مؤشر الدولار الأمريكي DXY وعلاقته بسعر البيتكوين

مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) هو مؤشر مالي يقيس القوة النسبية للدولار الأمريكي مقابل مجموعة من العملات الأجنبية الرئيسية، وهي اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والدولار الكندي. يتم حساب قيمة المؤشر من خلال حساب متوسط ​​قيمة الدولار الأمريكي مقابل هذه العملات الأجنبية، ويستخدم المؤشر عادة كمقياس لأداء الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية. عندما يرتفع المؤشر، فإن ذلك يعني أن الدولار الأمريكي يتحسن مقابل العملات الأجنبية، وعندما ينخفض المؤشر، فإن ذلك يعني أن الدولار الأمريكي يتراجع مقابل هذه العملات.

علاقة مؤشر الدولار الأمريكي بسوق الأسهم والفوركس:

يمكن أن يؤثر مؤشر الدولار الأمريكي بشكل كبير على سوق الأسهم وسوق الفوركس، وذلك لأن الدولار الأمريكي هو العملة الأكثر استخداماً في التجارة العالمية وهو العملة الاحتياطية الأساسية. وعلى الرغم من أن هناك عوامل أخرى تؤثر على الأسواق المالية، إلا أن مؤشر الدولار الأمريكي يعتبر مؤشراً هاماً يتم متابعته بشكل واسع.

في سوق الأسهم، عادة ما يرتبط ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي بتراجع أسعار الأسهم، حيث يؤدي تحسن الدولار الأمريكي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وتقليص السيولة المتاحة في الأسواق. وهذا يجعل من الصعب على الشركات الحصول على الأموال اللازمة لتمويل نشاطاتها واستثماراتها، مما يؤثر على أسعار الأسهم.

أما في سوق الفوركس، يمكن أن يؤثر مؤشر الدولار الأمريكي على أسعار العملات الأخرى، حيث يرتبط ارتفاع المؤشر بانخفاض أسعار العملات الأخرى مقابل الدولار الأمريكي. ويمكن لذلك التأثير على تجارة العملات وتحويلات الأموال الدولية.

ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هناك عوامل أخرى كثيرة تؤثر على الأسواق المالية، مثل السياسة النقدية والاقتصادية والأحداث العالمية والجيوسياسية، ولذلك من المهم مراقبة هذه العوامل أيضاً عند تحليل الأسواق المالية.

علاقة مؤشر الدولار الأمريكي بعملة البيتكوين وسوق الكريبتو :
يمكن أن يؤثر مؤشر الدولار الأمريكي بشكل غير مباشر على عملة البيتكوين وسوق الكريبتو بشكل عام، وذلك لأن البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى تتداول بشكل عالمي وتعتبر مرتبطة بالعملات الرئيسية، بما في ذلك الدولار الأمريكي.

على سبيل المثال، عندما يرتفع مؤشر الدولار الأمريكي، فإن ذلك يعني تحسن قوة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى، ويمكن أن يؤدي هذا إلى تقليل جاذبية البيتكوين عند المستثمرين وبالتالي انخفاض شهيتهم للشراء وبالتالي قد يؤثر ذلك ويؤدي لاتخفاض الأسعار، حيث قد يفضل المستثمرون شراء الدولار الأمريكي بدلاً من البيتكوين لتحقيق أرباح أكبر. وعلى العكس، عندما ينخفض مؤشر الدولار الأمريكي، فإن ذلك يعني تراجع قوة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى، ويمكن أن يزيد من جاذبية البيتكوين كاستثمار بديل وبالتالي ارتفاع الأسعار.

علاقة غير مباشرة الأحداث الاقتصادية والسياسية العالمية يمكن أن تؤثر أيضًا على مؤشر الدولار الأمريكي وعلى عملة البيتكوين وسوق الكريبتو بشكل عام. فعلى سبيل المثال، إذا حدث تدهور في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة ودول أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي وزيادة جاذبية البيتكوين كاستثمار آمن: أو كما حدث مؤخرا عندما اندلعت أزمة البنوك الأمريكية مما أدى إلى تهافت المستثمرين إلى الذهب والبيتكوين وارتفاع أسعارهما.

ومع ذلك، يجب توضيح أن سوق الكريبتو يتميز بالتقلبات الشديدة، ويتأثر بعوامل عديدة أخرى بالإضافة إلى مؤشر الدولار الأمريكي، مثل المعروض والعرض والطلب على البيتكوين والتنظيم والأحداث الهامة في مجال العملات الرقمية. وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد علاقة ثابتة ومحددة بين الدولار الأمريكي والبيتكوين وإنما هي علاقة غير مباشرة.

في الختام باختصار، يمكن أن يؤثر مؤشر الدولار الأمريكي بشكل غير مباشر على عملة البيتكوين وسوق الكريبتو بشكل عام، حيث تعتبر البيتكوين أحد الأصول البديلة التي يمكن للمستثمرين اللجوء إليها في حالة عدم استقرار الأسواق المالية التقليدية. وعلى الرغم من أن مؤشر الدولار الأمريكي ليس العامل الوحيد الذي يؤثر على عملة البيتكوين، إلا أنه يعتبر عاملاً هاماً يجب مراقبته، حيث يمكن أن يؤدي تغير قيمة الدولار الأمريكي إلى تغير في جاذبية البيتكوين كاستثمار بديل. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن سوق الكريبتو يتأثر بعوامل كثيرة أخرى، ويتميز بالتقلبات الشديدة، ولذلك يجب مراقبة جميع العوامل الأخرى التي تؤثر على هذا السوق.  Crypto Horizon

