منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، ولأغراض تجميلية وحتماً لأهداف سياسية، طالب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، الفدرالي، بإيجاد طريقة للتخلص من البيانات الشهرية لحسابات تضخم المستهلك التي اعتبرها “مضرة” لسمعته السياسية.
كان آرثر بيرنز هو رئيس الاحتياطي الفدرالي في تلك الفترة.
قبل مطالبة نيكسون، كانت البيانات تعكس ارتفاعات أسعار النفط والحبوب.
لأن النفط والحبوب تتصدر قائمة استهلاك ليس فقط الأميركيين ولكن كل شعوب الأرض.
وعليه ولتلبية رغبة الرئيس 37 للولايات المتحدة، اخترع رئيس الاحتياطي بيرنز مؤشر ” التضخم الأساسي”، الذي شطبت منه أسعار النفط و الغذاء!…
وفي ذلك الوقت تحديدًا وقبل تطبيق المؤشر الجديد، شكلت بيانات الطاقة 11% والغذاء 25% من حسابات التضخم، وتلك البيانات التي لم تعد أساسية في ” التضخم الأساسي”.
وفي يونيو من العام 1971، كتب رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي آرثر بيرنز مذكرة إلى الرئيس ريتشارد نيكسون، برر فيها أن ارتفاع معدل التضخم، لم يكن بسبب السياسة النقدية أو ناتج عن أي إجراء اتخذه بنك الاحتياطي الفدرالي تحت قيادته، لأن المشكلة بحسب تعبيره : “أن هيكل الاقتصاد قد تغير بصورة عميقة”.
وبناءً على ذلك، اقترح بيرنز بضرورة تنفيذ سياسة تجميد الأجور والأسعار لمدة 6 أشهر.
أقنعت مذكرة بيرنز، الرئيس نيكسون، وقام بالفعل بتطبيقها، وفعلًا بدأت معدلات التضخم بالتراجع.
لكن أعقب سياسة التجميد المزيد من الضوابط الإلزامية التي تطلبت من الشركات الحصول على إذن من اللجنة المعنية لتغيير الأجور والأسعار.
المفارقة الملفتة أنه مع حلول العام 1975، ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 300% بسبب تردي موسم الحصاد في أراضي الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى ارتفاعات صاروخية أوصلت معدلات ارتفاع أسعار النفط لمستويات 400%.
لكن “التضخم الأساسي” أظهر أن الأميركيين بالكاد استهلكوا القمح أو استخدموا النفط لقيادة سياراتهم!
لتظهر بيانات مؤشر (جونسون/ بيرنز) المفضل، انخفاض مؤشر “التضخم الأساسي” بشكل كبير!
في ذلك العام تحديداً، أي في 1975 ألغى الفدرالي التكاليف الرئيسية للإسكان وعوامل أخرى، تاركًا مؤشر أسعار المستهلك يقتصر على 35% من مكونات سلّة السلع الأصليّة التي تمّ قياسها.
رغم أنه بحلول ذلك الوقت، كان التضخم اليومي الحقيقي خارج نطاق السيطرة كليًا.
واليوم، لا يشمل مؤشر أسعار المستهلك الأميركي تكاليف شراء المنازل وتمويلها، ولا يشمل أيضًا ضرائب الممتلكات أو صيانة المنازل وتحسينها.
ارتفعت أسعار هذه المدخلات في جميع أنحاء الولايات المتحدة منذ العام الماضي وهي مستمرة بتسجيل أرقام قياسية.
وخلال أغلبية العام الماضي كانت تصريحات رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، أن التضخم “عابر” وغير مثير للقلق ولا يستدعي منه تحركًا عاجلاً لرفع معدلات الفائدة.
لكن في 2022 لم يبدو أن التضخم كان “عابراً”، بل راسخًا وبقوة أجبرت صناع السياسة النقدية على إظهار التشدد حيال استمرارية ضخ الأموال الرخيصة.
نهى علي