أرشيف التصنيف: المقالات العامة

الديون الأميركية وغروب شمس بريتون وودز

وقت ظهور هذه الكلمات للنور، يكون قادة ديمقراطيون وجمهوريون أميركيون قد تداعوا إلى البيت الأبيض، بطلب من الرئيس بايدن، لبدء مفاوضات رفع سقف الدين الأميركي، وهو أمر لم يكن الرئيس يأمله، إذ كان يفضل مشروع قانون نظيف لرفع سقف الدين.

والثابت أنه خلال ثلاثة أسابيع، والعهدة على السيدة «جانيت بلين» وزيرة الخزانة الأميركية، ربما تضحى واشنطن مهددة بالتوقف عن سداد ديونها، للمرة الأولى في تاريخها، إن لم يتوصل الحزبان الكبيران المهيمنان على الكونغرس، إلى صفقة ما بشأن رفع سقف الاقتراض في الداخل الأميركي.

مرة جديدة نتساءل عما يجري في الداخل الأميركي، وهل الأمر مجرد «وخز بالعصا»، تمارس فيه لعبة المساومة التقليدية، بين القادة الجمهوريين والديمقراطيين، لضمان المزيد من التأثير الحزبي، وبخاصة قبل معركة انتخابات الرئاسة الأميركية التي دارت عجلتها بالفعل؟

يمكن أن يكون هذا صحيحاً بصورة أو بأخرى، لكن بشكل جزئي في كل الأحوال، إذ إن علامات الوهن بادية على الاقتصاد الأميركي في مناحٍ شتى، وملامح غروب شمس نظام «بريتون وودز» تلوح في الأفق، وبخاصة في ظل أوضاع الدولار الأميركي.

يقطع غريغوري داكو، كبير الاقتصاديين لدى مؤسسة «إي واي بارثينون»، بأن الاقتصاد الأميركي مريض والأعراض بدأت تظهر، وهو ما يتفق فيه معه بريان موينيهان، الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا، الذي يتوقع ركوداً كبيراً قادماً.

أما تقرير الناتج المحلي الإجمالي الحكومي، فيبرز مخاوف واضحة، لا سيما أن النمو الاقتصادي لم يتجاوز 1 في المائة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهي نسبة أقل بكثير من التوقعات.

ما الذي يمكن أن يتسبب فيه عدم التوصل إلى رفع سقف الاقتراض؟

بحسب «الإيكونوميست» البريطانية، ستواجه أميركا إما تخلفاً عن السداد، أو تخفيضات متأرجحة في الإنفاق الحكومي، وفي الحالتين سيتعرض الاقتصاد الأميركي والعالمي لنتائج مدمرة.

من ناحية ثانية، فإن التقصير في السداد من شأنه أن يقوض الثقة في النظام المالي الأكثر أهمية حول العالم، حيث تؤدي التخفيضات الكبيرة في الميزانية إلى ركود عميق.

لا يبدو الاقتصاد الأميركي بخير، والأوضاع ليست على ما يرام، لا سيما في ظل أحوال الصناعة التي باتت تجلب دخلاً أقل، والقطاع المصرفي الذي يواجه أزمات حادة.

في الأول من مايو (أيار) الجاري، وضعت السلطات المالية الأميركية يدها على مصرف فيرست ريبابليك ومقره ولاية كاليفورنيا.

فشل المصرف الأميركي الذي تبلغ أصوله نحو 233 مليار دولار، في التوصل إلى خطة إنقاذ عملية، وتم الكشف عن خسارته التي بلغت نحو 100 مليار دولار من إجمالي ممتلكاته، وذلك في الربع الأول من العام الجاري، مما أدى إلى هبوط أسهمه.

أزمة فيرست بنك ليست الأولى التي تضرب القطاع المصرفي الأميركي، إذ تجيء بعد أقل من شهرين على انهيار بنكي سيليكون فالي وسيغنيتشر، وسط موجة من هروب الودائع من البنوك الأميركية، مما أجبر مجلس الاحتياطي الاتحادي على التدخل بإجراءات طارئة للحفاظ على استقرار الأسواق.

هل سيكون هذا هو الانهيار الأخير في سلسلة انهيارات البنوك الأميركية؟

عند عدد وافر من المراقبين الاقتصاديين وخبراء البنوك الأميركيين، سيناريو أحجار الدومينو قد بدأ، والقطع بعدم تكرار الحدث، أمر يجانبه الصواب، وأن السلطات الأميركية لن تتمكن من إيقاف مسلسل الانهيارات بشكل كامل، فيما التضخم لا يزال يمثل خوفاً كبيراً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وداخل المجلس يخشون من خفض أسعار الفائدة على المدى قصير الأجل.

كيف يمكن أن تنعكس أزمة سقف الدين الأميركي، وهروب الودائع من البنوك الأميركية بعد انهيارها، على الثقة الائتمانية الدولية في الاقتصاد الأميركي؟

ربما تكون واشنطن بالفعل أمام لحظات مفصلية من تاريخ عالم بريتون وودز، الذي وضعت لبناته بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية مع بقية الحلفاء على النازي.

غير أن الحديث عن ذلك النظام لا يستقيم من غير التطرق إلى وضعية «الأخضر الجبار»، ذلك الدولار، وهل سيظل المسيطر في عالم الاقتصاد العالمي، أم أنه ماض في طريق التقلص والانكماش؟

الشاهد أنه رغم احتفاظ الدولار حتى الساعة بمكانة عالية متقدمة، فإن العديد من الإشارات تشيئ بأنه سيتخلى عن عرشه في المدى الزمني المتوسط.

تقطع «الإيكونوميست» البريطانية بأن الكثير من دول العالم آخذة في البحث عن طرق للتهرب من سطوة الدولار، باستخدام عملات أخرى.

أظهرت روسيا خلال أزمتها مع أوكرانيا أن الدولار ليس قدراً مقدوراً على الخليقة، ورغم تضررها من العقوبات الغربية، الأميركية والأوروبية، فإنها لم تصب بشلل اقتصادي تام، وربما يرجع ذلك جزئياً إلى أن 16 في المائة من صادراتها تدفع الآن باليوان.

أما في الصين، فهناك عالم آخر بديل عن نظام السويفت الأميركي يتشكل، ودول العالم الراغبة في التعامل مع الصين باليوان هرباً من الدولار يتعاظم عددها.

هل يمكن للمرء أن يوفر ما يجري في عالم التقنيات المدفوعة بالعملات الرقمية، التي تجري خارج إطار البنوك المركزية، وبعيداً عن الفوقية الإمبريالية الدولارية، إن جاز القول؟

لينتظر القارئ شهر أغسطس (آب) القادم، حيث مؤتمر دول البريكس، في جنوب أفريقيا، والمرجح أن يكون حدثاً استثنائياً، لا سيما في ضوء الدول الراغبة في الانضمام إليه، ما يعني أن عالماً متعدد الأقطاب والعملات على الأبواب.

هل الدولار في مأزق وبالتالي اقتصاد أميركا ونظام بريتون وودز؟

بحسب أرقام الوكالة الأميركية لتأمين الودائع، فإن ما تمتلكه في الحال يصل إلى 125 مليار دولار فقط من إجمالي الأموال المودعة في المصارف الأميركية، التي يصل حجمها إلى 18 تريليون دولار، أي أن التأمين يغطي فقط 1.5 في المائة فقط… ماذا ستفعل واشنطن؟

لا سبيل سوى طباعة الدولارات لتمويل عجز الميزانية من جهة، وتأمين الودائع البنكية من جهة ثانية، ما يعني ارتفاع التضخم أميركياً وانهيار الدولار في المدى المتوسط.

هل هو وقت النفخ في أبواق القرن البنكية العربية قبل فوات الأوان؟

إميل أمين

دورة وزراء النفط السعوديين

الدكتور إبراهيم المهنا أحد أهم الوجوه السعودية في عالم الإعلام البترولي السعودي والخليجي، أو حتى على مستوى «أوبك». لقد عمل هذا الرجل منذ أواخر الثمانينات في وزارة البترول السعودية حتى تقاعده في عام 2017، وعاصر وعمل مع 4 وزراء سعوديين؛ أولهم كان الوزير هشام ناظر، وآخرهم كان الأمير عبد العزيز بن سلمان. لم تكن علاقتي بالمهنا جيدة على مر السنوات، لأنه يعتبر نفسه حارس المعلومة النفطية السعودية، الذي يتحدث للإعلام باسم مصدر خليجي تارة أو مصدر مطلع تارة أخرى، بينما كنتُ صحافياً؛ مَن يريد اختراق البوابات والجدران للحصول على المعلومة كما هي، وليس كما ينشرها حارس المعلومة.
المهنا بعد كل تلك السنوات الطويلة أراد نشر كتاب يتحدث فيه عن قادة النفط، وهم الوزراء والملوك والرؤساء الذين أثروا تاريخه بقراراتهم. الكتاب شيق وجميل، وفيه قدر كبير من الشفافية والمكاشفة والمصارحة عن الفترات التي عاشها مع الوزراء. وبعد قراءتي للكتاب، واستضافتي للمهنا على «بودكاست ما وراء النفط» على قناة «الشرق» (الجهة الإعلامية الشقيقة لهذه الصحيفة) وصلتُ إلى بعض الاستنتاجات حول العقود الأربعة التي تحدث عنها المهنا، وعن دورة الوزراء. وتشبه دورة الوزراء السعوديين كثيراً دورة الدول التي تحدث عنها ابن خلدون، حيث هناك بداية صعبة وتأسيس ثم هدوء واستقرار بعد التحديات، يعقب هذا انهيار لفترة الوزير.
المهنا تحدث عن أحمد زكي يماني وكيف صعد نجمه بسرعة، ثم أصبح ينفرد بالقرارات أو يبنيها دون الرجوع إلى باقي الوزراء، أو يستند على المعلومة الخاطئة. فترة اليماني كانت فترة صعبة؛ إذ كانت «أوبك» منظمة هامشية، لكن بسبب الأوضاع السياسية السائدة وخطوات تأميم شركات النفط في إيران وليبيا تمكنت المنظمة من الوقوف أمام الأخوات السبع (شركات النفط الدولية) والحصول على حقوقها. تلك الفترة في الستينات والسبعينات كانت تحتاج إلى وزير نفط بعقلية سياسية، مثل اليماني. وعندما تحولت السوق إلى اقتصاد يبدو أن يماني لم يستطع مواكبته، كما لمّح المهنا. عموماً إحدى نقاط ضعف يماني هي شركة «بترومين» التي أنشأها، ولم تحقق أهدافها، وباعدت بينه وبين العديد من الوزراء في عصره.
هشام ناظر كان مختلفاً، وكان شخصاً استراتيجياً، بحسب إفادة المهنا والعديد مِن الذين تحدثت معهم عنه، ولكنه لم يكن قريباً للإعلام مثل يماني. واستمر ناظر في مكانه لسنوات، ولكن مثل سلفه (يماني) كانت شركة «سمارك» التي استحوذت عليها «أرامكو» إحدى النقاط السيئة في عهده، رغم الخطط الكثيرة التي وضعها لإعادة هيكلة القطاع وتطويره.
فترة النعيمي معروفة بالعديد من المشاريع والتوسعات الخارجية، ولكن بالنسبة لمن تحدثت معهم، لم يتحدث أحد عن أن النعيمي كان استراتيجياً بنفس قدر ناظر الذي كان وزيراً للتخطيط قبل توليه حقيبة البترول. إلا أن النعيمي كان قريباً من الإعلام، وله قدرات دبلوماسية عالية في التفاوض في «أوبك».
الفالح والأمير عبد العزيز، كلاهما تولى الوزارة في عهد الرؤية، عندما تحولت النظرة من إنتاج النفط إلى الطاقة بشكل أوسع، وأصبحت «أوبك» تعمل على نطاق دبلوماسي كبير، بسبب تحالفها مع روسيا والمنتجين الآخرين. وقد يكون توسع الفالح في المسؤوليات من الصناعة إلى الطاقة؛ ما جعل الوزارة تتحمل فوق طاقتها في عهده. والآن مع الأمير عبد العزيز بن سلمان هناك تركيز واضح على التحول الطاقوي وعلى التحول للهيدروجين والاقتصاد الدائري للكربون. والفالح والأمير عبد العزيز كلاهما يتمتع بقدرات عالية في التعامل مع الإعلام، وهذه من أبرز صفات وزراء الطاقة السعوديين.
الأمر الأخير الذي نلحظه أن الوزراء في السعودية تطول فترات ترؤسهم للوزارة، وبالتالي عندهم الفرص الكافية للتغيير، وكذلك للحكم عليهم، وهو ما فعله المهنا في كتابه.