شريحة “معيّنة” تشتري الذهب في لبنان… فهل استثمار هذا المعدن آمن؟

برز في الفترة الأخيرة اهتمامٌ كبير محلياً وعالمياً بالـ”#المعدن الأصفر”، الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة عدم الاستقرار العالمي، فتخطّت “#الأونصة” الألفي دولار أميركي، مع توقعاتٍ بمواصلة #الذهب تحقيق المكاسب.
ويلحظ هذا القطاع في #لبنان حركة نشطة، بحسب الجواهرجية، الذين يؤكدون بمعظمهم أن الأسواق تشهد طلباً واسعاً على الذهب، خصوصاً “الأونصة”، بعد جمود طويل نتيجة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد. فما سبب هذا التهافت؟
نقيب معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان، بوغوص كورديان، أكد أن “المعدن الأصفر” له أهمية بالغة ليس فقط الآن إنّما عبر التاريخ، لكونه “الملاذ الآمن” والعنصر الأساسي لحماية الاقتصاد ومواكبة عملية التضخم المالي.
وأضاف لـ”النهار” أن الوضع الاقتصادي العالمي يضغط باتجاه ارتفاع سعر الذهب، فتهافُت الناس جاء نتيجة الحرب الأوكرانية – الروسية والخوف من حروب إقليمية وعدم استقرار الاقتصاد العالمي بعد إفلاس عدد من المصارف، ممّا يُنشّط البورصة، ويرفع الطلب على الذهب، فترتفع حينها الأسعار لتصل إلى ما هي عليه اليوم.
اللبنانيون يستبدلون “الكاش” بالذهب
على الصّعيد المحلي، اعتبر كورديان أن شراء اللبناني للذهب جاء نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي، فعمد كثيرون، خصوصاً الفرد “المتموّل”، إلى استبدال العملة الورقية بـ”العملة الصفراء” الأكثر ضماناً، ومن لديه “الكاش” في داخل منزله أقدم على “تحجيم” جزء منه واستبداله بالأونصة، أما من استطاع تهريب أمواله إلى خارج البنوك فحمى نفسه بشراء الذهب.
ولفت إلى أن استمرار صعود الذهب مرتبط بعاملين: العرض والطلب من جهة، والاستقرار العالمي من جهة أخرى، مشيراً إلى أن الذهب اليوم يتأثر كثيراً بسرعة انتشار الخبر، في حين استقرّت “الأونصة” قبل الحرب العالمية الأولى وما بعدها، أي بحدود 32 عاماً، على سعر 18 دولاراً أميركياً بسبب غياب سرعة الخبر.
احتياطي مصرف لبنان
ومع الحديث عن المساس باحتياطي المركزي من الذهب الذي هو عبارة عن كمية من السبائك الذهبية التي يحتفظ بها المركزي، عاد كورديان إلى عام 1996، وأعطى مثالاً عمّا كان يجري حينها عبر اقتراح عدد من النواب بيع المخزون للخروج من الأزمة، فكانت “الأونصة” حينها بـ250 دولاراً فيما وصلت اليوم إلى أكثر من ألفين.
واعتبر أن بيع الاحتياطيّ يعني أننا “أصبحنا في الهواء”، واقترح حينها تأجير قسم منه للصناعات المحلية التي تحتاج إلى تمويل، فتلجأ بهذا العرض إلى استدانة الذهب عوض المال، ولكن “بحماية ورهن” كي تحافظ الخزينة على حالها، ويُعاد شراء الذهب بفوائد الدين لزيادة المخزون.
وتوقّع كورديان أن تستبدل مستقبلاً الأوراق النقدية بالعملات الرقمية، فيما سيبقى الذهب هو الضمان الوحيد.
لا ثقة بالعملات الرقمية
 من وجهة نظر اقتصادية، اعتبر الخبير الاقتصادي والمالي إيلي يشوعي أن العملات الرقمية برهنت عن عدم استقرار لأنها “مجهولة المرجعية”، ولا يمكن للمستثمر أن يثق بها، فكان لا بدّ له من العودة إلى العملة الورقية.
وأضاف لـ”النهار” أن تأثّر العملة الورقية بعوامل عديدة منها الحروب، عدم الاستقرار، الكوارث الطبيعية وغيرها، دفعت بالأشخاص إلى اللجوء لملاذ آمنٍ، وهو بطبيعية الحال الذهب الذي يحافظ على قيمته.
ولفت إلى أن الفرد لم يعد يهتمّ بقيمة الفوائد لأنها تتآكل بفعل التضخم، وبات التفكير فقط في كيفية الحفاظ على رأس المال، خصوصاً مع توقّع تراجع النمو العالمي 3 في المئة عام 2023.
وأكّد يشوعي أنه “كلما زادت الصراعات، تطلّع الناس إلى الذهب”.
مَن يشتري الذهب؟
وعن الشريحة التي تشتري الذهب، أكد صاحب أحد متاجر الذهب في زحلة – البقاع أن اللبناني الذي يلجأ إلى تحويل مدّخراته إلى ذهب هو صاحب المصالح الذي يجني الأموال، كأصحاب الأفران والصيدليات وقطاع المحروقات، بالإضافة إلى التجّار ومن تأتيهم الأموال من الخارج كالسوري الذي يعتمد كثيراً على تحويل أمواله إلى ذهب، وذلك ليس الآن فقط إنما منذ عشرات السنين.
وأكّد لـ”النهار” أن سوق الذهب يشهد أحياناً شحّاً في السبائك والأونصة والليرات كلما ارتفع سعرها، بسبب احتكارها من قبل التجار الكبار في بيروت، فيما تراجع الإقبال على شراء الذهب المشغول بشكل لافت جداً.
واعتبر أن سعر الذهب اليوم منخفض مقارنة بسعره المستقبليّ، في إشارة إلى أن سعر صرف الدولار اليوم ليس كما كان عليه في عام 1990، حين بات يساوي “10 سنتات” مقارنة بالتسعينيات.
الاستثمار بالذهب وتحقيق العوائد
وجاء في تقرير لمجلة “فوربس” الأميركية أن أسعار الذهب شهدت ارتفاعاً عالمياً ملحوظاً في آذار 2023 بعد إعلان المركزي الأميركي رفع سعر الفائدة للمرة التاسعة على التوالي.
وتوقّع محلّلون أن يستمر الذهب في هذا الأداء، بل سيتفوّق على فئات الأصول الأخرى عام 2023 في ضوء مشكلات التضخم المستمرة، في حين يُتوقع أن ترتفع أسعار الذهب على المدى المتوسط والطويل إلى نطاق يتراوح ما بين 2040 و2080 دولاراً للأونصة.
ووفقاً للتقرير، رأى محلّلون آخرون أن أسعار الذهب ستنخفض، وأن نسبة المخاطرة ليست مواتية بالنسبة إلى الذهب في الوقت الحالي، ويعتقدون كذلك أن هذا الارتفاع جاء بدعم من حدثين قصيري الأمد، وهما انهيار بنك وادي السيليكون، والبيع غير المتوقّع لبنك “كريدي سويس” لبنك “يو بي إس”.
باختصار، من الصعب التنبّؤ بما إذا كان يتعيّن على المستثمرين شراء الذهب الآن لتحقيق العوائد، إلّا أن الإقدام على شراء هذا “المعدن الأصفر” لحماية تبخّر الأموال بفعل التضخّم، قد لا يوقع أي ضرر بالفرد أو بالمصلحة الشخصية.
كارلا سماحة

