أبرز البيانات الاقتصادية هذا الأسبوع

بعد أن شهدت الأسواق العالمية موجة بيعية خلال الأسبوع المنتهي في 16 من سبتمبر، تتجه الأنظار إلى أسبوع حافل بالبيانات الاقتصادية واجتماعات البنوك المركزية، ولعل الفدرالي الأميركي يترأس هذه الاجتماعات، حيث من المنتظر أن يستمر البنك بتشديد سياسته النقدية.

ويشهد الأسبوع الحالي بيانات مديري المشتريات الصناعي والخدمي والمركب في الدول الأوروبية وأميركا، مما يعطي مزيداً من الوضوح حول الركود المحتمل للاقتصادات المتقدمة.

جنازة الملكة إليزابيث الثانية- بريطانيا

تنطلق الإثنين 19 سبتمبر جنازة الملكة إليزابيث الثانية في لندن بحضور العديد من الرؤساء وكبار الشخصيات إضافة إلى أفراد العائلة المالكة، وستسود هذه المراسم واحدة من أكبر العمليات الأمنية في تاريخ المملكة لتأمين هذا الحدث، خاصة في ظل مشاركة العديد من قادة العالم.

وعلى غرار وفاة الملكة والحداد الذي قامت به المملكة، قام بنك إنكلترا على بتأجيل اجتماعه حول السياسة النقدية من 15 سبتمبر حتى 22 سبتمبر، ومن المتوقع أن يلجأ البنك الخميس إلى رفع معدلات الفائدة بنسبة 50 نقطة أساس لتصل إلى 2.25%  ليكون سابع رفع للفائدة على التوالي من قبل البنك. هذا وتعتبر معدلات الفائدة الحالية عند 1.75% الأعلى منذ عام 2009، فيما تصنف وتيرة رفع المركزي للفائدة بأنها الأشد منذ 1995.

وستراقب الأسواق عن كثب تحركات الجنيه الإسترليني خاصة مع تسجيله خلال الأيام الماضية أدنى مستويات له مقابل الدولار الأميركي في 37 عاماً، مع تصاعد دخول اقتصاد المملكة في ركود اقتصادي خلال الربع الأخير.

بيانات التضخم واجتماع المركزي الياباني

من المنتظر أن تصدر في 20 من سبتمبر بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في اليابان لشهر أغسطس، ومن المتوقع أن تسجل القراءة نمواً بنسبة 2.7% مقارنة مع الأرقام المسجلة في يوليو عند 2.4%. وبذلك تبتعد الأرقام تدريجياً عن مستهدف البنك عند 2%، الأمر الذي يزيد من الضغوط على بنك اليابان المركزي في ظل سياسته المتساهلة.

ولعل أبرز حدث تنتظره الأسواق اليابانية والعالمية هو اجتماع بنك اليابان القادم في 22 من سبتمبر، خاصة في ظل التقارير الصحفية الصادرة الأسبوع الماضي عن أن بنك اليابان قد أجرى فحصاً لسعر العملة مع البنوك، مما أعطى تلميحات إلى السوق أن المركزي قد يتدخل في سوق العملات لحماية الين الياباني، الأمر الذي دعم العملة للارتداد من أدنى مستوياتها مقابل الدولار في 24 عاماً.

ويعتبر بنك اليابان المركزي أحد أبرز البنوك الكبرى الذي ساهم  في عدة مرات بالتدخل في سوق العملات عبر التاريخ، ومن المتوقع أن يستمر البنك في سياسته النقدية المتساهلة عند معدلات فائدة سالب 0.10%، إلا أن الأسواق تراقب عن كثب إمكانية إشارة البنك حول التدخل في المستقبل بسوق العملات.

البيانات الاقتصادية في أميركا وأوروبا

تترقب الأسواق بيانات المنطقة الأوروبية خلال الأسبوع الحالي، حيث من المنتظر أن تصدر بيانات أسعار المنتجين في ألمانيا خلال 20 من سبتمبر والذي من المتوقع أن يرتفع إلى مستوى قياسي جديد عند 37.5% في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها برلين إضافة إلى بيانات الحساب الجاري لمنطقة اليورو في 20 من سبتمبر، فيما ستصدر بنفس اليوم بيانات التضخم في كندا والتي من المقرر أن تنخفض على أساس شهري من 7.6% إلى 7.3% خلال أغسطس  ليكون التراجع للشهر الثاني على التوالي.

وستتابع الأسواق أيضا البيانات الاقتصادية الأميركي على مدار الأسبوع والتي تتضمن  تصاريح البناء ومبيعات المنازل القائمة وطلبات إعانة البطالة.

أما في 23 من سبتمبر، فستشهد الأسواق صدور بيانات مؤشر مديري المشتريات في منطقة اليورو وألمانيا وبريطانيا وفرنسا ومنطقة اليورو إضافة إلى أميركا، وتعتبر البيانات ذات أهمية كبيرة خاصة مع تزايد المخاوف من دخول الاقتصادات الكبرى في ركود، ومن المتوقع أن تظهر بيانات الدول الأوروبية ومنطقة اليورو قراءات دون مستويات 50 نقطة، وهي تظهر انكماشاً في الأعمال والذي يكون مؤشراً على أن التباطؤ الاقتصادي قادم في المستقبل.

أما في أميركا فمن المتوقع أن تظهر القراءات تبايناً بين النمو الانكماش ومن غير المتوقع أن تكون البيانات إيجابية بشكل أكبر من الجانب الأوروبي.

اجتماع الفدرالي الأميركي وكلمة جيروم باول

لعل جميع الأنظار ستتركز خلال الأسبوع على اجتماع الفدرالي بين 20 و21 من سبتمبر، حيث من المنتظر أن يعلن الفدرالي قراره حول السياسة النقدية ومعدلات الفائدة يوم الأربعاء إضافة إلى المؤتمر الصحفي لرئيس الاحتياطي جيروم باول.

وستراقب الأسواق أيضاً البيان الصادر من البنك والذي سيشمل التوقعات المستقبلية للفدرالي في هذا الاجتماع والمعدلات التي قد تصل لها الفائدة خلال 2023، وتتوقع الأسواق أن يقدم الفدرالي على رفع الفائدة 75 نقطة أساس لتصل إلى مستويات بين 3-3.25%.

