العملات المشفرة: دخول تدريجي إلى عالم التسوق

تواصل العملات الرقمية المشفرة اكتساب شعبية متواصلة كأداة للتعاملات الشرائية في مجالات مختلفة، بدء من شركة تسلا التي أعلنت عن سياراتها مقابل العملات المشفرة، كما يعتمد شراء الرموز غير القابلة للاستبدال “NFT” باستخدام عملة مشفرة أيضا، وهناك توسع في استخدام العملات هذه العملات بشكل أكبر في المستقبل، حيث تشكل حاليا ما قيمته 1.6 تريليون دولار.

كما أعلنت روسيا، أخيراً أنها تدرس قبول عملة بيتكوين كوسيلة لدفع أثمان صادراتها من النفط والغاز، في ظل العقوبات الغربية التي فرضت عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.

ويرى متابعون أن هذه العملات قد تتحول في المستقبل إلى بديل للعملات الورقية بشرط أن تتوفر فيها عملية التقنيين وتتحول من التعاملات الفردية التي تحدث حاليا إلى النظام المؤسسي وأن تدخل إلى النظام المالي العالمي.

الحاجة إلى التقنين

الخبير الرقمي محمد فتحي، قال إن انتشار العملات الرقمية عالميا مرتبط باعتراف البنك الفيدرالي الأميركي بها، مما يعطيها الشرعية والرقابة القانونية عليها، ودون حدوث هذا الأمر سيكون الأمر في غاية الصعوبة وسيخضع لقرارات كل دولة من حيث إتاحة أو منع التعامل بالعملات المشفرة.

وأضاف فتحي، أن الرقابة حتى الآن في التعدين هي مشفرة ولا يستطيع أحد التحكم بشكل منفرد في تعدين العملات، والحكومات لا تشارك فيها عبر البنوك الحكومية.

وتابع أن “قرار الشركات التي أعلنت تعاملها بالعملات المشفرة هو أمر خاصة بها، حيث أنها تطمح إلى تحقيق الربح عبر الاستثمار في شراء هذه العملات ثم إعادة بيعها بشكل أكبر مما يحقق لها أرباح طائلة في وقت قصير، مثلما حدث مع شركة تسلا”.

مخاطر كبيرة

الخبير الاقتصادي، وضاح الطه، يرى أن المخاطر الخاصة بالعملات المشفرة هي من أين تكتسب تلك العملات قيمتها، حيث أن سوق العملات يحتوى حاليا على 10200 عملة لا نعرف منهم إلا رقم ضئيل، وهناك أيضا مخاوف من أن نظام التشفير هذا قد يساعد في عمليات غسيل الأموال ونقلها من جهة إلى أخرى بشكل غير قانوني، كما أنها تعاني من شدة التذبذب في قيمتها خلال فترات قصيرة، إضافة إلى عدم وجود احتياطي يساعد في تقييم السعر، وقيمة العملة مستمدة من الإقبال عليها فقط.

ويضيف الخبير الاقتصادي، أن عملة مثل “بيتكوين” متاح منها 21 مليون قطعة، المصدر منها 18 مليون فقط، إضافة إلى أنها عملة تستهلك طاقة بشكل كبير للغاية، وهي مقيمة بهذه القيمة العالية بسبب كثرة المؤسسات التي تعرض بيع منتجاتها بهذه العملة، في ظل عدم توفر عدد كبير متاح منها وفق مبدأ العرض والطلب، فالطلب كبير عليها في وقت أن أعدادها محدودة.

وهو ما يتفق معه، الخبير الرقمي محمد فتحي، الذي أشار إلى أن أسعار العملات المشفرة متغيرة بشدة لأن عملية تعدينها وإنتاجها بطيئة جدا، حيث تخضع لعمليات حسابية معقدة ولوغاريثمات كثيرة وشفرات طويلة تتطلب استخدام أجهزة كبيرة ونظم برمجه وأفراد يعملون عليها من أجل إنتاج بيتكوين واحدة، في ظل زيادة الطلب عليها وهذا هو الأمر الذي يستبب في بلوغ هذه العملات مستويات قياسية.

استهلاك الطاقة

مؤسس موقع “ديجيكونوميست” والخبير في العملات المشفرة، أليكس دي فريس، قال إن الحاسبات المعقدة التي تحتاجها عملية تعدين البيتكوين، لا تُستخدم في أغراض أخرى، ما يعني استهلاك إضافي للطاقة.

ووجدت ورقة من عام 2018 من معهد أوك ريدج في أوهايو أن تعدين عملة بيتكوين بقيمة دولار واحد تستهلك 4.7 كيلوواط من الطاقة، أي أكثر من ضعف كمية الطاقة اللازمة لتعدين النحاس والذهب والبلاتين بقيمة دولار واحد.