أميركا والصين وصناعة الرقائق

عندما أقام كبار المسؤولين الصينيين حفلات استقبال لعشرات من رجال الأعمال الأميركيين والأوروبيين في المنتديات الاقتصادية السنوية المتتالية الأسبوع الماضي، كانت الرسالة الواضحة هي أن الصين منفتحة على الأعمال التجارية والمشروعات.
لكن بحلول نهاية الأسبوع الماضي، أرسل المنظمون الصينيون بإشارة مختلفة تماماً، إذ أعلنت بكين الجمعة عن تحقيق في الأمن السيبراني في شركة «ميكرون تكنولوجي»، وهي شركة تصنيع رقائق أميركية من الطراز الأول. ويمثل هذا الإجراء، الذي توقعه كثير من محللي الصناعة، أكبر ضربة انتقامية للصين تجاه واشنطن بسبب حملتها لمنع وصول الصين إلى تصنيع الرقائق رفيعة المستوى.
وقالت هيئة مراقبة الإنترنت الصينية إنها تجري مراجعة لمنتجات «ميكرون» التي بيعت في البلاد لحماية أمن سلسلة توريد البنية التحتية للمعلومات. ووصف ماو نينغ، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، المراجعة بأنها «إجراء تنظيمي عادي» يركز على المنتجات التي قد تؤثر على الأمن القومي.
تنتج شركة «ميكرون تكنولوجي»، ومقرها مدينة بويسي، عاصمة ولاية آيداهو الأميركية، رقائق الذاكرة المستخدمة في الهواتف وأجهزة الكومبيوتر ومراكز البيانات والسيارات وغيرها من الإلكترونيات. وتتمتع الشركة بعلاقات طويلة الأمد في الصين، وتعتبر أيقونة أميركية رائدة في صناعة أشباه الموصلات العالمية. لكنها الآن وقعت في شراك الحملة الصينية التي تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا المتقدمة.
في هذا السياق، انتقد جيمس ريش، عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية آيداهو، التحقيقات الصينية في شركة «ميكرون»، قائلاً إنها محاولة لتقويض وضع الولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات.
وفي بيان، قال العضو الجمهوري ريش إن هذه الخطوة «تساعد الشعب الأميركي على رؤية الصين كما هي؛ عدوانية متنمرة لم تكن يوماً مهتمة بإبرام شراكة اقتصادية حقيقية».
تراجعت أسهم «ميكرون» ما يقرب من 6 في المائة منذ ذيوع الأخبار، وقالت «ميكرون»، في بيان، إن أعمالها في الصين تعمل كالمعتاد، وإنها «تتعاون بشكل كامل» مع السلطات.
تعكس الرسائل الرسمية المختلطة من الصين الحبل المشدود الذي يسير عليه قادة البلاد؛ حيث يحاولون دعم اقتصاد يكافح بعد إعادة فتحه مؤخراً بعد 3 سنوات من القيود الصارمة جراء الوباء، بينما يحاولون رسم صورة عدائية بشكل متزايد لواشنطن. في أحد احتفالات الأسبوع الماضي لرجال الأعمال الأجانب، منهم السيد تيم كوك من شركة «أبل»، تعهد رئيس الوزراء الصيني الجديد، لي تشيانغ، بأن «تواصل الصين فتح أبوابها على نطاق أوسع وأوسع».
وقال دان وانغ، الباحث الزائر في كلية الحقوق بجامعة ييل والمحلل التكنولوجي في شركة الأبحاث «غافيكال دراغونوميكس»، إن «الصين لا تخجل من استخدام تكتيكات متنوعة للتعامل مع الشركات الأجنبية»، مضيفاً: «أحياناً تبدو كمن تقول حسناً، إذا كنت لا تحب هذه الجزرة، فلدينا عصا كبيرة أيضاً».
جاء قرار الصين بوضع شركة «ميكرون» قيد المراجعة في أعقاب القيود الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة على صناعة أشباه الموصلات في الصين. استهدفت هذه الإجراءات، التي تم الكشف عنها في أكتوبر (تشرين الأول)، بعض المنافسين الصينيين لـ«ميكرون».