وكانت البيانات الصادرة الأسبوع الماضي حول التضخم والتي جاءت عند 8.3% في أغسطس قد صدمت الأسواق رغم تراجعها للشهر الثاني على التوالي، حيث ترى الأسواق أن وتيرة تباطؤ التضخم ما زالت غير مطمئنة الأمر الذي ساهم بدفع الأسواق لاستيعاب رفع الفدرالي الفائدة 75 نقطة أساس مرة جديدة. فيما ذهبت بعض المؤسسات ومن ضمنها Nomura اليابانية إلى التوقع أن يرفع الفدرالي الفائدة 100 نقطة أساس، وتشير توقعات CME Group إلى أن احتمالية رفع الفائدة 100 نقطة أساس تصل إلى 18% الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً للفدرالي حول سياسته النقدية الحالية.

قرارات بنوك مركزية أخرى

وبعد يوم واحد من قرار الفدرالي وتحديداً في 22 من سبتمبر، من المرتقب أن تعلن العديد من البنوك المركزية أيضاً قراراتها حول السياسة النقدية، ومن المنتظر أن يعلن المركزي السويسري عن مفاجأة من العيار الثقيل برفعه الفائدة 75 نقطة أساس ليصل إلى مستويات 0.50%، الأمر الذي سيخرجه من النطاق السالب للمرة منذ نهاية عام 2011.

وكان المركزي السويسري قد فاجأ الأسواق برفعه الفائدة 50 نقطة أساس للمرة الأولى منذ عام 2007، وذلك بهدف كبح معدلات التضخم والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها في 14 عاماً.

أما في تركيا فمن المنتظر أن يعلن المركزي عن قرار الفائدة والذي من المتوقع أن يبقى عند 13%، إلا أن الاجتماع الأخير للمركزي ورغم توقعات السوق بالإبقاء على الفائدة دون تغيير، إلا أنه فاجأ الأسواق بخفض الفائدة 100 نقطة أساس بعد حفاظه على المعدلات دون تغيير لسبعة اجتماعات متتالية الأمر الذي دفع الليرة لتسجيل أدنى مستوياتها تاريخياً.

وما زال التضخم في تركيا يسجل مستويات قياسية الأعلى منذ 1998 متجاوزاً حاجز 80%.

سند عليا

توقعات التضخم في أميركا تهبط لأدنى مستوى لها في عام

تراجعت توقعات التضخم على المدى القريب للمستهلكين الأميركيين إلى أدنى مستوى لها في عام واحد في سبتمبر، كما تحسنت التوقعات على مدى السنوات الخمس المقبلة، مما خفف المخاوف من أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يرفع أسعار الفائدة بنقطة مئوية كاملة الأسبوع المقبل، ووفقًا لاستطلاع جامعة ميشيغان الجمعة 16 سبتمبر.
وجاء الاستطلاع في أعقاب بيانات أظهرت زيادة مفاجئة في أسعار المستهلكين في أغسطس عن التوقعات، مما أثار مخاوف من أن التضخم المرتفع أصبح راسخًا.
وتراجع التضخم في أميركا لشهر أغسطس ليسجل 8.3% مقابل توقعات عند 8.1%.
وقالت جينيفر لي، كبيرة الاقتصاديين في BMO Capital Markets بتورونتو: إن تراجع التوقعات بشأن التضخم يقلل من حدة الدعوات لزيادة 100 نقطة أساس الأسبوع المقبل.

تراجع التوقعات

انخفضت قراءة استطلاع جامعة ميشيغان لتوقعات التضخم لسنة واحدة إلى 4.6%، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر 2021 من 4.8% في أغسطس.
وتراجعت توقعات التضخم لخمس سنوات للمسح إلى 2.8%، متراجعة دون نطاق 2.9%-3.1% للمرة الأولى منذ يوليو 2021.
وقال كونراد دي كوادروس، كبير المستشارين الاقتصاديين في  Brean Capitalبنيويورك: “من المرجح أن يجد الفدرالي الأميركي بعض الطمأنينة بأن توقعات التضخم المنخفضة لا يبدو أنها أصبحت بعيدة المنال”.
وبعد صدور قراءات قوية لأسعار المستهلكين لشهر أغسطس، توقعت الأسواق المالية احتمالية رفع الفدرالي الأميركي سعر الفائدة الأساسي بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماع السياسة في 20-21 سبتمبر الجاري، مع احتمال 100 نقطة.
كان الفدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في اجتماعيه في يونيو ويوليو. ومنذ مارس رفع هذا المعدل من قرب الصفر إلى النطاق المستهدف الحالي 2.25% -2.50%.

انخفاض الوقود

 

أظهر استطلاع جامعة ميشيغان أن معنويات المستهلكين تحسنت بشكل معتدل في سبتمبر مدفوعة بانخفاض أسعار البنزين.
وجاءت قراءته الأولية على المؤشر العام لثقة المستهلك عند 59.5 هذا الشهر، بارتفاع طفيف من 58.6 في أغسطس.
وكان اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم توقعوا قراءة أولية عند 60.0 في سبتمبر.
وقال سكوت هويت، كبير الاقتصاديين في Moody’s Analytics في بنسلفانيا: “مع استمرار انخفاض أسعار البنزين يجب أن ترتفع المعنويات أكثر”.
وأضاف” “ومع ذلك فإن مخاوف الركود، وارتفاع أسعار الفائدة والتراجع الوشيك في سوق العمل يمكن أن يحد من تحسن الثقة”.

الاحتياطي الفدرالي سيرفع الفائدة لمستوى يتراوح بين 4% إلى 4.25بالمئة

خفض بنك Goldman Sachs توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي عن عام 2023، كما رفع توقعاته لعمليات رفع الفائدة من جانب الاحتياطي الفدرالي.

وقال المصرف الأميركي في مذكرة نهاية الأسبوع الماضي إن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سيرتفع بنحو 1.1% في 2023 مقارنة بالتوقعات السابقة عند 1.5%.

