أرشيف التصنيف: المقالات العامة

البحث عن الأسواق والنفوذ في العالم

في ضوء المنافسة الاقتصادية الدولية بين الصين وأميركا، وبحسب التقرير الذي أصدره مركز الأبحاث الأميركي والبنك الدولي ومعهد هارفرد كيندي ومعهد كييل للاقتصاد العالمي، فإنّ القروض التي منحتها الصين ارتفعت بين 2016 و2021، وهي الفترة التي تركّز فيها 80 في المائة من المبلغ الإجمالي الذي مُنح على مدى عشرين سنة، إذ إن الصين طوّرت نظام إنقاذ طرق الحرير الجديدة الذي يساعد الدول المستفيدة على تجنّب التخلف عن السداد ومواصلة تسديد قروضها على الأقل على المدى القصير، إذ إن هذه الحالات تكثفت في السنوات الماضية في إطار من ارتفاع التضخم ونسب الفوائد، وكذلك الأثر الاقتصادي لجائحة «كوفيد – 19»، ومقارنة مع صندوق النقد الدولي ودعم السيولة الذي يقدّمه «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي»، يبقى حجم قروض الإنقاذ التي تقدّمها الصين أقل مما تقدمة أميركا، لكنّه يزداد بسرعة، كما أوضحت الوثيقة.
قدمت الصين قروضاً وصلت نسبة الفائدة عليها إلى 5 في المائة في المتوسط، مقابل 2 في المائة لفوائد صندوق النقد الدولي، إذ إن الصين استهدفت عدداً محدوداً من المستفيدين المحتملين، إذ إن قروض الإنقاذ الصينية توجهت بشكل كبير لدول من طرق الحرير الجديدة ذات دخل ضعيف أو متوسط، والتي لديها ديون كبرى لدى المصارف الصينية، إذ وافقت الصين على إعادة جدولة قروضها مثلاً لسريلانكا، ممهدة الطريق أمام الإفراج عن خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار دولار.
إن المبادرة التي أطلقتها الصين تهدف إلى تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا وحتى أبعد من ذلك عبر بناء موانئ وسكك حديدية ومطارات ومجمّعات صناعية، وهذه البنى التحتية تتيح للصين الوصول إلى مزيد من الأسواق وفتح منافذ جديدة لشركاتها، إذ إن هذا المشروع الذي انضمت إليه أكثر من 150 دولة، ومن ضمنها 19 دولة عربية، يواجه انتقادات على الصعيد الدولي بسبب المديونية التي تعاني منها الدول الفقيرة.
يشار إلى أن الصين قدّمت على مدى السنوات العشرين الماضية 240 مليار دولار قروضَ إنقاذ إلى 22 دولة نامية تواجه خطر التخلّف عن سداد ديونها، وذهبت كل هذه الأموال تقريباً إلى دول تشكل قسماً من طرق الحرير الجديدة، لا سيّما سريلانكا وباكستان وتركيا.
وبحسب الوثيقة التي أطلقتها الصين تحت عنوان «نظام عالمي جديد لإنقاذ إقراض الدول المثقلة بالديون»، يظهر أن الصين تبنت أول مجموعة بيانات شاملة حول عمليات الإنقاذ الخارجية للصين بين عامي 2000 و2021، وتوفر رؤى جديدة لدورها المتنامي في النظام المالي العالمي، إذ إن خط المبادلة العالمية يتم من خلاله استخدام الشبكة التي وضعها بنك الشعب الصيني بشكل متزايد باعتباره آلية إنقاذ مالي لأكثر من 170 مليار دولار من دعم السيولة للدول التي تمر بأزمات.
يذكر أن الوثيقة تبين أن القروض الخاصة بالمقرضين الدوليين المعروفين بوصفها ملاذاً أخيراً، غير شفافة، وتحمل نسبياً أسعار فائدة مرتفعة، وتستهدف بشكل حصري تقريباً المشمولين بمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، حسب التقرير، إذ إن النتائج لها آثار على البنية المالية والنقدية الدولية، التي أصبحت متعددة الأقطاب وأقل مؤسسية وشفافية.
وهنا في هذا المقام، لا بد من تسليط الضوء على تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي، حيث ركزت على أنه على الدول التي تتمتع بوضع أقوى نسبياً، مساعدة الدول الضعيفة، خصوصاً تلك المثقلة بالديون، إذ إن مثل هذه المساعدة مهمة بشكل خاص في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملات.
وفي الختام، لا بد من التوضيح أن نظام القروض المتبع من أميركا والصين يأتي في سياق البحث عن الأسواق والنفوذ في العالم، والسعي نحو زيادة حجم الاقتصاد في كلا القطبين، علماً أن حجم الاقتصاد الأميركي يبلغ 23.3 تريليون دولار، ويمثل 24.1 في المائة من الاقتصاد العالمي، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بحجم اقتصاد 17.7 تريليون دولار ويمثل 18.3 في المائة من الاقتصاد العالمي عام 2021، وهو العام الذي بلغ فيه حجم الناتج المحلي الإجمالي في العالم 96.53 تريليون دولار، بحسب بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي.

د. ثامر محمود العاني
مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية – أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد سابقاً

استراتيجية ماكدونالدز

في بداية شهر أبريل (نيسان)، وبشكل مفاجئ، أعلنت «ماكدونالدز» إغلاق جميع مكاتبها الرئيسية في الولايات المتحدة لمدة أسبوع، وذلك استعداداً لإعادة هيكلة الشركة، وتسريح مئات الموظفين، مطالبة موظفيها بالعمل من المنزل وانتظار التعليمات التي قد تصل إليهم. بعد ذلك بأسبوع أعلنت الشركة عن تسريح عدد كبير من الموظفين، وتغيير الحوافز الوظيفية لبعض الموظفين والرواتب للبعض الآخر، محوّلة الأسلوب الذي تدار به الشركة من مكاتب إقليمية موزعة إلى مركز وطني واحد. الهدف من ذلك كله هو أن تكون «ماكدونالدز» بحسب وصف الشركة «أكثر ديناميكية وذكاء وتنافسية». فهل هذا الأسلوب جديد على الشركة؟ ولما ينظر إلى هذا التوقيت على أنه منطقي ومستغرب في الوقت نفسه؟
في نهاية عام 2022، كان عدد موظفي الشركة يزيد قليلاً على 150 ألف موظف حول العالم، 70 في المائة منهم خارج الولايات المتحدة، وفي الوقت الحالي ترى «ماكدونالدز» أن هذا العدد زيادة على حاجتها. وعند العودة سنوات إلى الوراء، يلاحظ أن تقليل الموظفين وزيادة كفاءة الأعمال أصبحا أشبه بالاستراتيجية لـ«ماكدونالدز». ففي عام 2014 وصل عدد موظفي الشركة إلى 440 ألف موظف، أي أكثر من ضعف العدد الحالي، وخفضت الشركة هذا العدد إلى 235 ألفاً بحلول 2017، وكانت حينها تفاخر بأنها تحقق الأرباح الهائلة بهذا العدد من الموظفين، حينها كان يُنظر إلى العدد بأنه منخفض، ولكنها مع ذلك استمرت في تخفيض عدد الموظفين إلى أن وصلت إلى العدد الحالي.
وعند مقارنة عدد الموظفين بسعر سهم الشركة، فقد كانت «ماكدونالدز» في عام 2014 تتباهى بأن أداء سهمها أفضل من السوق، بعدما وصل إلى 100 دولار، (قد تدنى في عام 2003 حتى سعر 12 دولاراً!) واليوم، وبعد عشر سنوات من زيادة كفاءة الشركة وتحسين عملياتها، التي صاحبها بكل تأكيد تخفيض في القوى العاملة، وصل سعر السهم إلى أكثر من 280 دولاراً! أي أن تخفيض عدد الموظفين لم يضر بالشركة كما كان متوقعاً، ولم يكن إشارة سلبية عن الشركة، كما يقال عن «ماكدونالدز» هذا الشهر بعد إعلاناتها.
توقيت هذا القرار يبدو منطقياً لعدة أسباب، منها أن الشركة، حالها كباقي الشركات، تحاول الاستعداد الاستباقي لمرحلة من الركود الاقتصادي المتوقع، والتأقلم مع التضخم الذي شمل سلاسل التوريد، ولا تريد أن تتأخر بالقرارات الصعبة حتى يبدأ الركود لأنها إن فعلت فسيكون قرارها إشارة سلبية للسوق في ذلك الوقت. كما أن «ماكدونالدز» تواجه منافسة شرسة من منافسين عدة، حيث إن هؤلاء المنافسين أصغر حجماً وأكثر قدرة على الابتكار في السوق، وصغر حجمهم يعطيهم المرونة للتغير بحسب متطلبات السوق، وهو ما لا تملكه «ماكدونالدز» ذات الـ37 ألف فرع حول العالم.
أما مبعث الاستغراب من إعلانات الشركة، فهو أن تخفيض عدد الموظفين جاء في وقت تفوقت فيه «ماكدونالدز» على نفسها، بأداء مالي رائع، وسعر سهم غير مسبوق، فقد ارتفعت مبيعاتها في عام 2022 بنحو 11 في المائة عن العام السابق، ووصل صافي الدخل في الربع الرابع لذلك العام إلى ما يقارب 1.9 مليار دولار، وهو أكثر بـ16 في المائة من الربع نفسه في عام 2021. والأكثر من ذلك، أن الشركة رصدت نحو 2.4 مليار دولار استثمارات رأسمالية لإنشاء 1900 فرع جديد في هذا العام.
إن استراتيجية «ماكدونالدز» كانت وما زالت لا تتبنى سلوك «ردة الفعل»، باتخاذ القرارات بعد انخفاض العوائد كما هي الحال مع الشركات التقنية، التي تعد صغيرة في العمر مقارنة بـ«ماكدونالدز»، ويبدو أن قِدِم الشركة كان له أثر في هذا السلوك الذي يعتمد في تخطيطه على استباق الأحداث واستشراف الأوضاع الاقتصادية. وقرارات الشركة في السابق أكبر دليل على أنها جاءت في الوقت الصحيح، فلو استمرت بعدد موظفي عام 2014 نفسه لما تحسن أداؤها ليصبح كما هو اليوم، ولضرتها التقلبات الاقتصادية بسبب زيادة الأعباء والتكاليف، ولكنها بالمقابل كانت أكثر مرونة بالتعامل مع الصدمات الاقتصادية، وكانت إحدى أكبر الشركات المستفيدة من فترة الجائحة. ولا شك أنها بتلك القرارات، كانت مثالاً في تحسين العمليات وزيادة الكفاءة، بتخفيض عدد الموظفين إلى أقل من النصف، وزيادة القيمة السوقية بأكثر من مرة ونصف المرة.