افتتحت «ميكرون» أول مصنع لها في الصين في عام 2007 بمدينة «شيان» حيث يعمل لديها ما يقارب 3000 موظف في جميع أنحاء البلاد في قطاعات خدمة العملاء والمبيعات والهندسة. وللشركة مركز في شنغهاي حيث يجري تصميم الرقائق، وكذلك مكاتب فرعية في بكين و«شنتشن».
في هذا الصدد، قال ستيف أبليتون، رئيس مجلس إدارة «ميكرون» السابق، في بيان، عام 2007: «يسعدنا أن نكون جزءاً متنامياً من صناعة التكنولوجيا في الصين».
لكن مع تكثيف خطة الصين الطموحة لأن تصبح منافساً عالمياً في التكنولوجيا، كانت «ميكرون» في بؤرة المنافسة التكنولوجية للبلاد مع الولايات المتحدة. في عام 2018، بدأت وزارة العدل الأميركية التحقيق مع شركات تصنيع الرقائق في الصين وتايوان بزعم سرقة أسرار تجارية من «ميكرون»، أقرت إحدى الشركات بالذنب، فيما لا تزال قضية أخرى قيد التحقيق.
خلال العامين الماضيين، أعطت ميكرون «إشارات واضحة للغاية» عن نيتها الحد من تعاملها مع الصين، بحسب السيدة هوي هي، مديرة وحدة أبحاث أشباه الموصلات الصينية بشركة «أومديا» لأبحاث التكنولوجيا.
قالت هوي: «كانت (ميكرون) واحدة من أكثر الشركات استجابة لسياسة الحكومة الأميركية»، لكنها أضافت أن الشركة لا تعتمد كثيراً على الصين؛ حيث شرعت «ميكرون» في تقليص أعداد الموظفين الصينيين وعمليات الإغلاق في مركز شنغهاي لتصميم الرقائق في يناير (كانون الثاني) 2022. وشأن كثير من صانعي الرقائق الغربيين، تتمتع «ميكرون» بحضور قوي في التصنيع في آسيا، بما في ذلك سنغافورة وتايوان، لكنها أعلنت مؤخراً عن خطط لبناء مصنع للرقائق بقيمة 100 مليار دولار في نيويورك، وهو ما وصفه الرئيس جو بايدن بأنه «أحد أهم الاستثمارات في التاريخ الأميركي».
استحوذت الصين الأم على ما يقرب من 11 في المائة من مبيعات الشركة في عام 2022، بتراجع قارب نصف مبيعاتها تقريباً قبل 5 سنوات، وفقاً لتقارير الشركة.
في أحدث تقرير للأرباح في مارس (آذار)، حذرت «ميكرون» المستثمرين من الحكومة الصينية قائلة: «قد تمنعنا من المشاركة في السوق الصينية أو تمنعنا من المنافسة بفاعلية مع الشركات الصينية». كما أكدت المخاطر التنافسية التي تواجهها من المنافسين الصينيين لأشباه الموصلات الممولين من الدولة.
وقال محللون في هذا القطاع إن الإجراء ضد «ميكرون» يهدف على ما يبدو إلى إرسال رسالة إلى صناع السياسة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة، مع مراعاة حماية الصناعة المحلية أيضاً. رحب المستثمرون في الصين بالأخبار، ما دفع أسهم شركات أشباه الموصلات المحلية إلى الارتفاع. وقال المحللون إن عملاء «ميكرون» الصينيين من المرجح أن ينقلوا طلبات التوريد من «ميكرون» إلى الموردين الصينيين في محاولة للتحوط من رهاناتهم.
لكن قضية «ميكرون» جاءت كتحذير للشركات الأجنبية، وتركت مستقبل «ميكرون» مهدداً، بحسب سام ساكس، زميل كلية الحقوق بـ«جامعة ييل»، الذي وصف مراجعة الأمن السيبراني بـ«الصندوق الأسود».
واستطرد قائلاً: «لا توجد معايير محددة يمكن الالتزام بها فحسب، بل ليست هناك نهاية محددة للعبة حال تم التقيد بمعاييرها، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير خطير».
اختتم ساكس قائلاً إن «كثيراً من الشركات تواجه الآن لحظة الحسم؛ هل يستحق عناء الوجود في هذه السوق الصعبة كل تلك التكلفة؟»

