البتكوين… هل يكون مستقبلها زاهراً؟

ما شكل الأموال في المستقبل؟ يعتقد ولدي البالغ من العمر 9 سنوات أنها سوف تكون العملة «روبوكس». وبالنسبة لأمثالنا العالقين في متحف البشرية المعروف باسم مرحلة البلوغ والنضج، فإن «روبوكس» هي العملة التي يستخدمها اللاعبون في ألعاب «روبلوكس» الكومبيوترية. فإن منحت توماس ولدي حفنة من الدولارات لاستمالته للقيام ببعض الأعمال المنزلية الخفيفة، فإنه يمتعض على الفور ويبدو غير مهتم أو عابئ. لكن إن عرضت عليه بعضاً من عملة «روبوكس»، فهناك قصة مختلفة تماماً.
يبلغ سعر الصرف الحالي نحو 80 مقابل الدولار. ومن ثم، فإن أردت تشجيع ولدي على غسل الصحون مثلاً، فإنني أحتاج إلى الدخول على الإنترنت وشراء 2000 «روبوكس» مقابل 25 دولاراً. ويجري ذلك عن طريق إدخال بيانات بطاقتي الائتمانية على أحد مواقع الإنترنت، وهو وسيلة من وسائل التعريض الذاتي التي لا تشكل لي مشكلة على الإطلاق. ومع ذلك، فإن توماس يقوم بغسل الصحون فعلاً، ثم يقوم بإنفاق بقية عملات «روبوكس» الخاصة به على الإنترنت في أمور مهمة بالنسبة إلى الصبي الصغير تماماً.
تعدّ عملة «روبوكس» شكلاً واحداً من أشكال عدة للأموال الحديثة الموجودة في عالم ألعاب الفيديو على شبكة الإنترنت الموازي لعالمنا الحقيقي المعاصر. فإن كان أطفالك يعرفون لعبة «فورتنايت»، فربما تحتم عليك في وقت من الأوقات أن تشتري لهم عملة «فيندربكس» حتى يواصلوا اللعب. وأموال ألعاب الفيديو، بدورها، مجموعة فرعية من وسائل السداد الإلكترونية التي لا حصر لها والمنتشرة حالياً على شبكة الإنترنت.
أصاب مؤلفو روايات الخيال العلمي في فهم كثير من الأمور بشكلها الصحيح حول المستقبل؛ من الأوبئة، إلى السيارات الطائرة، إلى الذكاء الصناعي. غير أنه لا أحد على الإطلاق قد أدرك إمكانات مستقبل الأموال بصورة صحيحة. ففي كتاب ويليام غيبسون «نيورومانسر» لعام 1984، استمر التعامل في المستقبل بالأموال الورقية المعروفة، غير أن استخداماتها اقتصرت على المعاملات غير المشروعة في نهاية المطاف. وفي فيلم «سنو كاش» من إنتاج نيل ستيفنسون لعام 1992، تسبب التضخم الاقتصادي المفرط في تدمير الدولار الأميركي، لدرجة أنه في كومبتون بولاية كاليفورنيا، يسير الناس في الشوارع وهم يدفعون عربات اليد التي تتراكم فوقها الملايين من أوراق البنكنوت التي جمعوها من مجاري العواصف.
تُعرف فئة التريليون دولار باسم «إد ميز»، وفئة الكوادريليون باسم «غيبر»، في حين أننا نحن أبناء جيل الطفرة السكانية ما زلنا نقتات على تصريحات المدعي العام الأميركي الأسبق والرئيس الذي تولى الرئاسة في ثمانينات القرن الماضي. وفي عقود المستقبل البائس المقبلة، تقوم السلع السهلة المتاحة مثل الرصاصات أو أغطية الزجاجات مقام الأموال المؤقتة، تماماً كما كانت السجائر في ألمانيا المحتلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة.
إن كان هناك مؤلف آخر للخيال العلمي قد أحسن التنبؤ بمستقبل الأموال في العقود المقبلة، فربما قد فاتني ذلك. ومما يؤسف له، أن الافتقار لمثل هذه التوقعات بات يؤثر حالياً على صناع السياسات في الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يجعل الهيمنة المالية في العالم أكثر عُرضة لتحديات جسيمة محتملة؛ بل ومقبلة. فلا يقتصر الأمر على مجرد إقلال السلطات النقدية الأميركية من أهمية تلك التهديدات على هيمنة وتفوق الدولار الأميركي من خلال مزيج العملات الرقمية المشفرة والمدفوعات الإلكترونية التي تتزعمها الصين على مستوى العالم راهناً. كما أنهم يتعاملون في الصين مع المبتكرات المالية القائمة على قواعد البيانات المتسلسلة، والتي توفر أفضل البدائل المالية المتاحة لليوان الإلكتروني الصيني، بأنها مثل أدوات جمع العملات في محفلهم الخاص!
