متابعة قراءة نمو الاقتصاد الصيني قد يتراجع دون 4% على المدى المتوسط بدون إصلاحات هيكلية
الأرشيف الشهري: سبتمبر 2023
فرنسا تعتزم بيع الوقود بأقل من تكلفته لاحتواء التضخم
الممر الاقتصادي التاريخي
في حدث تاريخي في قمة مجموعة العشرين، وقّعت السعودية مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة لإنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند وأوروبا. شارك في مذكرة التفاهم كل من الهند، والاتحاد الأوروبي، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا. وقد وُصف هذا الحدث بأنه محوري وتحولي في الخريطة اللوجستية العالمية. شرارة هذه المذكرة كانت خلال قمة الرياض العام الماضي التي حضرها الرئيس الأميركي، واستكمل بعدها العمل حتى الآن لصياغة الاتفاق بما يتواءم مع احتياجات وطموحات الدول المشاركة. لكن ما هي الممرات الاقتصادية؟ وما هي الفائدة التي ترجوها الدول المشاركة من استحداث الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا؟
تهدف الممرات الاقتصادية إلى توفير روابط لوجستية بين الدول المشاركة فيه لتحقيق التكامل الاقتصادي، ما يسهم في الارتقاء بالبنى التحتية من خلال بناء شبكات طرق وسكك حديدية وتطوير الموانئ لزيادة تدفق السلع بين الدول وتعزيز التبادل التجاري فيما بينها. تصاحب ذلك زيادة في الوظائف وفرص استثمارية وشراكات متعددة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، أي أن هذا الممر يخلق حراكاً اقتصادياً من بداية إنشائه حتى تشغيله في المستقبل. ولا يمكن إغفال الجانب الاستراتيجي، فالممرات الاقتصادية الفعّالة يجب أن تكون بين دول مستقرة سياسياً، وعلى وفاق بعضها مع بعض، ويلاحظ أن روسيا في الآونة الأخيرة عمدت إلى تفعيل (ممر النقل بين الجنوب والشمال) مع دول أوراسيا لزيادة تدفق السلع بين هذه الدول، وتقليل الاعتماد على التبادل التجاري مع الغرب. وما يضاف إلى الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا، أنه يتعدى خطوط النقل إلى مشاريع الطاقة المتجددة، وشبكات الإنترنت وغيرها. أي أنه صُمم ليكون شراكة استراتيجية لجميع الدول المشاركة فيه.
وعلى الرغم من أن الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا صُمم ليخدم جميع الدول المشاركة فيه بشكل متساوٍ، فإن كل دولة لها منفعة إضافية من إنشائه. ابتداء من الهند، التي تطمح إلى أن يزيد هذا الممر من تبادلها التجاري مع أوروبا بنسبة 40 في المائة، إما من خلال تصدير ما تمتلكه من فائض في سعتها الإنتاجية، أو من خلال نقل صناعات من الاتحاد الأوروبي إليها. وستمتلك أيضاً ميزة تنافسية على الصين التي تراها منافساً اقتصادياً لها. أما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فقد سعيا لفترة طويلة إلى إيجاد مشروع منافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي يرون فيها زيادة للنفوذ الصيني. وقد كان ناقوس الخطر لهذه الدول حين انضمت إيطاليا إلى المبادرة الصينية في 2019، وقد تعلن انسحابها نهاية العام الحالي. ولذلك، فقد استحدثت عام 2020 مبادرة أسمتها «إعادة بناء عالم أفضل» (Build Back Better World)، قبل أن تعيد تسميتها العام الماضي إلى «الشراكة العالمية للبنية التحتية»، وهي تهدف إلى بناء ممرات اقتصادية لتسهيل تدفق السلع بين الدول، ولا سيما الدول النامية. والدول الغربية لا تخفي رغبتها.
ولا يمكن إنشاء ممر اقتصادي يهدف للربط بين الشرق والغرب دون مشاركة دول الخليج، فهي في قلب الخريطة اللوجستية، ولذلك فإن الممر الاقتصادي قُسّم إلى قسمين منفصلين. الأول ممر الشرق، الذي يربط الهند بالخليج العربي، والثاني ممر الشمال، الذي يربط دول الخليج مع أوروبا. ويتوافق هذا الممر مع توجه السعودية لتكون مركزاً عالمياً للخدمات اللوجستية، وقد أطلقت المملكة مبادرتها لسلاسل الإمداد العالمية العام الماضي، وتهدف من خلالها إلى الاستفادة من موقعها الجغرافي، من خلال تطوير الخدمات اللوجستية، والبنية التحتية الرقمية، وإيجاد بدائل تتناسب مع التطورات العالمية في هذا القطاع. والمتابع لرؤية المملكة 2030 يدرك أن المملكة وضعت عينها على هذا الهدف منذ إطلاق الرؤية، وما يحدث اليوم هو السبيل لتحقيق هذه الرؤية الطموحة، التي دعمت هذا المستهدف بسلسلة من المبادرات في قطاعات متعددة.