وائل مهدي

هل تصدير الغاز مهم للسعودية؟

بعد عقود طويلة من تصدر العالم في إنتاج وتصدير النفط، تخطط السعودية الآن للتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي. هذا التوسع جاء نتيجة لعاملين مهمين؛ الأول هو زيادة الطلب المحلي على الطاقة، وهو ما وضع ضغطاً كبيراً في السنوات الماضية على النفط والسوائل مثل الديزل وزيت الوقود الثقيل، وكلنا يتذكر الأرقام المرعبة لحرق النفط في الصيف قبل عقد من الزمان، وتحديداً في 2011 عندما وصلت إلى مستويات مقلقة.
أما العامل الآخر فهو توجه السعودية لكي تكون منتجاً نظيفاً للطاقة خصوصاً مع التزاماتها الدولية بخفض انبعاثاتها الكربونية، إذ لا يزال الغاز هو الخيار الأفضل مقارنةً بالسوائل النفطية. وتسعى المملكة في هذا الأمر إلى أن تستخدم الغاز لإنتاج نصف الكهرباء في البلاد بينما يأتي النصف الآخر من الطاقة المتجددة، وهذا بحلول 2030.
ومن أجل التوسع في إنتاج الغاز، شرعت «أرامكو» في تطوير الكثير من الحقول، من بينها «الحصبة» و«العربية» و«كران»، وأنشأت معامل لإنتاج الغاز غير المصاحب في «الفاضلي» و«أبو حدرية»، وأخيراً ستضيف «أرامكو السعودية» حقل غاز «الجافورة» العملاق، وهو حقل غير تقليدي مشابه في طبيعته لحقول الغاز الصخري في الولايات المتحدة، ويحتوي على 200 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
وأمام هذه التوسعات الضخمة في الغاز يبرز سؤال مهم وهو: هل جاء الوقت لتصدير الغاز الطبيعي من السعودية إلى باقي العالم، خصوصاً أن سوق الغاز مليئة بالفرص في ظل انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا بعد الخلافات السياسية حول حرب أوكرانيا؟ أم يجب على السعودية أن تُبقي على غازها للاستخدام المحلي؟
هذا السؤال لم يكن مطروحاً من قبل، لكنه أصبح مطروحاً الآن خصوصاً بعد تصريحات لرئيس «أرامكو» أمين الناصر، خلال زيارة للصين الشهر الماضي، أوضح خلالها أن الشركة تفكر في الدخول في مجال الغاز الطبيعي المسال.
من ناحية سياسية، من الجيد أن تدخل السعودية مجال بيع الغاز الطبيعي في الخارج، لأن عقود الغاز طويلة الأجل واستثماراته في التصدير والاستقبال ضخمة وتجعل الدول في حالة زواج كاثوليكي، على عكس النفط الذي يمكن بيعه لأي عميل آخر بسهولة متى ما اختلف الطرفان.
قد يخدم هذه التوجه السعودية سياسياً ولكنه قد يكون من المجدي اقتصادياً ألا تُصدّره السعودية إلى الخارج وتستخدمه استراتيجياً لأهداف أخرى. إن استخدام الغاز الطبيعي للحرق داخلياً يسهم في توفير المزيد من النفط للتصدير وبالتالي زيادة الدخل بصورة أكبر. في ذات الوقت يقلل من الانبعاثات. وأخيراً يتم تحويله إلى منتجات أخرى مثل الهيدروجين الأزرق الذي يعد أكثر صداقةً للبيئة من باقي أنواع الوقود. والهيدروجين ثمنه أعلى من الغاز الطبيعي إذا ما احتسبنا تكاليف إنتاجه.
وقد يكون من المجدي أكثر أن تبحث «أرامكو» عن مشاريع للغاز الطبيعي المسال خارج السعودية وبذلك توفر الغاز المحلي للسعودية وتدخل سوق الغاز من الخارج.

وائل مهدي

لغط أميركي حول فرض السيارة الكهربائية «إجبارياً»

أعلنت «إدارة حماية البيئة» الأميركية في منتصف شهر أبريل (نيسان) الحالي عن مشروع قانون لتقليص الانبعاثات الكربونية بمنع بيع سيارات محرك الاحتراق الداخلي (التي تستعمل البنزين والديزل) المصنوعة خلال الفترة ما بين 2027 و2032. وللتأكيد على أهمية المشروع لإدارة بايدن، أعلن البيت الأبيض بدوره عن مشروع القانون الذي يهدف إلى «حماية الصحة العامة» بتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نحو 10 مليارات طن بحلول عام 2055، وإجبار المستهلك الأميركي على شراء السيارة الكهربائية، ومن ثم توفير شراء الوقود لكي يوفر نحو 12 ألف دولار خلال عمر السيارة.
وكما هو متوقع، انتقد الجمهوريون في مجلس النواب الأميركي مشروع القرار، متهمين الإدارة الديمقراطية بأنها تحاول أن تفرض قسراً على المستهلك الأميركي شراء سيارة من نوعية محددة، مما يعني أن الإدارة تخرق «إعلان حقوق الإنسان والمواطن الأميركي». فهذه السابقة، حسب بعض النواب الجمهوريين، ستضع المواطن أمام خيارين، إما شراء سيارة كهربائية أو لن يكون بإمكانه شراء سيارة بتاتاً. كما احتج نواب جمهوريون آخرون بأن مشروع القانون هو بمثابة خلق سابقة «تسمح للحكومة بأن تفرض على المواطن السلعة التي تختارها وتمنعه من شراء غيرها، بحيث إنها ستستطيع مستقبلاً، مثلاً، إجبار المواطن على شراء أنواع من الأطعمة ومنع غيرها».
من ثم، حسب النواب الجمهوريين، يشكل مشروع القانون هذا الذي لا يزال يحتاج إلى موافقة السلطة التشريعية، وحيث هناك أغلبية للحزب الجمهوري في مجلس النواب، «التفافاً على القوانين الفيدرالية بالضغط على السكان لشراء السيارة الكهربائية إجبارياً».
وانتقد النائب الجمهوري دان نيوهاوس التوجه، مصرحاً: «لقد حان الوقت لكي تتوقف الحكومة عن التدخل المتزايد في حياتنا، وحماية استقلالنا الطاقوي». وأضاف النائب الجمهوري من تكساس تشيب روي، أن «سياسة إدارة بايدن الراديكالية لحماية البيئة تحاول طي ماكينة الاحتراق الداخلي إلى عالم النسيان، ويكفي هذه التخيلات الطاقوية». وأضاف أنه سيصبح من الضروري على مجلس النواب الجمهوري استعمال الموازنة لإنهاء سلاح البيروقراطية الفيدرالية هذا، ابتداء بمراجعة موازنة «إدارة حماية البيئة».
من الجدير بالذكر، كان الرئيس بايدن قد وقَّع قراراً إدارياً في شهر أغسطس (آب) 2021 يطلب فيه من «إدارة حماية البيئة» اقتراح مشروع قانون لترشيد استهلاك الوقود وتقليص معدلات الانبعاثات لأجل «معالجة أزمة المناخ». وبالفعل أوصت «إدارة حماية البيئة» باتخاذ سياسة جديدة تقضي بتغيير قرارات سابقة كان قد تم تشريعها في عهد إدارة الرئيس ترمب. ونصت القرارات عندئذ على تحديد انبعاثات الاحتباس الحراري الصادرة عن سيارات الاحتراق الداخلي، التي يتم إنتاجها خلال الفترة ما بين عامي 2023 و2026. ووصفت الإدارة هذه القوانين في حينه بأنها «الأكثر طموحاً».
يكمن التحدي الأهم لضعف مبيعات السيارة الكهربائية في الوقت الحاضر، في سعرها العالي مقارنة بسعر سيارة محرك الاحتراق الداخلي. إذ يزيد في بعض الحالات سعر السيارة الكهربائية عن مثيلتها لسيارة الاحتراق الداخلي نحو 10 آلاف دولار.
وإلى جانب الفرق في الأسعار، أشار استفتاء لوكالة «أسوشييتد برس» مؤخراً إلى أن المستهلك الأميركي يتردد في شراء السيارة الكهربائية لسببين: أولاً، ارتفاع السعر بالنسبة لسيارة الاحتراق الداخلي. وثانياً، العدد الضئيل لمحطات الشحن للسيارة الكهربائية وابتعاد المسافات فيما بينها.
وبحسب «أسوشييتد برس»، فإن نحو 60 في المائة من الذين تم استفتاؤهم قرروا تأجيل شراء السيارة الكهربائية لارتفاع سعرها، ونحو 50 في المائة أجلوا قرارهم بشراء السيارة الكهربائية لعدم توفر محطات شحن كهربائي كافية أو لعدم قرب الواحدة من الأخرى. وأجاب 19 في المائة بأنه من المحتمل جداً عدم شرائهم لسيارة كهربائية في المستقبل المنظور.
ويتضح أن أسباب التردد في شراء السيارة الكهربائية يعود إلى الوقت اللازم لشحنها بالكهرباء، الذي يزيد 5- 10 مرات عن وقت تزويد الوقود لسيارة الاحتراق الذاتي. كما يتخوف البعض الذين يقطنون في مناطق بعيدة عن سكنهم من نفاد الطاقة المتوفرة في سيارتهم، حتى لو كانت مشحونة بنحو 20 في المائة من طاقتها، وذلك خشية نفاد الطاقة في الطرق السريعة الطويلة، وعدم تمكنهم من الوصول إلى محطة قريبة للشحن، أو الحصول على المساعدة الممكنة خارج طرق المدن.
من جهتها، تتوقع «إدارة حماية البيئة» الأميركية أن نحو 54 في المائة من السيارات الجديدة في الولايات المتحدة ستكون كهربائية بحلول 2030. وستمثل نحو 67 في المائة بحلول 2032.

دعونا نحارب في سلام!