ولنبدأ بطرح تصورات مستقبل الأموال الذي لم يتوقعه أحد من قبل.
ففي عام 2008، أطلق المدعو ساتوشي ناكاموتو عملته الرقمية الغامضة «بتكوين» من خلال دراسة بحثية مجهولة المصدر ولا علاقة لها بالخيال العلمي من قريب أو بعيد. تلك العملة التي تسمح بإرسال المدفوعات عبر شبكة الإنترنت مباشرة من طرف واحد إلى طرف آخر، من دون المرور عبر أي مؤسسة مالية رسمية كانت. وفي جوهر الأمر؛ فإن «بتكوين» دفتر أستاذ محاسبي تتقاسمه شبكة من الكومبيوترات المتقدمة من دون قائد واضح. ولسداد المدفوعات عن طريق «بتكوين»، فإنك تبعث برسالة موقعة من طرفك تخول نقل الملكية إلى المفاتح العامة للمتسلم. ثم يجري جمع المعاملات معاً وإضافتها إلى دفتر الأستاذ في صورة كتل، وتوجد لكل عقدة في الشبكة الكومبيوترية نسخة كاملة من قواعد البيانات المتسلسلة في جميع الأوقات. ويمكن للعقدة الواحدة إضافة كتلة جديدة إلى التسلسل (مع الحصول على مكافأة «بتكوين» في المقابل) وذلك عن طريق حل التشفير المحدد بواسطة بروتوكول «بتكوين» نفسه، الذي يستهلك مقداراً من الطاقة للمعالجة وفك التشفير.
وتحصل العقد التي نجحت في حل التشفير على مكافأة من رسوم المعاملات، وكذلك بمزيد من عملات «بتكوين». ويطرأ تخفيض على هذه المكافأة إلى النصف مرة كل 4 سنوات، حتى يبلغ إجمالي عدد عملات بتكوين 21 مليون عملة، وبعد ذلك لن يتم إنشاء عملات جديدة. وكما قلت في مقال سابق، كانت هناك أسباب وجيهة وراء ترك «بتكوين» المضاربة على الذهب، في الوقت الذي كان فيه فيروس «كورونا» المستجد يعيث فساداً بالأرض وسكانها منذ العام الماضي. ومنذ أكثر من عام أو نحوه، عندما جرى بيع نحو أغلب الأصول المالية مع التراجع الملحوظ في شدة الوباء، انخفض سعر الدولار الأميركي مقابل «بتكوين» إلى 3858 دولاراً، وأنا أقول إن السعر الحقيقي هو 58746 دولاراً.
والسبب الحقيقي وراء نجاح «بتكوين» هو استقلاليتها وسيادتها الذاتية، وأنه ما من أحد يملك السيطرة عليها، وليس هناك حيتان يملكون الأموال الضخمة منها، ولا حتى المعدنون يستطيعون الخروج بالمبالغ المفرطة من وراء التداول فيها. كذلك؛ لأنها تحافظ على ندرتها النسبية (إذ إن رقم 21 مليوناً منها هو المبلغ النهائي). وفوق كل شيء، فإنها عملة رقمية مشفرة وذكية. ومع كل يوم يستمر ذلك النظام الرقمي في العمل، فإنه لا يتعرض للقرصنة أو الاختراق، ولا يتعطل أو ينهار. وتشير التوقعات إلى أنها وجدت لتبقى وتستمر، لا سيما مع الضغوط الناشئة على المتداولين والمعدنين الذين يتحدون أنفسهم وسواهم من خلال المحاولات المحمومة لامتلاك مزيد من تلك العملات.
خلال العام الماضي، ابتاعت مجموعة من الشركات التكنولوجية العملاقة، من شاكلة «سكوير»، و«باي بال»، و«تيسلا»، كومة من عملات «بتكوين». وظهر كثير من المستثمرين الكبار، من أمثال بول تيودور جونز، وستان دروكنميللر، وبيل ميللر، بوصفهم أبرز المستثمرين في «بتكوين». ربما الأهم من ذلك، أن الناس بدأوا يتعاملون مع «بتكوين» على أنها جزء شرعي من النظام المالي العام. وبدأت شركة «بي إن واي ميلون» المصرفية الاستثمارية التعامل مع «بتكوين»، وكذلك شركة «ماستر كارد» العالمية. وصارت هناك عقود آجلة، وخيارات متنوعة، للتعامل مع «بتكوين» بصورة جيدة. وكان هذا النوع من التبني والاعتماد هو الذي أدى إلى رفع سعر «بتكوين»؛ تلك العملية الكبيرة والمعقدة التي تستلزم كثيراً من العمل.