إن الممر الاقتصادي يقع في قلب المشاريع اللوجستية للسعودية، وهي من أكثر الدول التي لديها القدرة على الإيفاء بالتزاماته ومراحله، بما تملك من خطط لوجستية حالية. كما أنها صرحت بالفعل عن التزامها بـ20 مليار دولار لهذا المشروع. ويمكن القول إن المملكة كانت هي الجزء الذي كان يحتاجه هذا المشروع ليكتمل، فهي مستقرة سياسياً، ولديها القدرة للاستثمار في البنية التحتية، وتملك طموحاً للارتقاء بمكانتها اللوجستية في العالم، والأهم من ذلك كله أنها متوازنة سياسياً وتعمل لمصلحتها ولمصلحة المنطقة، دون الإضرار بمكانة أو اقتصاد أي دولة أخرى.
هل ينتهي «زمن» الهيركات مع بلومبرغ؟
مثل أي موضوع يُطرح في لبنان، حَظي التعاون مع بلومبرغ بقدرٍ كبير من التغطية الاعلامية، واصبحت كلمة بلومبرغ مرادفة للتساؤلات والقلق، وموضع نقاشات وخلافات، بين مؤيّد ورافض. فهل يستحق هذا الموضوع ويحتمل هذا القدر من الاهتمام؟
بداية، لا بد من التذكير بأن لا علاقة لبلومبرغ بما يجري من نقاشات في لبنان، بمعنى ان الموضوع في حقيقته يرتبط بقرار انهاء مرحلة، والبدء في مرحلة جديدة، تحتاج الى منصة تداول لتنظيم السوق. وبالتالي، سواء كانت هذه المنصة بلومبرغ، أو رويترز أو حتى بورصة بيروت، فإنّ النتيجة واحدة، ولا علاقة للمنصات بها، بل ان النتائج التي قد تتمخّض عن هذه النقلة، سوف تتقرر في ضوء المسار الذي ستسلكه التطورات الاقتصادية والسياسية. وما ستقوم به الدولة، وما لن تقوم به، سيظهر في السوق المالي، عبر «شاشة» بلومبرغ.
هناك مجموعة نقاط يمكن تسجيلها مع بداية المرحلة الجديدة، بعضها مطمئن، وبعضها الآخر يثير القلق. في الايجابيات البديهية، ما يلي:
اولاً – تقليص حجم الاقتصاد النقدي، وهو مطلب خارجي، ركّزت عليه واشنطن في الفترة الأخيرة، وتبلّغه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وحاكم المركزي بالانابة وسيم منصوري.
ثانياً – تساهم في خفض عمليات تبييض الاموال، في حال وجدت.
ثالثاً – تعيد السوق المالي اللبناني الى اتّباع المعايير العالمية المعتمدة، اي انها تسمح بمعرفة السعر الحقيقي لليرة بناء على العرض والطلب، وبناء على معطيات الاقتصاد.
رابعاً – تسمح بتتبّع حركة الاموال، وتخفيف المضاربات المشبوهة، المرتبطة بأهداف ربحية او بأهداف سياسية، وما شابه.
في النتيجة انها بداية عملية تحرير وتوحيد لسعر الصرف، والخضوع لمعايير السوق والاقتصاد في تحديد سعر الليرة. وهنا، لا بد من الاشارة الى معلومات تفيد بأنّ بدء عمل بلومبرغ سوف يترافق مع قرار بتوحيد سعر الصرف، وهذا يعني ان السعر الرسمي للدولار (15 الف ليرة) قد يتغير، وكذلك سعر سحب اللولار من المصارف (ايضاً 15 الف ليرة). وهذا يعني ان الهيركات على الودائع الدولارية الذي تنظّمه تعاميم لمصرف لبنان حالياً قد ينتهي. لكن من البديهي انه سيتم في هذه الحالة تحديد سقف جديد للسحب، أقل بكثير من السقف الشهري الحالي (1600 دولار). وهناك من يقول انّ السقف الجديد سيكون بما يوازي بالليرة، 200 دولار شهرياً. وبما ان السحب وفق التعميم 158 بات بدوره، يتم من دون هيركات، فهذا يعني ان كل انواع الهيركات لقاء السحب من الودائع، قد تنتهي مع البدء في تنفيذ الاجراءات المواكبة لبدء عمل بلومبرغ في السوق اللبناني.
وفي النقاط التي تثير تساؤلات، يمكن ايراد التالي:
اولاً – هل ستكون داتا المعلومات بين يدي الجهة اللبنانية التي ستشرف على حركة السوق المحلي، ام انها ستكون متاحة للجهات الاجنبية المشرفة على عمل المنصة؟
ثانياً – في حال صحّ ما يُقال عن وجود عمليات تبييض في السوق، فهل ان تقليص حجم التبييض بعد دخول بلومبرغ، سيتسبّب بضغط اضافي على الليرة، انطلاقا من انخفاض كمية الدولارات المعروضة؟
ثالثاً – كيف سيترجم السوق عجز مصرف لبنان عن التدخل، كما تفعل في العادة البنوك المركزية في العالم. على اعتبار ان تحرير سعر الصرف وجعله خاضعا لمعايير السوق (floating) لا يعني انتفاء دور البنك المركزي، الذي غالباً ما يتدخل لدوزنة السوق، ومنع الصدمات الكبيرة، ضمن هوامش مُحدّدة. هذا الدور قد لا يستطيع مصرف لبنان القيام به، بما سيجعل المواطن تحت رحمة السوق فقط. وهذا يعني انّ استمرار تقصير الدولة في القيام بواجباتها الاصلاحية سيدفع ثمنه اللبناني فوراً في سوق الصرف، من خلال تراجع في قدراته الشرائية، وزيادة التضخم.