البحث عن الأسواق والنفوذ في العالم

في ضوء المنافسة الاقتصادية الدولية بين الصين وأميركا، وبحسب التقرير الذي أصدره مركز الأبحاث الأميركي والبنك الدولي ومعهد هارفرد كيندي ومعهد كييل للاقتصاد العالمي، فإنّ القروض التي منحتها الصين ارتفعت بين 2016 و2021، وهي الفترة التي تركّز فيها 80 في المائة من المبلغ الإجمالي الذي مُنح على مدى عشرين سنة، إذ إن الصين طوّرت نظام إنقاذ طرق الحرير الجديدة الذي يساعد الدول المستفيدة على تجنّب التخلف عن السداد ومواصلة تسديد قروضها على الأقل على المدى القصير، إذ إن هذه الحالات تكثفت في السنوات الماضية في إطار من ارتفاع التضخم ونسب الفوائد، وكذلك الأثر الاقتصادي لجائحة «كوفيد – 19»، ومقارنة مع صندوق النقد الدولي ودعم السيولة الذي يقدّمه «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي»، يبقى حجم قروض الإنقاذ التي تقدّمها الصين أقل مما تقدمة أميركا، لكنّه يزداد بسرعة، كما أوضحت الوثيقة.
قدمت الصين قروضاً وصلت نسبة الفائدة عليها إلى 5 في المائة في المتوسط، مقابل 2 في المائة لفوائد صندوق النقد الدولي، إذ إن الصين استهدفت عدداً محدوداً من المستفيدين المحتملين، إذ إن قروض الإنقاذ الصينية توجهت بشكل كبير لدول من طرق الحرير الجديدة ذات دخل ضعيف أو متوسط، والتي لديها ديون كبرى لدى المصارف الصينية، إذ وافقت الصين على إعادة جدولة قروضها مثلاً لسريلانكا، ممهدة الطريق أمام الإفراج عن خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار دولار.
إن المبادرة التي أطلقتها الصين تهدف إلى تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا وحتى أبعد من ذلك عبر بناء موانئ وسكك حديدية ومطارات ومجمّعات صناعية، وهذه البنى التحتية تتيح للصين الوصول إلى مزيد من الأسواق وفتح منافذ جديدة لشركاتها، إذ إن هذا المشروع الذي انضمت إليه أكثر من 150 دولة، ومن ضمنها 19 دولة عربية، يواجه انتقادات على الصعيد الدولي بسبب المديونية التي تعاني منها الدول الفقيرة.
يشار إلى أن الصين قدّمت على مدى السنوات العشرين الماضية 240 مليار دولار قروضَ إنقاذ إلى 22 دولة نامية تواجه خطر التخلّف عن سداد ديونها، وذهبت كل هذه الأموال تقريباً إلى دول تشكل قسماً من طرق الحرير الجديدة، لا سيّما سريلانكا وباكستان وتركيا.
وبحسب الوثيقة التي أطلقتها الصين تحت عنوان «نظام عالمي جديد لإنقاذ إقراض الدول المثقلة بالديون»، يظهر أن الصين تبنت أول مجموعة بيانات شاملة حول عمليات الإنقاذ الخارجية للصين بين عامي 2000 و2021، وتوفر رؤى جديدة لدورها المتنامي في النظام المالي العالمي، إذ إن خط المبادلة العالمية يتم من خلاله استخدام الشبكة التي وضعها بنك الشعب الصيني بشكل متزايد باعتباره آلية إنقاذ مالي لأكثر من 170 مليار دولار من دعم السيولة للدول التي تمر بأزمات.
يذكر أن الوثيقة تبين أن القروض الخاصة بالمقرضين الدوليين المعروفين بوصفها ملاذاً أخيراً، غير شفافة، وتحمل نسبياً أسعار فائدة مرتفعة، وتستهدف بشكل حصري تقريباً المشمولين بمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، حسب التقرير، إذ إن النتائج لها آثار على البنية المالية والنقدية الدولية، التي أصبحت متعددة الأقطاب وأقل مؤسسية وشفافية.
وهنا في هذا المقام، لا بد من تسليط الضوء على تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي، حيث ركزت على أنه على الدول التي تتمتع بوضع أقوى نسبياً، مساعدة الدول الضعيفة، خصوصاً تلك المثقلة بالديون، إذ إن مثل هذه المساعدة مهمة بشكل خاص في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملات.
وفي الختام، لا بد من التوضيح أن نظام القروض المتبع من أميركا والصين يأتي في سياق البحث عن الأسواق والنفوذ في العالم، والسعي نحو زيادة حجم الاقتصاد في كلا القطبين، علماً أن حجم الاقتصاد الأميركي يبلغ 23.3 تريليون دولار، ويمثل 24.1 في المائة من الاقتصاد العالمي، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بحجم اقتصاد 17.7 تريليون دولار ويمثل 18.3 في المائة من الاقتصاد العالمي عام 2021، وهو العام الذي بلغ فيه حجم الناتج المحلي الإجمالي في العالم 96.53 تريليون دولار، بحسب بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي.

د. ثامر محمود العاني
مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية – أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد سابقاً

