كيف نشرح معنى «بتكوين»؟ كما ذكرت قبل أسبوعين، من الصعب استبعاد العملة الرقمية من الحسبان باعتبارها فقاعة استثمار كلاسيكية؛ لأنها – على العكس من أي معتقد تاريخي آخر شهد مكاسب كبيرة مماثلة في السعر – شكلت سلسلة من الفقاعات التي انفجرت ثم تضخمت مجدداً.
ليس من المفترض أن تقوم الفقاعات بذلك؛ إذ إنَّ الفقاعة الكبيرة الضخمة لا يمكن أن تنكمش في هدوء، بل تنفجر ولا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه أبداً.
لدى «بتكوين» العديد من أعراض هوس المضاربات، يحركها في ذلك الإثارة المطلقة التي تلهم المؤمنين بها، لكن من الصعب تحديد القيمة التي يجب أن تكون عليها الأصول الرقمية. شأن الذهب، فإنَّ القيمة الحقيقية تقع في عين الناظر. فهي ليس لها قيمة جوهرية، وفي حين ينطبق الأمر نفسه على الأوراق النقدية، فإنَّ الحكومة لا تقف وراء ذلك.
تصارع الكثير من الأشخاص مع المشكلة نفسها، وربما تكون قيمة «بتكوين» نابعة من عدم وجودها. ولفهم أفضل لذلك؛ فقط تأمل العلاقة الفردية بين الذهب وسندات الخزانة، فالدراسة والتحليل دائماً ما يثبت تغلب سندات الخزانة على الذهب عندما لا يشعر الناس بالقلق الشديد بشأن التضخم، في حين يفوز الذهب عندما تكون هناك مخاوف من التضخم، باستثناء في الوقت الحالي، حيث تراجع كلاهما.
ما الذي يدفع سعر الذهب إذن؟ جاءت دراسة تحليلية أجراها دافال جوشي، الباحث بمعهد «بي سي إيه إنك» بفكرة مختلفة مفادها أن العلاقة بين الذهب والفضة ظلت ثابتة لثلاثة قرون، واستمرت مستقرة حتى تآكلت الثقة في المعيار الذهبي ثم انهارت بعد الحرب العالمية الأولى. خلال عقود معيار الذهب الناعم لـ«اتفاقية بريتون وودز» بعد الحرب، عادت النسبة إلى مستواها القديم، لتعود إلى التحليق عالياً عقب انهيار اتفاقية «بريتون وودز» قبل 50 عاماً.
يؤكد جوشي أن هذا يدل على أن الطلب على الذهب والفضة مدفوع بالنظرة إلى تفوق الأصول «في مواجهة العملة». ولذلك؛ إذا شعر الناس بالقلق بشأن القوة الشرائية طويلة الأجل للعملات التي تصدرها الحكومة، فإنَّهم سيكونون مستعدين لدفع المزيد مقابل الذهب، في ظلّ دوره المتصور كمخزن للقيمة. كيف إذن نفسر الانخفاض المفاجئ. حجة جوشي هي أن عملة «بتكوين» ارتفعت كبديل للأصول. لقد حاز ذلك الانتشار بسبب الأفكار التحررية المناهضة للحكومة التي رافقت العملة الرقمية منذ إنشائها. فزيادة حجم «بتكوين» لتصبح معروفة بشكل أفضل وسهولة الحصول عليها الآن يجعلها منافساً أكثر قابلية للتطبيق مقارنة بالمعدن البراق.
لم يجرِ تحويل كل الأموال التي تترك الذهب إلى عملة «بتكوين»، بل بعضها فقط. ويبدو أن المؤسسات تتخذ قراراً بتخصيص بعض الأموال لعملة «بتكوين» كتحوط ضد الانهيار النقدي. (السندات الصينية هي وجهة مهمة أخرى). وظهرت قوة «بتكوين» في الأشهر القليلة الماضية على الرغم من التراجع الواضح في عمليات البحث على «غوغل» عن المصطلح.
يتماشى أداء «بتكوين» خلال العام الماضي بشكل مباشر مع التحركات في عوائد السندات. فعندما ترتفع العائدات، ترتفع كذلك «بتكوين»؛ مما يعني أن العملة الرقمية تستفيد مباشرة من «تجارة الانكماش»، أو الاعتقاد بأن التضخم قادم.