في حديثه السنوي الموجه لـ«الجمعية العامة» عن أولويات العمل في العام الجديد، استند أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى مؤشر طوّرته مجموعة من العلماء، من بينهم ألبرت أينشتاين، في عام 1947، لقياس مدى اقتراب العالم من نهايته بفعل البشر. ويتم تحديث هذا المؤشر دورياً من قبل مجموعة من الخبراء والعلماء، كان من بينهم على مدار السنين أربعون من الحاصلين على جائزة نوبل في فروع العلم المختلفة، ويتم إصداره في نشرة بعد تحليل العوامل المهددة لاستقرار العالم، ومنها التهديدات النووية وتغيرات المناخ وغيرها من أزمات كبرى.
ووفقاً لآخر تحديث لهذه الساعة الرمزية لنهاية العالم، فعقاربها الآن تشير إلى 90 ثانية قبل منتصف الليل، وعلى سبيل المقارنة ففي عام 1991 مع نهاية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وتوقيع معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية والترسانة النووية للبلدين أرجعت عقارب ساعة النهاية إلى 17 دقيقة قبل منتصف الليل، وعندما اندلعت جائحة «كورونا» توقف المؤشر في عام 2021 عند 100 ثانية قبل منتصف ليل العالم.
وفي عالم يعاني من أزمات وصفت مؤخراً بالمتعددة والمستمرة والمعقدة، تشمل قائمتها التي لخصها الأمين العام حروباً وتدهوراً في المناخ وتداعيات للجوائح والأوبئة وزيادة في انتشار الفقر المدقع وتفاوتاً حاداً في الدخول بين الدول وداخلها، فضلاً عن صراعات جيوسياسية مقوضة لجهود التعاون الدولي ومهدرة لمقومات الثقة بين الدول. وفي حين أن لدى العالم الحلول الفنية الناجعة لهذه الأزمات المتواترة وما تتطلبه من موارد مالية وتكنولوجية وتقنية فلا توجد أي أزمة من الأزمات الراهنة من دون حلول عملية أو اقتراحات متكاملة للتعامل معها والقضاء عليها، ولكن يعوقها غياب الإرادة وانحيازات بائسة قصيرة المدى تسهم في دمار العالم وبؤس البشر. وقد حدد الأمين العام 7 أولويات كحقوق ثابتة للإنسان لإخراج العالم من ظلمات وضعه البائس، وتحول دون تحرك عقارب الساعة نحو النهاية…
1 – إرساء السلام في أوكرانيا وفلسطين وأفغانستان وميانمار وهايتي، وغيرها من بلدان تعاني من صراعات وأزمات إنسانية، يعاني منها ملياران من البشر بشكل مباشر وغير مباشر.
2 – تفعيل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحق في التنمية. ويتطلب هذا التصدي لزيادة الفقر المدقع، في الوقت الذي تستحوذ فيه نسبة 1 في المائة من أثرياء العالم على 50 في المائة من الثروات الجديدة المتولدة في العقد الماضي، كما يستدعي التعامل الشامل مع تداعيات ارتفاع المديونية الدولية وتكاليف الاقتراض الباهظة التي تتكبدها البلدان النامية، بما يستوجبه هذا من إصلاح عاجل للنظام الاقتصادي الدولي الذي يعاني من تحيز وعوار، ومراجعة قواعد البنية المالية العالمية المتصدعة، بما في ذلك المؤسسات المالية الدولية. ومن دون هذه الإجراءات الشاملة والعاجلة، سيستحيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي تم تدشينها في عام 2015. فمن دون التصدي لأزمة المديونية الدولية الراهنة التي تعاني منها بدرجات متفاوتة 100 من البلدان النامية والأسواق الناشئة، فالقاعدة المنطقية تحتم أن منع مفاسد الديون يقدم على ما قد يجلبه أي تمويل جديد للتنمية من منافع، فما عساها تحقق وعود التمويل ومبادراتها وما قد يصحبها من تدفقات مالية محدودة مقارنة بهذا الهدر لإمكانات الدول التي تصارع ويلات سداد ديونها الخارجية وتكاليفها المجحفة بعد ارتفاعات متوالية لأسعار الفائدة المصاحبة بانخفاضات وانهيارات لأسعار الصرف، سواء بفعل صدمات دولية أو قلة حيلة الإدارات النقدية والاقتصادية المحلية وعدم اعتبارها لإجراءات التحوط. حسناً تفعل مجموعة العشرين إذا ما تبنت دعوة الأمم المتحدة بتمويل «معدل التنمية المستدامة» المقترح لمساندة بلدان الجنوب لتحقيق التنمية. لكن الأولى في تقديري أن يأتي متزامناً معه تفعيل إطار متكامل لعلاج الديون واستنقاذ البلدان النامية من التعثر في فخاخ الديون والسقوط في هواتها السحيقة.
3 – الالتزام بتحقيق أهداف اتفاق باريس لتغيرات المناخ، وما تبعه من تعهدات ومقررات في قمم المناخ المتعاقبة، ومنها ما صدر عن قمة شرم الشيخ التي نجحت في التوصل لاتفاق حول الخسائر والأضرار المترتبة على تغير المناخ، وما يتطلبه من تمويل من صندوق مخصص للتعامل معها. كما نجحت قمة شرم الشيخ في تحديد أولويات العمل الدولي في مجالات التكيف وفقاً لأجندة شرم الشيخ ومحاورها الخمسة في هذا الصدد. كما بلورت هذه القمة آليات التمويل المطلوب للعمل المناخي والاستثمار في مشروعاته، بتعاون غير مسبوق بين مؤسسات القطاع الخاص واللجان الإقليمية الاقتصادية للأمم المتحدة وبنوك الاستثمار، وتحديد قائمة لمشروعات ذات جدوى جديرة بالاستثمار والتمويل الميسر طويل الأجل، ولا أقول بالإقراض. فهناك إفراط في الاعتماد على الاقتراض لمشروعات الأولى بها أن تمول بالاستثمار وبما اقترحته من قبل تحت عنوان «1 في المائة من أجل 1.5 درجة مئوية»، ونشرته هذه الصحيفة الغراء في عدد سابق. ويبقى علاج أزمة المناخ كامناً في حل ثلاثي المكونات، من التمويل والتكنولوجيا وإرادة التغيير. فإما أن تأتي معاً متكاملة أو ستستمر الأزمة الراهنة.
4 – احترام التنوع والاختلافات الثقافية بين المجتمعات المختلفة، وما وجدناه مؤخراً من إهدار بالغ في هذا الحق ولّد احتقاناً وأجّج صراعات وأشعل نيران النزاعات والإرهاب، ووقعت ضحية له أقليات شتى ومهاجرون ولاجئون، ورفع من تكاليف الأمن، وأعاق التوصل لتسوية النزاعات بين الدول، وتخفيف حدة التوترات داخلها، خصماً من فرص التقدم والتنمية.
5 – حقوق المرأة وتحقيق الهدف الخامس للمساواة والعدالة بين الجنسين من أهداف التنمية المستدامة. فقد تراجع تحقيق هذا الهدف في كثير من البلدان النامية، فكلما زادت الصدمات وارتفعت حدة التراجع الاقتصادي، تجد المرأة والفتيات في صدارة الضحايا. وما زاد مؤخراً هو حرمان المرأة من التعلم والرعاية الصحية والعمل والأجر العادل. ويشير الأمين العام لرقم مفزع، أنه وفقاً للمعدلات الحالية يحتاج العالم 286 عاماً حتى تتحصل المرأة على ذات الوضع القانوني للرجل.
6 – تراجع الحقوق السياسية والمدنية والحرية في التعبير. فقد تزايدت صور القمع، كما اتخذ الوباء ستاراً لانتهاكات الحقوق السياسية والمدنية، بما في ذلك تصاعد أعداد من تم قتلهم من الصحافيين والإعلاميين بمقدار 50 في المائة. وهناك دعوة من الأمم المتحدة للعمل من أجل إشراك المجتمع المدني وحماية الحقوق المدنية في المبادرات والأعمال الأممية، مع استعداد لتقديم العون للدول لتطوير قوانينها وممارساتها في هذا الشأن.
7 – حماية حقوق الأجيال القادمة. ما نراه اليوم من تدهور في الأمور الستة المذكورة، وما يرتبط بها من حقوق تنتقص عملياً من فرص الأجيال القادمة في حياة أفضل، وما نراه من حالة احتقان في كثير من المجتمعات، هو ما يدركه الشباب من تراجع لاحتمالات تمتعهم بمستوى معيشة وحياة تعادل في مقوماتها ما حظي به آباؤهم، وهو ما يحبط جيل الآباء أيضاً بعجزهم عن توفير الحد المطلوب لحياة كريمة لأبنائهم. وهذا يشكل محاور العمل لقمة المستقبل التي ستعقد العام المقبل، والتي ستحدد أولويات العمل مع الطبيعة ومتطلبات العصر الرقمي ومنع أسلحة الدمار الشامل وإصلاح نظم الحوكمة. وتأتي هذه القمة لتبني على نتائج أعمال القمم الثلاث التي ستعقد في شهر سبتمبر هذا العام، وتتناول التنمية المستدامة، وتغيرات المناخ، والتمويل.
هذه الجهود لكي تثمر بما ينفع الناس ينبغي أن يتوفر لها إطار من التعاون الدولي، لا يتوافق مع أجواء الحروب والصراعات القائمة. وقد لفت نظري عند الحوار مع طرفي الحرب المشتعلة في أوكرانيا انطلاق كل طرف بإعفاء نفسه من التكاليف الباهظة والآثار السلبية للحرب على أوضاع الفقر والديون والغلاء في البلدان النامية، ومسارعته بالقول إن أسعار الحبوب والأسمدة المستوردة من طرفي الحرب قد تراجعت، وإن كمياتها تستعيد مستوياتها السابقة على الحرب. وكأن لسان حالهم يقول لا تشغلونا بمشكلات البلدان وتحملونا أعباءها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واتركونا وشأننا و«دعونا نحارب في سلام».
وتذكرنا المؤرخة باربارا توكمان، في كتاب بعنوان «بنادق أغسطس» عن الحرب العالمية الأولى بتلك الحرب التي لم يردها أحد، ولم يتوقع حدوثها أحد، لكنها رغم ذلك اندلعت واقتتل فيها 70 مليون جندي، مات منهم 9 ملايين، فضلاً عن 7 ملايين من المدنيين، وأصيب عشرات الملايين بعاهات لازمتهم حتى موتهم. كما أسفرت هذه الحرب الكبرى عن مذابح تلتها، كما تفشت الأوبئة، فقتل بسببها أضعاف هذه الأرقام من الأبرياء. وكان من الممكن إنهاء هذه الحرب العالمية الأولي، التي لولاها ما كانت الثانية، إذا ما توافق قادة القوى الكبرى على حسم نزاعاتهم سلماً. ولكن الحروب من هذا النوع تحدث لأن من يدخلها يظن ببساطة أنه سينتصر، ثم تنتهي بخسائر لكافة أطرافها، وبخسائر كبرى أيضاً لمن لا ناقة له فيها ولا جمل.
إذا كانت هناك رغبة في الحرب حقاً فلتكن حرباً ضد الفقر المدقع الذي استشرى بعد عهد من تراجعه، فلتكن هذه الحرب ضد تغيرات المناخ المهددة لحياة الناس ومعيشتهم، فلتكن هذه الحرب ضد تفشي الأمراض المعدية وتهافت الاستعدادات لوباء قادم، فلتكن هذه الحرب ضد مديونية مستعرة التكاليف وغلاء ينهش في قوت المعدومين وأرزاق أبناء الطبقة الوسطى المهددين بالانحدار إلى ما لا يطيقونه، فلتكن حرباً ضد الحرمان من فرص التعلم والعمل اللائق والعيش الكريم باسترجاع الحقوق المهدرة. مثل هذه الحروب المشروعة هي التي تستنجد حقاً بالنداء «دعونا نحارب في سلام».