استراتيجية ماكدونالدز

في بداية شهر أبريل (نيسان)، وبشكل مفاجئ، أعلنت «ماكدونالدز» إغلاق جميع مكاتبها الرئيسية في الولايات المتحدة لمدة أسبوع، وذلك استعداداً لإعادة هيكلة الشركة، وتسريح مئات الموظفين، مطالبة موظفيها بالعمل من المنزل وانتظار التعليمات التي قد تصل إليهم. بعد ذلك بأسبوع أعلنت الشركة عن تسريح عدد كبير من الموظفين، وتغيير الحوافز الوظيفية لبعض الموظفين والرواتب للبعض الآخر، محوّلة الأسلوب الذي تدار به الشركة من مكاتب إقليمية موزعة إلى مركز وطني واحد. الهدف من ذلك كله هو أن تكون «ماكدونالدز» بحسب وصف الشركة «أكثر ديناميكية وذكاء وتنافسية». فهل هذا الأسلوب جديد على الشركة؟ ولما ينظر إلى هذا التوقيت على أنه منطقي ومستغرب في الوقت نفسه؟
في نهاية عام 2022، كان عدد موظفي الشركة يزيد قليلاً على 150 ألف موظف حول العالم، 70 في المائة منهم خارج الولايات المتحدة، وفي الوقت الحالي ترى «ماكدونالدز» أن هذا العدد زيادة على حاجتها. وعند العودة سنوات إلى الوراء، يلاحظ أن تقليل الموظفين وزيادة كفاءة الأعمال أصبحا أشبه بالاستراتيجية لـ«ماكدونالدز». ففي عام 2014 وصل عدد موظفي الشركة إلى 440 ألف موظف، أي أكثر من ضعف العدد الحالي، وخفضت الشركة هذا العدد إلى 235 ألفاً بحلول 2017، وكانت حينها تفاخر بأنها تحقق الأرباح الهائلة بهذا العدد من الموظفين، حينها كان يُنظر إلى العدد بأنه منخفض، ولكنها مع ذلك استمرت في تخفيض عدد الموظفين إلى أن وصلت إلى العدد الحالي.
وعند مقارنة عدد الموظفين بسعر سهم الشركة، فقد كانت «ماكدونالدز» في عام 2014 تتباهى بأن أداء سهمها أفضل من السوق، بعدما وصل إلى 100 دولار، (قد تدنى في عام 2003 حتى سعر 12 دولاراً!) واليوم، وبعد عشر سنوات من زيادة كفاءة الشركة وتحسين عملياتها، التي صاحبها بكل تأكيد تخفيض في القوى العاملة، وصل سعر السهم إلى أكثر من 280 دولاراً! أي أن تخفيض عدد الموظفين لم يضر بالشركة كما كان متوقعاً، ولم يكن إشارة سلبية عن الشركة، كما يقال عن «ماكدونالدز» هذا الشهر بعد إعلاناتها.
توقيت هذا القرار يبدو منطقياً لعدة أسباب، منها أن الشركة، حالها كباقي الشركات، تحاول الاستعداد الاستباقي لمرحلة من الركود الاقتصادي المتوقع، والتأقلم مع التضخم الذي شمل سلاسل التوريد، ولا تريد أن تتأخر بالقرارات الصعبة حتى يبدأ الركود لأنها إن فعلت فسيكون قرارها إشارة سلبية للسوق في ذلك الوقت. كما أن «ماكدونالدز» تواجه منافسة شرسة من منافسين عدة، حيث إن هؤلاء المنافسين أصغر حجماً وأكثر قدرة على الابتكار في السوق، وصغر حجمهم يعطيهم المرونة للتغير بحسب متطلبات السوق، وهو ما لا تملكه «ماكدونالدز» ذات الـ37 ألف فرع حول العالم.
أما مبعث الاستغراب من إعلانات الشركة، فهو أن تخفيض عدد الموظفين جاء في وقت تفوقت فيه «ماكدونالدز» على نفسها، بأداء مالي رائع، وسعر سهم غير مسبوق، فقد ارتفعت مبيعاتها في عام 2022 بنحو 11 في المائة عن العام السابق، ووصل صافي الدخل في الربع الرابع لذلك العام إلى ما يقارب 1.9 مليار دولار، وهو أكثر بـ16 في المائة من الربع نفسه في عام 2021. والأكثر من ذلك، أن الشركة رصدت نحو 2.4 مليار دولار استثمارات رأسمالية لإنشاء 1900 فرع جديد في هذا العام.
إن استراتيجية «ماكدونالدز» كانت وما زالت لا تتبنى سلوك «ردة الفعل»، باتخاذ القرارات بعد انخفاض العوائد كما هي الحال مع الشركات التقنية، التي تعد صغيرة في العمر مقارنة بـ«ماكدونالدز»، ويبدو أن قِدِم الشركة كان له أثر في هذا السلوك الذي يعتمد في تخطيطه على استباق الأحداث واستشراف الأوضاع الاقتصادية. وقرارات الشركة في السابق أكبر دليل على أنها جاءت في الوقت الصحيح، فلو استمرت بعدد موظفي عام 2014 نفسه لما تحسن أداؤها ليصبح كما هو اليوم، ولضرتها التقلبات الاقتصادية بسبب زيادة الأعباء والتكاليف، ولكنها بالمقابل كانت أكثر مرونة بالتعامل مع الصدمات الاقتصادية، وكانت إحدى أكبر الشركات المستفيدة من فترة الجائحة. ولا شك أنها بتلك القرارات، كانت مثالاً في تحسين العمليات وزيادة الكفاءة، بتخفيض عدد الموظفين إلى أقل من النصف، وزيادة القيمة السوقية بأكثر من مرة ونصف المرة.

د. عبد الله الردادي

ما من عصا سحرية لمصرف لبنان.. حتى بالدولرة الإصلاح المالي شرط للاستقرار النقدي!…

تُعتبر الدولرة الجزئية كما هي الحال في لبنان منذ الأزمة النقدية في الثمانينات، مرتبطة من ناحية بعمليات التضخم المفرط الناتجة من طباعة النقد تلبية للحاجات التمويلية، لا سيما للقطاع العام، في ظلّ ضعف سائر مصادر التمويل، ومن ناحية أخرى نتيجة التضخم “المستورد” بفعل تدهور سعر الصرف واعتماد الاستهلاك بشكل أساسي على البضائع المستوردة. علماً أنّ الدولرة الجزئية التي تكون في الوقت نفسه مرتفعة وتُنسب إلى “إزدواجية العملة” (استخدام مشترك للدولار الأميركي والليرة اللبنانية في نفس الوقت مع طغيان الأول بتفوّق في الأسواق) ولا تشكّل سوى خيار مرحلي.. وبذلك، تكون الدولرة الجزئية وسيلة لتجنّب عيوب عدم استقرار العملة الوطنية في فترة معينة، وملجأ وسيطاً بانتظار حلّ جذري: إما استعادة الثقة بالعملة الوطنية وصدقية سياسة المصرف المركزي وقدرته على تأمين الاستقرار النقدي، التي يجب أن تؤدي تلقائياً إلى التحرّر التدريجي من الدولرة والعودة التدريجية للعملة الوطنية، وإما أن تؤدي إلى تعميم دولرة شاملة في حالة صعوبة استعادة الثقة في العملة الوطنية والاستقرار النقدي المنشود، من خلال سياسة الاستقرار التي تتلاءم مع خصوصيات الاقتصاد الوطني.