د. عبد الله الردادي

النفط السعودي سيظل صامداً

جميل أن نرى اعتماد السعودية على النفط يتراجع بصورة أكبر منذ إطلاق «رؤية 2030» عندما كانت 90 في المائة من إيرادات الدولة تأتي من النفط وانخفضت هذه النسبة إلى 60 في المائة حالياً.
لكن يجب ألا نتسرع في الوصول إلى قناعات أن المستقبل لن يكون نفطياً لسنوات قادمة اقتصادياً وسياسياً وجيوسياسياً.
هذا يدفعنا إلى التفكير في مستقبل هذه السلعة ومستقبل شعب بكامله معها. والسؤال هنا، كيف يمكن ضمان سوق للنفط السعودي في السنوات القادمة؟
هناك إجابتان لهذا السؤال وكلتاهما من عند «أرامكو السعودية». الأولى هي إطالة عمر النفط نفسه كسلعة من خلال التأكد من وجود تقنيات تساعد على إبقاء استهلاكه متواصلاً ومستداماً.
أما الأخرى فهي التأكد من أن النفط السعودي سيجد مكاناً في سوق عالمية يوجد فيها القليل من المشترين والكثير من البائعين خصوصاً مع توجه الكثير من الدول لزيادة طاقاتها الإنتاجية مثل الولايات المتحدة والعراق والإمارات العربية المتحدة والبرازيل وعدد من الدول في «أوبك» وخارجها.
بالنسبة إلى الإجابة الأولى، فهناك أبطال في «أرامكو السعودية» لم نكن نصدق قدرتهم على خلق التقنيات اللازمة وابتكارها أو حتى التخطيط الاستراتيجي لها لأن «أرامكو» تقليدياً كانت شركة مستهلكة للتقنية ولم يُعرف عنها أنها تُنتجها. وبإمكان الكثير من الأشخاص الرجوع إلى حجم براءات الاختراع قبل 10 سنوات لمقارنة «أرامكو» بشركة مثل «ستات أويل» النرويجية في ذاك الوقت (أوكينور حالياً) والتي كانت براءات اختراعاتها وتقنياتها في التنقيب تحت الماء في عام واحد تفوق ما حصلت عليه «أرامكو السعودية» في عشرات الأعوام.
ولنفكر في الأرقام، فمنذ تأسيسها حتى عام 2011 لم يكن لدى «أرامكو» أكثر من 100 براءة اختراع حصلت عليها خلال 78 عاماً، وهذا الرقم تضاعف منذ ذاك العام إلى اليوم ليصل إلى 864 براءة.
وفتحت الشركة مراكز للبحث والتطوير في الصين وباريس والولايات المتحدة. لم يتوقف الأمر عند هذا، بل أوجدت الشركة الآن قسماً كاملاً للتقنية والابتكار يقوده أحمد الخويطر الذي لم نكن نتوقع له النجاح في مهمته عندما بدأت «أرامكو» رحلة التحول التقني.
هذه التقنيات تدخل في كل شيء؛ من حجز الكربون واستخلاصه، لتقليل الآثار الضارة بالبيئة للنفط، وحتى في تطوير محركات سيارات تستخدم وقوداً أقل وبصورة أكفأ حتى تنافس المحركات الكهربائية والهجينة وغيرها.
الإجابة الثانية تكمن في الدخول في شراكات وبناء مصافٍ خارج المملكة لضمان حصول «أرامكو» على حصة سوقية في البلدان المستهلكة مثل الصين التي حققت فيها «أرامكو» إنجازات لا يمكن لدولة أخرى في «أوبك» منافستها من حيث بناء المصافي، ولديها في الولايات المتحدة أكبر مصفاة. وتبقى الهند السوق الوحيدة التي تسعى «أرامكو» للتوسع فيها من خلال المصافي، إلا أن الأمر لا يزال جارياً.
هذه المصافي ستستهلك النفط السعودي بضمان العقود والاتفاقيات المبرمة لتوريده إليها.
«أرامكو» كانت سبّاقة عندما فكرت في بناء مصافٍ خارج السعودية بدلاً من بيع النفط وحسب، وهذا الأمر سيجعلها رائدة في المنافسة حتى في ظل وجود منافسة سعرية كبيرة في أي وقت مع أي دولة. ويجعل السعوديين أكثر اطمئناناً على مستقبل نفط بلادهم في السوق العالمية.

وائل مهدي

الحرب العالمية الجديدة باستخدام سلاح العملات

يتجّه العالم الاقتصادي اليوم إلى حرب عالمية جديدة، حيث يُستخدم فيها سلاح العملات الذي يُمكن أن يكون سلاح دمار إقتصادياً شاملاً.

 

شهدنا أخيراً تصريحاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يُعلن فيه رسمياً إستخدام العملة الصينية، (اليوهان) في التبادل التجاري، وخصوصاً في بيع المشتقات الغازية والنفطية للصين المستورد الأول في العالم. ولحقت بروسيا أكثرية بلدان «البريكس»، ولا سيما الهند والبرازيل، التي تتجّه أيضاً إلى التخلّي عن العملة الخضراء. إضافة إلى ذلك، علينا أن ننظر بدقّة إلى المحادثات والتحالف الجديد بين بيجينغ والرياض، والتي تلت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للعاصمة السعودية، والتي أثمرت اتفاقات تجارية واستثمارية تخطّت الـ 30 مليار دولار.

فهذه التحالفات الجديدة والمصالح المشتركة يُمكن أن تغيّر الأسس والقواعد المالية والنقدية الدولية.

 

علينا أن نتذكر، أنّه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ صعود أهمية وقوة الدولار الأميركي عالمياً، الذي بات سريعاً أجدر عملة دولية مستخدمة في كل أنواع التبادل التجاري، وخصوصاً المستعملة في بيع النفط والغاز وكل مشتقاته، وأيضاً كعملة أمان لكل إحتياط بلدان العالم، وخصوصاً البنوك المركزية، إلى جانب الذهب.

 

فالمؤسس الأول لسيادة العملة الخضراء كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الذي فرض الدولار الأميركي العملة الأقوى دولياً، في التبادل التجاري، لكن أيضاً فرض العقوبات أو الضغوط السياسية والاقتصادية على بلدان أو حتى أشخاص.

 

إنّ جائحة «كورونا» التي أوقفت كل العقارب الاقتصادية والتجارية والمالية، والنقدية الدولية، أجبرت كل البلدان على إعادة الهيكلية الداخلية، وأعادت إلى الصفر أكثرية الإتفاقات التجارية وحتى السياسية.

بعد الخروج من هذا الوباء المدمّر، بدأت المنافسة الشرسة بين عمالقة العالم للمركز الأول لقيادة العالم الاقتصادي الجديد. وبدأ قادة البلاد يجولون في كل القارات، ليس فقط لتمكين وضعهم، لا بل لبناء إتفاقات وتحالفات وتآزر جديد وشراكات جديدة لتخفيف إدمانهم على بعض العملات والاقتصادات العظمى.

 

فالحرب الروسية – الأوكرانية التي انفجرت جرّاء ضغوط سياسية جديدة، أضعفت أوروبا وقسّمت العالم بين جبهتين، وأجبرت على إعادة بناء ورسم طريق الحرير الجديد.

 

في خضم هذا الصراع الجديد، هناك حرب طاحنة بين روسيا وأوكرانيا وحرب باردة بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. فالهجوم المضاد من الصين أتى من الناحية السياسية باتفاق صيني – إيراني – سعودي، فريد وغير متوقع، ومن الجهة النقدية، بسلاح العملات والضغوط، للتخلّي عن سيادة العملة الخضراء واستبدالها باليوهان الصيني الذي يكسب الأرض يوماً بعد يوم.

 

في النهاية، لا أحد يعلم مَن سيربح في هذا الكباش، لكن الأكيد، أنّ الدولار الأميركي سيفقد من قوته السابقة والدائمة، وسنشهد تضخّماً مفرطاً وضغوطاً كبيرة على اقتصاد الولايات المتحدة وقطاعها المصرفي والمالي والنقدي.

 

إننا لا نزال في بداية الحرب العالمية الاقتصادية الجديدة، حيث كل الضربات ممكنة، وأي شرارة أو فتيل ممكن أن تشعل النار في أي مكان في العالم. من الصعوبة التكهن مَن سيكون الغالب والمغلوب، لكن الأكيد أنّ البلدان الصغيرة والضعيفة هي التي تدفع ثمن هذه الصراعات الدولية.

 

لا شك في أنّ صفحة الماضي انطوت، وفُتحت صفحة جديدة في الاقتصاد الدولي، وتُرسم خطط واستراتيجيات واتفاقات وتحالفات جديدة، فأعداء الأمس يُمكن أن يُصبحوا حلفاء الغد، لمصالح مشتركة، أو ضغوط تجمعهم.

 

في هذا السباق والتنافس الدولي الجديد، لا شك في أنّ الدولار الأميركي سيخسر من قوته على حساب اليوهان الصيني، الذي سينمو. أما العالم المالي والنقدي فيتجّه أكثر فأكثر إلى العملات المشفّرة والإلكترونية وبالأخص الـ cryptocurrency.

 

في المحصّلة، وفي سياق التقلّبات الدولية، والصراعات الساخنة والحروب الباردة، سيهرب المستثمرون من العملات التقليدية، وسيلجأون إلى العملات المشفّرة، والذهب، والعقارات، مترقبين مرور هذه العاصفة وهذا التسونامي المدمّر والهزّات الاقتصادية وتردّداتها التي تهزّ العالم.

د. فؤاد زمكحل

ماذا يحدث عندما تفشل البنوك وتغلق أبوابها في وجه المودعين؟

بعد أسابيع قليلة من الفشل المفاجئ لبنك وادي السيليكون، لا تزال حالة عدم اليقين والتخوف مسيطرة على القطاع المالي الذي يحاول الصمود في عالم أكثر غموضًا.

هؤلاء العملاء الذين بقوا في SVB ومقره كاليفورنيا اتبعوا الآن مسارًا مألوفًا في أعقاب الانهيار، من خلال نقلهم ببساطة إلى مقرض جديد بقرار من المنظمين.

احتمالية اختفاء البنوك أكبر مما يمكن أن يتوقعه المرء، على الرغم من كونها مصممة لتبقى إلى الأبد، في الولايات المتحدة، انخفض عدد البنوك بنحو 86% بين عامي 1921 و 2020، من خلال سلسلة من فترات الازدهار والكساد.