د. محمود محي الدين.

البريكس… محور اقتصاديّ متجدّد

يشهد العالم عادةً ظهور أنظمة اقتصاديّة واندثار أخرى بحسب التغييرات السياسيّة، وقد يكون خصوم الأمس حلفاء الغد إذا ما وجدت الأطراف المصالح المشتركة. وهذا ما نشهده اليوم مع ارتفاع شأن مجموعة «البريكس» في الآونة الأخيرة، وخصوصًا «إعلاميًّا» في موازاة الحرب الروسيّة ـ الأوكرانيّة، وما يمثّله كِلا البلدين لقطبَي العالم الاقتصاديّ (الشرق-الغرب).

لذلك، أضحَت دول عدّة تبحث عن مكامن القوّة في التجمّع وإيجاد محور اقتصاديّ يحقّق لها توازنًا جديدًا، لا سيّما أنّ موسكو تفتّش عن طرائق لتخطّي العقوبات الاقتصاديّة الغربيّة مع دولٍ تشاركها الاهتمام عينه، ومراعاة لإبقاء العلاقات الديبلوماسيّة والاقتصاديّة المتينة معها.

إتّسَعت رقعة الأزمة الاقتصاديّة مع جائحة كوفيد-١٩، ومن بعدها الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة، وكان لبنان «سبّاقًا» لعدد من الدول في دخول دوّامة الأزمات مع انهيار منظومته الاقتصاديّة التي صمدت بعد الحرب اللبنانيّة، واستقرار ليرته نحو ربع قرن. لكن، لا نرى اليوم لبنان سبّاقًا ولا رائدًا في البحث عن تحالفاتٍ اقتصاديّة ذات أسس متينة ومستدامة، لاختلاف الظروف الديبلوماسيّة والداخليّة وتعقيدها بالمقارنة مع غيره من البلدان.

يشير اختصار «بريكس» إلى الحروف الأولى من أسماء خمس دول، هي: البرازيل، روسيا، الهند، والصين، وانضَمّت إليها جنوب إفريقيا لاحقًا في العام ٢٠١١. وقد اتّخذت مجموعة الـ «بريكس» شكّل مؤتمر ديبلوماسيّ متكامل، يَعقد قمّته مرّة واحدة سنويًّا، وتستضيفه إحدى الدول المؤسِّسة بالتناوب. ويهدف هذا المؤتمر أساساً الى تأكيد المكانة الرئيسيّة التي تتمتّع بها هذه البلدان على الساحة الدوليّة، وخصوصًا إبراز وزنها الاقتصاديّ والسياسيّ، وخاصة بالنسبة الى ما يتعلّق بالدول أو التكتّلات الأخرى مثل الولايات المتّحدة الأميركيّة، أو الاتّحاد الأوروبيّ.

صاغَ هذا المصطلح أو الاختصار الاقتصاديّ البريطانيّ جيم أونيل للمرّة الأولى في العام ٢٠٠١. وتأتي أهميّة هذه البلدان في الاقتصاد العالميّ بسبب أسواقها المحلّية الكبيرة، التي توقّع لها أونيل علو شأنها وازدياد نموّها الاقتصاديّ السنويّ المُتسارع. وغَدا هذا التنبؤ أمرًا واقعًا، عندما أصبحت البريكس حقيقة اقتصاديّة وسياسيّة ملموسة في الساحة العالميّة.

لم يُقصد في بادئ الأمر من هذا المصطلح إضفاء أي صيغة مؤسّساتيّة، أو محاولة لأيّ تقارب اقتصاديّ كلّي، بل كان الهدف في المقام الأوّل، لفتَ انتباه المستثمرين إلى هذه الاقتصادات سريعة التحوّل والنموّ. لكن في العام ٢٠٠٩، ارتأت هذه الدول نفسها إلى تبنّي هذه التسميّة المختصرة، ومَنحتها شكلًا مؤسّساتيًّا للتنسيق بين الدول، مختلفًا تمامًا عن هيئات بريتون وودز (البنك الدوليّ، وصندوق النقد الدوليّ)، وكذلك الهيئات الاقتصاديّة التابعة للأمّم المتّحدة.

هكذا، ومنذ العام ٢٠١١، أصبحت مجموعة البريكس ذات صفة رسميّة دوليّة، وعلى الصعيد الاقتصاديّ، أنشأت مصرفًا للتنمية في العام ٢٠١٤، سُمّي بنك التنمية الجديد، ومقرّه في شنغهاي ـ الصين. وقد كانت أهمّ الموضوعات التي وضعت على سلّم أولويّاتها، مكافحة نظام الحماية الذي يفرضه بعض شركائها في مجموعة العشرين «G20»، أو إصلاح حوكمة صندوق النقد الدوليّ، ونظام النقد الدوليّ بوجهٍ عموماً، وجَعل أدوات الحوكمة العالميّة أوسع شمولًا وتشاركيّة، وأقوى نشاطًا وفعاليّة في عمليات صنع القرار العالميّة وهيكليّاتها بمساهمة أكبر من البلدان النامية. وقد تمكّنت هذه المجموعة من تشكيل جبهة مشتركة ضدّ بعض القيود البيئيّة التي قد تضرّ باقتصاداتها المستدامة على المدى البعيد.

كما أضحت دول البريكس عموماً واحدة من الهيئات التي تحمل قضيّة الاعتراف بتعدّد الأقطاب في التوازنات الاقتصاديّة والسياسيّة العالميّة الموروثة إلى زمننا الحاضر بعد الحرب العالميّة الثانية واتّفاقيّاتها. وإذا كانت السنين العشر الأوائل من القرن الحادي والعشرين هي فترة ظهور البريكس، فإنّ العقد الذي تلاها (٢٠١٠-٢٠١٩) كان عقد إضفاء الطابع المؤسّساتيّ عليها. إذ تعتزم هذه المجموعة غير المتجانسة فيما بينها التأثير على المصير الجيو- اقتصاديّ والجيو- سياسيّ للعالم.

إذا نظرنا إلى بعض الأرقام والاحصائيّات، سنجد أنّ هذه الدول الخمس يبلغ عدد سكانها الإجمالي ٣,٢ مليارات نسمة، أي ما يعادل ٤٢ ٪ من سكّان العالم. كما نجد أنّ مجموع ما أنتجته قد بلغ ثلث الثروة العالميّة في العام ٢٠١٨، ونحو ٢٥ ٪ من الناتج المحلّيّ الإجماليّ. علاوة على ما ذُكِر، تشكّل اقتصادات البريكس ٢٣ ٪ من الاقتصاد العالميّ، و١٨ ٪ من تجارة السلع، و٢٥ ٪ من الاستثمار الأجنبيّ. ومع ذلك، فإنّ أعضائها لا يملكون سوى ١٥ ٪ من حقّ التصويت في البنك الدوليّ، وصندوق النقد الدوليّ. لذلك، يمكن للتوسّع المحتمل لهذه الكتلة الاقتصاديّة الناشئة أن يزيد من نفوذها ووزنها الدوليّ في هيئات الحوكمة العالميّة.

ولا نجد أيّ تعتيم من قبل مجموعة البريكس على عملها، فمشروعها واضح، وهو تحدّي الهيمنة الغربيّة، وجعل مصالح هذه الاقتصادات الخمس أولويّاتها على حساب الاقتصادات الكبرى. وقد بدأ هذا الرهان بنجاح قبل تفشّي جائحة كوفيد-١٩، ويزداد استقطاب النظر إلى المجموعة في كلّ لقاء للدول العشرين في المنتديات العالميّة.

تتمتّع دول البريكس بمسارات اقتصاديّة مختلفة إلى حدٍّ بعيد فيما بينها، على سبيل المثال: لا يواجه الاقتصاد الريعيّ في روسيا التحديات نفسها التي يواجهها اقتصاد الصين الصناعيّ، أو الاقتصاد القائم على الخدمات في الهند. مع ذلك، تشترك بلدان البريكس الأربع الأولى في بعض الأمور، من بينها: العدد الكبير من السكان، والمساحات الشاسعة من الأراضي، إذ تمّ تصنيفها من بين أكبر عشرة بلدان وأكثرها اكتظاظًا بالسكان في العالم، والغِنى بالموارد الطبيعيّة المهمّة (المعادن، والطاقة، والغابات، والزراعة، ومصايد السمك…)، وظهور الطبقة الوسطى، ومعدّلات النموّ المرتفعة، والاندماج السريع في الاقتصاد العالميّ.

كما أنّ الاختلافات بين هذه البلدان لا تقلّ أهميّة عن نقاط التوافق. فهي تتأرجح بين الأنظمة السياسيّة الديمقراطيّة أو الاستبداديّة، كذلك تعرف بعضها تركيبة سكانيّة ديناميكيّة، في حين تواجه روسيا تدهورًا ديموغرافيًّا حادًّا. كذلك، فإنّ الأوضاع الاقتصاديّة شديدة الاختلاف من حيث قدرات البحث والابتكار، والثقل الصناعيّ غير المتكافئ بين هذه الدول.

لبعض الوقت، كانت دول البريكس، بما في ذلك روسيا والصين، تُناوِر لتحرير نفسها من الدولار الأميركيّ. ففي الآونة الأخيرة، قامت الصين بإضفاء الطابع الرسميّ على اتفاقيّتها مع البرازيل للتجارة بين الدولتين من دون استعمال الدولار الأميركيّ، ويمكن أن تتبلور هذه الرغبة في الاستقلال الماليّ عن طريق اعتماد عملة رقميّة على سبيل المثال.

في الفترة الأخيرة، أعربَت أكثر من اثنتي عشرة دولة، بما في ذلك المملكة العربيّة السعوديّة، وإيران، عن رغبتها الفعليّة بالانضمام إلى كتلة الاقتصادات الناشئة المكوّنة من هذه الدول الخمس، وتقدّمت بطلب رسميّ للانتساب إليها. كما أعربت دولًا أخرى عن اهتمامها بالانضمام، بما في ذلك الأرجنتين، والإمارات العربيّة المتّحدة، والجزائر، ومصر، والبحرين، وإندونيسيا.

ستحدّد مجموعة البريكس معايير جديدة للانتساب إليها، وستُقرر قبول الأعضاء المؤهّلين الجدد بحلول نهاية العام ٢٠٢٣. إذ يشهد نهج مجموعة بريكس في تقديم بديل لعالم أحادي القطب أهميّة متزايدة في ظلّ عالم متغيّر بطريقة تُقلِق كثيرين، ممّا يدفع بعض الدول إلى البحث عمّن يوافقها في النظرة والمصلحة الاقتصاديّة حول العالم.