يبقى السؤال الاهم والأبسط الذي يطرحه المواطن اليوم: هل سيؤدي دخول بلومبرغ الى السوق الى تراجع الدولار او ارتفاعه؟ وهل صحيح ما يُقال ان الدولار سيرتفع بسرعة الى اسعار قياسية وشبه خيالية؟
صحيح انه لا توجد اجابة واضحة، على طريقة ابيض او اسود، لكن ينبغي أن نشير الى ان السوق في الشهرين الماضيين كانت حُرّة تقريباً، بمعنى ان سعر الدولار شبه المستقر لم يكن اصطناعياً. وحتى الدولارات التي أمّنها المركزي للدولة، لم تكن نتاج ضَخ دولارات من الاحتياطي، بل تمّ جمعها من السوق. واذا استثنَينا عامل موسم السياحة الذي ساهم في ضخ دولارات اضافية، وعامل الدولارات التي ضخها المركزي حتى نهاية تموز، نستطيع ان نقول ان سعر الليرة بدأ يتظَهّر على حقيقته قبل بدء مرحلة بلومبرغ. وبالتالي، لا يفترض ان نتوقع مفاجآت كبيرة بعد بدء عمل المنصة. وبالتالي، وفي حال طال الوقت قبل بدء عمل بلومبرغ، لمدة 3 أو 4 اشهر فإنّ سعر الليرة الحقيقي سيتبيّن في السوق، في حال واصل المركزي سياسته الحالية. وبالتالي، عندما تبدأ بلومبرغ، لن يكون هناك تغيير في حركة السوق، ولا في سعر الدولار. لكن الخوف ان سياسة الدولة لم تتغير. وعندما تتغير السياسة النقدية، ولا تتغير السياسة المالية والاقتصادية، فهذا يعني ان مسيرة الانهيار ستستمر. وبالتالي، إنّ مسيرة انهيار العملة الوطنية تحصيلٌ حاصل، سواء كانت بلومبرغ موجودة او غير موجودة.
أنطوان فرح
الفدرالي سيثبت الفائدة على الأرجح في نوفمبر
فائدة تخفيضات «أوبك بلس»
عدد سكان دول «أوبك» لا يتجاوز 500 مليون نسمة. وإذا ما أضفنا إليهم بقية دول تحالف «أوبك بلس»، فنحن نتكلم عن 700 مليون نسمة كحد أقصى، أي أننا نتكلم عن 9 إلى 10 في المائة فقط من إجمالي سكان العالم.
ولهذا؛ في كل مرة تتحسن فيها أسعار النفط، هذا التحسن يستهدف 10 في المائة فقط من سكان العالم. ولأن توزيع الثروات متباين، فإن عدد المستفيدين من رفع أسعار النفط لا يتجاوز 4 إلى 5 في المائة من إجمالي سكان العالم. ما يعني أن 90 إلى 95 في المائة من سكان العالم لا يستفيدون من زيادة النفط، بل يتأثرون بها لأنهم مستهلكون.
في الحقيقة، الأمور لا تقاس بهذا الشكل، ولا يجب أن تكون الفائدة مباشرة.
منتجو النفط في العالم ليسوا فقط دول تحالف «أوبك بلس»، ولكن هناك دولاً أخرى مثل كندا وأميركا والبرازيل وغيرها. هذه الدول تستفيد من كل ارتفاع أسعار للنفط، سواء في صورة إنتاج مباع وضرائب على الإنتاج أو شركات وفرص عمل.
في أميركا وحدها هناك 120 ألف عامل تقريباً في قطاع النفط، بحسب بيانات وزارة العمل لعام 2021، وهناك آلاف الشركات الصغيرة التي تعمل وتنتج النفط هناك. ولنأخذ ولاية كاليفورنيا بمفردها، حيث يتقاضى الفرد في صناعة النفط والغاز هناك ما معدله 123 ألف دولار سنوياً، أي ضعف الأجر الذي يتقاضاه موظف القطاع الخاص هناك.
وهناك 600 ألف أميركي يمتلكون أراضي نفطية يتحصلون على رسوم امتياز من تأجير أراضيهم إلى شركات النفط.
وحكومة كاليفورنيا تتحصل على ضرائب من شركات النفط هناك بقيمة مليار ونصف المليار دولار سنوياً تذهب لتمويل صحة المواطنين وتعليمهم. وهناك 25 جهة حكومية تراقب هذه الشركات، وهذا كله توليد للوظائف.
طبعاً الحكومة الفيدرالية لأميركا تستفيد مبالغ ضخمة، حيث بلغ دخلها من الرسوم على شركات النفط في عام 2019، قرابة 5 مليارات دولار، ومع ضرائب الوقود فنحن نتكلم على أضعاف هذا الرقم.
في الوقت ذاته، حققت شركات النفط الأميركية نحو 211 مليار دولار في 2021، في حين حققت دول «أوبك» مجتمعة 576 مليار دولار، بحسب حسابات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وفي كندا والبرازيل والمكسيك وغيرها، الصورة لا تتغير كثيراً عن أميركا.
ولهذا؛ عندما تقوم السعودية وروسيا وغيرهما بتقديم تخفيضات طوعية تتسبب في رفع أسعار النفط، يجب أن نتذكر جميعنا أن المستفيد هو كل العالم.
