بدءُ سنة 2023 بعوائق 2022 ذاتها المتفاقمة

طُويت صفحة 2022، الكارثية والسوداوية والتي ستُسجّل في التاريخ كأصعب سنة في تاريخنا الإقتصادي، والإجتماعي، والمالي، والنقدي وحتى السياسي. وفُتحت صفحة سنة 2023 منذ أسابيع عدة، مع آمال وإرادة في ظل الآمال المتراكمة والمتفاقمة.

لسوء الحظ لسنا مُنجّمين، لكننا ننظر إلى العُلا والآفاق بواقعية وموضوعية. إننا كرجال وسيدات أعمال واقتصاديين وأكاديميين، نعمل ونبني توقعاتنا وفق الأرقام والنتائج والوقائع وليس من أهدافنا، لا التفاؤل ولا التشاؤم، لا بل بناء رؤيتنا على أرضية ثابتة.

 

إن سنة 2022 كانت عناوينها الأبرز سنة إنتخابية، وسنة الإصلاحات مع صندوق النقد الدولي، وسنة التغيير، وسنة مواجهة أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية، وسنة إعادة الهيكلية الداخلية.

 

على صعيد الإنتخابات، جرت الإنتخابات النيابية لكن من دون أي تغيير يُلحظ، وباتت الأحزاب والأقطاب عينها تدير المنصة التشريعية، كما كانت في الماضي، كأنه لم يتغيّر شيء. أما الناخبون فكانوا خجولين، كأنهم فقدوا أي آمال أو حتى أي رغبة بالتغيير الحقيقي، وباتوا يلحقون بعلم أو بجهل، المسؤولين المباشرين وغير المباشرين بغية تدبير حياتهم ونسبة عيشهم، وحتى تدبير لقمة العيش الكريم.

 

أما على صعيد انتخاب رئيس جمهورية جديد، فقد بات الفراغ سيد الموقف، والديموقراطية الحقيقية محجوبة، والديموقراطية التوافقية، هي بالحقيقة ديموقراطية الجمود والشلل والضغوط. فالمرحلة الأولى لم تؤد إلى أي نتيجة تُذكر، لكن إلى فراغ نبدأ به سنة 2023 من دون أي نظرة أو رؤية إيجابية في هذا الخصوص.

 

التشنُّجات والخلافات السياسية، يُتوقّع أن تجرّنا في سنة 2023 بعد أكثر في هذه الرمال المتحرّكة والمُغرقة، للشعب والإقتصاد، وليس هناك أي توقعات واقعية لإنتخاب رئيس للجمهورية على المدى القصير.

 

أما على صعيد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والإصلاحات المرجوّة، فلم يتحقق أي إصلاح منها حتى اليوم. فالكل يتسابَق على المحاور والمنصّات، ليطلب ويَعِد بمشروع إنمائي، وإستثماري وتمويلي مع الصندوق، لكن وراء الستارة، المسؤولون عينهم يطعنون يومياً بكل الإصلاحات المطلوبة، وليس هناك أي مفاوضات جدّية مع المانحين. كأنهم لا يُريدون أي تدخُّل لأي جهة دولية بإدارتهم الغامضة والفاسدة. لأنه من الواضح أنه إذا كان هناك أي تمويل عبر صندوق النقد الدولي، فإن هذا سينتج عنه تدقيق في كل الوزارات والمرافىء والمرافق ومؤسسات الدولة، وسيقطع الطريق على الكثير من الفساد والفاسدين.

 

أما في موضوع إعادة الهيكلية الداخلية، والإستراتيجية الإنقاذية، في سنة 2022 كانت كل المحاولات حبراً على ورق، من دون أي نيّة حقيقية، أو إرادة بنّاءة. أما في سنة 2023 فقد هُدرت فيها الأوراق والأحبار، وبقيت الأوهام والوعود الكاذبة من دون أي نيّة لإعادة هيكلية داخلية، لإعادة النهوض.

 

أما العالم من حولنا، فقد تغيّر ويتغيّر يوماً بعد يوم، وكل الإتفاقات والتحالفات الإقتصادية وحتى السياسية، يُعاد النظر فيها، فيما نشوة رسم طريق حرير جديدة، وإتفاق بين الصين والسعودية، وحرب باردة بين الولايات المتحدة وروسيا، وركود إقتصادي في أوروبا، وتضخم عالمي، كله سيتفاقم في سنة 2023.

 

أما في لبنان، فإننا نشهد استمرار الإستراتيجيات التدميرية ذاتها، وإستراتيجية الجمود والشلل التي تدفعنا إلى الوراء، وتحفر في النفق الغامض ذاته نحو الظلام وليس نحو النور.

 

وقد بدأنا منذ أسابيع سنة 2023 بنفس المشاكل المالية والنقدية والإقتصادية المتراكمة والمتأزمة، وتزايد في التعقيدات السياسية، لكن بوضع أصعب، مالياً ونقدياً، واقتصاد متهالك، وشعب مهزوم ومدمّر، واحتياط يُستنزف يوماً بعد يوم، في ظل تعاميم عشوائية، وألاعيب لكسب الوقت، وتداول السيولة عينها بين الأيادي، لتخبئة الإنهيار المتزايد.

 

فسنة 2023 ستشهد إعادة هيكلة القطاع الداخلي، وبعض القطاعات المنتجة، بدولرة تامة، أما على صعيد القطاع العام، فسيكون من الصعب وجود أي تطبيق جدّي للموازنة الضريبية، التي ستضرب الإقتصاد الأبيض وتُفاقم الإقتصاد الأسود، وإقتصاد التهريب، وإقتصاد الكاش، وهو من أخطر إقتصادات العالم، الذي يُمكن أن يؤدي إلى عقوبات كارثية على بلادنا.

 

لا شك في أن بعض القطاعات إستطاعت إعادة هيكلتها، وحتى إعادة نهوضها، لكن لا يُمكن أن نتحدّث عن إعادة نهوض من دون توحيد سعر الصرف تحت منصة رسمية واحدة ومراقبة. ولا يُمكن أن نتحدث عن إعادة الإنماء من دون قطاع مصرفي ومالي جديد، يُمكن أن يُموّل الإقتصاد والتطوير والتنويع.

 

في الخلاصة، نبدأ سنة 2023، بنفس مشاكل وأزمات سنة 2022، لكن بإرهاق الشعب والشركات والإقتصاد، وليس علينا التركيز على المشاكل عينها التي ليس هناك نية لإصلاحها، لكن علينا أن نركّز على قصة نجاح واحدة، لإعادة الثقة، ووضع الحجر الأساس لإعادة النهوض. فالمشروع الوحيد المرجو هو بناء مشروع B.O.T (BUILD OPERATE TRANSFER) والتي تعني البناء، والتشغيل والتحويل، مع شركات دولية، لكهرباء لبنان، وهذا يعني إستقطاب تمويل خارجي بتشغيل هذه المؤسسة المهترئة، للسنوات المقبلة. فتأمين الكهرباء للشعب ضروري، حيث لم يعد يستطيع دفع سعر مولّدات المافيات.

 

ومن قصة النجاح هذه، يُمكن أن نبني عليها نجاحات جديدة، وخصوصاً في الضمان، والمستشفيات الرسمية، والمدارس والجامعات الحكومية. فعوضاً من أن نبدأ سنة 2023 بفشل سنة 2022، فلنبدأها بقصص نجاح واضحة وبنّاءة ونامية.

د. فؤاد زمكحل