نيال فيرغسون

 

جودة الاستثمارات الأجنبية

في عالم اليوم، يتنافس كثير من الدول في جذب الاستثمارات الأجنبية إليها، مقدمة الإعفاءات الضريبية واليد العاملة الماهرة والأنظمة القانونية الضامنة والبيئة الاجتماعية المناسبة… وغيرها من عوامل الجذب التي تشجع الشركات الأجنبية على ممارسة أنشطتها في تلك الدول. ولا يشك في الاستثمار الأجنبي بما يجلبه من منافع اقتصادية للدول، تتمثل في توفير الوظائف للسكان المحليين، وزيادة التنافسية في القطاع الخاص، ونقل الخبرات من الشركات الأجنبية، إضافة إلى ما يشكله من أهمية في تكامل الاقتصاد العالمي وفتح الآفاق للاستثمار خارج الحدود. إلا إن الاستثمارات الأجنبية ليست نافعة بشكل مطلق؛ بل إن بعض الاستثمارات الأجنبية تجلب الضرر للدول أكثر من النفع، ولذلك يحرص كثير من الدول على جودة الاستثمارات الأجنبية الواردة إليها، وتحدد شروطاً لهذه الاستثمارات بما فيه مصلحة للطرفين.
ويمكن تقسيم جودة الاستثمارات الأجنبية بحسب أهداف التنمية المستدامة إلى خمسة أقسام:
القسم الأول يُعنى بالإنتاجية والابتكار، ويعني ذلك أن تزيد الاستثمارات الأجنبية من الإنتاجية في البلد وأن تحسن من أنشطتها الابتكارية بما تجلبه له من خبرات ومعارف ونقل للتقنيات. ويرتبط القسم الثاني بما هو متعارف عليه من توفير للوظائف ذات الجودة العالية والأمن الوظيفي المرتفع. كما تشترط أهداف التنمية المستدامة أن ترفع الاستثمارات الأجنبية من مهارات اليد العاملة فيها، لا أن تجلب اليد العاملة الماهرة من الخارج دون نقل لهذه المهارات للمواطنين. أما القسم الرابع؛ فيعنى بالمساواة الاجتماعية والعرقية. وينظر القسم الأخير في المحافظة على البيئة من خلال استخدام الطاقة النظيفة أو غيرها من الممارسات البيئية الصحيحة.
وتعد هذه الأقسام الخمسة مجرد أمثلة على الأهداف التي تنظر فيها الدول عند جلب الاستثمارات الأجنبية، فقد يحدد بعض الدول القطاعات التي ترغب في جذب استثمارات أجنبية فيها، وقد تحد أو تمنع قطاعات محددة، مثل بعض الصناعات أو الموارد الطبيعية أو البنية التحتية… أو غيرها، لأسباب منها أسباب أمنية، أو المحافظة على القطاعات الاستراتيجية من سيطرة الشركات الأجنبية، أو حماية القطاع الخاص المحلي، أو تحفيز المنشآت الصغيرة. وقد تشترط اشتراطات معقدة تحفظ لها حقوقها في بعض القطاعات شديدة الجاذبية، مثل الموارد الطبيعية؛ كأن تشترط حصة من الموارد لزيادة الآثار الاقتصادية أو الاجتماعية.
وتختلف الدول في اشتراطاتها على الاستثمارات الأجنبية الواردة، وتعدّ أبرز المعايير المشترطة حجم الوظائف الموفرة، وقيمة وحجم الاستثمار الأجنبي الوارد وما يضيفه للناتج القومي، ومعدل الرواتب للوظائف الموفرة للمواطنين، وما إذا كان فرع الشركة مقراً إقليمياً أم عالمياً. كما يعطي كثير من الدول الأفضلية للاستثمارات الأجنبية التي تساهم في زيادة الصادرات وذلك لإعطاء القيمة المضافة اقتصادياً. وتعطي أخرى أفضلية للشركات التي تركز على أنشطة البحث والتطوير والتي تجلب معها منافع اقتصادية واجتماعية علاوة على استدامة استثمارات هذه الشركات التي تركز على الاستثمارات طويلة المدى مثل البحث والتطوير.
وتعطي الدول أفضلية في بعض القطاعات بحسب توجهها الاستراتيجي، فعلى سبيل المثال، تعطي تشيلي أولوية في الاستثمارات الأجنبية لقطاعات الأغذية والبنية التحتية والسياحة، وتفضل نيجيريا الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الاتصالات والكهرباء والمواصلات، وتميّز المجر الاستثمارات في قطاعات صناعة السيارات والإلكترونيات، أما فيتنام فتحاول جذب الاستثمارات في قطاع التقنيات الزراعية.
إن المنفعة الموجودة في الاستثمارات الأجنبية تعود على الطرفين (الشركات الأجنبية والحكومات)، ويمكن للحكومات استخدام الاستثمارات الأجنبية أداة استراتيجية وفعالة لتحقيق مستهدفاتها المستقبلية، سواء أكانت هذه المستهدفات بتطوير قطاعات محددة، أم بالارتقاء بالتنافسية المحلية، أم حتى لبناء شراكات سياسية مثمرة. أما انجذاب الشركات الأجنبية لدولة ما، فهو أمر مرهون وبشكل مباشر بمعرفة عوامل جذب الشركات الأجنبية والتميز في هذه العوامل، وإذا ما تمكنت الدول من تجاوز هذه النقطة بنجاح، فسيكون قدوم الشركات الأجنبية لها مسألة وقت، ويمكن حينها للدول استخدام هذه الاستثمارات لتحقيق أجندتها الوطنية.