أنا لا يهمني المال الذي يذهب للدول، بل يهمني ذلك المال الذي يذهب لصناعة النفط؛ فمن دون الاستثمارات في المزيد من الإنتاج، سيواجه العالم أزمة طاقة. وبدلاً من توجيه السهام نحو السعودية وبقية دول «أوبك بلس»، من الأفضل أن يوجه لها العالم الشكر، وارتفاع أسعار الوقود في الدول الغربية لا تتحمله «أوبك بلس»، بل حكومات الدول التي ترفع ضرائبها عليه.
لا أريد الدفاع عن «أوبك بلس»، ولكن لا يمكن أن نتجاهل الحقائق حول من يستفيد من كل ما تفعله «أوبك بلس».
«فيتش» وسقف الدين
الحوكمة (Governance) هي مجموعة السياسات أو القواعد أو الأطر التي تستخدمها الشركة لتحقيق أهداف أعمالها، وهي تحدد مسؤوليات أصحاب المصلحة الرئيسيين، مثل مجلس الإدارة والإدارة العليا. على سبيل المثال، تقدّم حوكمة الشركة الرشيدة الدعم لفريق العمل عن طريق تضمين سياسة المسؤولية الاجتماعية للشركة في خططه.
واتخذت وكالة «فيتش» قرارها خفض التصنيف الائتماني لأميركا إلى (AA) من (AAA) بسبب المخاوف المالية وتدهور الحوكمة الأميركية، بالإضافة إلى الاستقطاب الذي انعكس جزئياً في أعمال الشغب التي حصلت في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، وكانت وكالة «فيتش» قد أقدمت على الخطوة التي فاجأت المستثمرين، بقرار خفض التصنيف الائتماني لأميركا، والتوقع للتدهور المالي على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ومفاوضات الحد الأقصى للديون التي تهدد قدرة الحكومة على سداد فواتيرها.
وهي المرة الثانية في أكثر من عقد التي تتعرض فيها أميركا لخفض تصنيفها، بعد إجراء سابق قامت به وكالة «ستاندرد آند بورز» في عام 2011، واستندت الوكالة في قرارها جزئياً إلى التدهور الملحوظ في الحوكمة الأميركية، والذي قالت إنه أعطى ثقة أقل في قدرة الحكومة على معالجة قضايا المالية العامة والديون، إذ إنه انعكاس لتدهور الحوكمة. وهو واحد من أمور أخرى عدة منها سقف الديون، وكذلك أعمال الشغب التي حصلت في الكابيتول في السادس من يناير 2021.
جاء خفض تصنيف «فيتش» بعد ثلاثة أشهر تقريباً من التوقيع على اتفاق لرفع حد الدين قبل أيام فقط من توقع تخلف أميركا عن سداد الدين القومي، إذ حذرت «فيتش» آنذاك من أن الدين المتزايد وعدم قدرة الكونغرس على إدارته بطريقة منتجة ومسؤولة، يشكلان تهديدات للجدارة الائتمانية لأميركا، مما يؤدي إلى خفض تصنيف «فيتش» درجة واحدة فقط، ما يعني أن أميركا لم تعد صاحبة ما تُعرفه «فيتش» بأنه أعلى جودة ائتمانية.
وأصبح الدين العام الأميركي يقارب 130 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي حال عدم قيام الكونغرس برفع سقف الدين، فإن أميركا ستدخل في إجراءات استثنائية. وفي حال تفاقمت أزمة سقف الدين فسيؤدي ذلك إلى عدم الثقة في الحكومة والبنوك ويشكّل أثراً سلبياً على الاقتصاد الداخلي ونمو الاقتصاد، كما سيؤدي إلى فقدان هيبة الدولار والاقتصاد الأميركي. وفي الوقت الذي يترقب الاقتصاد الأميركي ومن خلفه الاقتصادات العالمية الكبرى، الحالة التي وصلت إليها أزمة ارتفاع سقف الدين القومي الأميركي واحتمالات تفاقم العجز؛ ترى دوائر السلطة المالية في أميركا أن تفاقم الوضع الحالي سيؤدي لكوارث كبرى تتخطى الحدود الأميركية، وأنها أزمة موقوتة تهدد الاقتصاد الدولي.
إن الحكومة الأميركية ستضطر لتحديد أولويات الإنفاق، وسوف يعاني الكثير من الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على قروض حكومية، وبالتبعية سوف يغلق الكثير من الشركات أبوابها، كما أنها لن تكون قادرة على اقتراض الأموال للسداد، بمعنى أنها لن تستطيع إصدار سندات جديدة لتمويل العجز في الموازنة. وتحت هذا السيناريو، فإن الاقتصاد الأميركي سيعاني زيادة كبيرة في الفائدة على السندات، وستعاني أسواق المال الأميركية والعالمية خسائر فادحة، وأيضاً سيعاني الاقتصاد الأميركي الركود.
