الغزو.. أجواء الاسواق وتفاعلاتها

 الغزو الروسي لأوكرانيا يدفع المستثمرين للبحث عن ملاذ آمن في الدولار الأمريكي في ظل تزايد الطلب على الملاذات الآمنة…وفي المقابل الأسواق العالمية تنقسم بين تبعات الحرب ومواجهة إجراءات التشديد النقدي العالمي وتقلبات شديدة تنال من حركة الأسهم وعوائد السندات.

ومع استمرار التركيز على التضخم بصفة رئيسية، كشفت بعض المؤشرات والدلائل الاقتصادية عن كيفية تحرك البنوك المركزية في المستقبل على الرغم من التوترات الناجمة عن الحرب… بينما من المتوقع أن تصعد أسعار النفط لتتجاوز 100دولار للبرميل وسط مخاوف توقف الإمدادات.

عاصفة من العقوبات

بعد يومين فقط من اعتراف فلاديمير بوتين باستقلال منطقتين انفصاليتين في أوكرانيا، قام قادة العالم بفرض المجموعة الأولى من العقوبات على روسيا.

واقتحمت القوات العسكرية الروسية شرق أوكرانيا حيث اعتبر فلاديمير بوتين تلك الخطوة ضرورية للحفاظ على أمن روسيا ضد توسع القوات الأمريكية وحلفائها في المنطقة.

وانتهز قادة العالم تلك الفرصة لشل الاقتصاد الروسي باتخاذ خطوات حذرة من خلال فرض المزيد من العقوبات لضمان الحد الأدنى من الأضرار الجانبية للتوقعات الحالية للتضخم.

حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البنوك الروسية والصادرات التكنولوجية بالإضافة إلى منع بيع أدوات الدين السيادية وفرض إجراءات الحظر على أفراد من النخبة الروسية.

في حين استهدفت المملكة المتحدة البنوك الروسية واتبع الاتحاد الأوروبي عقوبات مماثلة على النخب الروسية.

غزو شامل..الاحتماء بالدولار

وانعكست أصوات المعارك على جبهة تداولات العملات الأجنبية، مما أدى إلى كبت أي فرصة تدعم تقوية البيانات الاقتصادية.

وبدعم من التدفقات التي شهدتها أصول الملاذ الآمن، استحوذ الدولار على أي مكاسب محتملة من نظرائه، وتعرض اليورو لهزيمة ساحقة بعد أسبوع من التقلبات، اذ تراجع من أعلى مستوى بعد ملامسته حاجز 1.1350 ليصل إلى أدنى مستوى يسجله في عام 2022 بوصوله إلى 1.1100.

وتجاوز أخيراً مستوى 1.1267، في ظل أجواء التفاؤل الخافت على خلفية جهود وقف إطلاق النار.

من جهة أخرى، عاد الجنيه الإسترليني للارتفاع مجدداً إلى مستوى 1.3405 بعد تراجعه إلى 1.3375 وما يزال واقعاً تحت الضغوط نتيجة لآفاق النمو الاقتصادي المتشائمة غير المؤكدة التي يتوقعها المسؤولين.

وبالتحرك نحو الشرق، كانت الاصداء أضعف قليلاً، إذ فشل الين في التحرر من مستوى 115، وفي نصف الكرة الأرضية الجنوبي، تمكن الدولار الأسترالي بالكاد من حماية نفسه وظل محتفظاً بمركزه فوق مستوى 0.7232 بينما استعاد الدولار النيوزيلندي توازنه فوق مستوى 0.6700 بعد تراجعه قليلاً.

ضعف المعنويات

حقق الاقتصاد الأمريكي أداءً قوياً، إذ عكست بيانات مؤشر مديري المشتريات لقطاعي الصناعة والخدمات قراءات قوية، وجاءت مطالبات البطالة دون التوقعات إلى حد ما، هذا إلى جانب نمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس ربع سنوي بنسبة 7.0% في الربع الأخير من العام وبما يتماشى مع التوقعات.

وفي ظل توقع اقدام مجلس الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل، أدت تهديدات اندلاع التوترات الجيوسياسية وإضعاف النمو إلى تراجع ثقة المستهلك.

كما بدأت تلوح في الافق بعض التقلبات في ظل اعتماد قرار الاحتياطي الفيدرالي على مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، والذي يعتبر مقياس التضخم الرئيسي، وتسجليه لمعدل نمو متسقاً مع التوقعات عند مستوى 0.5% على أساس شهري.

وصدرت على مدار الأسبوع العديد من البيانات الاقتصادية المتفرقة والتي شملت بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر عن معهد إدارة التوريدات الأمريكي لقطاعي الصناعة والخدمات، والتغيرات التي طرأت على تقرير الوظائف الصادر عن ADP، وأحدث معدلات البطالة قبل موعد شهادة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الأربعاء.

