لماذا يجمع ســلامة الدولارات في الخزنة؟

لماذا يجمع حاكم مصرف لبنان الدولارات من السوق، رغم علمه المسبق انّ عملية الجمع هذه تزيد الضغوطات على الليرة، وقد ساهمت في إعطاء دفع إضافي لارتفاع الدولار الذي وصل اليوم إلى مستويات الـ40 الفاً، ويتجّه إلى الـ50، وفق مسار تصاعدي سريع نسبياً.

إحتاج الدولار في السوق السوداء الى حوالى 18 يوماً، لكي يعود الى السعر الذي بلغه في الفصل الاخير من تشرين الاول الماضي، قبل ان يذيع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بيانه الشهير مساء 23 تشرين، ويعلن فيه التوقّف عن شراء الدولار من السوق، والاكتفاء ببيعه عبر منصة «صيرفة». نجح البيان في إسقاط الدولار في ساعة واحدة إلى 36 الف ليرة، اي ما نسبته 10%. ومن ثم بدا وكأنّ الدولار ثبُتَ على سعر متماوج بمعدل وسطي بلغ 37 الف ليرة. لكن هذا «الثبات» سقط بعد بضعة ايام، وعاد الدولار الى مسار تصاعدي، ولو بطيء نسبياً، ليعود اليوم الى المستوى الذي بلغه قبل بيان 23 تشرين.

 

ما الذي جرى في الايام الـ18 التي تفصل بين هبوط الدولار المفاجئ، وعودته إلى مستوياته السابقة؟ وهل تتجّه العملة الخضراء إلى مستوى الـ50 الفاً، ام انّ المفاجآت التي قد تغيّر المسار، كما حصل في 23 تشرين واردة في حسابات مصرف لبنان؟

 

ما تبيّن من خلال الارقام التي ينشرها مصرف لبنان، انّ احتياطي العملات لديه لا يزال يرتفع. وقد نجح في غضون شهرين تقريباً، في جمع اكثر من 600 مليون دولار. هذا الأمر لافت، لجهة حجم السوق الحرة. اذ يُبيّن انّ حجم السوق الحرة اكبر من التقديرات السائدة. وهذا الامر ايجابي في مكانٍ ما، لأنّه يعكس وجود تدفقات مرتفعة نسبياً من الدولارات الى السوق، بما يعطي الأمل في انّ التعافي، فور البدء في تطبيق خطة إنقاذية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وبمواكبة ورعاية دولية، سيكون اسرع من التوقعات المُستندة الى تجارب الدول.

 

في الموازاة، أظهرت التطورات انّ مصرف لبنان أحجم عملياً عن بيع الدولارات بعد بيان 23 تشرين، ويبدو انّه استمر في شراء الدولارات من السوق، ولو بوتيرة ابطأ مما كان يفعل قبل البيان. وباع كميات صغيرة من الدولار في هذه الحقبة عبر منصة «صيرفة». وهذا يعني انّ مصرف لبنان لديه مخطط لجمع العملة الصعبة وتعزيز احتياطه. وقد استفاد من مناخ الإشاعات في شأن احتمال خفض الدولار لأسباب سياسية، لشراء المزيد من الدولارات بأسعار «مُخفّضة»، نتيجة ارتفاع العرض في فترة من الفترات.

 

لماذا يعطي المركزي الأولوية لجمع الدولارات، ولو على حساب خفض القدرات الشرائية للمواطنين، الذين يواجهون مأزق ارتفاع نسب التضخم وارتفاع اسعار السلع بوتيرة غير مسبوقة، خصوصاً في ظلّ الارتفاع العالمي في اسعار المحروقات، ورفع تعرفة الكهرباء، والارتفاعات المتوقعة في اسعار الخدمات، تماهياً مع رفع سعر الدولار الجمركي ورفع سعر الصرف الرسمي إلى 15 الف ليرة.

 

في المعلومات والقراءات التحليلية، انّ مصرف لبنان يتحضّر لمرحلة ما بعد رفع أجور موظفي القطاع العام، ورفع سعر سحب الودائع إلى 15 الفاً، ورفع تسعيرة الدولار الجمركي، وإلى التداعيات المتوقعة فور بدء تطبيق مندرجات موازنة العام 2022 بعد نشرها في الجريدة الرسمية، والمتوقّع غداً الثلثاء. بالإضافة إلى عملية تمويل شراء الفيول للكهرباء، والتي ينبغي ان تتمّ وفق دولار «صيرفة».

 

هذه الإنفاقات الاضافية المتوقعة، خصوصاً بعد رفع سقف التحويل الى الدولار عبر «صيرفة» لموظفي القطاع العام للسماح لهم بقبض رواتبهم المضاعفة 3 مرات بالدولار، ستضطر المركزي إلى بيع المزيد من الدولارات.

 

ويبقى السؤال عن المسار الذي سيأخذه الدولار بعد نشر الموازنة وبدء تطبيق مندرجاتها؟

 

لا شك في انّ المشكلة الرئيسية التي سيواجهها مصرف لبنان تتعلق بحجم الخسائر المتوقعة بين الشراء من السوق على سعر 40 الفاً، والبيع عبر صيرفة على 30 أو 31 الفاً. وبالتالي، سيضطر المركزي الى الاستمرار برفع سعر «صيرفة» لتخفيف الضغوطات على احتياطي العملات لديه، وكلما خفّف مصرف لبنان الضغط على احتياطه، زاد الضغط المعيشي على اللبنانيين. هذه هي المعادلة الظالمة للجميع، والتي لا يمكن تغييرها قبل تغيير المشهد العام والانتقال الى مرحلة الإنقاذ والتعافي.

 

يبقى أنّ المفاجآت واردة دائماً، وليس مستبعداً ان يلجأ المركزي، وبدلاً من رفع سعر «صيرفة»، إلى ضخ كمية من الدولارات في السوق، بما يؤدّي الى خفض سعر الدولار، واستقراره نسبياً لفترة محدّدة. لكن كل القرارات لن توقف مسيرة الخراب، طالما انّ المسار الانحداري للوضع العام في البلد لم يتوقف.

انطوان فرح