«أوبك بلس»… التزام رغم الضغوط

أقرت مجموعة «أوبك بلس»، التي تضم 23 دولة بينها روسيا، خلال اجتماعها بالفيديوكونفرنس الأسبوع الماضي، الالتزام بسياستها لاستقرار الأسواق، بزيادة الإنتاج لشهر مايو (أيار) 432 ألف برميل يومياً، مقارنة بالزيادات الشهرية السابقة 400 ألف برميل يومياً، وخلافاً لمطالب الدول الغربية الداعية إلى زيادات أعلى وأسرع للتعويض عن الإمدادات البترولية التي قاطعتها الدول الغربية بسبب حرب أوكرانيا. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية مقدار انخفاض الصادرات النفطية الروسية للدول الغربية، نتيجة قرارت الحظر والقرار الروسي الدفع بالروبل بدلاً من الدولار، ابتداء من أول شهر أبريل (نيسان) نحو من 2 إلى 3 ملايين برميل يومياً.
تختلف تقديرات المسؤولين في «أوبك بلس» عن معلومات ومعطيات وكالة الطاقة الدولية. فوجهة نظر المنتجين هي أن ارتفاع الأسعار إلى ما فوق 100 دولار قد سبق حرب أوكرانيا، كما أن إمكانية نقص من 2 إلى 3 ملايين برميل يومياً من الصادرات النفطية الروسية في هذه الأوضاع المضطربة كان سيرفع الأسعار إلى أعلى بكثير من 120 دولاراً. وموقف «أوبك بلس» هو أن أساسيات الأسواق لا تزال مستقرة وأن السبب في أوضاع السوق الحالية مرده تردي الأوضاع الجيوسياسية.
وبحسب البيان الصادر عن مجموعة «أوبك بلس»، «فإن أساسيات الأسواق الحالية وإجماع الآراء يشيران إلى توازن جيد في الأسواق، وإن الوضع المتقلب للأسعار لا يعود إلى تغير أساسيات السوق، بل إلى تطور الأوضاع الجيوسياسية الحالية». يكمن الهدف من هذه المعطيات في الاستمرار بتبني سياسة تدريجية شهرية لزيادة الإنتاج، للتعويض تدريجياً عما تم تخفيضه من الإنتاج عند هبوط الطلب خلال ذروة إصابات جائحة «كوفيد – 19»، وذلك للعودة لتوازن الأسواق. يؤكد قرار «أوبك بلس» نجاح التحالف البترولي الاستراتيجي السعودي – الروسي في تنسيق معدلات الإنتاج للأعضاء الـ23 في «أوبك بلس»، التي تضم بالذات أكبر دولتين منتجتين للنفط عالمياً، السعودية وروسيا، والتعاون القائم بينهما من خلال رئيس المجموعة وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان ونائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك.
من جانبه، قرر المجلس الوزاري لمنظمة «أوبك» التخلي عن استعمال أرقام الإنتاج لوكالة الطاقة الدولية ضمن المصادر الثانوية التي تعتمدها المنظمة، واستبدال أرقام الإنتاج للمؤسستين الاقتصاديتين «وود ماكينزي» البريطانية و«ريستاد إينرجي» النرويجية بها.
وقد اشتكت دولة الإمارات ودول منتجة أخرى من تسييس أرقام الإنتاج الصادرة عن الوكالة خلال الأشهر الأخيرة.
وفي ظل سياسات المقاطعة النفطية والمالية والتهديدات التي تطال كلاً من روسيا والصين، فإن دلت هذه المعطيات على شيء فهو بداية انتهاء نظام العولمة الاقتصادي الذي برز بعد انتهاء الحرب الباردة في الربع الأخير من القرن العشرين، حيث توسعت الأسواق الدولية والتجارة الخارجية والاستهلاك النفطي لتشمل التعاون الاقتصادي الذي كان جارياً بين الدول الغربية والشرقية.
من ثم، كيف يمكن في ظل أنظمة الحصار والمقاطعة والتهديدات التي، على ضوء التجارب، ستبقى مفروضة لفترة طويلة بعد انتهاء النزاع العسكري، استمرار انفتاح الأسواق والاستثمارات للشركات الروسية في بورصات نيويورك ولندن أو استثمار الشركات الغربية العملاقة في الاقتصاد الروسي؟ وما تأثير صدى هذه التهديدات الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا على دولة مثل الهند التي تحاول جاهدة توازن علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع واشنطن وموسكو في الوقت نفسه؟ وقد بدأت الشركات الروسية فعلاً منذ الآن في محاولة زيادة صادراتها النفطية بحسومات للهند رغم التهديدات الأميركية. وكانت قد استوردت نيودلهي نحو 100 ألف برميل يومياً من النفط الروسي العام الماضي، أو نحو 2.5 في المائة من مجمل الواردات النفطية للهند في عام 2021. لكن تعتمد الهند بصورة كبرى على استيراد المعدات العسكرية الروسية التي تشكل 85 في المائة من معدات الجيش الهندي. كما أن الهند عضو في تجمع مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا للحد من توسع النفوذ الصيني آسيوياً. لكن امتنعت الهند عن التصويت مؤخراً على مشروع قرار في الأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. ويشكل النزاع الحالي وانسحاب الشركات الغربية من روسيا، فرصة للشركات الهندية الضخمة للاستثمار في الصناعات الروسية.