فيما انخفض عدد البنوك في أوروبا بمقدار الثلث تقريبًا بين عامي 2009 و 2020، ومع ذلك، كثيرا ما نفشل في رؤية كارثة قادمة. يمكن أن يكون ارتفاع أسعار الفائدة من النوع الذي تم تحمله في الآونة الأخيرة بمثابة تأرجح كرة مدمرة في النظام المالي، كما أن تراخي التنظيم قد ينذر بالمتاعب.

حتى مراقبو السوق المحترفين يفاجأون، فجاء البيع الطارئ الأخير لبنك كريدي سويس بعد أشهر قليلة فقط من تأكيد أكبر مستثمر في البنك السويسري على ثقته فيه باعتباره “علامة تجارية عمرها 160 عامًا”.

لا يعني اختفاء الشعار والفروع أن الثروة والاستثمارات التي تديرها المؤسسة تختفي بالضرورة، فعادة ما يتم نقلها إلى مقرضين آخرين.

بعد اندماج Credit Suisse مع منافسه الأشهر UPS، يتوقع البنك المشترك الآن أن يكون لديه 5 تريليونات دولار من الأصول المستثمرة – وهو مبلغ أكبر بكثير من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا.

تاريخ إخفاقات البنوك

في الصيف الماضي، أدى الانهيار بين المصارف الريفية في الصين إلى تجميد بعض الأموال المتاحة عادة للمودعين، على الأقل مؤقتًا.

بينما في عام 2015، اضطرت اليونان إلى إغلاق بنوكها لبضعة أسابيع لتجنب الانهيار.

خلال الأزمة المالية التي حدثت قبل عدة سنوات، كان ظهر كل يوم جمعة تقريبًا يصدر إعلانات عن فشل البنوك الأميركية، مما أدى إلى زيادة الحد الأقصى لمبلغ الإيداع الذي ستؤمنه الحكومة.

قبل ما يقرب من عقدين من الزمن، أدى الانتقال الوعر من الشيوعية في جمهورية التشيك إلى ارتفاع عدد البنوك هناك من 5 إلى 55 في نصف عقد، ثم تراجع إلى 40 بعد بضع سنوات بعد سلسلة من الإخفاقات.

في عام 1931، ساعد انهيار بنك Kreditanstalt ومقره فيينا في تحويل الأزمة المالية الأميركية إلى كساد عالمي، ومهد الطريق لما هو أسوأ في المستقبل.

كان البنك قد تأسس قبل عام من بنك كريدي سويس (والذي أطلق عليه في تلك المرحلة اسم ” Kreditanstalt “)، ودخل مؤخراً في عملية اندماج رتبتها الحكومة السويسرية.

تغطية المودعين في البنوك الأميريكية

يواجه المنظمون دائمًا خيارات صعبة عندما يتدخلون في حالات فشل البنوك، حيث يتم إجراء فحص دقيق لتحديد من سيحصل على يد العون ومن لن يتم مساعدته، وهو ما قد يلحق الضرر بالثقة العامة بين المواطنين.

لحسن الحظ، ربما تأخذ الاضطرابات المصرفية الأخيرة الآن منعطفًا إيجابيًا. لسبب واحد، يبدو أن التدفقات الخارجة في البنوك الصغيرة الضعيفة نسبيًا في الولايات المتحدة قد استقرت، وهو أمر بالغ الأهمية.

ربما يكون من الجيد أن تضع في اعتبارك أن الأشخاص الذين يديرون البنوك عرضة للخطأ مثل أي شخص آخر. يجب أن تكون القرارات المتخذة لتصويب أخطائهم عادلة وشفافة قدر الإمكان.

من إيلون ماسك إلى بيل غيتس.. أثرياء حاولوا بناء المدينة الفاضلة!

يخطط إيلون ماسك لبناء مدينته الخاصة لعمال SpaceX و The Boring Company خارج أوستن في تكساس الأميركية، وفقًا لتقرير حديث من Wall Street Journal.

وقال التقرير إن الملياردير ورفاقه اشتروا ما لا يقل عن 3500 فدان من الأراضي في باستروب بولاية تكساس، على بعد حوالي 35 ميلاً خارج أوستن، وقيل إن لافتات لمدينة تسمى “Snailbrook” بدأت بالفعل في الظهور في المنطقة.

ذكرت الصحيفة أن ماسك وموظفيه وصفوا رؤية المدينة بأنها “نوع من المدينة الفاضلة في تكساس على طول نهر كولورادو”، مشيرة إلى أن المدينة سيتم تجهيزها بمنازل جاهزة وحوض سباحة ومنطقة رياضية خارجية وصالة ألعاب رياضية، بالإضافة إلى مدرسة خاصة.

يخطط الرئيس التنفيذي لشركة Tesla أيضًا لبناء مجمع خاص خارج المدينة مباشرةً حيث يمكنه العيش، وفقًا للتقرير.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها ماسك عن بناء مدينة، حيث قال ماسك إنه يخطط لتشكيل مدينة بالقرب من منشآت إطلاق SpaceX أيضًا في عام 2021 تسمى “Starbase” في بوكا تشيكا في تكساس، على بعد 350 ميلاً من Snailbrook.

يأتي هذا بالطبع إلى جانب خطط ماسك لبناء مدينة مكتفية ذاتيًا على سطح المريخ أعلن عنها لأول مرة في عام 2014.

في العام الماضي، قال ماسك إنه يتوقع أن يكون استعمار المريخ “عملًا شاقًا وصعبًا”. وقال إنه يأمل في أن يغتنم الأشخاص الذين سيستعمرون المريخ الفرصة “لإعادة التفكير في المجتمع”.

مارك لور

في عام 2021، أعلن مارك لور الرئيس التنفيذي السابق لشركة Walmart عن خطط لبناء مدينة فاضلة مستقبلية تسمى “Telosa” وهي كلمة يونانية قديمة تعني “الهدف الأسمى”.

في ذلك الوقت، قال لور إنه يريد بناء مدينة فاضلة يمكن أن يسكنها حوالي 50 ألف شخص بحلول عام 2030، وأشار إلى أن المدينة سيحكمها مزيج من المساواة والرأسمالية.

وقال إن Telosa ستبنى في الصحراء، لكنه لم يحدد الموقع بالضبط، وستوفر المدينة لمواطنيها وصولاً متساوياً إلى التعليم والرعاية الصحية والمواصلات، وسيتجول السكان بمركبات ذاتية القيادة، وستعمل المدينة على الطاقة المتجددة.

تشير التقديرات إلى أنه المدينة ستكلف حوالي 400 مليار دولار ويقول إنه من المحتمل أن يتم اختيار المواطنين من خلال عملية التقديم.

الملياردير بيتر ثييل

في عام 2008، أطلق ثييل مهمة لتطوير مدينة عائمة تسمى seastead، تعمل بشكل مستقل عن الدول الموجودة كجزيرة صغيرة مكتفية ذاتيًا.

قال المستثمر الملياردير إن المدينة ستكون ليبرالية هربًا من السياسة بجميع أشكالها، وخطت المجموعة خطوات مبكرة في التخطيط لبناء سلسلة جزر قابلة للفصل قبالة بولينيزيا الفرنسية وكان لديها اتفاق مبدئي مع البلاد ، لكن الحكومة قالت في عام 2018 أن عقدها مع معهد Seasteading “عفا عليه الزمن” و”لا يُلزم الدولة بأي شكل من الأشكال”.

غادر ثييل مجلس إدارة معهد Seasteading في عام 2011، ولكن حتى يومنا هذا، يواصل المعهد الترويج للفكرة على موقعه على الإنترنت.

الملياردير بيل غيتس

في عام 2017 ، استثمر بيل جيتس حوالي 80 مليون دولار في خطط لمدينة ذكية خارج فينيكس في أريزونا الأميركية.
اشترت إحدى الشركات التابعة لشركة استثمار غيتس أرضًا في جنوب غرب ولاية أريزونا لبناء مشروع مساحته 24800 فدان يتكون من مساكن ومدارس عامة ومكاتب وتجارية ومساحات بيع بالتجزئة، حسبما أفاد موقع AZ Central.
في ذلك الوقت، كانت الخطة تقضي ببناء 80 ألف منزل، منها 3800 فدان مخصصة للمساحات الصناعية والمكتبية والتجزئة، و3400 فدانًا من المساحات المفتوحة، و470 فدانًا مخصصة للمدارس العامة، وقيل أن المدينة ستعرف باسم Belmont.

قالت الوكالة التي تمتلك العقار Belmont Partners في ذلك الوقت إنه سيتم تصميمه ليشمل شبكات عالية السرعة، ومراكز بيانات ، وسيارات ذاتية القيادة، وتقنيات تصنيع جديدة، ومراكز لوجستية مؤتمتة.

من غير الواضح ما الذي حدث مع خطط التطوير منذ عام 2017.

لاري إليسون

في عام 2012، اشترى الشريك المؤسس لشركة Oracle حوالي 98% من جزيرة لاناي في هاواي مقابل حوالي 300 مليون دولار.

بعد الحصول على الأرض، قام بتسمية المدينة Nobu، وأنشأ منتجعًا به مركز صحي، وجدد الفنادق الموجودة في الجزيرة.

منذ ذلك الحين، أصبحت الجزيرة التي يقطنها حوالي 3000 شخص وجهة للأثرياء، من أمثال توم كروز وسيندي كروفورد وويل سميث. انتقل إليسون بنفسه إلى الجزيرة في عام 2020.

الملياردير مارك كوبان

اشترى المستثمر الملياردير مارك كوبان منذ فترة طويلة موستانغ في تكساس الأميركية مقابل حوالي 2 مليون دولار كخدمة لصديقه مارتي برايس.

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في ذلك الوقت أن برايس كان يمتلك البلدة مع اثنين آخرين ولم يرغب في أن ترث زوجته مدينة أشباح.

تم إنشاء المدينة في عام 1973 عندما كان بها شركتان فقط، حسبما ذكرت التايمز. عندما تم تأسيسها في البداية ، كانت المدينة موطنًا لحوالي 21 شخصًا ، ولكن بعد إغلاق الشركتين في النهاية، انتقل السكان بعيدًا عنها.

قال كوبان لصحيفة دالاس مورنينج نيوز في عام 2021: “لا أعرف ماذا أفعل بها”.

استراتيجية روسية ـ صينية لدعم مواجهة أميركا اقتصادياً وعسكرياً!