يُعتقد أنّ توسيع تحالف الاقتصادات الناشئة أحد الأولويّات الرئيسيّة لتكتّل البريكس في هذه الأيّام، وأنّ عمليّة توسيع المجموعة جارية على قدمٍ وساق. وفي هذا السياق، شاركَ قادة من دول نامية عدّة، بما في ذلك المملكة العربيّة السعوديّة، ومصر، وإندونيسيا، والأرجنتين، ونيجيريا، والجزائر، وتايلاند، في مؤتمر افتراضي سُمّي «بريكس بلَس» في صيف العام ٢٠٢٢.

مؤخّرًا، توصّل أعضاء البريكس إلى توافق في الآراء بشأن عمليّة توسيع المجموعة، وقد تكون المملكة العربّية السعوديّة أوّل المنضَمّين، وخصوصًا مع إعطائها صفة «شريك حوار» في منظّمة شانغهاي للتعاون، وتلويحها بعدم استخدام الدولار الأميركيّ في بعض تعاملاتها، واعتراضها على أسعار النفط العالميّ، ودعم الرئيس الروسيّ لانضمام المملكة إلى البريكس، ويمكن تفسير هذه التفاصيل، على أنّها خطوات تمهيديّة لانضمامها الكامل إلى المجموعة.

إنّ مثل هذه الخطوة للرياض ستكون مُتّسقة مع طموحها لتعزيز مكانتها الدوليّة عندما تُصبح إلى حدٍّ ما «اللاعب المستقلّ» على المسرح العالميّ السياسيّ والاقتصاديّ. وهذا لا يعني بالطبع التخلّي عن شراكتها الاستراتيجيّة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، أو تأدية دور «عدم الانحياز»، بل زيادة استقلاليّتها عن واشنطن، وبالتالي قدرتها التفاوضيّة بتنويع شركائها الدوليّين. خصوصًا أنّ معظم الدول المهتمّة بالانضمام إلى مجموعة البريكس، هي بالفعل شريكة مميّزة لدى المملكة السعوديّة ويمكن اعتبار الدول الأخرى دولًا «مُعتدلة»، متوافقة مع تحالف الرياض الغربيّ. كما أنّه سيعزّز علاقاتها الاقتصاديّة مع دول الجنوب، التي أصبحت حلفاء للمملكة العربية السعوديّة بنحوٍ متزايد.

سيكون لصيغة بريكس «بلَاس» أيضًا ميزة إضافيّة، كونها أقل «مُعاداة للغرب» من منظمة شنغهاي للتعاون، التي تبدو وكأنها امتداد لمحور موسكو وبكين، ولها أبعاد سياسيّة أشدّ وضوحًا، حيث تتمتع إيران بالفعل بصفة «مراقب». لذلك، قد يتأجّل قرار المملكة في الانضمام استنادًا إلى الموقف من طهران، سواء العالميّ، أو المحلّي حيث تشهد العلاقات السعوديّة ـ الإيرانيّة تطوّرات جديدة بعد طول جفاء.

بالنسبة الى الصين وروسيا، تجدان في تَذبذب أداء الدولار الأميركيّ فرصة يمكن اقتناصها لتأكيد طموحهما في ظهور عالم ما بعد الغرب، حيث تضعف الولايات المتحدة الأميركيّة بشكل دائم، وينقسم الأوروبيّون في قراراتهم. سيقود هذا الطموح الصين وروسيا إلى إثبات أنّ اللعبة الاقتصاديّة ليست احتكارًا على الغرب وحده، ويمكنهم تأدية دورهم بالكامل كقوّة محوريّة منافسة لاقتصاد الدولار الأميركيّ في المقام الأوّل، واليورو في المقام الثاني، وذلك عن طريق توطيد العلاقات السياسيّة الاقتصاديّة الجديدة.

يبقى السؤال، أين لبنان في الساحة الاقتصاديّة العالميّة والإقليميّة؟ ألم يفكّر المسؤولون في ابتكار منظومات اقتصاديّة جديدة يخرج بها من أزمته؟ هل من خطّة واضحة مع دول الجوار للعمل معًا، بعيدًا عن التهريب والقفز فوق الأنظمة؟ واقعيًّا، نجد أنّ حتّى الدول التي تمتلك إمكانات اقتصاديّة كبيرة، وموقعًا استراتيجيًّا مهمًّا، تُعاني في إقناع الأطراف الاقتصاديّة الأكبر في البريكس بالانضمام إلى محورها، فكلٌّ يفكّر بما يعود عليه من نفع أوّلًا.

بعيدًا عن حلم الانضمام إلى المجموعات الاقتصاديّة الكبيرة، ما الذي يمكن أن يقدّمه لبنان ويشكّل إضافة لا يمكن الاستغناء أو التغاضي عنها في الاقتصادات الإقليميّة والعالميّة؟ قد تكون خبرة اللبنانيّين أنفسهم، وكفايتهم العلميّة في إدارة المشاريع وريادتها؟ لكن يجب أن تكون هذه القوى متجذّرة في البلد نفسه، وتستطيع تحسين قدرة لبنان على الاندماج في اقتصادات إقليميّة أوسع، لكي يكون لبنان لاعبًا اقتصاديًّا حاذقًا، ويتمكّن من الخروج من دوّامة الانهيار الاقتصاديّ.

ب. ندى ملاح البستاني

أميركا والصين وصناعة الرقائق

عندما أقام كبار المسؤولين الصينيين حفلات استقبال لعشرات من رجال الأعمال الأميركيين والأوروبيين في المنتديات الاقتصادية السنوية المتتالية الأسبوع الماضي، كانت الرسالة الواضحة هي أن الصين منفتحة على الأعمال التجارية والمشروعات.
لكن بحلول نهاية الأسبوع الماضي، أرسل المنظمون الصينيون بإشارة مختلفة تماماً، إذ أعلنت بكين الجمعة عن تحقيق في الأمن السيبراني في شركة «ميكرون تكنولوجي»، وهي شركة تصنيع رقائق أميركية من الطراز الأول. ويمثل هذا الإجراء، الذي توقعه كثير من محللي الصناعة، أكبر ضربة انتقامية للصين تجاه واشنطن بسبب حملتها لمنع وصول الصين إلى تصنيع الرقائق رفيعة المستوى.
وقالت هيئة مراقبة الإنترنت الصينية إنها تجري مراجعة لمنتجات «ميكرون» التي بيعت في البلاد لحماية أمن سلسلة توريد البنية التحتية للمعلومات. ووصف ماو نينغ، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، المراجعة بأنها «إجراء تنظيمي عادي» يركز على المنتجات التي قد تؤثر على الأمن القومي.
تنتج شركة «ميكرون تكنولوجي»، ومقرها مدينة بويسي، عاصمة ولاية آيداهو الأميركية، رقائق الذاكرة المستخدمة في الهواتف وأجهزة الكومبيوتر ومراكز البيانات والسيارات وغيرها من الإلكترونيات. وتتمتع الشركة بعلاقات طويلة الأمد في الصين، وتعتبر أيقونة أميركية رائدة في صناعة أشباه الموصلات العالمية. لكنها الآن وقعت في شراك الحملة الصينية التي تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا المتقدمة.
في هذا السياق، انتقد جيمس ريش، عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية آيداهو، التحقيقات الصينية في شركة «ميكرون»، قائلاً إنها محاولة لتقويض وضع الولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات.
وفي بيان، قال العضو الجمهوري ريش إن هذه الخطوة «تساعد الشعب الأميركي على رؤية الصين كما هي؛ عدوانية متنمرة لم تكن يوماً مهتمة بإبرام شراكة اقتصادية حقيقية».
تراجعت أسهم «ميكرون» ما يقرب من 6 في المائة منذ ذيوع الأخبار، وقالت «ميكرون»، في بيان، إن أعمالها في الصين تعمل كالمعتاد، وإنها «تتعاون بشكل كامل» مع السلطات.
تعكس الرسائل الرسمية المختلطة من الصين الحبل المشدود الذي يسير عليه قادة البلاد؛ حيث يحاولون دعم اقتصاد يكافح بعد إعادة فتحه مؤخراً بعد 3 سنوات من القيود الصارمة جراء الوباء، بينما يحاولون رسم صورة عدائية بشكل متزايد لواشنطن. في أحد احتفالات الأسبوع الماضي لرجال الأعمال الأجانب، منهم السيد تيم كوك من شركة «أبل»، تعهد رئيس الوزراء الصيني الجديد، لي تشيانغ، بأن «تواصل الصين فتح أبوابها على نطاق أوسع وأوسع».
وقال دان وانغ، الباحث الزائر في كلية الحقوق بجامعة ييل والمحلل التكنولوجي في شركة الأبحاث «غافيكال دراغونوميكس»، إن «الصين لا تخجل من استخدام تكتيكات متنوعة للتعامل مع الشركات الأجنبية»، مضيفاً: «أحياناً تبدو كمن تقول حسناً، إذا كنت لا تحب هذه الجزرة، فلدينا عصا كبيرة أيضاً».
جاء قرار الصين بوضع شركة «ميكرون» قيد المراجعة في أعقاب القيود الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة على صناعة أشباه الموصلات في الصين. استهدفت هذه الإجراءات، التي تم الكشف عنها في أكتوبر (تشرين الأول)، بعض المنافسين الصينيين لـ«ميكرون».
افتتحت «ميكرون» أول مصنع لها في الصين في عام 2007 بمدينة «شيان» حيث يعمل لديها ما يقارب 3000 موظف في جميع أنحاء البلاد في قطاعات خدمة العملاء والمبيعات والهندسة. وللشركة مركز في شنغهاي حيث يجري تصميم الرقائق، وكذلك مكاتب فرعية في بكين و«شنتشن».
في هذا الصدد، قال ستيف أبليتون، رئيس مجلس إدارة «ميكرون» السابق، في بيان، عام 2007: «يسعدنا أن نكون جزءاً متنامياً من صناعة التكنولوجيا في الصين».
لكن مع تكثيف خطة الصين الطموحة لأن تصبح منافساً عالمياً في التكنولوجيا، كانت «ميكرون» في بؤرة المنافسة التكنولوجية للبلاد مع الولايات المتحدة. في عام 2018، بدأت وزارة العدل الأميركية التحقيق مع شركات تصنيع الرقائق في الصين وتايوان بزعم سرقة أسرار تجارية من «ميكرون»، أقرت إحدى الشركات بالذنب، فيما لا تزال قضية أخرى قيد التحقيق.
خلال العامين الماضيين، أعطت ميكرون «إشارات واضحة للغاية» عن نيتها الحد من تعاملها مع الصين، بحسب السيدة هوي هي، مديرة وحدة أبحاث أشباه الموصلات الصينية بشركة «أومديا» لأبحاث التكنولوجيا.
قالت هوي: «كانت (ميكرون) واحدة من أكثر الشركات استجابة لسياسة الحكومة الأميركية»، لكنها أضافت أن الشركة لا تعتمد كثيراً على الصين؛ حيث شرعت «ميكرون» في تقليص أعداد الموظفين الصينيين وعمليات الإغلاق في مركز شنغهاي لتصميم الرقائق في يناير (كانون الثاني) 2022. وشأن كثير من صانعي الرقائق الغربيين، تتمتع «ميكرون» بحضور قوي في التصنيع في آسيا، بما في ذلك سنغافورة وتايوان، لكنها أعلنت مؤخراً عن خطط لبناء مصنع للرقائق بقيمة 100 مليار دولار في نيويورك، وهو ما وصفه الرئيس جو بايدن بأنه «أحد أهم الاستثمارات في التاريخ الأميركي».
استحوذت الصين الأم على ما يقرب من 11 في المائة من مبيعات الشركة في عام 2022، بتراجع قارب نصف مبيعاتها تقريباً قبل 5 سنوات، وفقاً لتقارير الشركة.
في أحدث تقرير للأرباح في مارس (آذار)، حذرت «ميكرون» المستثمرين من الحكومة الصينية قائلة: «قد تمنعنا من المشاركة في السوق الصينية أو تمنعنا من المنافسة بفاعلية مع الشركات الصينية». كما أكدت المخاطر التنافسية التي تواجهها من المنافسين الصينيين لأشباه الموصلات الممولين من الدولة.
وقال محللون في هذا القطاع إن الإجراء ضد «ميكرون» يهدف على ما يبدو إلى إرسال رسالة إلى صناع السياسة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة، مع مراعاة حماية الصناعة المحلية أيضاً. رحب المستثمرون في الصين بالأخبار، ما دفع أسهم شركات أشباه الموصلات المحلية إلى الارتفاع. وقال المحللون إن عملاء «ميكرون» الصينيين من المرجح أن ينقلوا طلبات التوريد من «ميكرون» إلى الموردين الصينيين في محاولة للتحوط من رهاناتهم.
لكن قضية «ميكرون» جاءت كتحذير للشركات الأجنبية، وتركت مستقبل «ميكرون» مهدداً، بحسب سام ساكس، زميل كلية الحقوق بـ«جامعة ييل»، الذي وصف مراجعة الأمن السيبراني بـ«الصندوق الأسود».
واستطرد قائلاً: «لا توجد معايير محددة يمكن الالتزام بها فحسب، بل ليست هناك نهاية محددة للعبة حال تم التقيد بمعاييرها، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير خطير».
اختتم ساكس قائلاً إن «كثيراً من الشركات تواجه الآن لحظة الحسم؛ هل يستحق عناء الوجود في هذه السوق الصعبة كل تلك التكلفة؟»

