارها.
إن موضوع إدارة المخاطر شغل بال المصرفيين، واستحوذ على اهتمامهم منذ أواخر القرن العشرين، خصوصاً في أعقاب الأزمات المالية التي عصفت بالعالم في أميركا وآسيا وأوروبا، ناهيك بالأزمات التي نمرّ بها حاليّاً، خصوصاً أزمة جائحة كورونا.
ما هو تعريف إدارة المخاطر المصرفية؟
عرّف الدكتور محمد سليم وهبي والدكتور كامل حسين كلاكش إدارة المخاطر بالفن، فهي “تتطلّب اختيار النموذج المناسب، ومحاولة تعميمه بنجاح وفاعلية في المؤسّسة، مع اعتبار الحيطة والحذر، بما يجعل إدارة المخاطر من الفنون القائمة على المعرفة الحقيقيّة للبيئة المصرفيّة والمكتسبة من خلال الكفاءة المهنية والخبرة”.
وعرّفت لجنة الرقابة على المصارف إدارة المخاطر بأنها: “التعرّف على الأحداث المرتقبة، والمخاطر المحتملة، وقياس هذه المخاطر، وتقدير الخسائر التي يُمكن أن تتأتّى عنها، وإدارتها، من أجل إبقاء هذه المخاطر عند مستوى معيّن يُمكن للمصرف أن يتحمّلها، وبالتالي مساعدة الإدارة العامة على اختيار النشاطات والأعمال المصرفيّة المَنْوِي القيام بها”.
ما أهميّة إدارة المخاطر المصرفيّة؟
أصبح وجود هذه الإدارة في القطاع الماليّ والمصرفيّ ضرورة ملحّة لأهميّتها في البحث والتخطيط والتنبّؤ وتخفيف الأضرار والخسائر، وإيجاد الحلول السريعة والناجعة لهذه المخاطر، ولبثّ الثقة بين المساهمين والمستثمرين. وقد باشرت المصارف المركزية رسالتها بهذا الخصوص، وفرضت على المصارف إيلاء إدارة المخاطر الأهميّة اللازمة لتكون جزءاً أساسيّاً من إدارة المصرف أو المؤسّسة المالية، وأوجبت إنشاء قسم لإدارة المخاطر في كلّ مصرف؛ وذلك بهدف تطوير إدارة المخاطر في القطاع المصرفيّ ال#لبنانيّ، وبشكل يستند إلى منهجيّة موحّدة، ترتكز على هيكليّة شاملة متماشية مع متطلّبات “بازل 2″، والمعايير المصرفيّة الدوليّة، بسبب الأهمية الأساسية والمتزايدة لإدارة المخاطر المصرفيّة، ولأن الرقابة على المصارف أصبحت في الوقت الحاضر ترتكز بشكل كبير على المخاطر.
تبرز أهميّة إدارة المخاطر من خلال العناصر الآتية:
أ- المساعدة على تشكيل رؤية مستقبليّة واضحة، يتمّ بناءً عليها وضع خطط سير العمل، وتنمية وتطوير الميزة التنافسيّة بين المصارف، عن طريق التحكّم بالتكاليف الحاليّة والمستقبليّة، التي تؤثر في ربحيّة المصارف.
ب- تقدير المخاطر والتحوّط ضدّها بما لا يؤثر على ربحيّة المصرف، والمساعدة على تشكيل رؤية واضحة للمخاطر، وبناء الخطة المناسبة لها.
ج – المساعدة على اتخاذ قرارات التسعير والمعرفة المتزايدة للمخاطر، وفهمها، ووضع المنهج أو البرنامج المناسب لاتّخاذ القرارات، التي تقلّل من إحداث الفوضى.
د – مساعدة المصرف على احتساب معدّل كفاية رأس المال، وفقاً للمقترحات الجديدة للجنة “بازل”، وبما يتّفق مع الطبيعة المميّزة للمصارف الإسلامية.
ه – إن عملية اتّخاذ القرارت المتعلّقة بالمخاطر تتّفق مع استراتيجية المصرف، وأن يكون العائد متناسباً مع درجة المخاطر.
ما هي وظائف إدارة المخاطر المصرفيّة؟
تطوّرت إدارة المخاطر المصرفيّة في عصرنا الحالي حتى أصبحت علماً يدرس في الجامعات، وتبنى عليه آمال كثيرة؛ وذلك بهدف تخفيف حدّة هذه المخاطر، لكي تتمكّن المصارف التقليدية والإسلامية من القيام بوظائفها، وتحقيق الأرباح التي يعوّل عليها في استمرار عملها. ولأن لكلّ علم وظيفة وأهدافاً، كان لا بدّ لنا من الوقوف على وظائف إدارة المخاطر المصرفية وهي:
أ- وظيفة وقائية: وهي تعني الوقاية من المخاطر المتوقعة أو التي يمكن توقّعها قبل حدوثها. ويُطلق عليها كذلك وظيفة التحوّط من المخاطر ما إن يتمّ اتّخاذ القرارات. لكنّها يجب أن تؤثر في عملية اتّخاذ القرارات، لأنّ المهمّ هو رصد المخاطرة قبل وقوعها، واتخاذ القرار المناسب لها. نعطي مثالاً على ذلك دور الاستعلام في المصارف، سواء أكان عبر مصرف لبنان أو عبر شركات تقوم بهذا الدور، إذ إن المعلومات التي تعطى للمصرف تكون كفيلة بالوقاية من المخاطر المستقبلية، كما لو كان المدين طالب القرض عميلاً متعثراً، وحاول الحصول على قرض جديد من المصرف الثاني؛ فهنا الاستعلام قام بدور الوقاية من المخاطر المستقبليّة.