تقول بعض المصادر المطلعة في أوروبا إن القمة الروسية الصينية التي انعقدت في موسكو في العشرين من هذا الشهر، كان مخططاً لها أن تعقد في بكين بزيارة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على رأس وفد من الوزراء والفعاليات الاقتصادية، إلا أنه تم تغيير البرنامج وحصلت القمة بزيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو لأسباب قيل إنها تعود إلى ضرورة بقاء الوزراء والمسؤولين الروس قريباً من مراكزهم لدقة الأوضاع الراهنة بسبب حرب أوكرانيا.
إلا أن المصادر نفسها قالت إن التغيير الذي حصل كان بطلب خاص من الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي اتصل ببوتين وأخبره أن زيارته إلى روسيا ستكون رسالة واضحة لحلف الناتو عن مدى دعم بلاده لروسيا ووقعها سيكون أقوى بكثير من زيارة يقوم بها الرئيس الروسي لبكين التي من المؤكد سيتم تفسيرها على أنها لطلب المعونة.
وقد ترأس جينبينغ وفداً من 250 عضواً يمثلون كل أنشطة الدولة من تجارية وصناعية إلى مالية ودفاعية وطاقة وبناء ونقل… وقد فاق عدد مرافقي الرئيس الصيني الألف شخص مع الدبلوماسيين والمترجمين والإعلاميين ورجال الأمن. ودامت الزيارة خمسة أيام حرص خلالها المضيف على إبراز عمق العلاقة بين البلدين وإظهار فائق المودة الشخصية بين الرئيسين. وبعيداً عن المظاهر الاحتفالية عمل الوفد الصيني على توقيع العقود في شتى المجالات، ولعل أهمها عقود تجارية بقيمة 190 مليار دولار وإعلان وزير المال الروسي أنطون سوليانوف أن جميع العقود ستتم باليوان الصيني الذي أصبح يشكل 48% من سلة العملات الأجنبية لروسيا. كما تم الاتفاق على تسريع إنشاء خط سيبيريا 2، الذي ينتظر أن يمر فيه 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً نحو الصين، وبهذا يتم التعويض عن توقف تصدير الغاز إلى أوروبا.
ولافتاً كان الانتقاد الصيني للناتو وتدخله في شؤون الدول.
الواضح أن روسيا اليوم تعتمد بشكلٍ رئيسي على الصين اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً ولو بشكل غير معلن. فالصين هي الملاذ الآمن للدب الروسي الذي تطوله العقوبات من كل حدب وصوب، وهي المستورد الأكبر لكي لا نقول الأوحد للغاز والنفط والمعادن والمواد الزراعية، حيث لا يجرؤ الآخرون على استيراد الإنتاج الروسي لكي لا تطولهم العقوبات. ولكن من ناحية أخرى ما يعني الصين في نهاية المطاف ليس دعم روسيا التي حجم اقتصادها يقل عن حجم اقتصاد إيطاليا بقدر ما هو وراثة روسيا الاتحاد السوفياتي. فمن خلال مقدرتها على التأثير على القرار الروسي أصبح العملاق الآسيوي قوة لا بد من الاعتراف بها أوروبياً ودولياً.
في مداخلة لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي السابق ومهندس العلاقة الصينية – الأميركية في يوليو (تموز) الماضي ضمن المؤتمر السنوي لمعهد ويلسون في نيويورك، يقول، وهو الخبير الأهم في شؤون الصين، إن ما تريده الصين هو اعتراف دولي وبالأخص أميركي بأنها دولة عظمى في عالم بقطبين، ويكمل كيسنجر بأن مسار الصين التوسعي لا يمكن إيقافه وأن تعامل بلاده معها هو خاطئ وغير مجد، وتمنى لو استشارته الإدارات المتعاقبة، لأنه كان سينصحها بعدم المواجهة بل بالتعاون كما حصل عندما فتح جدار الصين في سبعينات القرن الماضي وبنى جسوراً مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ووزير خارجيته شو إن لاي، وبهذا أنهى صراعاً مكلفاً للولايات المتحدة في فيتنام وجنوب شرق آسيا.
بعد ترحيب حار على مدرج المطار، ركزت كاميرات التلفزيون الحكومية الروسية ليُسمع شي جينبينغ يقول لبوتين إنه يتوقع إعادة انتخابه العام المقبل.
قبل رحلته، وقّع شي «مقال رأي» في شكل رسالة مفتوحة في وسائل الإعلام الحكومية الروسية وصف علاقة البلدين بأنها علاقة «الصداقة والتعاون والسلام». دعت الرسالة إلى زيادة التبادلات الاقتصادية والتبادلات الشعبية بين الصين وروسيا، ولكنها تضمنت أيضا فقرتين عن الحرب. أكد شي على أهمية احترام «المخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان»، مع تكرار التصريحات الواسعة الأخرى التي أدلت بها بكين من قبل.
يأتي حذر الغرب جزئيا من قرب بكين الواضح من موسكو. على الرغم من ادعاءاتها بالحياد، حافظت الصين على دعمها لروسيا في شكل مشتريات من الطاقة والحماية الدبلوماسية في الأمم المتحدة. كانت هناك تقارير تفيد بأن الصين تزود روسيا بمعدات عسكرية غير فتاكة، وحذرت الولايات المتحدة الصين من المضي قدما من خلال توريد الأسلحة. منذ اندلاع الحرب، زادت التجارة الثنائية بنسبة 36 في المائة. وواصلت الدولتان تدريباتهما العسكرية المشتركة في أماكن مثل المحيط الهندي وبحر العرب.
لكل هذه الأسباب، لا تعتبر الصين في نظر الغرب وسيطا موضوعيا عندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، هذا لا يعني أنه لا يمكن تصورها تلعب دورا أساسيا في أي مفاوضات في نهاية المطاف.
كانت كييف، على الرغم من تشككها، أكثر تقبلا لخطة الصين المكونة من 12 نقطة من الولايات المتحدة، قائلة إنها كانت مفتوحة الصدر لأجزاء منها. قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه يريد مناقشة الخطة مع شي.
بعد كل شيء، يحتاج بوتين إلى شي أكثر مما يحتاج شي إلى بوتين. منذ بدء الحرب، أصبحت روسيا معزولة بشكل متزايد سياسيا واقتصاديا، وتأتي الصين باستمرار لإنقاذها. في هذه العملية، جعلت روسيا الشريك الصغير والطالب المساعدة في علاقتهما.
علاوة على ذلك، لا تدعم بكين موسكو انطلاقا من العلاقات التاريخية العميقة أو القيم المشتركة، بل على العكس من ذلك، فإن الصداقة الحميمة على «مستوى السطح» بين الزعيمين تحجب التنافس التاريخي بين البلدين. علاقتهما هي علاقة تقوم على مشاركة عدو مشترك – الولايات المتحدة.
أظهر اجتياح أوكرانيا أن هناك في الواقع حدودا «لصداقة الصين وروسيا البدون حدود»، كما وصفا علاقتهما قبل أسابيع فقط من الاجتياح الروسي. وجدت بكين نفسها مدفوعة إلى زاوية دبلوماسية، مع عواقب سياسية واقتصادية محتملة بغض النظر عن المسار الذي تختاره.
إن الوقوف مع موسكو للنهوض بهدفهما المتبادل طويل الأجل المتمثل في إضعاف الغرب سيكون في نهاية المطاف غير متوافق مع تعميق العلاقات الاقتصادية مع أوروبا، إنها أولوية للصين وهي تخرج من سياستها «صفر كوفيد».
يأمل البعض في أوروبا أن تأثير الحرب على مكانة الصين يمكن أن يفوق في نهاية المطاف فوائد شراكة شي مع بوتين. معظمهم أكثر حذرا ويشككون في أن هذه الصداقة غير المتكافئة ستترجم إلى سلام لأوكرانيا. من وجهة النظر هذه، قد تستخدم الصين نفوذها، ولكن ليس في السعي لتحقيق السلام. بدلا من ذلك، ستكون المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للصين أولوية بكين.
مرة أخرى، هذا لا يعني أنه لا يوجد مكان لبكين في محادثات السلام. وقد يكون هناك وقت يتماشى فيه السلام في أوكرانيا مع مصالح بكين العاجلة. ولكن في الوقت الحالي، تتمثل النتيجة الملموسة لزيارة شي في علاقات اقتصادية أقوى بين الصين وروسيا الخاضعة للعقوبات وإضفاء الشرعية على متهم رسمياً من محكمة لم تعترف روسيا بها أصلاً.

 