وهنا عندما لا تتمكن أميركا من تسديد فواتيرها في الفترة المستحقة، ستُخفض وكالات التصنيف الائتماني تصنيفها دولياً، وستفقد الأسواق الأميركية الموثوقية الدولية، وسيهبط مؤشر الدولار وأيضاً سيكلف هذا السيناريو الاقتصاد الأميركي فقدان وظائف وثروات الأسر، وسيرتفع معدل البطالة، ولا يحتاج الأمر لعناء التفكير لمعرفة أنه حال تعرض الاقتصاد الأميركي للركود، فسوف يعاني منه العالم أجمع، بوصف أميركا أكبر اقتصاد في العالم.
وفي الختام، وبعد أن اقتربت أميركا من الحد القانوني للديون ببلوغها 31.4 تريليون دولار، بدأت وزارة الخزانة في تفعيل إجراءات استثنائية لمواصلة سداد التزامات الحكومة، وتعد هذه الإجراءات أدوات محاسبة مالية تحدّ من بعض الاستثمارات الحكومية لتتمكن من مواصلة سداد فواتيرها، ولكن من دون رفع السقف، وفي حال تخلفها عن سداد ديونها، وما قد ينجم عنه من أزمة اقتصادية عالمية تؤثر على مستقبلها العالمي.
د. ثامر محمود العاني
من العجز على الورق إلى العجز في حياتنا اليومية
منذ نحو ثلاثة عقود، نسمع ونقرأ عن موضوع العجز، في قيودنا وسجلّاتنا، وموازنتنا، وأرقامنا، لكن هذا الأخير كان عنواناً للكابوس، وحبراً على ورق، من دون أي تأثير على حياتنا اليومية لأنّ هذا العجز المستدام كان يُسدد ويعالج بديون داخلية وخارجية، كانت بنحو نصف مليار بعد خروجنا من الحرب، ووصلت إلى الـ 100 مليار حين تسلّم ملوك الحرب الإقتصاد والمال العام.
إعتاد المواطنون أن يسمعوا عن هذا الموضوع الشائك من دون أن يشكل خطراً أو تغيّراً على معيشتهم. أما اليوم فقد تغيّرت المعادلة ووصل العجز إلى الكارثة الحقيقية، لأنه لا يوجد وسائل لتمويله، وسيبدأ النقص في كل الحاجات يدق الأبواب.
للتذكير لم يكن لدينا أي توازن مالي بين المدخول والمصروف، منذ أكثر من 30 عاماً، لكن اعتادت الدولة والسياسيون على صرف أضعاف قدراتهم، إلى جانب الإستفادات الخاصة والفساد المستشري والمشاريع الوهمية، والأرباح الفادحة، وتقاسم الحصص والمكاسب في ظل صرف مليارات الدولارات من خارج الموازنات طوال ثلاثة عقود. هذه السياسة الدراماتيكية أوصلت البلاد إلى دين عام تخطّى الـ 100 مليار، لكن الكارثة الكبرى تفوق الأرقام، وهي أن أصبحت العادة البسيطة هي صرف عشوائي من دون خطط ولا استراتيجيات، لأن الخسائر والعجز كانا فقط في السجلات، وكانا يُدفعان في الحقيقة من جيوب الناس والودائع من دون حسيب ولا رقيب ومن دون أن يُدرك أحد ما يحصل في الدهاليز عن هذه الجريمة المالية والنقدية.
للتذكير أيضاً، كان هذا العجز يُموّل بواسطة سندات دين داخلية بالليرة اللبنانية، وبسندات دين خارجية (اليوروبوندز) والتي كانت جميعها تؤمّن فوائد مرتفعة وجذّابة، فكلما كانت تزداد المخاطر كلما كانت تزداد الفوائد، وتُجذب الأموال لصرفها عشوائياً، حتى فهمنا أن معنى الدين في الدولة كان بالحقيقة السرقة والفساد.
كما كان العجز يُموّل عبر المؤتمرات الإستثمارية الدولية، والتي كانت تنظّم من أجل لبنان، مثل مؤتمر باريس 1 و2 و3، روما، ستوكهولم، بروكسل ولندن التي كانت تعوّل عليها من جديد هذه الدولة الفاشلة لتسدد العجز، وكانت أيضاً تشجع استمرار الفساد والسرقة من دون أي إصلاح ومراقبة وملاحقة. إضافة إلى ذلك، لن ننسى أنه كان هناك بعض الأعوام الذهبية من النمو والإستثمارات مثل العام 2009 حيث وصل النمو إلى 8 %. فكان العجز يمتصّ من الدورة الإقتصادية والإستثمارات الخارجية ومن العجلة التجارية.
أما اليوم، وفي ظل أكبر أزمة مالية واقتصادية ونقدية في تاريخ العالم، وإنهيار القطاع المصرفي، وتدمير الثقة، إن مصادر التمويل المذكورة لم تكن صالحة:
لا تستطيع الدولة إصدار أي سندات لانعدام الثقة الداخلية والدولية، وبعد التعثُّر المالي الذي هو إفلاس مبطن، وتصنيفنا الإئتماني الدولي إلى رتبة RD-RESTRICTED DEFAULT.
إضافة إلى ذلك، أوضح حاكم المركزي بالإنابة انّ هناك توقيفاً نهائياً لاقتراض الدولة. أما عن البلدان المانحة، فليس وارداً تمويل سنت واحد لما يُسمّونها عصابة الفساد والفشل، فالحل الوحيد الدولي هو عبر صندوق النقد الدولي IMF، وشروطه الصارمة وتفاوضه المعقد، وإذا نجحنا فتمويله لن يتجاوز الـ 3 مليارات حداً أقصى في السنوات الثلاث المقبلة.