البحث عن الأسواق والنفوذ في العالم

في ضوء المنافسة الاقتصادية الدولية بين الصين وأميركا، وبحسب التقرير الذي أصدره مركز الأبحاث الأميركي والبنك الدولي ومعهد هارفرد كيندي ومعهد كييل للاقتصاد العالمي، فإنّ القروض التي منحتها الصين ارتفعت بين 2016 و2021، وهي الفترة التي تركّز فيها 80 في المائة من المبلغ الإجمالي الذي مُنح على مدى عشرين سنة، إذ إن الصين طوّرت نظام إنقاذ طرق الحرير الجديدة الذي يساعد الدول المستفيدة على تجنّب التخلف عن السداد ومواصلة تسديد قروضها على الأقل على المدى القصير، إذ إن هذه الحالات تكثفت في السنوات الماضية في إطار من ارتفاع التضخم ونسب الفوائد، وكذلك الأثر الاقتصادي لجائحة «كوفيد – 19»، ومقارنة مع صندوق النقد الدولي ودعم السيولة الذي يقدّمه «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي»، يبقى حجم قروض الإنقاذ التي تقدّمها الصين أقل مما تقدمة أميركا، لكنّه يزداد بسرعة، كما أوضحت الوثيقة.
قدمت الصين قروضاً وصلت نسبة الفائدة عليها إلى 5 في المائة في المتوسط، مقابل 2 في المائة لفوائد صندوق النقد الدولي، إذ إن الصين استهدفت عدداً محدوداً من المستفيدين المحتملين، إذ إن قروض الإنقاذ الصينية توجهت بشكل كبير لدول من طرق الحرير الجديدة ذات دخل ضعيف أو متوسط، والتي لديها ديون كبرى لدى المصارف الصينية، إذ وافقت الصين على إعادة جدولة قروضها مثلاً لسريلانكا، ممهدة الطريق أمام الإفراج عن خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار دولار.
إن المبادرة التي أطلقتها الصين تهدف إلى تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا وحتى أبعد من ذلك عبر بناء موانئ وسكك حديدية ومطارات ومجمّعات صناعية، وهذه البنى التحتية تتيح للصين الوصول إلى مزيد من الأسواق وفتح منافذ جديدة لشركاتها، إذ إن هذا المشروع الذي انضمت إليه أكثر من 150 دولة، ومن ضمنها 19 دولة عربية، يواجه انتقادات على الصعيد الدولي بسبب المديونية التي تعاني منها الدول الفقيرة.
يشار إلى أن الصين قدّمت على مدى السنوات العشرين الماضية 240 مليار دولار قروضَ إنقاذ إلى 22 دولة نامية تواجه خطر التخلّف عن سداد ديونها، وذهبت كل هذه الأموال تقريباً إلى دول تشكل قسماً من طرق الحرير الجديدة، لا سيّما سريلانكا وباكستان وتركيا.
وبحسب الوثيقة التي أطلقتها الصين تحت عنوان «نظام عالمي جديد لإنقاذ إقراض الدول المثقلة بالديون»، يظهر أن الصين تبنت أول مجموعة بيانات شاملة حول عمليات الإنقاذ الخارجية للصين بين عامي 2000 و2021، وتوفر رؤى جديدة لدورها المتنامي في النظام المالي العالمي، إذ إن خط المبادلة العالمية يتم من خلاله استخدام الشبكة التي وضعها بنك الشعب الصيني بشكل متزايد باعتباره آلية إنقاذ مالي لأكثر من 170 مليار دولار من دعم السيولة للدول التي تمر بأزمات.
يذكر أن الوثيقة تبين أن القروض الخاصة بالمقرضين الدوليين المعروفين بوصفها ملاذاً أخيراً، غير شفافة، وتحمل نسبياً أسعار فائدة مرتفعة، وتستهدف بشكل حصري تقريباً المشمولين بمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، حسب التقرير، إذ إن النتائج لها آثار على البنية المالية والنقدية الدولية، التي أصبحت متعددة الأقطاب وأقل مؤسسية وشفافية.
وهنا في هذا المقام، لا بد من تسليط الضوء على تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي، حيث ركزت على أنه على الدول التي تتمتع بوضع أقوى نسبياً، مساعدة الدول الضعيفة، خصوصاً تلك المثقلة بالديون، إذ إن مثل هذه المساعدة مهمة بشكل خاص في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملات.
وفي الختام، لا بد من التوضيح أن نظام القروض المتبع من أميركا والصين يأتي في سياق البحث عن الأسواق والنفوذ في العالم، والسعي نحو زيادة حجم الاقتصاد في كلا القطبين، علماً أن حجم الاقتصاد الأميركي يبلغ 23.3 تريليون دولار، ويمثل 24.1 في المائة من الاقتصاد العالمي، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بحجم اقتصاد 17.7 تريليون دولار ويمثل 18.3 في المائة من الاقتصاد العالمي عام 2021، وهو العام الذي بلغ فيه حجم الناتج المحلي الإجمالي في العالم 96.53 تريليون دولار، بحسب بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي.

د. ثامر محمود العاني
مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية – أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد سابقاً

استراتيجية ماكدونالدز

في بداية شهر أبريل (نيسان)، وبشكل مفاجئ، أعلنت «ماكدونالدز» إغلاق جميع مكاتبها الرئيسية في الولايات المتحدة لمدة أسبوع، وذلك استعداداً لإعادة هيكلة الشركة، وتسريح مئات الموظفين، مطالبة موظفيها بالعمل من المنزل وانتظار التعليمات التي قد تصل إليهم. بعد ذلك بأسبوع أعلنت الشركة عن تسريح عدد كبير من الموظفين، وتغيير الحوافز الوظيفية لبعض الموظفين والرواتب للبعض الآخر، محوّلة الأسلوب الذي تدار به الشركة من مكاتب إقليمية موزعة إلى مركز وطني واحد. الهدف من ذلك كله هو أن تكون «ماكدونالدز» بحسب وصف الشركة «أكثر ديناميكية وذكاء وتنافسية». فهل هذا الأسلوب جديد على الشركة؟ ولما ينظر إلى هذا التوقيت على أنه منطقي ومستغرب في الوقت نفسه؟
في نهاية عام 2022، كان عدد موظفي الشركة يزيد قليلاً على 150 ألف موظف حول العالم، 70 في المائة منهم خارج الولايات المتحدة، وفي الوقت الحالي ترى «ماكدونالدز» أن هذا العدد زيادة على حاجتها. وعند العودة سنوات إلى الوراء، يلاحظ أن تقليل الموظفين وزيادة كفاءة الأعمال أصبحا أشبه بالاستراتيجية لـ«ماكدونالدز». ففي عام 2014 وصل عدد موظفي الشركة إلى 440 ألف موظف، أي أكثر من ضعف العدد الحالي، وخفضت الشركة هذا العدد إلى 235 ألفاً بحلول 2017، وكانت حينها تفاخر بأنها تحقق الأرباح الهائلة بهذا العدد من الموظفين، حينها كان يُنظر إلى العدد بأنه منخفض، ولكنها مع ذلك استمرت في تخفيض عدد الموظفين إلى أن وصلت إلى العدد الحالي.
وعند مقارنة عدد الموظفين بسعر سهم الشركة، فقد كانت «ماكدونالدز» في عام 2014 تتباهى بأن أداء سهمها أفضل من السوق، بعدما وصل إلى 100 دولار، (قد تدنى في عام 2003 حتى سعر 12 دولاراً!) واليوم، وبعد عشر سنوات من زيادة كفاءة الشركة وتحسين عملياتها، التي صاحبها بكل تأكيد تخفيض في القوى العاملة، وصل سعر السهم إلى أكثر من 280 دولاراً! أي أن تخفيض عدد الموظفين لم يضر بالشركة كما كان متوقعاً، ولم يكن إشارة سلبية عن الشركة، كما يقال عن «ماكدونالدز» هذا الشهر بعد إعلاناتها.
توقيت هذا القرار يبدو منطقياً لعدة أسباب، منها أن الشركة، حالها كباقي الشركات، تحاول الاستعداد الاستباقي لمرحلة من الركود الاقتصادي المتوقع، والتأقلم مع التضخم الذي شمل سلاسل التوريد، ولا تريد أن تتأخر بالقرارات الصعبة حتى يبدأ الركود لأنها إن فعلت فسيكون قرارها إشارة سلبية للسوق في ذلك الوقت. كما أن «ماكدونالدز» تواجه منافسة شرسة من منافسين عدة، حيث إن هؤلاء المنافسين أصغر حجماً وأكثر قدرة على الابتكار في السوق، وصغر حجمهم يعطيهم المرونة للتغير بحسب متطلبات السوق، وهو ما لا تملكه «ماكدونالدز» ذات الـ37 ألف فرع حول العالم.
أما مبعث الاستغراب من إعلانات الشركة، فهو أن تخفيض عدد الموظفين جاء في وقت تفوقت فيه «ماكدونالدز» على نفسها، بأداء مالي رائع، وسعر سهم غير مسبوق، فقد ارتفعت مبيعاتها في عام 2022 بنحو 11 في المائة عن العام السابق، ووصل صافي الدخل في الربع الرابع لذلك العام إلى ما يقارب 1.9 مليار دولار، وهو أكثر بـ16 في المائة من الربع نفسه في عام 2021. والأكثر من ذلك، أن الشركة رصدت نحو 2.4 مليار دولار استثمارات رأسمالية لإنشاء 1900 فرع جديد في هذا العام.
إن استراتيجية «ماكدونالدز» كانت وما زالت لا تتبنى سلوك «ردة الفعل»، باتخاذ القرارات بعد انخفاض العوائد كما هي الحال مع الشركات التقنية، التي تعد صغيرة في العمر مقارنة بـ«ماكدونالدز»، ويبدو أن قِدِم الشركة كان له أثر في هذا السلوك الذي يعتمد في تخطيطه على استباق الأحداث واستشراف الأوضاع الاقتصادية. وقرارات الشركة في السابق أكبر دليل على أنها جاءت في الوقت الصحيح، فلو استمرت بعدد موظفي عام 2014 نفسه لما تحسن أداؤها ليصبح كما هو اليوم، ولضرتها التقلبات الاقتصادية بسبب زيادة الأعباء والتكاليف، ولكنها بالمقابل كانت أكثر مرونة بالتعامل مع الصدمات الاقتصادية، وكانت إحدى أكبر الشركات المستفيدة من فترة الجائحة. ولا شك أنها بتلك القرارات، كانت مثالاً في تحسين العمليات وزيادة الكفاءة، بتخفيض عدد الموظفين إلى أقل من النصف، وزيادة القيمة السوقية بأكثر من مرة ونصف المرة.