هدى الحسيني

تفكيك الشركات التقنية

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أطلقت الحكومة الصينية حملة شرسة حاربت فيها الميول الاحتكارية للشركات التقنية. على رأس هذه الشركات كانت «علي بابا»، التي أُوقف الطرح الأولي لذراعها المالية (آنت غروب)، وغرمت بمبلغ فلكي قارب 2.8 مليار دولار بسبب الاحتكار. وأعلنت الحكومة الصينية في مارس (آذار) 2021، أنها ستشدد القوانين بمكافحة الاحتكار، لتستحدث بعدها بأشهر قوانين جديدة تستهدف مكافحة المنافسة غير العادلة. بعد سنتين ونصف من بداية الحملة، جاءت نتائج هذه الإجراءات، وكانت بإعلان «علي بابا» الأسبوع الماضي تقسيم الشركة إلى ست شركات منفصلة حسب الأنشطة التجارية، لكل شركة منها رئيس تنفيذي، ومجلس إدارة خاص بها، لتكون بذلك نهاية دوامة عانت منها «علي بابا»، وخسرت خلالها أكثر من ثلثي قيمتها السوقية. ردة فعل السوق كانت إيجابية من إعلان «علي بابا»، فارتفعت أسعار الأسهم، وساد التفاؤل بين أوساط المساهمين، لا سيما أن الشركة أوضحت في إعلانها أن هذا التقسيم سيكون مفيداً للمساهمين الذي ستعظم ثروتهم بعد انطلاق الشركات الست، وطرحها للاكتتاب في المستقبل.
حالة «علي بابا» أعادت طرح موضوع تفكيك الشركات التقنية العملاقة مرة أخرى، وهو موضوع كان في أوجه إبان الانتخابات الأميركية السابقة عام 2019؛ حيث تمحورت حملة المرشحة الديمقراطية (إليزابيث وارن) حول تفكيك الشركات التقنية إلى شركات أصغر. ولدى (وارن) المعرفة العميقة حتى تقترح هذا الإجراء الذي يبدو للبعض كأنه اقتراح شعبوي لا يراد منه إلا جذب الشعبية، وكسب الأصوات. فقد كانت قائدة الفريق الذي أنشأ مكتب الحماية المالية للمستهلك بعد أزمة عام 2008، ولديها الخبرة الكافية في المواجهات والصدامات مع شركات «وول ستريت».
ويجادل الذين يريدون تقسيم الشركات التقنية، أن هذه الشركات لديها من البيانات ما يجعلها أقوى من أن تُنافس من الشركات الصغرى، وهذه البيانات تأتي من فروع الشركة الكثيرة، وميزة الاطلاع على بيانات المستخدمين، وإعادة استخدام هذه البيانات لتطوير الشركة بشكل لا يتأتّى للشركات الصغيرة. السبب الآخر – وهو أحد دوافع الحكومة الصينية لتفكيك «علي بابا» – أن هذه الشركات أصبحت تملك قُوى لا تمتلكها حتى الدول، وتحولت هذه القوّة من قوة سوقية إلى قوة سياسية، فأصبح للشركات نفوذ سياسي لا يستهان به، كما غدت أحد أهم اللاعبين في جماعات الضغط (اللوبيات)، وهو على الأرجح ما عطّل القرار الأميركي في تفكيك هذه الشركات. أحد الأسباب كذلك أن هذه الشركات، ومع ادعائها بدعم الابتكار، إلا أنها وبهيمنتها على السوق، وقمعها للمنافسين لا تدعم إلا الابتكار القائم داخل أسوارها والموجّه بتوجهها الخاص، والأمثلة كثيرة على شركات تقنية استحوذت على أخرى ناشئة، وأنهت جميع أنشطتها بهدف قمع منافستها، ولو كانت هذه الشركات العملاقة أقل حجماً لما كانت لها القدرة على هذه الاستحواذات.
أما الذين لا يرون صحّة تفكيك الشركات العملاقة فهم يرون أن أول تأثير لهذا الإجراء هو زيادة التكاليف على المستهلك؛ فكفاءة الشركات الكبيرة تقلل من تكاليف تشغيلها، وتفكيكها إلى شركات أصغر يزيد التكاليف. كما أن الشركات الكبرى لديها الإمكانية والملاءة المالية المناسبة للاستثمار في البحث والتطوير على المدى الطويل (أكثر من عشر سنوات)، بينما تحد القدرة المالية الشركات الصغرى من الدخول في هذه الاستثمارات.
إن ما فعلته الصين بتفكيك «علي بابا» خلال سنتين ونصف، يناقشه العالم الغربي – وهو مقتنع بجدواه – منذ أكثر من 7 سنوات. ومع أن الولايات المتحدة تحديداً لها خبرة سابقة في تفكيك الشركات العملاقة بهدف منع الاحتكار مثل ما حدث مع شركة «AT&T» فإنها لم تتخذ أي إجراء تجاه شركاتها التقنية الحالية. وقد سبق للاتحاد الأوروبي أن هدد بتفكيك هذه الشركات في حال لم تلتزم بالأنظمة الأوروبية، إلا أن ذلك لا يتعدى كونه تهديداً. ويبدو أن الشركات التقنية كانت أذكى كثيراً من الحكومات الغربية خلال السنوات الماضية، فهي قد دمجت عملياتها وأنشطتها، بل حتى ملكياتها الفكرية ليكون من الصعب على الحكومات تفكيكها في المستقبل، ولكن يبدو أن الحكومة الصينية، بما لديها من قوة تنفيذية، تمكنت من هذا الفصل للشركات التقنية. وتبقى السوق تنتظر القوانين التي تفصل في تبادل البيانات بين شركات «علي بابا» الست، والذي يعد أهم نتيجة لهذا التفكيك، فلو كان تبادل البيانات بين هذه الشركات كما هو الآن، لما كان لهذا التفكيك أي داعٍ.

د. عبد الله الردادي

البنك الدولي: اقتصاد العالم ذاهب إلى “عقد ضائع”

اعتاد العالم على سماع التوقّعات الاقتصاديّة المتشائمة خلال السنوات الثلاث الماضية، بعدما تظافرت مجموعة من العوامل لتفرض على الاقتصاد العالمي ضغوطاً قاسية لم نشهدها منذ عشرات السنين. إلا أنّ تقرير البنك الدولي الأخير، المعنون بـ”تراجع آفاق النمو على الأجل الطويل: الاتجاهات والتوقعات والسياسات”، قدّم للمرّة الأولى تقييمًا شاملًا لمعدلات النمو الاقتصادي العالمي المحتملة على المدى البعيد، في أعقاب جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، وما يشهده العالم اليوم من سياسات نقديّة انكماشيّة تحاول ضبط معدلات التضخّم.

أمّا أخطر ما وصل إليه التقرير، فهو أنّ أقصى معدّل للنمو على المدى الطويل، سينخفض إلى أدنى مستوياته منذ ثلاثة عقود بحلول العام 2030. وهذا التراجع، قد يكون أشد حدّة أو أقسى، في حال حدوث أزمة ماليّة عالميّة أو ركود طويل الأجل، حتّى ذلك الوقت، وهذا محتمل بشدّة طبعًا. وفي النتيجة، لخّص البنك الدولي الوضع بعبارات حسّاسة لا يفترض تجاهلها: “قد نكون أمام عقدٍ ضائع للاقتصاد العالمي. إن التراجع المستمر في النمو الاقتصادي، سيكون له تداعيات خطيرة على قدرة العالم على التصدّي لمجموعة من التحديات، كالفقر المدقع وتباين مستويات الدخل وتغيّر المناخ”.

نهاية ثلاثة عقود سعيدة
عاش العالم ثلاثة عقود من النمو الاقتصادي العالمي المستدام، منذ العام 1990. فعلى مدى هذه المدّة الطويلة، تمكّن العالم من خفض معدلات التضخّم، وزيادة مستويات الدخل، ورفع إنتاجيّة القطاعات الاقتصاديّة المختلفة، كما انخفضت معدلات الفقر المدقع العالميّة على نحو ملحوظ. في النتيجة، تمكنت ربع الاقتصادات النامية من الانتقال إلى مستوى دخل مرتفع، خلال جيل واحد.

اليوم، بات كل ما يجري من تحوّلات اقتصاديّة يدفع الاقتصاد العالمي بالاتجاه المعاكس تمامًا. فخلال السنوات العشر التي سبقت تفشّي وباء كورونا، بدأ الانخفاض العالمي تدريجيًّا في معدلات الإنتاجيّة الاقتصاديّة، والتي تؤثّر بشكل تلقائي على معدلات نمو الأجور والرواتب، وهو ما بدأ بإثارة القلق تجاه آفاق النمو الاقتصادي العالمي.

وخلال العقد الراهن، أي بين العامين 2020 و2030، من المتوقّع أن تنخفض معدلات نمو الإنتاجيّة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق منذ 23 سنة. مع الإشارة إلى أنّ معدلات الإنتاجيّة تقيس كميّة السلع والخدمات التي يمكن إنتاجها من خلال كميّة معيّنة من المدخلات (أي العمالة والمواد الأوليّة).

في الوقت نفسه، تتراجع اليوم معدلات الاستثمار إلى حدود مقلقة. فبين العامين 2022 و2024، من المتوقّع أن يبلغ معدّل الاستثمار السنوي نحو نصف المعدلات السنويّة، التي حققها العالم خلال العقدين الماضيين. كما ستستمر القوّة العاملة بالنمو بتواضع، في الدول المتقدمة والكثير من الأسواق الناشئة والدول النامية، نتيجة تراجع معدلات الولادات. وفعاليّة القوّة العاملة، تأثّرت أساسًا بالصدمات الصحيّة التي تعرّضت لها، وبحالات إقفال المدارس خلال الفترة الماضية، وتراجع معدلات ساعات التعليم، وغيرها من العوامل. أمّا معدلات التجارة الدوليّة، التي نمت بنحو ضعفي معدلات النمو الاقتصادي بين 1990 و2011، فتعاني اليوم للنمو بمعدلات النمو الاقتصادي نفسها.

نهاية العقود الثلاثة السعيدة، حسب البنك الدولي، هي ما سيقودنا نحو عقدٍ ضائع. وهذا لن يشمل بعض الدول والمناطق حول العالم، كما جرى في الماضي، بل سيشمل العالم بأسره من دون استثناء.

انخفاض حاد في النمو الاقتصادي العالمي
وبالأرقام، حسب التقرير، “من المتوقع أن ينخفض متوسط النمو العالمي المحتمل، لإجمالي الناتج المحلي بين عامي 2022 و2030، بنحو ثلث المعدل الذي كان سائدًا في العقد الأول من هذا القرن (أي بين عامي 2000 و2010)، ليصل إلى 2.2% سنوياً”. مع الإشارة إلى أنّ هذا المعدّل كان يبلغ حدود 3.5% بين عامي 2000 و2010.

وبالنسبة للاقتصادات النامية بالتحديد، سيكون الانخفاض حادًا بالدرجة نفسها: من 6% سنوياً بين عامي 2000 و2010، إلى 4% سنوياً خلال الفترة المتبقية من هذا العقد (أي حتّى نهاية 2030). وسيكون هذا التراجع أشد حدة في حالة حدوث أزمة مالية عالمية أو ركود اقتصادي. بمعنى آخر، لا تأخذ كل هذه التوقّعات بالاعتبار احتمالات حصول انهيارات اقتصاديّة استثنائيّة أقسى وأشد.

ويشير التقرير إلى مجموعة من الأحداث التي ضغطت على الاقتصادات العالميّة بأسرها خلال السنوات الثلاث الماضية: من تفشّي الوباء خلال العام 2020، إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، وصولًا إلى سياسات رفع الفوائد وامتصاص السيولة وغيرها من الإجراءات الإنكاماشيّة التي قامت بها المصارف المركزيّة الغربيّة منذ العام 2022، بعدما توسّعت في تقديم رزم الدعم وضخ السيولة خلال فترة تفشّي الوباء. وفي هذا الإطار، ساهم رفع الفوائد خلال الفترة الماضية في الوصول إلى أقصى مستوى من التشديد النقدي منذ أربعة عقود من الزمن.

أمّا السياسات الماليّة للحكومات، فباتت أقل دعمًا لمتطلّبات النمو، بعدما تدهورت توازنات الميزانيّات العامّة للدول خلال الأزمة عام 2020، فيما ارتفع مستوى الديون الحكوميّة إلى مستويات تاريخيّة منذ ذلك الوقت. وأمام كل هذه الضغوط والصدمات التي تعرّض الاقتصاد العالمي، انخفضت معدلات النمو بشكل قاسي، بعد الركود الذي شهده العالم عام 2020.