وليد خدوري

الحياد النقدي أساسي لاسترجاع الثقة

بعصا سحرية وبصورة مفاجئة، بات الجميع حريصاً على ودائع اللبنانيين ويعمل على استرجاعها بطرق وهمية ووعود فارغة. يا للصدفة، بعد عامين ونصف العام على الجمود والإستهتار واللامبالاة في هذا الموضوع المؤذي، حيث يدفع الثمن الباهظ الشعب اللبناني الذي ينزف من دون توقف، إستيقظنا فجأة على أعمال دونكيشوتية ومسرحيات دراماتيكية وهمية، ووعود لم تنفّذ لاسترجاع الودائع اللبنانية.

إنّ استرجاع ودائع اللبنانيين بالحقيقة، ولا سيما الودائع المسجّلة بالدولار الأميركي، لا تتحقق إلاّ بالتركيز على أربع نقاط أساسية لإستعادة الدورة الإقتصادية وإستقطاب العملات الصعبة في السوق المحلية: المصدر الأول الطبيعي والمنطقي يأتي من قبل مَن يطبع العملة الخضراء وهي الولايات المتحدة. فمهما كانت قراراتنا وإتجاهاتنا السياسية لا حل في النهاية إلا أن يكون لدينا علاقات احترام وتبادل تجاري ودبلوماسي، مع البلد الذي يطبع الدولار. شئنا أم أبينا لا نستطيع مهاجمة الولايات المتحدة وشتمها يومياً ومن ثم محاولة جذب الدولارات. فالحياد الإقتصادي والتجاري والنقدي والمالي لن يكون خياراً لكن هو الأساس لإسترجاع الثقة والنمو الإقتصادي.

المصدر الثاني بالعملات الصعبة يأتي ممّن يستخرج البترول، وسائر المشتقات النفطية في العالم في ظل ارتفاع الأسعار الدولية، الذي سيخلق فائضاً كبيراً لدى هذه الدول المصدّرة. فالبلدان المجاورة لنا التي ستستفيد من هذه الفورة النفطية، هي البلدان العربية بامتياز. فسعر برميل النفط تجاوز الـ 140 دولاراً، لذا سيكون صعباً جداً للبلدان المستوردة أن تحافظ على توازنها المالي مثل لبنان. أما البلدان المصدّرة فستغرق بالفائض المالي والنقدي. والتحدّي الكبير هو استقطاب قسم من هذه العملات الفائضة وجذب إستثمارات لبلدنا والإتكال على هذا المصدر العربي والأخوي بإسترجاع أهم العلاقات والإستثمارات ودعم الدورة الإقتصادية.

المصدر الثالث لا يزال متمثّلاً في المغتربين اللبنانيين، هؤلاء الذين طُعنوا للمرة الأولى من قبل بلدهم الأم، حيث هُرّبوا من أرضهم، ثم طُعنوا للمرة الثانية، حين حُجزت وهُدرت وسُرقت أموالهم من قبل الدولة اللبنانية. فالهدف الأساسي اليوم هو إعادة بناء ثقتهم ليرجعوا ويستثمروا في بلدهم. فالتحويلات بالعملات الصعبة من المغتربين ستكون حبل الخلاص للإقتصاد شرط مصالحتهم مع بلدهم وإعادة بناء ثقتهم بمحبة وإخلاص.

المصدر الرابع والطبيعي يكمن في استرجاع الدورة الإقتصادية الطبيعية ولا سيما من خلال كل القطاعات الإنتاجية خصوصا الصناعة والتجارة، والسياحة والزراعة والخدمات. فالإقتصاد التقليدي سيبقى ركناً أساسياً لإعادة النمو، لكن علينا أن نركز أيضاً على اقتصاد المعرفة والإقتصاد الرقمي الذي سيكون ركن المستقبل في بلادنا ومنطقتنا والعالم. فتصريف سلعنا هو أساس استقطاب العملات الصعبة لكنّ تصدير معرفتنا ونجاحاتنا سيكون أيضاً مصدراً أساسياً لاسترجاع العملات الصعبة والودائع على المدى المتوسط.

في الخلاصة، إنّ هذه المسرحيات الدونكيشوتية والشعبوية التي تهدم ما تبقّى من الإقتصاد والثقة، وتضرب كل محاولات استعادة الدورة الإقتصادية لن تستقطب سنتاً واحداً من العملات الصعبة لكن ستُهرّب الكميات الضئيلة الموجودة في السوق اللبنانية. فإذا كان الهدف الأساسي هو استرجاع الودائع فلنُركز على استرجاع العملات الصعبة في سوقنا المحلية وليس تهريب ما تبقى منها بمغامرات ومسرحيات خيالية ووهمية، والتي ستُغرق سوقنا واقتصادنا نهائياً.

د. فؤاد زمكحل