انعكاس التداعيات

أدت الضربات الجيوسياسية إلى تأرجح عائدات السندات وأداء الأسهم بعنف حيث قاربت مجال التصحيح قبل أن تنتعش أخيراً بنهاية الأسبوع.

وأنهت مؤشرات ستاندرد اند بورز 500 وداو جونز وناسداك 100 تداولات الأسبوع على ارتفاع نتيجة للمجموعة الأخيرة من العقوبات التي تم فرضها على الصادرات مما عزز مكاسب الأسهم. في حين تعرضت عائدات سندات الخزانة لضغوط شديدة على خلفية معارك الملاذ الآمن حيث أدركت الأسواق التطورات الجيوسياسية والارتفاعات الوشيكة لأسعار الفائدة.

وبلغ عائد السندات لأجل 10 سنوات1.96 % بينما استقر العائد على السندات لأجل عامين عند مستوى 1.57%.

أوروبا والمملكة المتحدة

فشل الازدهار الاقتصادي الذي شهدته أوروبا في الآونة الأخيرة في مكافحة المخاوف الناجمة عن التوترات، وأدى ارتفاع الأجور وتخفيف القيود المرتبطة بالجائحة إلى تعزيز الطلب الاستهلاكي مما أدى بدوره إلى تحسن بيانات مؤشر القطاعين الصناعي والخدمات في ألمانيا والحفاظ على معنويات المستهلكين القوية.

وترددت أصداء المخاوف من امكانية تسليح بوتين صادرات الغاز إلى دول الجوار وتدفق اللاجئين الأوكرانيين على الدول المجاورة.

وهناك حالة من الترقب لخطاب رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد في وقت لاحق من الأسبوع الحالي حول النزاع القائم والبحث عن دلائل تشير إلى ضرورة تعديل توقعات السياسة النقدية في وقت لاحق من هذا العام.

مزيد من التشديد

وعلى الجانب الآخر أصبحت الرؤية الاقتصادية قاتمة بسبب التشاؤم على الرغم من تحسن بيانات مؤشر مدير المشتريات لقطاعي الصناعة والخدمات بوتيرة أفضل من المتوقع.

وأحتفظ مسؤولو بنك إنجلترا بنبرة حذرة ومتشائمة مع الميل نحو نهج بطيء وثابت للسيطرة على التضخم مع تلاشي الرهانات على رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس الشهر المقبل.

وفي خطوة استباقية قبل تعرض مستويات المعيشة للضغوط بسبب أسعار الطاقة والضرائب، سلط أندرو بيلي محافظ بنك إنجلترا الضوء على المخاطر التضخمية الإضافية الناجمة عن التوترات الأوكرانية، مما ساهم في كبح جماح الثقة في الاقتصاد.

ترقب وتأهب

في أستراليا، كان النمو الاقتصادي متوازن بعد أن جاءت قراءة مؤشر مديري المشتريات لقطاعي الصناعة والخدمات أفضل بكثير من الشهر السابق بينما جاء نمو الأجور كما كان متوقعاً.

ويحرص الاحتياطي الأسترالي على تقييم البيانات الاقتصادية قبل اتخاذ أي إجراءات. علماً بان مبيعات التجزئة الشهرية ستصدر هذا الأسبوع قبل اجتماعهم المقبل.

وارتفع معدل النمو الاقتصادي لدولة الجوار، نيوزيلندا، مع تزايد مبيعات التجزئة حيث شرعوا في رفع أسعار الفائدة للمرة الثالثة وأعلنوا بدء خفض المشتريات التدريجي في يوليو من العام الحالي.

صراع بنك الصين

في ظل انعكاس التداعيات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 سلباً على النمو الاقتصادي، هذا بالإضافة على الصراعات الجيوسياسية، عزز بنك الشعب الصيني ضخ السيولة حيث أدى النزاع الحربي إلى جانب ركود سوق العقارات إلى اضطراب الأسواق.

وضخ بنك الشعب الصيني مبلغ صافياً قدره 290 مليار (48.5 مليار دولار) في السوق للحفاظ على استقرار مستويات السيولة في محاولة منه للسيطرة على نزيف الخسائر الذي قد ينتج عن العمليات البيعية المكثفة في السوق،نتعشت الأسهم الصينية بعد ضخ السيولة.

النفط

ارتفعت أسعار السلع الأساسية حيث قفزت أسعار النفط والذهب على نطاق واسع في ظل الاقبال على أصول الملاذ الآمن.

وتجاوزت أسعار النفط 100 دولار للبرميل مع صعودها على أمل دخول الامدادات الإيرانية سلسلة التوريد المتعثرة وتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالاستفادة من الاحتياطيات إذا لزم الأمر.

كما صعدت أسعار الذهب في ظل التقلبات الفوضوية التي شهدتها الأسواق بعد أن قفز إلى 1950 دولاراً للأوقية ليصل إلى 1,889.34 للأوقية.

Reuters