إجراءات مطلوبة على المدى الطويل
ومع ذلك، يشير التقرير إلى أنّ هناك ما يمكن فعله لتفادي هذا السيناريو المتشائم، إذ أن النمو المحتمل لإجمالي الناتج المحلي العالمي “يمكن زيادته بما يصل إلى 0.7 نقطة مئوية، أي إلى متوسط سنوي قدره 2.9%، إذا اعتمدت البلدان المختلفة سياسات مستدامة موجهة نحو النمو”. ومن هذه الإجراءات التي يعددها التقرير، مثلًا:

– زيادة الاستثمارات في مجالات مثل النقل والطاقة، والزراعة والصناعات التحويلية المراعية للمناخ، وأنظمة الأراضي والمياه. هذا النوع من الاستثمارات المتوافقة مع الأهداف المناخية الرئيسية، يمكن لها أن ترفع النمو المحتمل بنسبة تصل إلى 0.3 نقطة مئوية سنوياً، فضلاً عن تعزيز القدرة على الصمود في وجه الكوارث الطبيعية في المستقبل.

– خفض تكاليف التجارة التي ترتبط في معظمها بالشحن البحري والخدمات اللوجستية واللوائح التنظيمية، والتي تؤدي فعليًا إلى مضاعفة تكلفة السلع المتداولة عالمياً اليوم. ويمكن للبلدان التي ترتفع فيها تكاليف الشحن واللوجستيات أن تخفض تكاليفها التجارية إلى النصف من خلال اعتماد اتفاقات تيسير التجارة، وغيرها من الممارسات المعتمدة في البلدان التي تعاني من أدنى تكاليف للشحن واللوجستيات.

– تعزيز قطاع الخدمات، بما يسمح لهذا القطاع بأن يكون المحرك الجديد للنمو الاقتصادي. فقد قفزت صادرات الخدمات المهنية المقدمة رقميًا، والمتعلّقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال، إلى أكثر من 50% من إجمالي صادرات الخدمات في عام 2021، مقارنة بـ40% في 2019.

– زيادة المشاركة في قوة العمل، إذ يُعزى نحو نصف التباطؤ المتوقع في النمو المحتمل لإجمالي الناتج المحلي حتى عام 2030 إلى تغير الأوضاع الديموغرافية، بما في ذلك تقلص عدد السكان في سن العمل وتراجع المشاركة في القوى العاملة مع تقدم المجتمعات في العمر. في بعض المناطق -مثل جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا- يمكن زيادة معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة، إلى نفس معدلات جميع اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، بما يسمح بتسريع وتيرة النمو المحتمل لإجمالي الناتج المحلي بحدود 1.2 نقطة مئوية سنوياً بين عامي 2022 و 2030.

– يجب على واضعي السياسات إعطاء الأولوية للحد من التضخم، وضمان استقرار القطاع المالي، وخفض الديون، واستعادة الحصافة في المالية العامة. ويمكن لهذه السياسات أن تساعد مختلف البلدان على اجتذاب الاستثمارات من خلال تعزيز ثقة المستثمرين في المؤسسات الوطنية وسياساتها.

أمّا أهم توصيات التقرير، فهي ضرورة تعزيز التعاون العالمي، لتحقيق التكامل والتعاون بين اقتصادات مناطق العالم المختلفة. فقد ساعد التكامل الاقتصادي الدولي على دفع عجلة الرخاء العالمي لأكثر من عقدين منذ عام 1990، لكنه تعثر لاحقاً، بعد أن تنامت مؤخرًا ظواهر الحروب التجاريّة والقيود على التجارة الدوليّة، وتراخي الدول في تنفيذ التزاماتها المرتبطة بالمناخ. ففي النهاية، وكما يشير التقرير، يدين سكّان الأرض اليوم “للأجيال القادمة بصياغة سياسات يمكنها تحقيق نمو قوي ومستدام وشامل للجميع”، وهو ما يفرض القيام بخطوات جريئة وجماعيّة لتحفيز النمو المستدام على المدى البعيد.

علي نور الدين

غاز شرق المتوسط

تُعدّ أوروبا السوق الأفضل لغاز شرق المتوسط؛ نظراً للتقارب الجغرافي ما بين المنطقتين، ومن ثم ركزت معظم الدراسات على تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، لكن في الوقت نفسه برز عاملان مهمان أضيفا إلى هذه الفرضية: هل الاحتياطات الأكيدة كافية لتلبية الطلب الأوروبي؟ وماذا عن الطلبين المحلي والإقليمي؟ وقد أضيف مؤخراً «العامل الأوكراني»؛ بمعنى إمكانية تعويض إمدادات الغاز الروسية التي قررت أوروبا مقاطعتها.
ويتوجب عند دراسة تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، الأخذ بنظر الاعتبار، وسيلة التصدير (عبر أنبوب يَعبر البحر الأبيض، وما هو الطريق الأنسب لهذا الأنبوب؟) وإمكانية تسييل الغاز (كما يجري حالياً في مصر)، ومن ثم شحنه إلى أوروبا. هذه العوامل، وكثيرٌ غيرها من العوامل الجيواستراتيجية (هل يتوجب التصدير خلال خط أنابيب يمتدّ عبر قبرص، ومن ثم اليونان، أم خط أنابيب بحري إلى تركيا حيث يتم ربطه هناك مع أحد الخطوط البرية العاملة حالياً عبر دول جنوب وجنوب شرق أوروبا؟)، وأخيراً هناك مسألة تكاليف المواصلات أو مصانع التسييل، وأثرها على السعر النهائي للغاز.
يطرح السؤال الأول نفسه تلقائياً: هل الاحتياطات المؤكَّدة لغاز شرق المتوسط كافية لتلبية الطلب الأوروبي، وفي الوقت نفسه تلبية الطلب المحلي الإقليمي للغاز، حيث السوقان الضخمتان المصرية والتركية من جهة، والأسواق الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية واللبنانية والقبرصية حيث لا تتوفر مصادر طاقة وافية أخرى معروفة حتى الآن. لقد أصبح الغاز بفضل سعره المنافس للنفط والفحم ودوره بصفته وقوداً «نظيفاً»، مقارنة ببقية الوقود الأحفوري، هو العنصر المعتمَد عليه في تزويد محطات توليد الكهرباء والمصانع بالوقود.
بلغ مجمل الاحتياطي الغازي المؤكَّد المكتشَف حتى الآن في مياه مصر وإسرائيل وقبرص حوالي 2400 مليار متر مكعب، أو نحو 85 تريليون قدم مكعب، وهذا الرقم مؤهَّل للارتفاع نتيجة استمرار الاكتشافات. وتشكل طاقة التسييل المصرية أكبر إمكانية حالياً لتصدير الغاز من شرق المتوسط، ويتوقع أن تزداد الطاقة التصديرية الغازية من شرق المتوسط إلى حوالي 50 مليار متر مكعب بحلول أوائل عقد الثلاثينات.
من الجدير بالذكر أن دول السوق الأوروبية أنتجت نحو 210 مليارات متر مكعب من الغاز، أو 38 % من الطلب في عام 2021. وفي الوقت نفسه، صدّرت روسيا إلى أوروبا عبر شبكة الأنابيب نحو 167 مليار متر مكعب، أو نحو 30 % من مجمل الإمدادات الغازية لأوروبا البالغة 551 مليار متر مكعب، الأمر الذي يعني أن احتياطيات شرق المتوسط وافية لكن متأخرة لتلبية الطلب الأوروبي (الذي بحاجة سريعة لتعويض الغاز الروسي).
من المعروف أن التقنيات الحديثة تعتمد أكثر وأكثر على الكهرباء. هذا معناه ازدياد استهلاك الكهرباء سنوياً، مما يعني بدوره أن دول شرق المتوسط ستحتاج إلى طاقة كهربائية أكثر مستقبلاً، مع ازدياد اعتمادها على الكهرباء، وخصوصاً في تلك الدول، ومنها ما يعاني عجزاً كهربائياً فادحاً غير مسبوق؛ بمعنى أنه مع زيادة استهلاك السيارة الكهربائية وكثير من السلع الاستهلاكية المعتمدة على الكهرباء، يتوجب أيضاً الأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السريعة المتوقعة للاستهلاك الداخلي والإقليمي للغاز.
تستفيد الدول المصدِّرة للغاز في شرق المتوسط من الأسواق الإقليمية عبر شبكات وأنابيب قصيرة المدى وقليلة الكلفة نسبياً. وبالفعل، نجد الآن أن مصر والأردن وإسرائيل تزوِّد الأغلبية الساحقة من محطاتها الكهربائية بالغاز.
هذا، وتبقى المحطة الكهربائية الوحيدة في مناطق السلطة الفلسطينية، محطة كهرباء غزة التي تزوِّدها إسرائيل بالغاز، تحت رحمة إسرائيل في إيقاف وإيصال الإمدادات وفق ضغوط السياسات الإسرائيلية. وتبقى الضفة الغربية دون محطة كهرباء حتى الآن، حيث تمدُّها محطة غزة بالكهرباء، بالإضافة إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية. ويتوفر لدى السلطة الفلسطينية حقل غاز مكتشَف في بحر غزة البحري، أوقفت إسرائيل تطويره. ورغم احتياطات الحقل الضئيلة، يمكن أن يزوّد كلاً من غزة والضفة الغربية بالوقود الكافي، في حال سماح إسرائيل بتطويره.
المسألة المهمة في الوقت الحاضر هي الطلب الأوروبي للغاز في ظل حرب أوكرانيا. وأقطار السوق الأوروبية تختلف في سياساتها الطاقوية المستقبلية، إذ إن هناك مصالح اقتصادية مختلفة فيما بينهم، وخصوصاً فرنسا وألمانيا وحلفاءهما. أدى اختلاف قطاع الطاقة الأوروبي إلى تباين في سياساتها المستقبلية، إذ يدور حالياً نزاع بين ألمانيا وفرنسا وحلفائهما الأوروبيين حول موعد إيقاف بيع سيارات محرك الاحتراق الداخلي، ليكون في عام 2035 كما تطالب فرنسا، أو في موعد لاحق كما تدعو ألمانيا التي تطالب، في الوقت نفسه، باستمرار استعمال سيارات محرك الاحتراق الداخلي «وقوداً نظيفاً» بدلاً من «تخريدها». وقد برز، خلال الأسبوعين الماضيين، خلاف جديد بين الدولتين الأوروبيتين الكبريين حول مدى اعتماد الطاقة النووية، بصفة طاقة مستدامة، كبقية الطاقات المستدامة التي يجري اعتمادها للمستقبل. فألمانيا تُعارض استعمال الطاقة النووية، بينما لدى فرنسا العشرات من المفاعلات، وتصدِّر الكهرباء لدول الجوار.
يستمر الاعتماد على الغاز في أوروبا، على الأقل في مرحلة «تحول الطاقة». المشكلة أن أوروبا الشمالية، ولا سيما ألمانيا، والنمسا، وهولندا، قد اعتمدت كلياً على الغاز الروسي المستورد عبر الأنابيب. هذا يعني أن أي تغيير في الإمدادات سيتطلب بعض الوقت لتشييد موانئ ومنشآت لاستقبال الغاز المُسال. وقد بدأت ألمانيا فعلاً بالتشييد اللازم خلال سنتين، وبكلفة نحو 6 مليارات يورو. أما دول أوروبا الجنوبية فوضعها أحسن، إذ تربطها منذ سنوات أنابيب غاز عبر البحر الأبيض، وخصوصاً من الجزائر (حيث تزوّد أيضاً دول أوروبا الجنوبية بالغاز المسال)، بالإضافة إلى كميات إضافية عبر الأنابيب من الجزائر وليبيا والغاز المسال عبر مصر.
تزور وفود أوروبية دولاً مصدّرة للغاز لتعويض الإمدادات الروسية. ورغم أن الدول الغازيّة مستعدّة للتصدير، وخصوصاً الغاز المسال للدول خارج منطقة البحر الأبيض، فهناك عقبة رئيسة تواجه الأقطار الأوروبية: مدة العقود التي عادةً تتراوح نحو عقدين أو أكثر من الزمن، نظراً للمصاريف الباهظة التي تتحمّلها الدولة المصدِّرة، ومحاولة الأوروبيين تقليص هذه الفترة إلى نحو 15 سنة، الأمر الذي تعتبره الدول المصدرة غير اقتصادي لها. وهناك طبعاً المفاوضات حول المعادلة السعرية للغاز.