وفيما يتعلق بسعر الفائدة، رفع البنك توقعاته بمقدار 75 نقطة أساس على مدار الأسبوعين الماضيين، إذ يرى أن سعر الفائدة سيتراوح ما بين 4% إلى 4.25% بحلول نهاية العام الجاري.

ورفع الاحتياطي الفدرالي معدل الفائدة في اجتماع يوليو تموز الماضي بمقدار 75 نقطة أساس لتتراوح الفائدة الفدرالية ما بين مستويات 2.25% و2.5%.

كما رفع البنك توقعاته لمعدل البطالة في أميركا لتعكس مستويات النمو المنخفضة، مشيراً إلى أنه سيصل إلى 3.7% بنهاية العام الجاري مقارنة بالتوقعات السابقة عند 3.6%.

وشدد أن معدل البطالة سيرتفع إلى 4.1% بحلول نهاية عام 2023 مقارنة بالتوقعات السابقة عند 3.8%، وعند مستويات 4.2% بنهاية 2024 مقابل التوقعات السابقة عند 4%.

وكشف تقرير الوظائف الأميركية عن أغسطس آب أن معدل البطالة سجل 3.5% مقابل توقعات بأن يبلغ 3.6%.

كيف تدير المصارف المخاطر الناجمة عن الديون المتعثرة؟

تعتبر إدارة المخاطر في #المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية من المسائل المهمّة جداً في ظلّ التطوّر الهائل في عالم التكنولوجيا والعولمة وانفتاح الأسواق. وقد استحوذت على اهتمام معظم المؤسّسات الماليّة والمصرفيّة نتيجة لهذا التطوّر، ولتشابك هذه المؤسّسات وانخراطها في الأسواق المالية، ونتيجة للأزمات التي حصلت؛ فتنامي سوق الائتمان ومنح القروض والتسهيلات التجارية أدّى إلى تنامي هذه المخاطر ناهيك بتنامي المشكلات الناتجة من التطوّر التكنولوجيّ، ممّا حتّم على هذه المؤسّسات البحث عن حلّ لهذه المخاطر، وإدارتها بطريقة سليمة تهدف إلى الحدّ منها، وتخفيفها من أجل تخفيف الخسائر ورفع نسبة الأرباح.
فالمخاطر ترافق حياة الإنسان من المهد إلى اللّحد؛ لذلك فهو يبحث عن هذه المخاطر ويعدّ العدّة لمواجهتها. وكذلك على الصعيد المصرفي، فإن مفهوم المخاطر بدأ يبرز دوره ويتعاظم نتيجة للانفتاح والعولمة وظهور مشتقات جديدة. فالمخاطر موجودة في كلّ مكان، ولا يمكن من دونها للمصرف أن ينمو ويتطوّر؛ فمن دون مخاطر لا يوجد أرباح. لذلك أصبحت المخاطر المالية حديث العصر، فشرعت لها المصارف إدارات تُعنى بها، وتعمل على تحديدها، وقياسها، والتقليل من آثارها.
إن موضوع إدارة المخاطر شغل بال المصرفيين، واستحوذ على اهتمامهم منذ أواخر القرن العشرين، خصوصاً في أعقاب الأزمات المالية التي عصفت بالعالم في أميركا وآسيا وأوروبا، ناهيك بالأزمات التي نمرّ بها حاليّاً، خصوصاً أزمة جائحة كورونا.
ما هو تعريف إدارة المخاطر المصرفية؟
عرّف الدكتور محمد سليم وهبي والدكتور كامل حسين كلاكش إدارة المخاطر بالفن، فهي “تتطلّب اختيار النموذج المناسب، ومحاولة تعميمه بنجاح وفاعلية في المؤسّسة، مع اعتبار الحيطة والحذر، بما يجعل إدارة المخاطر من الفنون القائمة على المعرفة الحقيقيّة للبيئة المصرفيّة والمكتسبة من خلال الكفاءة المهنية والخبرة”.
وعرّفت لجنة الرقابة على المصارف إدارة المخاطر بأنها: “التعرّف على الأحداث المرتقبة، والمخاطر المحتملة، وقياس هذه المخاطر، وتقدير الخسائر التي يُمكن أن تتأتّى عنها، وإدارتها، من أجل إبقاء هذه المخاطر عند مستوى معيّن يُمكن للمصرف أن يتحمّلها، وبالتالي مساعدة الإدارة العامة على اختيار النشاطات والأعمال المصرفيّة المَنْوِي القيام بها”.
ما أهميّة إدارة المخاطر المصرفيّة؟
 