ب- وظيفة اكتشافية: لكشف المشكلات حال حدوثها، والتعرّف على النتائج غير المرغوب فيها، ودراسة مدى شدّة تأثيرها. هنا نتحدّث على اكتشاف المخاطر بعد منح القرض. في هذه الحالة، المصرف قدّم القرض للزبون، ولكن بعد فترة اكتشف تعثّره، فيقود الاكتشاف المبكر إلى الحلول السريعة؛ وهذا يعتمد على مدى فاعليّة جهاز إدارة المخاطر في المصرف.
ج – وظيفة تصحيحيّة لتدارك آثار المخاطر المكتشفة وتلافيها والعمل على عدم تكرارها. وتحصل هذه الحالة عند وجود ارتفاع في حالات التعثّر في قطاع معيّن، ممّا يحتّم على المصرف وقف التسليفات لهذا القطاع.
د – وظيفة مستقبلية: إذ إن إدارة المخاطر تزوّد المصارف بنظرة أفضل عن المستقبل. لهذا، تنبع أهمّية إدارة المخاطر من حقيقة أنّه من دونها سوف يكون تنفيذ الاستراتيجية مقصوراً على قواعد إرشاديّة تجاريّة من دون النظر إلى تأثيرها على مفاضلة المخاطرة والعائد الخاصّ فيها.
ه- وظيفة التحكّم بالمخاطرة: تعتبر وظيفة التحكّم بالمخاطرة عاملاً مهماً جدّاً في زيادة الأرباح والتنافس، لأنه من أسباب قياس المخاطر أنها تولد تكاليف مستقبليّة يجب أن تقدّر؛ وعندها يتمّ تحميلها للعملاء المستفيدين من القروض من المصرف؛ وهذا سبب ارتباط إدارة المخاطر الوثيق بقرارات التسعير.
و – استقراء الأحداث والمخاطر المرتقبة: “استقراء الأحداث المستقبلية المتوقعة، بغضّ النظر عن تأثيراتها الإيجابية (الفرص)، أو السلبية (المخاطر)، على أن تؤخذ بالاعتبار العوامل الداخلية (حجم المصرف أو المؤسّسة المالية، المؤسّسات المرتبطة، طبيعة النشاط، كفاءة الموظفين، مؤهّلاتهم، التغيّرات الإدارية المرتقبة، سلامة بيئة العمل…)، إضافة إلى العوامل الخارجية (تغيّرات في الظروف الاقتصادية، تطوّرات تكنولوجية وتشريعات جديدة…)، وتجميع الأحداث التي تمّ التعرف عليها، وإعادة توزيعها وفقاً لشرائح معيّنة، يسهل معها استخراج المخاطر منها، ثمّ دراسة هذه المخاطر كلاً على حدة، ومقارنتها ببعضها البعض لتحديد مدى تأثير كلّ منها على تحقيق الأهداف المحدّدة”.
وأخيراً ما هي أهداف إدارة المخاطر المصرفيّة؟
لا يوجد عمل من دون هدف. يُطلق مصطلح الهدف على النتائج الطويلة المدى المراد تحقيقها. وينبغي على برنامج إدارة المخاطر تحديد الأهداف المراد تحقيقها بهدف تخفيف الآثار المالية للخسارة عند وقوعها، وهي تكتسي أهميّة كبيرة خصوصاً في مجال القروض، بالنظر إلى أنّها تخفّف من التعثّر الذي بدوره ينعكس إيجاباً على سيولة المصرف؛ لذلك، فإنّ لإدارة المخاطر في المصارف التقليديّة والمصارف الإسلامية أهدافاً عديدة، نذكر منها:
أ- يعتبر الهدف الأول والأساس هو تقليل مخاطر الائتمان أو الديون المتعثرة كي تبقى هذه المخاطر ضمن الحدود المسموح بها، والتي تتناسب مع طاقة المصرف وقدرته على تحقيق الأرباح.
ب- المحافظة على الأصول الموجودة لحماية المستثمرين والمودعين والدائنين وإحكام السيطرة على المخاطر في الأعمال التي يقوم بها المصرف، والتي ترتبط بالأوراق المالية والقروض وغيرها من أدوات الاستثمار.
ج – تعظيم قيمة المصرف، إذ إن الهدف من إدارة المخاطر تعظيم القيمة السوقيّة للمصرف، وبثّ الاطمئنان في نفوس المستثمرين والمودعين والدائنين؛ فكلّما كانت قرارات إدارة المخاطر رشيدة وصائبة ارتفعت نسبة الثقة بالمصرف وتعاظمت أعماله.
في الختام، وفي ظلّ الظروف التي يمرّ بها بلدنا، لا بدّ من إيلاء وظيفة إدارة المخاطر الأهمّية الكافية، كي نستطيع الوصول إلى برّ الأمان، وكي تحلّ المشكلات في القطاع المصرفيّ اللبنانيّ، خصوصاً مشكلة المودعين ومشكلة الديون المتعثرة.
أحمد محمد قاسم
(*) متخصص في القروض والديون المتعثرة