وليد خدوري

ما المقصود بـ التيسير الكمي؟ وهل يسبب التضخم؟

التيسير الكمي (QE) عبارة عن أداة من أدوات السياسة النقدية تستخدمها البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفدرالي الأميركي لمعالجة أزمة الانكماش وتباطؤ النمو الاقتصادي.

وبهذه الأداة، يشتري البنك المركزي الأوراق المالية (سندات الخزانة وأوراق الرهن العقاري) في محاولة لخفض أسعار الفائدة وزيادة المعروض من الأموال وإنعاش المزيد من الإقراض للمستهلكين والشركات، ومن ثم تحفيز النشاط الاقتصادي والحفاظ على تدفق الائتمان.

عندما يقرر البنك المركزي استخدام التيسير الكمي، فإنه يقوم بعمليات شراء واسعة النطاق للأوراق المالية، مثل السندات الحكومية وسندات الشركات وحتى الأسهم.

ويؤدي هذا القرار إلى نتائج قوية من بينها زيادة المعروض النقدي المتداول وخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، وبالتبعية، يقلل ذلك من تكلفة الاقتراض مما يحفز الاقتصاد.

من خلال شراء سندات طويلة الأجل، يهدف البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة على المدى الطويل في السوق. بالمقارنة،فإن سياسة أسعار الفائدة تستهدف خفض الفائدة على المدى القصير والتي تفرضها البنوك على بعضها البعض مقابل قروض الليلة الواحدة.

أما استخدام الفائدة على المدى الطويل، فإنه يؤدي إلى الحفاظ على تدفق الائتمان لسنوات طويلة.

وخلال فترة الركود العظيم (الأزمة المالية العالمية)، تم تخفيض سعر الفائدة على الإقراض قرب الصفر لتشجيع الإقراض، ولكن كان من الصعب خفض الفائدة إلى نطاق سالب.

وبالتالي، كان على الفدرالي الأميركي البحث عن وسيلة أخرى، ومن هنا كانت الحاجة إلى التيسير الكمي، وبدأ في شراء الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري (MBS) وسندات الخزانة لمنع الاقتصاد من الجمود.

التيسير الكمي يبعث برسالة قوية إلى الأسواق

ترسل البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفدرالي رسالة قوية إلى الأسواق عندما تختار التيسير الكمي، فإنهم بذلك يخبرون المستثمرين والمتداولين أنهم لا يخشون الاستمرار في شراء الأصول للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة.

ويقول بيل ميرز، رئيس أبحاث الدخل الثابت في الولايات المتحدة: “إنها إشارة قوية إلى أن الفدرالي يريد تحفيز النمو الاقتصادي وأنه يؤثر بقوة على أسواق رأس المال وأسعار الأصول”.

كما يتم الاستعانة بالتيسير الكمي خلال فترات عدم اليقين أو الأزمة المالية التي يمكن أن تتحول إلى حالة من الذعر في السوق، فهذه الأداة تهدف إلى معالجة المخاوف الفورية في الأسواق المالية وتجنب سيناريو أسوأ.

كيف يعمل التيسير الكمي؟ وما نتائجه؟

يعمل عن طريق شراء الأصول على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال، تمت مواجهة تداعيات جائحة كوفيد -19 من جانب الفدرالي الأميركي عن طريق البدء في شراء سندات الخزانة وسندات الشركات ذات الاستحقاقات الأطول أجلاً.

يحدث ذلك من خلال شراء الفدرالي للأصول واستغلال الاحتياطيات في ميزانيته العامة لشراء سندات الخزانة طويلة الأجل في السوق المفتوحة من المؤسسات المالية.

نتيجة لهذه المعاملات، هناك أموال جديدة تدخل الاقتصاد، وتمتلك المؤسسات المالية المزيد من السيولة النقدية في حساباتها، والتي يمكنها الاحتفاظ بها، أو إقراضها للعملاء أو الشركات، أو استخدامها لشراء أصول أخرى.

كما ذكرنا سابقاً، ينتج عن التيسير الكمي زيادة السيولة في النظام المالي مما يحول دون حدوث مشاكل في النظام المالي، مثل أزمة الائتمان.

أيضاً، تنمو الثقة في الاقتصاد بشكل أكبر من خلال التيسير الكمي حيث أن الفدرالي وغيره من البنوك المركزية التي تتبنى هذه الاستراتيجية تطمئن الأسواق حيال الاقتصاد ككل.

ما سلبيات التيسير الكمي؟

لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن على الدوام، فهناك سلبيات محتملة تنشأ من التيسير الكمي نتناولها فيما يلي:

قد يتسبب التيسير الكمي في حدوث تضخم، وهو ما يعد أكبر خطر على الاقتصاد، فعندما يطبع البنك المركزي النقود، يزداد المعروض المتداول، وهذا ربما يؤدي من الناحية الافتراضية إلى انخفاض في القوة الشرائية للأموال المتداولة بالفعل حيث أن زيادة العرض النقدي تمكن الأفراد والشركات من زيادة طلبهم على نفس الكمية من الموارد، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وربما بشكل خطير.

كما أن التيسير الكمي ليس مفيدًا للجميع ولا يمكنه تطبيقه على جميع الاقتصادات، وربما يسبب فقاعات الأصول.

ويشكك بعض المحللين في فعالية التيسير الكمي، خاصة فيما يتعلق بتحفيز الاقتصاد وتأثيره غير المتكافئ على مختلف الأسر والشركات.

ومع ذلك، أشار مايكل وينتر ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Leatherback Asset Management ، إلى أن التيسير الكمي كان “فعالًا للغاية” في تثبيت أسعار الأصول وزيادتها في نهاية المطاف في كل من أسواق الدخل الثابت والأسهم. وعندما ينتعش السوق بسرعة، كما حدث في أعقاب السوق الهابطة لعام 2020، يصبح السؤال هو يتوقف الأمر؟

ومن بين مخاطر التيسير الكمي أيضاً أنه قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل بسبب تأثيره على كل من الأصول المالية والأصول العقارية، ويقول وينتر: “لقد أفاد التيسير الكمي أولئك العاملين والمالكين للعقارات عندما ترتفع أسعار الأصول”.

أمثلة على التيسير الكمي

كان بنك اليابان أحد أكثر البنوك حماسة للتيسير الكمي، حيث طبق هذه السياسة لأكثر من عقد من الزمان. كما استخدم البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا التيسير الكمي في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2007.

وبدأ بنك الاحتياطي الفدرالي في استخدام التيسير الكمي لمكافحة الركود العظيم في عام 2008، ثم أطلق رئيس الاحتياطي الفدرالي وقتها، بن برنانكي، ثلاث جولات مختلفة من التيسير الكمي QE1/QE2/QE3، واشترى الفدرالي ما قيمته أكثر من 4 تريليونات دولار من الأصول بين عامي 2009 و 2014.

صفقة كريدي سويس: المساهمون أوّل الخاسرين وآخر المتكلّمين

بحلول اليوم الثالث بعد فتح الأسواق الإثنين الماضي، ولأوّل مرّة بعد الإعلان عن صفقة إنقاذ مصرف كريدي سويس، بات بالإمكان تلمّس آخر ما جرى من مفاوضات وضغوط قبيل عقد صفقة الاستحواذ. كما بات بالإمكان تلمّس آثار ما جرى على فئات المستثمرين والمساهمين المختلفة، ونوعيّة الخسائر التي ستصيب هؤلاء، وآثار هذه الخسائر على سائر الاقتصادات العالميّة. أمّا أهم ما في الموضوع اليوم، فهو النقاش الدائر حول عدالة الصفقة والمعايير التي قامت على أساسها، خصوصًا أنّها ستؤسّس لنمط جديد في التعامل مع الأزمات المصرفيّة خلال الفترة المقبلة.

مفاوضات الأيّام الأخيرة
خلال اليومين الماضيين، وبعد أن قُضي الأمر وانتهت حكاية كريدي سويس، تسرّبت إلى الأسواق تفاصيل مفاوضات الأيّام الأخيرة قبل عقد صفقة الاستحواذ.

فبحلول يوم الأربعاء الماضي، 15 آذار، اشتدّت الضغوط على المصرف، إلى الحد الذي بات يُنذر بانهيار كريدي سويس فوق رؤوس مودعيه ومساهميه. أُبلغ المصرف البنك السويسري وFINMA (الهيئة الناظمة للقطاع في سويسرا) بحجم السحوبات اليوميّة، والتي كانت قد تخطّت 10 مليارات دولار في ذلك الوقت، ما يعني أنّ كريدي سويس بات في طريقه للإقفال خلال ساعات معدودة ما لم يحصل أي تدخّل رسمي.