أما الدولة اللبنانية، فلا تطبع دولارات لسوء الحظ، لكن تطبع بكثرة ليرتنا الوطنية، التي انهارت وخسرت قيمتها، فإذا لجأت الدولة إلى زيادة الكتلة النقدية، لشراء العملة الخضراء، فهنا ستصبح عملتنا أقل من حبر على ورق، أما إذا لجأت الدولة إلى تمويل عجزها بواسطة الضرائب فهنا الكارثة الأكبر، لأن الضرائب في لبنان، حسب معرفتنا وخبرتنا، لا تُجبى، بل تخفف مداخيل الدولة، وتُفاقم التهريب، والتبييض والترويج، وستقتل ما تبقى من النمو والإستثمار. وإذا كان مشروع الضرائب جدياً، فلماذا الأيادي السود تمنع الجباية الإلكترونية للضرائب، وتتابع إقفال الدوائر العقارية، والمعاينة الميكانيكية وغيرها، والتي يُمكن أن تضخ بعض الأوكسيجين لهذه الدولة الفاشلة.
في المحصّلة، إن الحقيقة المؤلمة تتمثّل في انّ العجز الذي كان فقط في قيودنا الرسمية، أصبح اليوم في حياتنا اليومية، ولا يوجد أي سبل لتسديده، وتمويل أقل الحاجات الإنسانية للتعايش والصمود. فبعد 30 عاماً من النهب والفساد، وبعد ثلاثة أعوام من إدارة أكبر أزمة دولية، وصل السكين الحاد إلى الرقبة، ونتّجه نحو عدم قدرة الدولة على تمويل ليتر واحد من الفيول، وساعة كهرباء، وحبّة دواء، وكتاب للتعليم ودولار للإتصالات. ولا شك في أن مسلسل التدمير الذاتي واستراتيجيته يتكاملان لذل الشعب اللبناني على نحو أكثر، وفصلنا نهائياً عن العالم المتحضّر.
د. فؤاد زمكحل
الاستدامة الاقتصادية بواسطة النظام اللامركزي
في عالم متصل بشكل متزايد، أصبحت التحديات التي تواجهها الدول المتميزة بالتنوع العرقي والديني معقدة وملحّة. هذه التحديات غالبًا ما تؤدي إلى توترات وصراعات، مهددة التماسك الاجتماعي والاستقرار الوطني. في مثل هذه الأوقات العصيبة، تبرز الفدرالية كآلية يمكن أن تتعامل بفعالية مع هذه المشكلات. من خلال منح درجة من الحكم الذاتي للكيانات الفرعية.
تواجه الدول التي تتميز بالتنوع العرقي والديني في كثير من الحالات، صعوبة في تحقيق توازن بين متطلبات مجموعات ثقافية ودينية مختلفة. الاختلافات العميقة قد تؤدي إلى تحديات متعددة، بما في ذلك التمييز الاجتماعي، والاستبعاد السياسي، والتفاوتات الاقتصادية، وفي أسوأ الحالات، النزاعات العنيفة. يمكن أن تؤدي التوترات الناشئة عن هذه الاختلافات إلى تمزق نسيج الوحدة الوطنية، بما يضعف قدرة الدولة على الوظيفة والتقدم.
تحاول الانظمة اللامركزية تقديم حل لهذه التحديات من خلال توزيع السلطة والحكم الذاتي للكيانات الإقليمية داخل البلد. تلك اللامركزية للسلطة تضمن أن الجماعات المحلية يمكنها اتخاذ قرارات تتماشى مع هوياتها واحتياجاتها الفريدة. تمنح أنظمة الفدرالية مستوى من الحكم الذاتي يمكّن المجتمعات من إدارة شؤونها الخاصة مع الاستمرار في إطار الهوية الوطنية الأكبر.
كذلك يتم الاعتراف بالهويات المميزة للمجموعات المختلفة وتحترم تراثهم الثقافي والديني واللغوي. تلك الاعترافات تعمل كدرع ضد مشاعر التهميش، حيث يمكن للمجتمعات الحفاظ على عاداتها وتقاليدها دون الخوف من الاندماج.
التمثيل السياسي: من خلال منح الحكومات الإقليمية السلطة للحكم، تضمن الجماعات الأقلية صوتًا في عمليات اتخاذ القرار. هذا الوضع يقلّل من احتمال التهميش السياسي ويعزّز الشعور بالانتماء والمسؤولية في شؤون الأمة.
التنمية الاقتصادية: يمكن للأنظمة اللامركزية توزيع الموارد بشكل أكثر إنصافاً، مما يعالج التفاوتات الاقتصادية التي غالباً ما تكمن وراء التوترات العرقية والدينية. يمكن للكيانات الإقليمية تشكيل سياسات اقتصادية تتناسب مع احتياجاتها الخاصة، مما يضمن استفادة جميع المناطق من النمو الوطني.
حل النزاعات: تخلق اللامركزية مسارًا سلميًا لحل النزاعات، حيث تنشئ آليات للتفاوض والتوصل إلى حلول متفق عليها بين الكيانات الفرعية المختلفة. تلك القنوات تعزز من الحوار والفهم، مما يقلل من احتمال النزاعات العنيفة. وألأمثلة كثيرة على تنفيذ الفدرالية بنجاح.