د. عبد الله الردادي

النفط السعودي سيظل صامداً

جميل أن نرى اعتماد السعودية على النفط يتراجع بصورة أكبر منذ إطلاق «رؤية 2030» عندما كانت 90 في المائة من إيرادات الدولة تأتي من النفط وانخفضت هذه النسبة إلى 60 في المائة حالياً.
لكن يجب ألا نتسرع في الوصول إلى قناعات أن المستقبل لن يكون نفطياً لسنوات قادمة اقتصادياً وسياسياً وجيوسياسياً.
هذا يدفعنا إلى التفكير في مستقبل هذه السلعة ومستقبل شعب بكامله معها. والسؤال هنا، كيف يمكن ضمان سوق للنفط السعودي في السنوات القادمة؟
هناك إجابتان لهذا السؤال وكلتاهما من عند «أرامكو السعودية». الأولى هي إطالة عمر النفط نفسه كسلعة من خلال التأكد من وجود تقنيات تساعد على إبقاء استهلاكه متواصلاً ومستداماً.
أما الأخرى فهي التأكد من أن النفط السعودي سيجد مكاناً في سوق عالمية يوجد فيها القليل من المشترين والكثير من البائعين خصوصاً مع توجه الكثير من الدول لزيادة طاقاتها الإنتاجية مثل الولايات المتحدة والعراق والإمارات العربية المتحدة والبرازيل وعدد من الدول في «أوبك» وخارجها.
بالنسبة إلى الإجابة الأولى، فهناك أبطال في «أرامكو السعودية» لم نكن نصدق قدرتهم على خلق التقنيات اللازمة وابتكارها أو حتى التخطيط الاستراتيجي لها لأن «أرامكو» تقليدياً كانت شركة مستهلكة للتقنية ولم يُعرف عنها أنها تُنتجها. وبإمكان الكثير من الأشخاص الرجوع إلى حجم براءات الاختراع قبل 10 سنوات لمقارنة «أرامكو» بشركة مثل «ستات أويل» النرويجية في ذاك الوقت (أوكينور حالياً) والتي كانت براءات اختراعاتها وتقنياتها في التنقيب تحت الماء في عام واحد تفوق ما حصلت عليه «أرامكو السعودية» في عشرات الأعوام.
ولنفكر في الأرقام، فمنذ تأسيسها حتى عام 2011 لم يكن لدى «أرامكو» أكثر من 100 براءة اختراع حصلت عليها خلال 78 عاماً، وهذا الرقم تضاعف منذ ذاك العام إلى اليوم ليصل إلى 864 براءة.
وفتحت الشركة مراكز للبحث والتطوير في الصين وباريس والولايات المتحدة. لم يتوقف الأمر عند هذا، بل أوجدت الشركة الآن قسماً كاملاً للتقنية والابتكار يقوده أحمد الخويطر الذي لم نكن نتوقع له النجاح في مهمته عندما بدأت «أرامكو» رحلة التحول التقني.
هذه التقنيات تدخل في كل شيء؛ من حجز الكربون واستخلاصه، لتقليل الآثار الضارة بالبيئة للنفط، وحتى في تطوير محركات سيارات تستخدم وقوداً أقل وبصورة أكفأ حتى تنافس المحركات الكهربائية والهجينة وغيرها.
الإجابة الثانية تكمن في الدخول في شراكات وبناء مصافٍ خارج المملكة لضمان حصول «أرامكو» على حصة سوقية في البلدان المستهلكة مثل الصين التي حققت فيها «أرامكو» إنجازات لا يمكن لدولة أخرى في «أوبك» منافستها من حيث بناء المصافي، ولديها في الولايات المتحدة أكبر مصفاة. وتبقى الهند السوق الوحيدة التي تسعى «أرامكو» للتوسع فيها من خلال المصافي، إلا أن الأمر لا يزال جارياً.
هذه المصافي ستستهلك النفط السعودي بضمان العقود والاتفاقيات المبرمة لتوريده إليها.
«أرامكو» كانت سبّاقة عندما فكرت في بناء مصافٍ خارج السعودية بدلاً من بيع النفط وحسب، وهذا الأمر سيجعلها رائدة في المنافسة حتى في ظل وجود منافسة سعرية كبيرة في أي وقت مع أي دولة. ويجعل السعوديين أكثر اطمئناناً على مستقبل نفط بلادهم في السوق العالمية.

وائل مهدي

الحرب العالمية الجديدة باستخدام سلاح العملات

يتجّه العالم الاقتصادي اليوم إلى حرب عالمية جديدة، حيث يُستخدم فيها سلاح العملات الذي يُمكن أن يكون سلاح دمار إقتصادياً شاملاً.

 

شهدنا أخيراً تصريحاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يُعلن فيه رسمياً إستخدام العملة الصينية، (اليوهان) في التبادل التجاري، وخصوصاً في بيع المشتقات الغازية والنفطية للصين المستورد الأول في العالم. ولحقت بروسيا أكثرية بلدان «البريكس»، ولا سيما الهند والبرازيل، التي تتجّه أيضاً إلى التخلّي عن العملة الخضراء. إضافة إلى ذلك، علينا أن ننظر بدقّة إلى المحادثات والتحالف الجديد بين بيجينغ والرياض، والتي تلت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للعاصمة السعودية، والتي أثمرت اتفاقات تجارية واستثمارية تخطّت الـ 30 مليار دولار.

فهذه التحالفات الجديدة والمصالح المشتركة يُمكن أن تغيّر الأسس والقواعد المالية والنقدية الدولية.

 

علينا أن نتذكر، أنّه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ صعود أهمية وقوة الدولار الأميركي عالمياً، الذي بات سريعاً أجدر عملة دولية مستخدمة في كل أنواع التبادل التجاري، وخصوصاً المستعملة في بيع النفط والغاز وكل مشتقاته، وأيضاً كعملة أمان لكل إحتياط بلدان العالم، وخصوصاً البنوك المركزية، إلى جانب الذهب.

 

فالمؤسس الأول لسيادة العملة الخضراء كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الذي فرض الدولار الأميركي العملة الأقوى دولياً، في التبادل التجاري، لكن أيضاً فرض العقوبات أو الضغوط السياسية والاقتصادية على بلدان أو حتى أشخاص.

 

إنّ جائحة «كورونا» التي أوقفت كل العقارب الاقتصادية والتجارية والمالية، والنقدية الدولية، أجبرت كل البلدان على إعادة الهيكلية الداخلية، وأعادت إلى الصفر أكثرية الإتفاقات التجارية وحتى السياسية.

بعد الخروج من هذا الوباء المدمّر، بدأت المنافسة الشرسة بين عمالقة العالم للمركز الأول لقيادة العالم الاقتصادي الجديد. وبدأ قادة البلاد يجولون في كل القارات، ليس فقط لتمكين وضعهم، لا بل لبناء إتفاقات وتحالفات وتآزر جديد وشراكات جديدة لتخفيف إدمانهم على بعض العملات والاقتصادات العظمى.

 

فالحرب الروسية – الأوكرانية التي انفجرت جرّاء ضغوط سياسية جديدة، أضعفت أوروبا وقسّمت العالم بين جبهتين، وأجبرت على إعادة بناء ورسم طريق الحرير الجديد.

 

في خضم هذا الصراع الجديد، هناك حرب طاحنة بين روسيا وأوكرانيا وحرب باردة بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. فالهجوم المضاد من الصين أتى من الناحية السياسية باتفاق صيني – إيراني – سعودي، فريد وغير متوقع، ومن الجهة النقدية، بسلاح العملات والضغوط، للتخلّي عن سيادة العملة الخضراء واستبدالها باليوهان الصيني الذي يكسب الأرض يوماً بعد يوم.

 

في النهاية، لا أحد يعلم مَن سيربح في هذا الكباش، لكن الأكيد، أنّ الدولار الأميركي سيفقد من قوته السابقة والدائمة، وسنشهد تضخّماً مفرطاً وضغوطاً كبيرة على اقتصاد الولايات المتحدة وقطاعها المصرفي والمالي والنقدي.

 

إننا لا نزال في بداية الحرب العالمية الاقتصادية الجديدة، حيث كل الضربات ممكنة، وأي شرارة أو فتيل ممكن أن تشعل النار في أي مكان في العالم. من الصعوبة التكهن مَن سيكون الغالب والمغلوب، لكن الأكيد أنّ البلدان الصغيرة والضعيفة هي التي تدفع ثمن هذه الصراعات الدولية.

 

لا شك في أنّ صفحة الماضي انطوت، وفُتحت صفحة جديدة في الاقتصاد الدولي، وتُرسم خطط واستراتيجيات واتفاقات وتحالفات جديدة، فأعداء الأمس يُمكن أن يُصبحوا حلفاء الغد، لمصالح مشتركة، أو ضغوط تجمعهم.

 

في هذا السباق والتنافس الدولي الجديد، لا شك في أنّ الدولار الأميركي سيخسر من قوته على حساب اليوهان الصيني، الذي سينمو. أما العالم المالي والنقدي فيتجّه أكثر فأكثر إلى العملات المشفّرة والإلكترونية وبالأخص الـ cryptocurrency.

 

في المحصّلة، وفي سياق التقلّبات الدولية، والصراعات الساخنة والحروب الباردة، سيهرب المستثمرون من العملات التقليدية، وسيلجأون إلى العملات المشفّرة، والذهب، والعقارات، مترقبين مرور هذه العاصفة وهذا التسونامي المدمّر والهزّات الاقتصادية وتردّداتها التي تهزّ العالم.