يُظهر تحليل أكثر علمية أجرته شركة الأبحاث البريطانية «كوانت إنسايت المحدودة»، أن الحساسية الرئيسية لعملة «بتكوين» تكمن في معدلات التضخم. الشيء نفسه ينطبق على الذهب، والاختلاف في الوقت الحالي هو أن «بتكوين» يرتبط ارتباطاً إيجابياً بنقطة التعادل (النقطة التي لا يتحقق فيها مكسب أو خسارة)، ويكسب عندما ترتفع المخاوف بشأن التضخم، في حين أن الذهب يرتبط بها ارتباطاً سلبياً.
وبحسب تشارلز موريس، الخبير بشركة «باي تري»، فإن «بتكوين» تتحرك مثل سهم النمو، على عكس الذهب. ويبدو أن «بتكوين» لديها كل شيء؛ فهي واحدة من الأصول القليلة التي يبدو أنها تستفيد من ارتفاع عائد السندات – وعلى عكس الأسهم والسندات الدفاعية، يعتبر كل من «بتكوين» والذهب حساسين للتضخم، لكن الذهب يكون أسعد حظاً عندما يواجه العالم دوامة هبوط. في المقابل، تفضل «بتكوين» اقتصاداً أقوى عندما يرتفع العائد، وهو المكان الذي نحن فيه اليوم.
لذلك؛ يبدو أن الدافع الحالي لعملة «بتكوين» هو محاولة للحماية من انخفاض قيمة العملة عن طريق تحول مُقاس من الذهب، والذي يُعتبر الأصل الأضعف ضد العملات الورقية في الوقت الحالي.
إذا كان هذا هو ما يحفز الناس على شراء «بتكوين»، مع عودة المخاوف من الانحدار والتضخم الذي يحدث عقب الانهيارات، يبقى السؤال حول كيفية تقييمها بالضبط. ينظر جوشي إلى مزايا الأصول المواجهة للأوراق المالية باعتبارها مرتبطة بقدرتها على تجنب الخسائر الفادحة. ويمكن أن يكون للذهب أيضاً عمليات سحب كبيرة، ولكن لا شيء مثل الخسائر الكبيرة التي تلحقها عملة بتكوين» بشكل دوري بحامليها قبل الارتفاع مرة أخرى. ونظراً لأن انخفاضات عملة «بتكوين» غالباً ما تكون أكبر بثلاث مرات؛ فإنه يمكن معادلة المخاطرة عن طريق الاحتفاظ بثلاثة أضعاف الذهب مثل «بتكوين».
هل «بتكوين» بديل حقيقي مباشر للذهب؟ إنه عرض صعب التعامل معه. فأنا مثلاً الآن أكتب هذا المقال وفي إصبعي خاتم صغير جداً من الذهب. أنا واثق من أنني لن أستبدل خاتم زواجي بواحد مصنوع من «بتكوين». فالذهب على الأقل له استخدام جوهري كمادة خام للمجوهرات المرغوبة بشدة.
لقد صُممت «بتكوين» ببراعة بحيث يجري تقليل المعروض من العملات الجديدة بمرور الوقت، وبالتالي، فإن انخفاض الأسعار سيقلل من الحافز لإنفاق الأموال على زيادة العرض. ويمكن للتأثيرات الشبكية أيضاً أن تجعل العملة أكثر فائدة – فكلما تم تطوير المزيد من التطبيقات، زادت سهولة استخدامها، وأصبحت عملة قابلة للتطبيق.
في الوقت الحالي، تلبي عملة «بتكوين» طلباً على مجموعة واسعة من البدائل للعملات الورقية في وقت يشكك فيه الكثيرون بشدة في السياسة النقدية، في حين تقدم وعداً بذلك النمو المثير الذي حققته الأسهم التقنية. من المفهوم أنه سيكون هناك طلب كبير على مثل هذه الأصول. ورغم قوة الطلب، فإنه أيضاً مدعوم من تلك القوى العالمية الأخرى في الأسواق التي تخشى عليه من الضياع. ومع ذلك، إذا لم يحدث الانكماش فقد يكون من الأفضل أيضاً الاستعداد لارتفاع آخر في «بتكوين».
جون اوثرز.