إشكاليّة كريدي سويس، كانت في عجزه عن تأمين أي زيادة في رساميله، بل وعدم جدوى هذه الزيادة، بعد حالة الهلع التي ضربت السوق. ثمّة عروض تقدّم بها سابقًا كل من بلاك روك، صاحب الحصّة الوازنة في كريدي سويس، وUBS، المصرف السويسري الوحيد الذي يفوق كريدي سويس من حيث الحجم، إلا أنّ جميع هذه العروض لم تتسم بالواقعيّة، من ناحية قدرتها على معالجة كثافة حجم السحوبات أو إعطاء جرعة من الطمأنينة في السوق.

يوم الأربعاء الماضي، جرى اتصال جمع إدارة كريدي سويس بالبنك المركزي وFINMA ووزيرة الماليّة السويسريّة. وفي الخلاصة، كان من الواضح أن الجهات الرسميّة اختارت أن تلعب لعبة إرسال رسالتين متعارضتين:

– الرسالة الأولى التي تم توجيهها، كانت إلى الأسواق وعموم المودعين، عبر منح المصرف تسهيلات من البنك المركزي بقيمة 54 مليار دولار. كان الهدف هنا القول أن كل شيء عاد إلى ما يرام، بمجرّد منح هذه السيولة للمصرف. وطالما أن المصرف المركزي ورّط نفسه بهذه التسهيلات، بدل إقفال كريدي سويس والبحث في مصيره كما جرى مع مصرف سيليكون فالي، فهذا يعني أن الجهات الرسميّة في سويسرا مازالت على قناعة بإمكانيّة تجاوز الأزمة بسهولة.

– الرسالة الثانية، المعاكسة تمامًا في مضمونها، كانت إلى إدارة المصرف: قرض الـ54 مليار دولار لن يكفي لتمويل السحوبات لأكثر من بضعة أيّام. والمطلوب بت صفقة بيع المصرف بحلول عطلة نهاية الأسبوع، وقبل فتح الأسواق يوم الإثنين. باختصار، من غير المسموح أن يعمل كريدي سويس على هذه الحال لأكثر من يومي عمل، أي يومي الخميس والجمعة الماضيين. وكان الجميع يدرك أن الجهة المشترية، لن تكون سوى UBS، المصرف الوحيد القادر على إتمام صفقة من هذا النوع.

في اليوم نفسه، أي يوم الأربعاء الماضي، جاء الجواب من UBS: نحن مستعدون، ولكن… لن يقبل UBS بشراء كريدي سويس إلا بقيمة رمزيّة لا تتخطى المليار دولار، ومع ضمانات حكوميّة كاملة لصفقة الاستحواذ، وتسهيلات خياليّة من المصرف المركزي، وغيرها من الأحلام الورديّة التي فكّرت بفرضها إدارة UBS في ظل الأزمة القاسية. وكما كان متوقّعًا، ثارت ثائرة المساهمين في كريدي سويس، احتجاجًا على الابتزاز الذي تمارسه إدارة UBS. وبدأت بعض الصناديق الاستثماريّة الأجنبيّة، المساهمة بالمصرف، بالضغط على الحكومة السويسريّة لتفادي هذا السيناريو.

لم يكن هناك أي مجال للعب أو العبث، وجاء الرد واضحًا من البنك المركزي وFINMA ووزارة الماليّة السويسريّة معًا، وفي يوم الأربعاء نفسه: على كل من كريدي سويس وUBS أن يسلّما بالوساطة التي ستقوم بها الجهات الرسميّة السويسريّة، وأن يسلما بصفقة الاستحواذ كما ستقررها هذه الجهات في عطلة نهاية الأسبوع، ومن دون الأخد بالاعتبار حسابات المستثمرين وحملة الأسهم. لن يُترك القرار لإدارة المصرفين، ولا حتّى للمساهمين فيهما. وأي تحدٍّ لهذا المسار، سيفرض إقرار قانون طارئ يجرّد إدارة كريدي سويس من صلاحيّاتها فورًا، ويجرّد المساهمين في المصرفين معًا من صلاحيّة عرقلة الصفقة. ولمزيد من الصرامة، تم إعداد مسودّة القانون على سبيل الاحتياط.

ببساطة، لم يتم الاكتفاء بوضع مساهمي كريدي سويس في طليعة قائمة الخاسرين، كما يفترض أن يكون الحال، بل تم وضعهم (مع مساهمي UBS) في آخر قائمة من يحق له الكلام أو إبداء الرأي. وكان على الجميع أن يرضى، إذ أن إفلاس كريدي سويس كان سيعني تلقائيًا إطلاق موجة من الإفلاسات التي ستطال UBS قبل أي مصرف آخر، بالنظر إلى نوعيّة الهلع الذي سينتج عن هذا السيناريو. ومن الأفضل أن يرضى المساهمون في المصرفين بهذه الصفقة، بدل أن يخسروا كل شيء.

خسائر المساهمين
في النتيجة، وبعد ثلاثة أيّام من المداولات مع المصرفين، بت البنك المركزي وFIMNA بصيغة الصفقة النهائيّة، التي لم يملك المصرفان إلّا الموافقة عليها:

– بلغت قيمة الاستحواذ 3.25 مليار دولار، وليس مليار دولار كما طلب USB. ومع ذلك، مثّلت الصفقة صفعة كبيرة للمساهمين في كريدي سويس، بعدما خسروا 60% من قيمة سهمهم كما كانت في آخر يوم تداول. وستُضاف هذه الخسارة إلى الخسائر السابقة التي مني بها السهم، والتي بلغت 25% من قيمته في آخر أسبوع من التداول، و75% من قيمة السهم في آخر 12 شهر من التداولات. بمعنى آخر، لم يحصّل المساهمون أكثر من 7.5% من قيمة السهم، كما كانت قبل سنة واحدة بالتمام والكمال.

– لن يتم تسديد قيمة أسهم كريدي سويس للمساهمين فيه نقدًا، بل على شكل أسهم في مصرف UBS. مع العلم أن أسهم UBS خسرت بدورها 8.8% من قيمتها، فور عقد الصفقة.

– اقتصرت قيمة الضمانات الحكوميّة على سقف لم يتجاوز حدود 6 مليارات دولار من قيمة موجودات كريدي سويس، ما يعني أن الحكومة السوسريّة لن تغطّي أي خسائر يتحمّلها UBS لاحقًا نتيجة الصفقة إلا ضمن هذا السقف. مع الإشارة إلى أنّ هذه الخسائر قد تنتج عن نوعيّة القروض التي منحها كريدي سويس في الماضي، أو نوعيّة الاستثمارات التي تورّط بها. وبذلك، لم ينجح UBS بفرض كفالة الحكومة للصفقة برمتها كما طلب في البداية.

– ستقتصر التسهيلات التي سيحصل عليها UBS بعد شراء كريدي سويس على 100 مليار دولار فقط، وهو ما سيسمح باستيعاب موجة محدودة من السحوبات، بعد إجراء الصفقة.

– تم شطب نحو 17 مليار دولار من إلتزامات كريدي سويس لحملة السندات القابلة للتحويل إلى أسهم. وهذا الإجراء، أثار حفيظة حملة هذه السندات، الذي اعتبروا أنّ شريحة المساهمين الحاليين يفترض أن تحمل أوّل شريحة من الخسائر حتّى استنفاد قيمة الأسهم، قبل تحميل أي خسائر لحملة السندات. وعلى هذا الأساس، رفضت هذه الشريحة من المستثمرين فكرة تجريدها من قيمة استثماراتها بالكامل، مقابل سداد قيمة الصفقة للمساهمين. ومع ذلك، جرت الصفقة من دون الأخذ بالاعتبار كل هذه الاعتراضات.

– سينتج عن صفقة الاستحواذ مصرف ضخم جدًا، بعد دمج ميزانيّات المصرفين. وستوازي قيمة موجودات هذا المصرف ضعفي حجم الناتج المحلّي السويسري بأسره، ما سيجعله أحد المصارف “الأكبر من أن تسقط” (بمعنى أن السلطات ستحتاج إلى إنقاذ المصرف في حال تعرّضه لأي هزّات في المستقبل).

خسائر المساهمين الأجانب
لن تقتصر تداعيات صفقة الاستحواذ على كريدي سويس على سويسرا أو أوروبا وحدهما، بل ستشمل كبرى المؤسسات والصناديق الاستثماريّة حول أنحاء العالم. فحتّى اللحظة، تم إحصاء ما يلي من خسائر تعرّض لها بعض المستثمرين الأجانب:

– البنك الأهلي السعودي، الذي كان يملك 9.8% من أسهم كريدي سويس، خسر ما يقارب 1.11 مليار دولار، نتيجة الفارق بين سعر شراء الأسهم وسعر بيعها.

– جهاز قطر للاستثمار سجّل خسارة قُدرت بـ3.69 مليار دولار، نظرًا لامتلاكه نحو 6.8% من أسهم كريدي سويس. مع الإشارة إلى أنّ حجم خسائر جهاز قطر للاستثمار تجاوزت حجم خسائر البنك الأهلي السعودي، رغم امتلاكه لحصّة أصغر، كون جهاز قطر للاستثمار اشترى أسهمه بتواريخ قديمة وبأسعار أعلى.

– مجموعة العليان السعوديّة، خسرت 4 مليار دولار في هذه الصفقة، فيما كانت تملك 3.2% من أسهم المصرف.

– شركة بلاك روك الاستثماريّة الأميركيّة، خسرت 2.23 مليار دولار، فيما كانت تملك 4% من قيمة أسهم المصرف.

– نورغس بنك النرويجي خسر 1.22 مليار دولار، بعدما امتلك في السابق 3.1% من قيمة أسهم المصرف.

– صندوق دودج آند كوكس الاستثماري الأميركي، خسر 1.82 مليار دولار، بعدما امتلك 3.3%.

في النتيجة، سيكون على جميع هذه الأطراف أن تتحسّب لخساراتها الناتجة عن الاستثمار في كريدي سويس، وأن تكوّن المؤونات المطلوبة للتعامل مع هذه الخسائر خلال الفترة المقبلة. أمّا الأهم، فهو أن صفقة بيع المصرف ثبّتت أصولاً مستجدّة للتعامل مع الأزمات المصرفيّة، لناحية طريقة التعامل مع مفاوضات الساعة الأخيرة مع مساهمي وإدارات المصارف، وطريقة فرض الحلول السريعة التي تلائم المصلحة العامّة، بمعزل عن مصالح المستثمرين الضيّقة.

علي نور الدين