د. فؤاد زمكحل

ماذا يحدث عندما تفشل البنوك وتغلق أبوابها في وجه المودعين؟

بعد أسابيع قليلة من الفشل المفاجئ لبنك وادي السيليكون، لا تزال حالة عدم اليقين والتخوف مسيطرة على القطاع المالي الذي يحاول الصمود في عالم أكثر غموضًا.

هؤلاء العملاء الذين بقوا في SVB ومقره كاليفورنيا اتبعوا الآن مسارًا مألوفًا في أعقاب الانهيار، من خلال نقلهم ببساطة إلى مقرض جديد بقرار من المنظمين.

احتمالية اختفاء البنوك أكبر مما يمكن أن يتوقعه المرء، على الرغم من كونها مصممة لتبقى إلى الأبد، في الولايات المتحدة، انخفض عدد البنوك بنحو 86% بين عامي 1921 و 2020، من خلال سلسلة من فترات الازدهار والكساد.

فيما انخفض عدد البنوك في أوروبا بمقدار الثلث تقريبًا بين عامي 2009 و 2020، ومع ذلك، كثيرا ما نفشل في رؤية كارثة قادمة. يمكن أن يكون ارتفاع أسعار الفائدة من النوع الذي تم تحمله في الآونة الأخيرة بمثابة تأرجح كرة مدمرة في النظام المالي، كما أن تراخي التنظيم قد ينذر بالمتاعب.

حتى مراقبو السوق المحترفين يفاجأون، فجاء البيع الطارئ الأخير لبنك كريدي سويس بعد أشهر قليلة فقط من تأكيد أكبر مستثمر في البنك السويسري على ثقته فيه باعتباره “علامة تجارية عمرها 160 عامًا”.

لا يعني اختفاء الشعار والفروع أن الثروة والاستثمارات التي تديرها المؤسسة تختفي بالضرورة، فعادة ما يتم نقلها إلى مقرضين آخرين.

بعد اندماج Credit Suisse مع منافسه الأشهر UPS، يتوقع البنك المشترك الآن أن يكون لديه 5 تريليونات دولار من الأصول المستثمرة – وهو مبلغ أكبر بكثير من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا.

تاريخ إخفاقات البنوك

في الصيف الماضي، أدى الانهيار بين المصارف الريفية في الصين إلى تجميد بعض الأموال المتاحة عادة للمودعين، على الأقل مؤقتًا.

بينما في عام 2015، اضطرت اليونان إلى إغلاق بنوكها لبضعة أسابيع لتجنب الانهيار.

خلال الأزمة المالية التي حدثت قبل عدة سنوات، كان ظهر كل يوم جمعة تقريبًا يصدر إعلانات عن فشل البنوك الأميركية، مما أدى إلى زيادة الحد الأقصى لمبلغ الإيداع الذي ستؤمنه الحكومة.

قبل ما يقرب من عقدين من الزمن، أدى الانتقال الوعر من الشيوعية في جمهورية التشيك إلى ارتفاع عدد البنوك هناك من 5 إلى 55 في نصف عقد، ثم تراجع إلى 40 بعد بضع سنوات بعد سلسلة من الإخفاقات.

في عام 1931، ساعد انهيار بنك Kreditanstalt ومقره فيينا في تحويل الأزمة المالية الأميركية إلى كساد عالمي، ومهد الطريق لما هو أسوأ في المستقبل.

كان البنك قد تأسس قبل عام من بنك كريدي سويس (والذي أطلق عليه في تلك المرحلة اسم ” Kreditanstalt “)، ودخل مؤخراً في عملية اندماج رتبتها الحكومة السويسرية.

تغطية المودعين في البنوك الأميريكية

يواجه المنظمون دائمًا خيارات صعبة عندما يتدخلون في حالات فشل البنوك، حيث يتم إجراء فحص دقيق لتحديد من سيحصل على يد العون ومن لن يتم مساعدته، وهو ما قد يلحق الضرر بالثقة العامة بين المواطنين.

لحسن الحظ، ربما تأخذ الاضطرابات المصرفية الأخيرة الآن منعطفًا إيجابيًا. لسبب واحد، يبدو أن التدفقات الخارجة في البنوك الصغيرة الضعيفة نسبيًا في الولايات المتحدة قد استقرت، وهو أمر بالغ الأهمية.

ربما يكون من الجيد أن تضع في اعتبارك أن الأشخاص الذين يديرون البنوك عرضة للخطأ مثل أي شخص آخر. يجب أن تكون القرارات المتخذة لتصويب أخطائهم عادلة وشفافة قدر الإمكان.

من إيلون ماسك إلى بيل غيتس.. أثرياء حاولوا بناء المدينة الفاضلة!

يخطط إيلون ماسك لبناء مدينته الخاصة لعمال SpaceX و The Boring Company خارج أوستن في تكساس الأميركية، وفقًا لتقرير حديث من Wall Street Journal.

وقال التقرير إن الملياردير ورفاقه اشتروا ما لا يقل عن 3500 فدان من الأراضي في باستروب بولاية تكساس، على بعد حوالي 35 ميلاً خارج أوستن، وقيل إن لافتات لمدينة تسمى “Snailbrook” بدأت بالفعل في الظهور في المنطقة.

ذكرت الصحيفة أن ماسك وموظفيه وصفوا رؤية المدينة بأنها “نوع من المدينة الفاضلة في تكساس على طول نهر كولورادو”، مشيرة إلى أن المدينة سيتم تجهيزها بمنازل جاهزة وحوض سباحة ومنطقة رياضية خارجية وصالة ألعاب رياضية، بالإضافة إلى مدرسة خاصة.

يخطط الرئيس التنفيذي لشركة Tesla أيضًا لبناء مجمع خاص خارج المدينة مباشرةً حيث يمكنه العيش، وفقًا للتقرير.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها ماسك عن بناء مدينة، حيث قال ماسك إنه يخطط لتشكيل مدينة بالقرب من منشآت إطلاق SpaceX أيضًا في عام 2021 تسمى “Starbase” في بوكا تشيكا في تكساس، على بعد 350 ميلاً من Snailbrook.

يأتي هذا بالطبع إلى جانب خطط ماسك لبناء مدينة مكتفية ذاتيًا على سطح المريخ أعلن عنها لأول مرة في عام 2014.

في العام الماضي، قال ماسك إنه يتوقع أن يكون استعمار المريخ “عملًا شاقًا وصعبًا”. وقال إنه يأمل في أن يغتنم الأشخاص الذين سيستعمرون المريخ الفرصة “لإعادة التفكير في المجتمع”.

مارك لور

في عام 2021، أعلن مارك لور الرئيس التنفيذي السابق لشركة Walmart عن خطط لبناء مدينة فاضلة مستقبلية تسمى “Telosa” وهي كلمة يونانية قديمة تعني “الهدف الأسمى”.

في ذلك الوقت، قال لور إنه يريد بناء مدينة فاضلة يمكن أن يسكنها حوالي 50 ألف شخص بحلول عام 2030، وأشار إلى أن المدينة سيحكمها مزيج من المساواة والرأسمالية.

وقال إن Telosa ستبنى في الصحراء، لكنه لم يحدد الموقع بالضبط، وستوفر المدينة لمواطنيها وصولاً متساوياً إلى التعليم والرعاية الصحية والمواصلات، وسيتجول السكان بمركبات ذاتية القيادة، وستعمل المدينة على الطاقة المتجددة.

تشير التقديرات إلى أنه المدينة ستكلف حوالي 400 مليار دولار ويقول إنه من المحتمل أن يتم اختيار المواطنين من خلال عملية التقديم.

الملياردير بيتر ثييل

في عام 2008، أطلق ثييل مهمة لتطوير مدينة عائمة تسمى seastead، تعمل بشكل مستقل عن الدول الموجودة كجزيرة صغيرة مكتفية ذاتيًا.

قال المستثمر الملياردير إن المدينة ستكون ليبرالية هربًا من السياسة بجميع أشكالها، وخطت المجموعة خطوات مبكرة في التخطيط لبناء سلسلة جزر قابلة للفصل قبالة بولينيزيا الفرنسية وكان لديها اتفاق مبدئي مع البلاد ، لكن الحكومة قالت في عام 2018 أن عقدها مع معهد Seasteading “عفا عليه الزمن” و”لا يُلزم الدولة بأي شكل من الأشكال”.

غادر ثييل مجلس إدارة معهد Seasteading في عام 2011، ولكن حتى يومنا هذا، يواصل المعهد الترويج للفكرة على موقعه على الإنترنت.

الملياردير بيل غيتس

في عام 2017 ، استثمر بيل جيتس حوالي 80 مليون دولار في خطط لمدينة ذكية خارج فينيكس في أريزونا الأميركية.
اشترت إحدى الشركات التابعة لشركة استثمار غيتس أرضًا في جنوب غرب ولاية أريزونا لبناء مشروع مساحته 24800 فدان يتكون من مساكن ومدارس عامة ومكاتب وتجارية ومساحات بيع بالتجزئة، حسبما أفاد موقع AZ Central.
في ذلك الوقت، كانت الخطة تقضي ببناء 80 ألف منزل، منها 3800 فدان مخصصة للمساحات الصناعية والمكتبية والتجزئة، و3400 فدانًا من المساحات المفتوحة، و470 فدانًا مخصصة للمدارس العامة، وقيل أن المدينة ستعرف باسم Belmont.

قالت الوكالة التي تمتلك العقار Belmont Partners في ذلك الوقت إنه سيتم تصميمه ليشمل شبكات عالية السرعة، ومراكز بيانات ، وسيارات ذاتية القيادة، وتقنيات تصنيع جديدة، ومراكز لوجستية مؤتمتة.

من غير الواضح ما الذي حدث مع خطط التطوير منذ عام 2017.

لاري إليسون

في عام 2012، اشترى الشريك المؤسس لشركة Oracle حوالي 98% من جزيرة لاناي في هاواي مقابل حوالي 300 مليون دولار.

بعد الحصول على الأرض، قام بتسمية المدينة Nobu، وأنشأ منتجعًا به مركز صحي، وجدد الفنادق الموجودة في الجزيرة.

منذ ذلك الحين، أصبحت الجزيرة التي يقطنها حوالي 3000 شخص وجهة للأثرياء، من أمثال توم كروز وسيندي كروفورد وويل سميث. انتقل إليسون بنفسه إلى الجزيرة في عام 2020.

الملياردير مارك كوبان

اشترى المستثمر الملياردير مارك كوبان منذ فترة طويلة موستانغ في تكساس الأميركية مقابل حوالي 2 مليون دولار كخدمة لصديقه مارتي برايس.

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في ذلك الوقت أن برايس كان يمتلك البلدة مع اثنين آخرين ولم يرغب في أن ترث زوجته مدينة أشباح.

تم إنشاء المدينة في عام 1973 عندما كان بها شركتان فقط، حسبما ذكرت التايمز. عندما تم تأسيسها في البداية ، كانت المدينة موطنًا لحوالي 21 شخصًا ، ولكن بعد إغلاق الشركتين في النهاية، انتقل السكان بعيدًا عنها.

قال كوبان لصحيفة دالاس مورنينج نيوز في عام 2021: “لا أعرف ماذا أفعل بها”.