سويسرا: مثال كلاسيكي، حيث تمتاز بانقسامها على طول خطوط لغوية ودينية وثقافية. هيكلها الفدرالي سمح للمجتمعات اللغوية المختلفة بالتعايش بسلام تحت هوية وطنية واحدة.
كندا: مع تركيبتها الثنائية اللغة ومتعددة الثقافات، تستخدم كندا الفدرالية لمنح الحكومات المحلية الحكم الذاتي بينما تحتفظ بهوية وطنية قوية. ذلك النهج قد كان حاسمًا في التخفيف من التوترات العرقية والإقليمية.
الهند: واحدة من أكثر الدول تنوعًا في العالم، تسمح لولاياتها بإدارة شؤونها الداخلية بينما تظل جزءًا من الاتحاد الهندي الأكبر. هذا النظام يتسع لهوياتها الدينية والعرقية والثقافية المتنوعة.
في الدول التي تكافح مع التوترات العرقية والدينية، تظهر اللامركزية كأداة حيوية لتعزيز الوحدة في خضم التنوع. من خلال التعرف الى الهويات والتطلعات الفريدة وقبولها، تساهم هذه الأنظمة في منع الصراعات، وتعزيز الحوار، وتعزيز التنمية المستدامة.
يتطلب تنفيذ الفدرالية مراعاة دقيقة لسياق وتاريخ كل دولة، ولكن الفوائد المحتملة من حيث السلام والاستقرار والنمو الشامل تجعله جهدًا جديرًا بالمحاولة. مع التكيف مع عالم متصل بشكل متزايد، قبول قوة الفدرالية في تناغم الهويات المتنوعة يمثل خطوة نحو مستقبل أكثر سلامًا وازدهارًا.
اقتصاد الدول
يقدم النظام اللامركزي إمكانية توزيع السلطة الاقتصادية والتخطيط بين السلطات الوطنية والإقليمية. هذا التوزيع يساهم في تحقيق توازن بين الجهات المختلفة وتجنّب تركيز السلطة والثروة في يد مركز واحد. هذا النمط يمكن أن يقوّي الاقتصاد الوطني من خلال تحقيق التنمية المتوازنة والعدالة في توزيع الثروات والفرص.
تعزيز الاستدامة
يمكن للجهات الإقليمية التكيف بشكل أفضل مع احتياجاتها الخاصة ومواردها المحلية. وهذا يعني تنفيذ سياسات اقتصادية مُصمّمة بما يتناسب مع طبيعة كل منطقة. ونتيجة لذلك، يتم تعزيز استدامة النمو الاقتصادي، حيث يتم تحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات المحلية والموارد.
تحفيز المنافسة والابتكار
تعزز المنافسة بين الجهات الإقليمية داخل الدولة. حيث يمكن لكل جهة تبني سياسات وبرامج اقتصادية تشجع على الابتكار وتحفيز الاستثمار. المنافسة تعمل على تحسين جودة الخدمات وتوفير مناخ مناسب للشركات والأعمال الصغيرة والمتوسطة، مما ينعكس إيجابيًا على نمو الاقتصاد.
تنويع مصادر الإيرادات
تسمح بتنويع مصادر الإيرادات في الدولة. حيث يمكن للجهات الإقليمية تطبيق أنماط مختلفة من الضرائب والرسوم بناءً على احتياجاتها وظروفها المحلية. هذا التنويع يمكن أن يقلل من التبعية على مصدر واحد من الإيرادات ويجعل الاقتصاد أكثر استدامة في مواجهة التحديات.
أمثلة عالمية
تُعتبر ألمانيا واحدة من أبرز الدول التي تتبنى نظاما فدراليا. ومن خلال هذا النظام، تتمكن الولايات الألمانية من تطبيق سياسات اقتصادية متخصصة تلبّي احتياجاتها المحلية، مما ساهم في تحقيق تنمية مستدامة على مستوى البلاد.
الولايات المتحدة: تُعد الولايات المتحدة مثالًا بارزًا للفدرالية الاقتصادية، حيث تتمتع الولايات بسلطات اقتصادية تسمح لها بتبني سياسات مالية متنوعة بناءً على احتياجاتها المحلية.
لذلك يعتبر النظام اللامركزي آلية هامة لتعزيز الاقتصاد في الدول، من خلال توزيع السلطة وتنظيم السياسات الاقتصادية على مستوى الدولة والمناطق الفرعية. تُمكّن هذه الآلية من تحقيق توازن بين القوى الاقتصادية، وتشجيع الاستدامة، وتحفيز التنافسية والابتكار. ومع تنوع مصادر الإيرادات والتوجه نحو الاقتصاد المستدام، يصبح النظام اللامركزي، أداة محورية في تحقيق التنمية المستدامة ورفاهية الدولة.
بروفسور غريتا صعب
وول ستريت تغلق على تراجع حاد بضغط من هبوط أسهم شركات كبرى
بريطانيا ومجلس التعاون الخليجي… نحو اتفاق تجاري طموح
عقدت المملكة المتحدة و«مجلس التعاون الخليجي»، منذ أكثر من عام، أولى جولات محادثاتهما بشأن إبرام اتفاق تجاري جديد وطموح لتعميق العلاقات التاريخية بين بلادنا، وتحقيق الازدهار لاقتصاداتنا.