وذكرت دراسة أخرى من المملكة المتحدة، نُشرت في العام الماضي، أن طاقة الحاسب المطلوبة للتعدين تضاعفت أربع مرات في عام 2019 مقارنة بالعام السابق له، وأن التعدين كان له تأثير في الأسعار في بعض أسواق الطاقة والمرافق.

ووفق دراسة أجريت من قبل مؤشر استهلاك البيتكوين للكهرباء بجامعة كامبريدج، فإن الآلات التي تستخدم العملة المشفرة تتطلب طاقة أكبر من تلك التي تستهلكها هولندا، البلد الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 17 مليون نسمة.

سوق متذبذب

وتحتل الصين حالياً نسبة كبيرة في تعدين البيتكوين، حيث يوجد أكثر من 65 بالمئة من عمال تعدين البيتكوين في الصين، تليها الولايات المتحدة وروسيا بنسبة 7 بالمئة.

أستاذ التمويل والاستثمار بالقاهرة الدكتور مصطفى بدرة، يقول إن “مرجعيات سوق العملات الرسمية مرتبطة بعدة عوامل، من بينها الأداء الاقتصادي للدولة صاحبة العملة.. وكذا مرجعيات سوق النفط، الذي يتحدد سعره بناءً على منظومة الأوبك وحجم العرض والطلب سواء بالزيادة أو النقصان.. لكن الوضع مختلف في سوق العملات الرقمية التي تتفاقم فيها عملية المضاربة وعادة ما يكون المشجعين لارتفاعاتها والترويج لها أنها آمنة هم المضاربون أنفسهم”.

ويضيف بدرة، أن “نسبة المخاطرة المرتفعة في تلك العملات تأتي أيضاً من إمكانية تدخل العنصر البشري بصورة مباشرة فيها، سواء بالتحويلات أو الأنشطة والعمليات غير المقننة دولياً، وهو ما يفسر تراجعاتها ثم ارتفاعاتها المفاجئة”.

الكابيتال كونترول هدية ملغومة أو إصلاح بنّاء؟

«الكابيتـال كونترول» هو مجموعة ضوابط وقيود إستثنائية ومؤقتة تضعها الحكومة ويقرّها مجلس النواب بموجب قانون لضبط تهريب الرساميل والعملات في الأزمات لتحقيق الإستقرار النقديّ والماليّ، والحدّ من حالات الهلع والذعر.

جاء المشروع الأخير لقانون الكبيتال كونترول متأخراً كثيراً، بعد اكثر من سنتين ونصف السنة من المراوحة وضياع الوقت بسبب عدم الواقعية بالدرجة الأولى، وايضا لأسباب مشبوهة وخصوصاً لطمر الرأس في التراب وعدم مواجهة وعدم إدارة أكبر أزمة إقتصادية في العالم.

 

لا شك في أنّه لا يوجد مشروع «الكابيتال كونترول» ومن المستحيل إقرار مشروع ينال موافقة ودعم جميع الأفرقاء. فبعد مرور فترة زمنية طويلة على بداية الأزمة، إن الهدف الأساسي هو ضبط العملات الصعبة في البلاد شرعياً ورسمياً وعادلاً، وعدم تحويلها الى الخارج باستثناء ما هو مرتبط بالقضايا الإستشفائية والضرائب والتعليم وخصوصا التجارية والصناعية. لكن المهم عدم المَس بما يسمّى «الفريش كاش» وعدم إقرار أي ضوابط عليها لأن ذلك سيُهرب كل المستثمرين والاستثنارات.

 

من جهة أخرى من المهم جداً أن يكون هناك لجنة لتنفيذ وملاحقة هذا المشروع مكوّنة من مدقّقين مستقلين دوليين وليس من أصحاب المصالح الداخلية.

 

كما يجب أن يتزامن هذا المشروع مع إعادة هيكلة المصارف وعودة الثقة بالقطاع المصرفي لأنه من دون القطاع المالي والنقدي لا يوجد إقتصاد ولا تبادل تجاري ولا تصدير ولا إستيراد. الجدير بالذكر أيضاً أن على هذا المشروع أن يُطبّق لفترة محددّة وإستثنائية تتزامن مع إصلاحات جديّة، وليس لفترة طويلة، وأن يكون محفّزاً للإقتصاد، فلا يتعارض مع النظام الليبرالي الحرّ الذي يتمتع به ويعتمده لبنان، وأن يُقيم المساواة بالتعامل بين كل اللبنانيين، ونشدد على اننا متمسكون بالاقتصاد الحر والتبادل التجاري وسنواجه اي محاولة لجَرّنا الى اقتصاد موجه لا يشبه لبنان ولا تاريخنا ولا جذورنا.

 

فالكابيتال كونترول هو شر لا بد منه لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، أما في لبنان فيكمن أيضاً بالتنفيذ والملاحقة.​

د. فؤاد زمكحل