د. عبدالله الردادي.

في هذه الحالة ستتمّ إقالة رياض سلامة

 

في أواخر نيسان 2020، أقرّت حكومة حسان دياب خطة الإنقاذ الاقتصادي التي أطلقت عليها تسمية خطة التعافي. وقد تعرّضت الخطة منذ اعلانها الى موجة من الانتقادات والمديح، بين قائل انّها تدمّر الاقتصاد بدلاً من معافاته، كما ورد في تسميتها، وقائل انّها واقعية وجريئة تحاكي الحقائق، وتسمح بالخروج من مرحلة الإنكار الى الإنقاذ.

اليوم، وبعد مرور سنة على إطلاق «خطة التعافي» التي ظلّت حبراً على ورق، وسقطت في مرحلة التفاوض الاولي مع صندوق النقد الدولي بسبب الخلافات على الأرقام، وانقسام الوفد اللبناني الرسمي على نفسه، لا بدّ من السؤال ماذا بقي من هذه الخطة؟ وهل لا تزال صالحة للتحديث والتطوير، في حال تشكّلت حكومة وقرّرت البدء في التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟

لا شك في أنّ أرقام الخسائر التي جرى تقديرها في خطة التعافي (حوالى 68 مليار دولار)، والتي أثارت حفيظة لجنة المال النيابية، والقطاع المصرفي، وخبراء وباحثين متابعين عن كثب للوضع المالي والاقتصادي، أصبحت اليوم من الماضي، ولم تعد تكفي على الأرجح، رغم انّها كانت مُضخّمة، لتقدير الخسائر في أي خطة جديدة. ولا شك في أنّ ما اعتُبر فجوة مالية في مصرف لبنان جرى تقديرها في الخطة الحكومية في حينه بحوالى 44 مليار دولار، نمت خلال عام بنسبة مرتفعة قد تصل حالياً الى 60 مليار دولار. وحتى الخسائر في القطاع المصرفي، والتي حصل خلاف حولها بين المستشارين في الحكومة، ولجنة المال والموازنة النيابية، أصبحت بدورها من الماضي، لأنّ حجم الخسائر في المصارف ارتفع بنسب كبيرة. صحيح، انّه لا توجد احصاءات دقيقة عن الخسائر التي يمكن أن تكون لحقت بالقطاع منذ سنة حتى اليوم، لكن الإنكماش في الاقتصاد، وتراجع ايرادات كل القطاعات، ومعظمها قطاعات لديها قروض مع المصارف، بالإضافة الى الخسائر المعلنة التي بدأت المصارف نفسها تفصح عنها كنتائج العام 2020، ومن ضمنها خسائر اليوروبوند الذي هبطت اسعاره بنسبة لا تقلّ عن 85%، كلها حقائق تؤكّد انّ الرقم ليس بسيطاً، وسيغيّر معادلة أي خطة جديدة للإنقاذ.