والأسباب المنطقية وراء ذلك جلية وواضحة؛ فـ«مجلس التعاون الخليجي» أحد أهم الشركاء التجاريين للمملكة المتحدة. وتشهد التجارة بيننا نمواً مستمراً حتى وصلت قيمتها إلى 61.3 مليار جنيه إسترليني عام 2022؛ بزيادة بلغت 85 % بالأسعار الحالية لعام 2021. ويرجع الفضل وراء ذلك النجاح، في جانب منه، إلى أن اقتصاداتنا يكمل بعضها بعضاً. ونحن شركاء طبيعيون؛ بإمكانات هائلة.
وقد شرُفت اليوم بالقدوم إلى صلالة لحضور قمة وزراء التجارة في دول «مجلس التعاون الخليجي»، حيث سألتقي وزملائي من كل الدول الست الأعضاء بـ«مجلس التعاون الخليجي»، وكذلك الأمين العام للمجلس. ويتجلَّى في الدعوة التي وجهتها عُمان ومجلس التعاون الخليجي إلى المملكة المتحدة لحضور القمة مدى التزامهم هذا الاتفاق. ومع اقتراب نهاية فصل الخريف، تعكس مناظر المساحات الخضراء في صلالة، التفاؤل الذي أشعر به إزاء فرص النمو المتاحة أمامنا. إننا نتفاوض بشأن اتفاق تجاري طموح، وشامل وحديث ينسجم مع القرن الحادي والعشرين ويعود بالنفع على كلا الجانبين.
إننا نريد اتفاقاً تتبدى فيه الحقائق الواقعية للتجارة الحديثة، وينشر الإبداع، ويساعد على تطوير صناعات جديدة، مثل التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي. وسيشجع هذا الاتفاق كل طرف على استثمار المزيد في اقتصاد الطرف الآخر – فالمملكة المتحدة سادس أكبر مستثمر في مجلس التعاون الخليجي – ويتيح فرصاً جديدة لمجلس التعاون الخليجي لبيع أفضل منتجاته وخدماته إلى المستهلكين بالمملكة المتحدة والبالغ عددهم 60 مليون مستهلك.
ولا تقتصر المنافع على الشركات التجارية فحسب؛ فقد صدّرت المملكة المتحدة العام الماضي ما قيمته 1.3 مليار جنيه إسترليني من السيارات البريطانية، وما قيمته 877 مليون جنيه إسترليني من الأطعمة والمشروبات إلى مجلس التعاون الخليجي. ويمكن لتخفيض التعريفات الجمركية المفروضة حالياً على تلك البضائع أن يعود بالنفع على المستهلكين في دول مجلس التعاون الخليجي، عبر تمكينهم من الحصول على مجموعة أكبر من المنتجات البريطانية بأسعار أرخص. كما ستتيح التعريفات الجمركية المنخفضة للمُصدّرين في هذا الجزء من العالم، الذي ينمو بسرعة، الوصول إلى السوق البريطانية بسهولة، وزيادة واردات المنتجات الشائعة مثل الكاكاو (7.6 مليون جنيه إسترليني) والتمور (8.7 مليون) والتي تحظى بطلب هائل في المملكة المتحدة. ويمكن كذلك للاتفاق التجاري فيما بيننا أن يدعم تحقيق دول مجلس التعاون الخليجي ما لديها من خطط ورؤية، عبر تسهيل اطلاع الشعوب في مجلس التعاون الخليجي على الخبرة البريطانية؛ من الفضاء الإلكتروني إلى علوم الحياة، ومن الذكاء الاصطناعي إلى الموارد المتجددة.
وتلقى الشركات البريطانية نجاحاً هنا؛ فقد أعلنت الشركة البريطانية «G-volution» مؤخراً إبرام اتفاق في عُمان يمكّن المحركات من استخدام أنواع وقود صديقة للبيئة، وهو ما يقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 90 في المائة ويدعم ما تطمح إليه عُمان من الوصول إلى «الصفر الحيادي» بحلول عام 2050. وإذا ما توجهنا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فسنجد أن شركة «ابتكارات الجرافين في مانشستر (Graphene Innovations Manchester)» قد أسست شركة مشتركة للترويج التجاري للخرسانة المستدامة، من دون إسمنت ولا ماء، ومعدات حماية شخصية ذكية بها تبريد نشط يناسب الطقس الحار.
هذه الأمثلة ليست سوى البداية فقط. ويمكن لاتفاقنا أن يقدم مزيداً من الفرص، ويجعل علاقتنا التجارية تنمو بنحو 16 في المائة، ويضيف ما مجموعه نحو 2.8 مليار جنيه إسترليني إلى اقتصاداتنا بحلول عام 2035 طبقاً لتقييم النطاق بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي الذي نُشر في يونيو (حزيران) 2022. وكلما زاد طموحنا، تعاظمت المكاسب. ويمكن لاتفاق طموح، تدفع المملكة المتحدة باتجاه تحقيقه، أن يزيد من المنافع الاقتصادية التي تعود على مجلس التعاون الخليجي بأكثر من الضعف. وستشعر شركاتنا وشعوبنا بالمنافع التي يعود بها ذلك الاتفاق على مدار عقود مقبلة.
* وزير التجارة الدولية البريطاني
نايجل هدلستون