أصبح وجود هذه الإدارة في القطاع الماليّ والمصرفيّ ضرورة ملحّة لأهميّتها في البحث والتخطيط والتنبّؤ وتخفيف الأضرار والخسائر، وإيجاد الحلول السريعة والناجعة لهذه المخاطر، ولبثّ الثقة بين المساهمين والمستثمرين. وقد باشرت المصارف المركزية رسالتها بهذا الخصوص، وفرضت على المصارف إيلاء إدارة المخاطر الأهميّة اللازمة لتكون جزءاً أساسيّاً من إدارة المصرف أو المؤسّسة المالية، وأوجبت إنشاء قسم لإدارة المخاطر في كلّ مصرف؛ وذلك بهدف تطوير إدارة المخاطر في القطاع المصرفيّ ال#لبنانيّ، وبشكل يستند إلى منهجيّة موحّدة، ترتكز على هيكليّة شاملة متماشية مع متطلّبات “بازل 2″، والمعايير المصرفيّة الدوليّة، بسبب الأهمية الأساسية والمتزايدة لإدارة المخاطر المصرفيّة، ولأن الرقابة على المصارف أصبحت في الوقت الحاضر ترتكز بشكل كبير على المخاطر.
تبرز أهميّة إدارة المخاطر من خلال العناصر الآتية:
أ- المساعدة على تشكيل رؤية مستقبليّة واضحة، يتمّ بناءً عليها وضع خطط سير العمل، وتنمية وتطوير الميزة التنافسيّة بين المصارف، عن طريق التحكّم بالتكاليف الحاليّة والمستقبليّة، التي تؤثر في ربحيّة المصارف.
ب- تقدير المخاطر والتحوّط ضدّها بما لا يؤثر على ربحيّة المصرف، والمساعدة على تشكيل رؤية واضحة للمخاطر، وبناء الخطة المناسبة لها.
ج – المساعدة على اتخاذ قرارات التسعير والمعرفة المتزايدة للمخاطر، وفهمها، ووضع المنهج أو البرنامج المناسب لاتّخاذ القرارات، التي تقلّل من إحداث الفوضى.
د – مساعدة المصرف على احتساب معدّل كفاية رأس المال، وفقاً للمقترحات الجديدة للجنة “بازل”، وبما يتّفق مع الطبيعة المميّزة للمصارف الإسلامية.
ه – إن عملية اتّخاذ القرارت المتعلّقة بالمخاطر تتّفق مع استراتيجية المصرف، وأن يكون العائد متناسباً مع درجة المخاطر.
ما هي وظائف إدارة المخاطر المصرفيّة؟
تطوّرت إدارة المخاطر المصرفيّة في عصرنا الحالي حتى أصبحت علماً يدرس في الجامعات، وتبنى عليه آمال كثيرة؛ وذلك بهدف تخفيف حدّة هذه المخاطر، لكي تتمكّن المصارف التقليدية والإسلامية من القيام بوظائفها، وتحقيق الأرباح التي يعوّل عليها في استمرار عملها. ولأن لكلّ علم وظيفة وأهدافاً، كان لا بدّ لنا من الوقوف على وظائف إدارة المخاطر المصرفية وهي:
أ- وظيفة وقائية: وهي تعني الوقاية من المخاطر المتوقعة أو التي يمكن توقّعها قبل حدوثها. ويُطلق عليها كذلك وظيفة التحوّط من المخاطر ما إن يتمّ اتّخاذ القرارات. لكنّها يجب أن تؤثر في عملية اتّخاذ القرارات، لأنّ المهمّ هو رصد المخاطرة قبل وقوعها، واتخاذ القرار المناسب لها. نعطي مثالاً على ذلك دور الاستعلام في المصارف، سواء أكان عبر مصرف لبنان أو عبر شركات تقوم بهذا الدور، إذ إن المعلومات التي تعطى للمصرف تكون كفيلة بالوقاية من المخاطر المستقبلية، كما لو كان المدين طالب القرض عميلاً متعثراً، وحاول الحصول على قرض جديد من المصرف الثاني؛ فهنا الاستعلام قام بدور الوقاية من المخاطر المستقبليّة.
ب- وظيفة اكتشافية: لكشف المشكلات حال حدوثها، والتعرّف على النتائج غير المرغوب فيها، ودراسة مدى شدّة تأثيرها. هنا نتحدّث على اكتشاف المخاطر بعد منح القرض. في هذه الحالة، المصرف قدّم القرض للزبون، ولكن بعد فترة اكتشف تعثّره، فيقود الاكتشاف المبكر إلى الحلول السريعة؛ وهذا يعتمد على مدى فاعليّة جهاز إدارة المخاطر في المصرف.
ج – وظيفة تصحيحيّة لتدارك آثار المخاطر المكتشفة وتلافيها والعمل على عدم تكرارها. وتحصل هذه الحالة عند وجود ارتفاع في حالات التعثّر في قطاع معيّن، ممّا يحتّم على المصرف وقف التسليفات لهذا القطاع.
د – وظيفة مستقبلية: إذ إن إدارة المخاطر تزوّد المصارف بنظرة أفضل عن المستقبل. لهذا، تنبع أهمّية إدارة المخاطر من حقيقة أنّه من دونها سوف يكون تنفيذ الاستراتيجية مقصوراً على قواعد إرشاديّة تجاريّة من دون النظر إلى تأثيرها على مفاضلة المخاطرة والعائد الخاصّ فيها.
ه- وظيفة التحكّم بالمخاطرة: تعتبر وظيفة التحكّم بالمخاطرة عاملاً مهماً جدّاً في زيادة الأرباح والتنافس، لأنه من أسباب قياس المخاطر أنها تولد تكاليف مستقبليّة يجب أن تقدّر؛ وعندها يتمّ تحميلها للعملاء المستفيدين من القروض من المصرف؛ وهذا سبب ارتباط إدارة المخاطر الوثيق بقرارات التسعير.
و – استقراء الأحداث والمخاطر المرتقبة: “استقراء الأحداث المستقبلية المتوقعة، بغضّ النظر عن تأثيراتها الإيجابية (الفرص)، أو السلبية (المخاطر)، على أن تؤخذ بالاعتبار العوامل الداخلية (حجم المصرف أو المؤسّسة المالية، المؤسّسات المرتبطة، طبيعة النشاط، كفاءة الموظفين، مؤهّلاتهم، التغيّرات الإدارية المرتقبة، سلامة بيئة العمل…)، إضافة إلى العوامل الخارجية (تغيّرات في الظروف الاقتصادية، تطوّرات تكنولوجية وتشريعات جديدة…)، وتجميع الأحداث التي تمّ التعرف عليها، وإعادة توزيعها وفقاً لشرائح معيّنة، يسهل معها استخراج المخاطر منها، ثمّ دراسة هذه المخاطر كلاً على حدة، ومقارنتها ببعضها البعض لتحديد مدى تأثير كلّ منها على تحقيق الأهداف المحدّدة”.
 