لكن، وبصرف النظر عن الأرقام التي تفرض تغييراً شاملاً في الخطة القائمة، ومع مراجعة التفاصيل الاصلاحية في الخطة، سيتبيّن انّها أصبحت ايضاً من الماضي. والمفارقة هنا، ورغم انّ البلد وصل الى المرحلة التي وصل اليها حالياً، لا تزال هناك شكوك في أن تتمكّن السلطة، أي سلطة، من فرض اصلاحات وردت في «خطة التعافي». على سبيل المثال، ما ورد في اصلاح القطاع العام لجهة تقليص عدد المتعاقدين 5% لمدة 5 سنوات، أو تجميد الرواتب لـ5 سنوات، أو تجميد عديد القوات المسلحة وحصر الترقيات بشغور المواقع، ومراجعة التقديمات لكبار العسكريين، بالإضافة الى تصحيح التدبير رقم 3 المتعلق في احتساب نظام التقاعد للعسكريين، بالاضافة الى توحيد أنظمة التقاعد كافة.

هذه النماذج من الإجراءات الواردة في خطة التعافي، هل لا يزال تطبيقها ممكناً؟ وكيف يمكن الاعتقاد انّ التطبيق مُتاح، اذا كان وزير المالية غازي وزني انتقى بعض الاجراءات الاصلاحية وحاول تمريرها في مشروع موازنة العام 2021، وكانت النتيجة انّه اضطر الى التراجع عنها قبل ان تصل الموازنة الى طاولة مجلس الوزراء؟

كذلك يمكن طرح تساؤلات في شأن مصادر تحسين الإيرادات التي كانت ستعتمدها الحكومة في خطة التعافي، ومنها على سبيل المثال، رفع الرسوم على الفوائد من 10 الى 20% على الودائع التي تتجاوز المليون دولار…

من خلال مراجعة خطة نيسان 2020 يتبيّن بما لا يقبل الجدل، وبعد مرور سنة كاملة، انّ كل بنودها سقط بتأثير عامل الزمن، الذي نقل الاقتصاد والوضع المالي من مكان الى مكان آخر مختلف تماماً، وصار لزاماً على اي حكومة ان تبدأ خطة الإنقاذ والتفاوض مع صندوق النقد، من خطة جديدة لا علاقة لها بخطة التعافي.

هذا الواقع هو الذي يدفع حاكم مصرف لبنان حالياً، مدعوماً بقرار المجلس المركزي لمصرف لبنان، الى رفض المس بالاحتياطي الالزامي الذي وصل الى 15 مليار دولار، لأنّ الإنفاق من هذا الاحتياطي سيجعل أي خطة انقاذ، قاسية وطويلة جداً، وستصبح مسؤولية البنك المركزي مؤكّدة، وغير قابلة للخضوع لظروف تخفيفية.

لكن السؤال، كيف ستتعاطى السلطة السياسية الراغبة في الاستمرار في الإنفاق المُريح كما هو قائم، ولا تريد التوقّف عند خطوط حمر مثل الاحتياطي الالزامي، أو احتياطي الذهب، مع هذا الموقف؟ واذا كان قرار سلامة ثابتاً في رفض التوقيع على الإنفاق من الاحتياطي الالزامي، هل سيكون ذلك بمثابة اشارة الى احتمال إقالته من قِبل السلطة السياسية؟

قد تتجاوز السلطة القائمة كل المحاذير، وقد تجتمع حكومة تصريف الاعمال، التي ترفض الاجتماع حالياً حرصاً على عدم خرق الدستور وتجاوز مفهوم تصريف الاعمال، وتُقيل رياض سلامة، ليتسنّى لها الاستمرار في الإنفاق، بصرف النظر عمّا سيحصل نتيجة لذلك بعد سنة أو سنتين.

انطوان فرح.