منذ أزمة الثمانينات في لبنان، شكّل معدّل الدولرة المرتفع تقييدًا أيضًا للمصرف المركزي وسياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والتي كانت مكلفة للاقتصاد، من دون ضمان الاستقرار الفعلي. والبرهان على ذلك، عدم انخفاض مستوى الدولرة عن حدود 67% في أفضل الأحوال التي مرّ فيها لبنان، حتى في ظل الـ 22 عامًا من تثبيت سعر الصرف، فيما كان يمكن الانتقال التدريجي إلى نظام أكثر مرونة ومتماهٍ، مع مؤشرات ميزان المدفوعات، وطبعًا بأقل كلفة من العجز الفجائي عن التدخّل وترك الساحة للسوق الموازي، لاسيما منذ بدء تسجيل تراكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ العام 2011..

من المعروف في الأدبيات العلمية كما في تجارب البلدان، أنّ نظام الربط الصارم لا يصح لمجرد حدوث أزمة في بلد معيّن، إنما يكون لبلدان تشهد أزمة ثقة مزمنة بعملتها وبكل السلطة السياسية والمالية والنقدية، ويتزامن ذلك مع أزمات سياسية وجيوسياسية وأحياناً أزمة هوية ودولرة جزئية مرتفعة وضعف في الاقتصاد وتركّزه على الخدمات أكثر منه على الانتاج وامكانيات التصدير… والدولرة الشاملة غير الرسمية تكون عادة مرتبطة بفترات صراع وأزمات تعرّض السيادة للخطر، كما حدث في تيمور الشرقية وكوسوفو قبل عام 2000. فيما تُظهر التجارب الدولية، أنّ الدولرة الشاملة الرسمية تكون أكثر نجاحاً، وغالباً ما تتبع فترة الدولرة غير الرسمية التي تفرض نفسها كأمر واقع تتقبّله وتنظّمه السلطات الرسمية، كما حدث في الإكوادور في عام 2000. ويمكن إدخالها مباشرة مع ظهور كيان سياسي جديد (الجبل الأسود وكوسوفو في عام 2002).

فالدولرة الشاملة تتميز بطابعها النهائي (غير القابل تقريبًا للرجوع عنه). واذا كانت المزايا الرئيسية للدولرة تنبع من صدقيتها في الدولرة الكاملة، مرادفة بالنسبة للدولة لخسارة أرباح طباعة العملة الوطنية seigneuriage (الناتج بشكل أساسي من الفرق بين تكلفة إنتاج العملات المعدنية والورقية وقوتها الشرائية، وهي عملياً، إذا تجاهلنا الحدّ الأدنى من تكلفة طباعة الأوراق النقدية والصناعة المعدنية، تصبح تساوي الزيادة في حجم العملة الوطنية المتداولة). فضلاً عن كون الدولرة الكاملة تلغي دور المصرف المركزي الوطني كملاذ أخير للإقراض المصرفي.. وبالتالي تجعل البلد المعني بالدولرة الشاملة والرسمية يخسر “السيادة النقدية” المتمثّلة بالعملة الوطنية، وهي إلى جانب العلم، تمثّل رمز استقلال وسيادة الوطن، وهنا يصبح الموضوع ذات أبعاد أوسع من الناحية النقدية البحتة.

من بين مزايا الدولرة الكاملة، نستشهد أيضًا باستحالة استمرار القادة في اتباع سياسات مالية توسعية تؤدي إلى حدوث تضخم، من خلال التخلّي عن امتياز طبع النقود، حيث لم يعد بإمكان الدولة اللجوء إلى طباعة النقود لتمويل عجزها. فهي ملزمة بخفض الإنفاق العام أو زيادة الإيرادات (أو اختيار مزيج من الاثنين)، أو حتى تفعيل برنامج الخصخصة، أو أقلّه مشاركة القطاع العام والقطاع الخاص في إدارة المرافق والخدمات التي لا تزال عامة كلياً. على أي حال، يخاطر القادة بتقلّص الطلب المحلي وحرمان أنفسهم من حرّية التدخّل في الاقتصاد.

هل بإمكان السلطات العامة الالتزام بالإصلاح المالي المطلوب وضبط المالية العامة؟ الحؤول دون العجز المالي وتزايد الدين العام لعدم الاضطرار إلى اللجوء مجدّداً لطباعة العملة، خصوصاً أنّ مجلس النقد او الدولرة الشاملة يمنعان ذلك؟؟ هل بالإمكان قبول تحدّي القيام بإصلاح القطاع العام باتجاه تخفيض جذري لحجمه الهائل والمصاريف الجارية التي يتسبّب بها، لا سيما منها الرواتب والأجور؟. هل السلطة السياسة تلتزم بتحدّي ضبط التهرّب الضريبي والتهريب عبر الحدود؟ هل النية والإمكانية موجودتان لإعادة انتظام الموازنات وقطوعات الحسابات؟

لوحظ أنّ الإنفاق العام تميز خلال سنوات الحرب بالفوضى وانعدام السيطرة المركزية. خلال تلك الفترة ، لم تكن الدولة تعرف بشكل دقيق لا مقدار نفقاتها ولا ناتج إيصالاتها، ولهذا توقفت عن إغلاق حسابات الموازنة من 1979 إلى 1993.