وأخيراً ما هي أهداف إدارة المخاطر المصرفيّة؟
لا يوجد عمل من دون هدف. يُطلق مصطلح الهدف على النتائج الطويلة المدى المراد تحقيقها. وينبغي على برنامج إدارة المخاطر تحديد الأهداف المراد تحقيقها بهدف تخفيف الآثار المالية للخسارة عند وقوعها، وهي تكتسي أهميّة كبيرة خصوصاً في مجال القروض، بالنظر إلى أنّها تخفّف من التعثّر الذي بدوره ينعكس إيجاباً على سيولة المصرف؛ لذلك، فإنّ لإدارة المخاطر في المصارف التقليديّة والمصارف الإسلامية أهدافاً عديدة، نذكر منها:
أ- يعتبر الهدف الأول والأساس هو تقليل مخاطر الائتمان أو الديون المتعثرة كي تبقى هذه المخاطر ضمن الحدود المسموح بها، والتي تتناسب مع طاقة المصرف وقدرته على تحقيق الأرباح.
ب- المحافظة على الأصول الموجودة لحماية المستثمرين والمودعين والدائنين وإحكام السيطرة على المخاطر في الأعمال التي يقوم بها المصرف، والتي ترتبط بالأوراق المالية والقروض وغيرها من أدوات الاستثمار.
ج – تعظيم قيمة المصرف، إذ إن الهدف من إدارة المخاطر تعظيم القيمة السوقيّة للمصرف، وبثّ الاطمئنان في نفوس المستثمرين والمودعين والدائنين؛ فكلّما كانت قرارات إدارة المخاطر رشيدة وصائبة ارتفعت نسبة الثقة بالمصرف وتعاظمت أعماله.
في الختام، وفي ظلّ الظروف التي يمرّ بها بلدنا، لا بدّ من إيلاء وظيفة إدارة المخاطر الأهمّية الكافية، كي نستطيع الوصول إلى برّ الأمان، وكي تحلّ المشكلات في القطاع المصرفيّ اللبنانيّ، خصوصاً مشكلة المودعين ومشكلة الديون المتعثرة.
أحمد محمد قاسم
(*) متخصص في القروض والديون المتعثرة

دوّامات أسعار الصرف والدولار الجمركي

يشتعل المشهد اللبنانيّ بحركات تمرّد يقوم بها موظّفو الخدمة المدنيّة، فهم غير راضين عن احتساب رواتبهم وفق المعدل الرسميّ (الوهميّ) لسعر صرف الليرة اللبنانيّة، أي ١٥٠٧,٥ ليرة لبنانيّة للدولار الأميركيّ، في حين أنّ جميع أسعار السلع الأساسيّة والكماليّة تُسعّر وفق سعر صرف السوق. لذلك، يواجه الموظّفون ما يرونه ظلمًا، بواسطة تعطيل سير المعاملات الرسميّة سواء بالإضرابات المفتوحة، أو بالتململ في التعامل مع المواطن نفسه.

أمّا الطبقة السياسيّة فهي مصمّمة على استخدام كافّة الوسائل المتاحة لديها لزيادة الواردات العامّة إلى خزينة الدولة، من دون المباشرة بالإصلاحات التي اشترطها صندوق النقد الدوليّ مقابل أيّ مساعدة يُبادر بها لوقف دوّامات الانهيار الآخذة بالاشتداد. فالحكومة ما تزال تعمل بمبدأ «حبر على ورق»، فموافقتها المبدئيّة على مقترحات صندوق النقد الدوليّ لم تشهد أيّ تحرّكاتٍ ملموسة على الصعيد العمليّ، لدرجة أنّ مؤسّساتها تزداد فقرًا وتُعلن حالة عجزها، ومكاتبها خَلت من «الحبر» ومن «الورق» وأصبحت معها معظم الدوائر بحكم المُعطَّلة.

 

عمليًّا، أبلغ بعض التجّار ومزوّدي الخدمات عملاءهم وزبائنهم أنّ الدولار الجمركيّ سيُحتسب وفق المعدّلات الجديدة المتصاعدة على وقع الإشاعات، فقد توقّعوا الموافقة على مشروع الموازنة منذ بداية العام، رغم أنّنا وصلنا إلى نهاية الشهر الثامن من دون أيّ انفراجات تلوح في الأُفق بهذا الشأن. ونستغرب هنا مصدر المعلومات الذي اعتمده هؤلاء التجّار لتحديد أسعارهم، من دون ظهور أيّ قراراتٍ رسميّة. كما أنّ هذه الإشاعات تبقى ضبابيّة، لأنّ ثمّة وعوداً بوجود حوالى ٦٠٠ سلعة أساسيّة مُعفاة من هذه الرسوم، وعلى المواطن أو التاجر تخمين ما هي السلعة الأساسيّة مع حكومة قَلّلت الدعم عن الأدويّة الأساسيّة وحليب الأطفال، وأبقته على بعض الكماليّات الغذائيّة. وما هي الأمور الكماليّة في عصر بات الهاتف المحمول من الأساسيّات ولو أنّه يأتي مستوردًا، والسيّارة ضرورة في ظلّ غياب وسائط النقل العامّة بوجهٍ مناسب؟

 

من الواضح أنّ الضريبة الجمركيّة هي ضريبة متغيّرة يعتمد فرضها على المعاهدات الدوليّة بين لبنان والاتّحاد الأوروبيّ، واتّفاقيّات التجارة الحرّة بين لبنان وبعض الدول العربيّة. إذ تنصّ هذه المعاهدات على الإلغاء التدريجيّ للضرائب الجمركيّة على مجموعة من البنود المحدّدة في مختلف القطاعات. وعليه، فإنّ السلع المستوردة من الدول المُعفاة من الرسوم الجمركيّة لن تتأثّر بأيّ تعديل في سعر صرف الدولار الجمركيّ، بل ستتأثّر بزيادة ضريبة القيمة المضافة التي لن يتمّ احتسابها بعد الآن على سعر الصرف الرسميّ للدولار الأميركيّ. كما أنّ بعض المنتجات معفاة من الرسوم الجمركيّة – بما في ذلك بعض المنتجات المستهدفة بموجب الاتفاقيّات التجاريّة المبرمة مع الحكومة اللبنانيّة – بينما تخضع منتجات أُخرى لضرائب قد تصل إلى 70% من سعرها قبل الضريبة بما في ذلك رسوم النقل والموانئ.

 

كما أنّنا نرى أنّ مصادر اقتصاديّة عدّة تتّفق في انتقادها النهج الذي تتّبعه الحكومة اللبنانيّة في إعداد مشروع الموازنة، وتحديد سعر الدولار الجمركيّ. فعلى الرغم من أنّ وزارة الماليّة أرادت الاقتراب من معدّل صرف يعكس الواقع الاقتصاديّ، إلّا أنّها فضّلت نهج الإنفاق على الإيرادات وليس العكس. وفي السياق نفسه، كان من الأفضل إجراء تخفيضات تدريجيّة في فاتورة أجور القطاع العامّ، وهي التخفيضات التي أوصَت بها في مناسبات عدّة منظّمات دوليّة مختلفة، بما في ذلك البنك الدوليّ.

 

من ناحية أُخرى، نجد أنّ ارتفاع معدّل صرف الدولار الجمركيّ لن يكون دوّامة مستقلّة ذات تأثيرات محدودة، بل ستتوسّع آثاره السلبيّة لتشمل الحلقة الاقتصاديّة الكليّة. إذ سيؤدّي ارتفاع سعر صرف الدولار الجمركيّ إلى تحويل الطلب على المنتجات المستوردة إلى الأصناف البديلة المنتجة محليًّا كأوّل ردّة فعل طبيعيّة. بالتأكيد، هذا ما نشهده اليوم في حالة القبول عند غالبيّة اللبنانيّين الذين تآكلت قوّتهم الشرائيّة بشكلٍ كبير، إذ باتوا يُقبلون على شراء منتجات لبنانيّة الصنع، مُسترجعين شعار «بتحبّ لبنان… حِبّ صناعتو» رغم أنّهم مسيّرون بخيارهم وليسوا مخيّرين.

 

هذا ما سيؤدّي إلى انخفاض حجم الواردات ولن تتحقّق الإيرادات المتوقّعة من زيادة الضريبة الجمركيّة، كما هو متوخّى في مقدّمة مشروع الموازنة. علمًا أنّ لبنان الذي لم تعرف حكوماته المتعاقبة كيفيّة ضبط حدوده، قد وصل حجم الاقتصاد غير الشرعي إلى أربعة أضعاف نظيره الشرعيّ، ولنا أن نتخيّل كيف ستكون حركة التهريب مع ارتفاع الدولار الجمركيّ.

 

عادةً ما تؤدّي الضرائب المفروضة على الاقتصادات الضعيفة، مثل الاقتصاد اللبنانيّ اليوم، إلى انخفاض الاستهلاك، وتقود المواطنين إلى دوّامة من الركود التضخّمي، يصعب جدًّا الخروج منها. مع العلم أنّ الزيادة في الدولار الجمركيّ ستؤثّر على كلّ حلقة من حلقات سلسلة الإنتاج المحلّي، وكلّ رابط في السلسلة التجاريّة. لكن من ناحية أُخرى، يُطرح السؤال، لماذا لا تُفرض ضرائب تصاعديّة تكون كفيلة بجلب الإيرادات المتوقّعة على خزينة الدولة بطريقة عادلة، وتخفّف من وطأة هذه القرارات على الطبقتين الفقيرة والمتوسّطة؟

 

يجب أن نذكّر أنّ معدّل صرف الدولار الجمركيّ لا يزال متوافقًا مع سعر الصرف الرسميّ، لكنّ المسؤولين أرادوا رَفعه دفعةً واحدة ليتطابق مع سعر صرف الدولار الأميركيّ وفق منصّة «صيرفة» التي يديرها مصرف لبنان، والذي يبلغ حتّى هذه اللحظة ٢٦٥٠٠ ليرة مقابل الدولار الأميركيّ. علمًا أنّ هذه القيمة ما تزال قليلة لأنّ سعر الصرف في السوق السوداء الموازية الذي تخطّى ٣٤٠٠٠ ليرة في نهاية الأسبوع المنصرم، والذي شهد ارتفاعًا حادًّا في الأيّام الأخيرة، في خضمّ تقليص ما تبقّى من دعم على البنزين، ورجوع المغتربين، وإخفاق التوقّعات للموسم السياحيّ الصيفيّ، وغيرها من عوامل فقدان الثقة بالعملة المحليّة.

 

في سياق الفترة الانتقاليّة التي ستبدأ فيها الحكومة اللبنانيّة في تعديل سعر الدولار الجمركيّ، يجب أن تأخذ في حسبانها شرطين أساسيّين: انخفاض القوّة الشرائيّة بسبب التضخّم والاستهلاك، إذ بلغ معدّل التضخّم ٢١٠,٨ ٪ في نهاية شهر حزيران بحسب المعدّل السنويّ، كما فقدت العملة حوالى ٩٥ ٪ من قيمتها منذ العام ٢٠١٩. يُضاف إليها المطالب المشروعة لموظّفي الخدمة المدنيّة في زيادة رواتبهم. كما أنّ معدّلات التضخّم لن يقابلها زيادة في احتياطات العملة الأجنبيّة، مما سيُجبر البنك المركزيّ على ضخّ أكبر لليرة اللبنانيّة.

 

كما أوصت المنظّمات الاقتصاديّة بتحديد سعر صرف الليرة اللبنانيّة بمعدّل ٨٠٠٠ ل.ل. للدولار الأميركيّ قبل رفعه تدريجاً إلى السعر المطلوب، وهو ما قامت به فعلاً بعض الشركات لكن بشكلٍ غير رسميّ منذ بداية العام ٢٠٢٢. من الناحية المثاليّة، سيكون من الأفضل توحيد سعر الصرف وتعديله بحسب سعر صرف السوق، وتقليل الرسوم الجمركيّة لتجنّب التأثير الكبير على الأسعار بالعملة المحلّيّة.

 

إنّ معظم التحليلات الاقتصاديّة تجد أنّ الزيادة في سعر صرف الدولار الجمركيّ أمرٌ لا مفرّ منه، حتّى لو لم تتحقّق الأهداف المباشرة المرجوّة منه التي من أجلها فُرضت هذه الضريبة… لكنّ ثمّة نظرة اقتصاديّة مغايرة، ترى أنّ الرسوم الجمركيّة تضرّ أكثر ممّا تنفع البلدان التي تطبّقها. فلطالما واجه الاقتصاد العالميّ احتمال أن تتنافس بعض البلدان على أسواق التصدير بفرض أسعار منخفضة بوجهٍ مُصطنع. إذ يقترح الخبراء الاقتصاديّون فرض رسوم لتعويض خزينة الدولة، غالبًا ما يفشل مؤيّدو هذا القرار في إدراك أنّ مثل هذه الرسوم ستكون ضارّة جدًّا بالاقتصاد المحلّي على المدى البعيد. فعلى نحوٍ غير متوقّع، يمكن أن تكون الآثار السلبيّة على لبنان كبيرة، حتّى ولو التزم التجّار بدفع ما يترتّب عليهم من رسوم خاصّة.

 

يكمن أحد العيوب الرئيسيّة لهذه الرسوم الجمركيّة، انّها ولو قادت إلى دعم الصناعات المحليّة التي تتنافس بشكلٍ مباشر مع بعض السلع المستوردة، فإنّها مع ذلك ستمارس تأثيرًا مخفّفًا بشكلٍ عام وتقلل الإنتاج، والاستثمار، والعمالة في الاقتصاد ككلّ. قد تبدو هذه النتائج مفاجئة على المدى البعيد، فبعد تحويل الطلب إلى السلع المنتجة محليّاً ورفع أسعار الواردات المنافسة، لن تؤدّي الرسوم الجمركيّة إلى زيادة الإنتاج والعمالة مع عدم القدرة على التحكّم بالتضخّم. فقد لاحظ روبرت مونديل، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد للعام ١٩٩٩، أنّه من خلال الوعد بتحسين ميزان المدفوعات الأساسيّ في البلد المستورد، ستُعزّز مكانة العملة المحليّة في سوق صرف العملات الأجنبيّة، ممّا قد يُقلّل من الناتج المحلّي الإجماليّ، والعمالة، وفي هذه الحالة يؤدّي إلى تفاقم العجز التجاريّ في نهاية المطاف.

 

في الأفق البعيد، ليس لدى لبنان سوى تعديل معدّلات الصرف. في المقابل يراوغ القطاع الخاصّ ليجد سعر الصرف الأنسب بين ٨٠٠٠ ل.ل أو ١٢٠٠٠ ل.ل مقابل الدولار الأميركيّ. كما أنّ إجراءات الزيادة تؤثّر على المنتجات الفاخرة من دون إعطاء مزيد من التفاصيل، مؤكّدًا على أنّ سعر صرف الدولار الجمركيّ قيد الدراسة حاليًّا ليبلغ ٢٠,٠٠٠ ل.ل للدولار الأميركيّ. ومع ذلك، سيكون الأمر متروكًا لوزارة الماليّة ورئيس الحكومة، وحاكم مصرف لبنان.

 

هكذا نجد أنّ لبنان تتجاذبه دوّامتين في ظلّ تعثّره الاقتصاديّ، فإمّا أن يوحّد أسعار الصرف التي قد تعدّدت بتعدّد الاستخدامات والمصطلحات، أو بتطبيق بعض القوانين الاستثنائيّة لضبط قيمة الدولار الجمركيّ، الأمر الذي تطلّب الاتّفاق بين وزير الماليّة وحاكم مصرف لبنان. على أيّ حال ستقع التداعيّات الاقتصاديّة على المواطن اللبنانيّ الذي ينحدر أكثر فأكثر نحو حالة فقرٍ غير مسبوق.

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ انهيار الدولة حاصل لا محالة، وقد تشابه في سقوطها ما حصل مع صوامع القمح في مرفأ بيروت، فهي في بادئ الانفجار الاقتصاديّ خرجت عن العمل، وحاولت الصمود لفترة، لكنّنا نشهد في الفترات الأخيرة سقوطها مؤسّسةً تلو الأخرى، حتّى تُصبح أطلالًا تحتاج إلى من يسندها. فالدولة غير القادرة على تمويل رواتب الخدمة المدنيّة هي بحكم المنهارة.

 

كما أنّ مسلسل تعديل الرسوم الجمركيّة لا يقوم على بطولات وهميّة، فإن بادر أحد الأطراف بطرحه، أو «تلبيسه» لطرفٍ آخر، فلا ننخَدع من الأطراف الرافضة من الحلقة السياسيّة التقليديّة، التي تذرّعت بضرورة الرفع التدريجيّ للرسوم الجمركيّة، ردعًا للنتائج الكارثيّة، أو ضرورة دراسة تبعات هذا الارتفاع، في حين أنّ غالب قراراتهم لم تعرف لا دراسة… «ولا هُم يحزنون»، وفي عهدهم اتّسعت الهوّة بين طبقات المجتمع، فجُلّ آمالها هي تبييض صفحتها قبل مغادرتها المشهد السياسيّ، وانّ الحفاظ على ورقة التين لن يستر تاريخها الجائر بحقّ المواطن… إذ أخذته معها إلى جهنّم.

البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ

 

بين اقتصادين… متعثر وجيد

حين نفكر في الاقتصاد نفكر عادةً في العوامل الجغرافية، والبيئية. حجم الموارد الطبيعية، طبيعة المناخ، الإمكانات السياحية. وكلها عوامل مهمة فعلاً، لكنها لا تصنع اقتصاداً جيداً بالمفهوم المعاصر لكلمة اقتصاد. وهو مفهوم تميز بتجاوزه للقيم الريعية (الحسابية) المجردة، ليكتشف ويقيِّم القيم المعنوية والاجتماعية والإدارية التي تصنع اقتصاداً جيداً، كالتنافسية، وآداب العمل، والانفتاح، وسعة الأفق. يقيِّمها، أي يحولها إلى قيمة مادية رقمية.
لو تابعنا الخطاب النخبوي في الأمم المتعثرة اقتصادياً، سنجد أن أهم ما يميزه التركيز على النوع الأول من العوامل الاقتصادية؛ الموارد الطبيعية. وسنجد أن تشخيصه للداء الاقتصادي ينصبّ أيضاً على ندرة الموارد أو «عدم استغلال الموارد»، أو «سرقة الموارد». لا أنفي احتمال أن يكون هذا وذاك سبباً حقيقياً في الفقر الاقتصادي. ما أعارضه هنا أن يكون السبب الوحيد، أو حتى السبب الأرجح. هذا كسل فكري مريح، لكنه مهلك، محدود التفكير الأخلاقي، ومحدود الخيال، ولا يبعث على الأمل في تغيير الحال.
تحدثنا سابقاً عن القيمة الأخلاقية للتنافسية في صياغة منظومة أخلاقية تمجّد حس المسؤولية والاجتهاد لدى الأفراد، تمجّد ملكية الشخص لنجاحه، وملكيته لفشله، وملكيته لما بينهما من درجات اليسر والعسر، وقيمتها في نبذ التواكل والشعور بالاستحقاق. عن قيمة التنافسية في تعزيز فكرة الجودة والإتقان، وفكرة العدالة الطبيعية. وعن قيمة التنافسية في توسيع أفق الابتكار واكتشاف المواهب داخل المجتمع، وبالتالي قيمتها في توسيع المشاركة. كل هذه الفوائد لها قيم مادية لا تقل أهمية عن قيمة الموارد البيئية والنصيب الجغرافي.
بعض الدراسات الاجتماعية ركز على ما يسمى «رأس المال المجتمعي». وهو مصطلح يبحث في شكل الأواصر بين الأفراد داخل مجتمع ما، وعلاقة هذا بالأداء الاقتصادي للبلد. هناك علاقة طردية بين قدرة المجتمعات على بناء منظومات اجتماعية تطوعية يتعاون فيها الأفراد، وبين قدرتها على التطور الاقتصادي. يمكن ببساطة فهم السبب. المجتمع المتزاور المتعاون مجتمع أكثر تمتعاً بالتآلف والثقة بين أفراده. وهما صفتان إن غابتا عن مجتمع انقلب على نفسه تناحراً، وانقلب على ضيوفه نافراً منفراً. إن كانت ثقافة المجتمع تُشيع -لأسباب مختلفة- عدم الثقة بين فئاته، رجاله ونسائه، أو أبناء الأديان والطوائف المختلفة فيه، فكيف تتوقع أن تشيع الثقة مع الغرباء وترحب بهم؟
الثقة إذن عامل «مادي» أساسي في الحسابات الاقتصادية. عامل يمكن للفرد أن يتخيله بسهولة في دائرته المحدودة، حيث البقال الأمين الموثوق أنجح من البقال الغشاش. لكننا لا نولي هذه القيمة الاجتماعية الأخلاقية حقها من التقييم المادي حين نتحدث عن الإدارة الاقتصادية للدول، وعن الكفاءة الاقتصادية للمجتمعات، كما نفعل مع «الموارد الطبيعية». السبب في هذا بسيط. نتخيل الاقتصاد بقيم مادية واضحة يمكن حسابها، ولا نتخيل دور القيم التي تحتاج إلى خيال لحسابها، والمسماة «اليد الخفية للسوق».
لو كان للاقتصاد -من هذا المنطق- كتاب مقدس، لكانت افتتاحيته «في البدء كانت الثقة». تحت هذا المتن ضع من الشروح ما شئت. تكلم عن دور الدولة في طمأنة أصغر مشارك في الاقتصاد إلى أكبر مشارك فيه إلى أن رأسماله لن يضيع بسبب قرار مفاجئ، يعطل له تجارته، أو بسبب مزاحمة من مركز نفوذ يريد أن يحتكر كل قطاع رابح، أو بسبب غموض القانون وغشاوة اللوائح.
عدم اكتراث دولة بقيمة الثقة لا ينبع من عدم أهلية ساستها للثقة، بل ينبع غالباً من غياب هدف إشاعة الثقة من لائحة أهدافهم. أحياناً لأسباب تتعلق بروافد ثقافتهم الاقتصادية. الساسة ذوو الأفكار الاشتراكية، ينصبّ جهدهم الاقتصادي على تعزيز دور الإدارة المركزية في تنفيذ المشاريع. يهتمون بالثقة المتبادلة بين أفراد هذا الجهاز البيروقراطي، وينتهي اهتمامهم بالثقة عند محيط تلك الدائرة. ينظرون إلى المجتمع كأنه كيان منفصل عن الدولة، كانفصال المولود عن أمه. يعدّونه كياناً مَعَولاً لا كياناً منتجاً، يعجزون عن رؤية طموح الفرد منفصلاً عن طموح المركز. لو كانت الإدارة المركزية نواة في ذرّة، لخمل العالم، وضاقت مدارات الإلكترونات، وانتحرت التفاعلات الكيميائية، لحدث المستحيل وعثرت في الطبيعة على ذرة مستقلة، أو على نواة تعتقد أنها إلكترون. المشكلة الكبرى في هذه النظرة أنها نظرة لا تنبع غالباً من شر محسوس، بل من نية طيبة، لكنها فاشلة إدارياً ومدمرة اقتصادياً. الأعمال في الاقتصاد ليست بالنيات.
ثم إن ثقافة كيان جغرافي تشبه هواءه ونهره. يتنفسها الجميع، ويتشربها الجميع. المجتمع الذي لا يسمع ولا يرى ولا يلمس أهمية الثقة في كل قرار يومي لا يلتفت إليها. قد يتحدث عنها في خطب الجمع أو مراجعات السبت أو مواعظ الأحد، لكنه في واقعه العملي يمجد الغش. لا تسارعوا إلى إساءة الظن به، فلن يستسيغ مدح الغش باسمه الحقيقي، سيسميه «شطارة»، سيسميه «فهلوة»، سيسميه «تقليب رزق»، سيسميه «على قد فلوسهم».
غياب الثقة بين أفراد ومؤسسات الكيان الجغرافي الواحد يجعل التنبؤ بالقيم الحاكمة لتعامله مع الغرباء قصة قصيرة، حزينة. رغم أن حبكتها سهلة، وعبرتها حاضرة. إن رأى رأس المال القادم، لكي يبادل النفع بالنفع سابقاً عليه، أُضير في هذه المبادلة فلن يخاطر بتقليده، ولن يصغي إلى كلمات الترحيب. احسبْ الضرر الاقتصادي بنفسك. راجع أرقام ونوعية الاستثمار الأجنبي، وأرقام السياحة.
الثقة إذن هي الهدف الأول. والهدف الأول هو الثقة. هذه ليست جملة إنشائية. بل جملة اقتصادية معاصرة تعبر بطريقة مبسطة عن الخطوة الأولى في التفكير الاستراتيجي لبناء اقتصاد. الثقة كلمة على كل مسؤول أن يرددها لنفسه كما يردد عابدٌ أذكار الصباح والمساء. الثقة لا تصلح أن تكون ضحية جانبية. لا تصلح لدور رهينة في مساومة لشراء الوقت. الثقة هي العقد غير المكتوب، قبل العقد المكتوب، وبعد العقد المكتوب.

خالد البري