توقف نشر حسابات الموازنة على النحو الذي أقرّه الدستور وقانون الحسابات العامة استمر من 1979 حتى 1993. إذاً، اضطرت الدولة إلى اللجوء إلى الديون الخارجية والداخلية لتمويل تطوير المشاريع التي توقف تنفيذها على مجرى الأحداث.

وأدّت خاتمة فترة الحرب في عامي 1989 و 1990 إلى تفاقم وضع المالية العامة بشكل حاد. فأدّى انخفاض الإيرادات الضريبية إلى اعتماد الخزينة العامة ، بالإضافة إلى الديون، على أرباح مصرف لبنان التي يتمّ تحويلها إليه بموجب قانون النقد والتسليف. وبلغت حصة أرباح مصرف لبنان في تمويل الخزينة حوالى 62% من إيرادات الموازنة في عام 1989 و 38.5% من إيرادات الموازنة في عام 1990. ويبقى القول، إنّه في نهاية العام 1992 كان مجموع الدين العام الثابت المتوجب على الخزينة اللبنانية يعادل نحو 3 مليارات دولار أميركي، منه 327.5 مليون دولار أميركي والباقي بالليرة اللبنانية.

وباحتساب كلفة خدمة هذا الدين العام على أساس معدلات الفائدة السنوية المعتمدة لدى مصرف لبنان على مدى السنوات 1992 -2011 والمدفوعة من الخزينة اللبنانية، فإنّ تلك المبالغ المتوجبة في نهاية العام 1992، وبعد إضافة الفائدة المتجمعة على مدى كل سنة بين عامي 1992 و2011، بلغت 30 ألف مليار ليرة لبنانية. كذلك ارتفع الدين بالدولار الأميركي بفعل تراكم الفوائد على رصيد الدين العام، فيما كان قطاع الكهرباء يراكم سلفات بالدولار الأميركي وفوائد عليها، واستمرت الكهرباء بتسجيل عجز مالي سنوي بحوالى 2 مليار دولار وتتراكم عليها الفوائد…

وما أن انتظم عمل المالية العامة منذ عام 2003 حتى عام 2005، حتى عاد وتوقّف إقرار الموازنات من عام 2005 حتى عام2017 وتمّت استعادته بعدها بغياب نشر قطوعات الحسابات التي تعكس الأرقام الفعلية…

وبذلك يتبيّن تخطّي السلطات العامة لقانون النقد والتسليف والالتفاف على المادة 13 التي تقرّ باستقلالية المصرف المركزي المالية، ثم المواد 91 و 92 التي تؤكّد على إمكانية تمسّك المصرف المركزي بتفادي التمويل المباشر لعجوزات المالية العامة حتى “في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، اذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علماً بذلك”.

يدرس المصرف مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل اخرى، كإصدار قرض داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدة الخ…

وفقط في الحالة التي يثبت فيها انّه لا يوجد أي حل آخر، وإذا ما اصرّت الحكومة، مع ذلك، على طلبها، يمكن المصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب.

حينئذٍ يقترح المصرف على الحكومة، إن لزم الامر، التدابير التي من شأنها الحدّ مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخصوصاً الحدّ من تأثيره، في الوضع الذي أُعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية.

كذلك لا بدّ من التذكير بالمادة 113 لقانون النقد والتسليف، التي تنصّ على أنّه يتألف الربح الصافي لمصرف لبنان من فائض الواردات على النفقات العامة والأعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات.

يقيّد 50% من هذا الربح الصافي في حساب المصرف المركزي، يُدعى “الاحتياط العام” ويدفع 50% إلى الخزينة. وعندما يبلغ الاحتياط العام نصف رأسمال المصرف يوزع الربح الصافي بنسبة 20 % للاحتياط العام و80 % للخزينة.

وإذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تُغطّى الخسارة من الاحتياط العام. وعند عدم وجود هذا الاحتياط او عدم كفايته، تُغطّى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة (وهو ما تمّ تجاهله كلياً من قِبل السلطات المعنية عند الحديث عن “فجوة مصرف لبنان” دون تحمّل أي مسؤولية بتغطيتها).

وإذا اصبح رصيد حساب “الاحتياط العام” من جراء اقتطاع مبلغ بموجب الفقرة السابقة، اقلّ من نصف الرأسمال، يجري توزيع الربح الصافي مجدداً بنسبة 50% لهذا الحساب و50% للخزينة، الى ان يبلغ الحساب مجدداً نصف الرأسمال.

تدور الاعتراضات التي تمّت صياغتها ضدّ الدولرة الشاملة حول 5 أنواع من الحجج: فقدان استقلالية السياسة النقدية، التخلّي عن سياسة سعر الصرف، اختفاء المقرض الملاذ الأخير، والحدّ من الأدوات المضادة للتقّلبات الاقتصادية الدورية.

وسط انهيار بهذا الشكل وتقلّص الاحتياطات بالدولار الى حدود 9 مليارات دولار ونصف، أي ما يغطي حتى 6 أشهر استيراد فقط، يجعل من الصعب ايجاد حلول مثالية. وأي مخرج ستكون له فوائده وتكاليفه، ولكن لا يمكن الاكتفاء بالشق النقدي لمصرف لبنان كلاعب وحيد، بل يحتاج لإصلاحات مواكبة.

د. سهام رزق الله

أستاذة مُحاضرة في كلية العلوم الاقتصادية لجامعة القديس يوسف

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات