بعد تراجعات العملات المشفرة.. جاء دور الـ NFT

سجلت العملات المشفرة بقيادة بتكوين بداية العام الجاري هبوطاً حاداً دفع بها نحو فقدان نحو نصف قيمتها مع تزعزع الثقة في هذه السوق وتزايد الضغوط التي تمارسها المؤسسات المالية الرسمية، وهو ما دفع العديد من المستثمرين في الأصول الرقمية إلى الاتجاه نحو سوق الأصول غير قابلة للاستبدال أو ما يعرف بالـNFT’s.

ويبدو أن سوق الأصول غير قابلة للاستبدال قد تأثرت بطريقة أو بأخرى بالمنحنى التراجعي الذي اتخذته العملات المشفرة، إذ سجلت مجموعة “The Bored Ape “Yacht Club، وهي أشهر مجموعة للـNFT’s، تراجعاً في القيمة السوقية لأصولها، إذ تراجع سعر أرخص وحداتها إلى 88 إيثريوم يوم الجمعة 27 مايو أيار، في حين كان يبلغ سعرها 138 إيثريوم في الـ27 من أبريل نيسان الماضي.

وأغلب الأصول غير قابلة للاستبدال مقومة بعملة إيثيريوم المشفرة، ويبلغ سعر الوحدة 1816 دولار (مستوى يوم الأحد 29 مايو أيار 2022).

ويمكن تفسير جزء من هذا التراجع بالهبوط الذي شهدته العملات المشفرة، إذ فقد الإيثيريوم نحو 38% من قيمته خلال الشهر الماضي، في حين فقد البتكوين 25% من قيمته خلال نفس الفترة.

ويظهر موقع OpenSea، أكبر منصة لتداول الأصول غير قابلة للاستبدال، تراجعاً في حجم التداول أيضاً، بلغ 45% خلال الأيام الـ30 الأخيرة (27 أبريل نيسان – 27 مايو أيار).

وانخفض حجم المعاملات إلى نحو 2.53 مليار دولار، كما تراجع عدد المتداولين بنسبة 13% إلى 416 ألف و419 شخص، حسب معطيات لموقع DappRadar المتخصص.

ويرى المتخصصون أن أزمة الثقة التي يعيشها سوق العملات الرقمية قد أرخت بظلالها على سوق الأصول غير قابلة للاستبدال، مشيرين إلى أن الأخيرة سبق ومرت بظروف مماثلة، وأنها بالتأكيد لن تكون آخر مرة، لكن الـNFT أظهر في أكثر من مرة قدرته على الابتكار.

والإثنين 23 مايو أيار، أعلن عملاق الإلكترونيات الأميركي Gamestop إطلاق محفظة للعملات المشفرة والأصول غير قابلة للاستبدال، حيث ستعمل على بلوكشين الإثريوم، ومن المرتقب أن تطلق المنصة تطبيقاً على الهواتف الذكية.

الأسلوب الأميركي الجديد ضد الصين

منذ أن بدأ الاقتصاد الصيني بالازدهار نهاية القرن الماضي وبداية الحالي، والولايات المتحدة تراقبها عن كثب لمعرفة مدى إمكانية التهديد لسيادتها الاقتصادية في العالم. ولكن هذه المراقبة لم تثمر عن إجراءات فعالة منذ ذلك الحين، فالرئيس بوش الابن وصف الصين بـ«المنافس الاستراتيجي»، ولكنه انشغل عنها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وما بعدها من حروب، وأوباما تحدث كثيراً عن المحور الآسيوي، لكن الأزمة الاقتصادية والتقلبات السياسية عصفتا بخططه. أما ترمب فاتخذ المواجهة سبيلاً له في تحجيم الصين، ففرض الرسوم الجمركية عليها، وأوقف التعامل مع الشركات الصينية، ومنع الاستحواذات الصينية على الشركات الأميركية. ولكنه في الوقت نفسه لم يتبع أسلوباً استراتيجياً مستداماً في التعامل مع الدول الآسيوية، فانسحب من الاتفاقية الشاملة لدول المحيطين الهندي والهادئ، تاركاً المجال للصين لتزيد من نفوذها التجاري في المنطقة.
وعندما تولى الرئيس بايدن الرئاسة، ارتأى العديد من الخبراء أنه سيكمل مسيرة سابقه في محاولة تحجيم الصين، ولكن بطرق أقل عنفاً وأكثر دبلوماسية، وذلك باستخدام حلفائه في المنطقة للضغط على الصين. وكان بداية ذلك هو إعلانه عن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ومنذ ذلك الحين والحكومة الأميركية ترسم ملامح هذا الإطار، حتى انتهت إلى توصيفه بأربعة محاور؛ المحور الأول يُعنى بالتجارة الحرة والمرنة، والثاني بمرونة سلاسل الإمداد، والثالث بالبنية التحتية والطاقة النظيفة وإزالة الكربون، والرابع بالأنظمة الضريبية ومكافحة الفساد. ويتوقع أن يستغل الرئيس الأميركي جولته الآسيوية للإعلان عن هذا الإطار، وهي أولى زياراته لآسيا، وقد بدأها يوم الجمعة في كوريا الجنوبية، انتقالاً إلى طوكيو يوم الاثنين، حيث تعقد قمة الدول الأربعة (مجموعة الكواد) وهي أميركا وأستراليا والهند واليابان، وهي دول تتشارك في خوفها من زيادة النفوذ الصيني في المنطقة.
ويطمح بايدن إلى أن تدخل دول أخرى لهذا الإطار، مثل كوريا الجنوبية والفلبين وسنغافورة الذين عبروا عن اهتمامهم فيه بحذر. وقد رحبت كل من اليابان وتايلند بالدخول في المفاوضات لهذا الإطار الاقتصادي، كما يتوقع أن تنظم أستراليا ونيوزلندا له في مراحل قادمة، بينما لم توضح الهند أي موقف من الانضمام لهذا الاتفاق حتى الآن. والمتأمل في هذه الدول يجد أن الولايات المتحدة تطمح إلى محاصرة الصين تجارياً، من خلال إيجاد بدائل لسلاسل التوريد لهذه الدول، وزيادة خياراتها التجارية لتقليل التبادل التجاري مع الصين قدر الإمكان. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، ولعل كوريا الجنوبية هي أقرب مثال على ذلك، فالتبادل التجاري بينها وبين الصين يساوي مجموع التبادل التجاري لها مع اليابان وأميركا.
من الناحية السياسية، فالأمر أكثر تعقيداً، فالهند لا تزال على خلاف مع الولايات المتحدة بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، فهي رغم كونها حليفة لأميركا، إلا أنها لم تدن روسيا بشأن الحرب، لأسباب منها اعتمادها على الأسلحة الروسية، وغني عن الذكر أهمية الهند بخصائصها المختلفة في تحقيق التوازن ضد الصين. كما أن الفلبين – حليف أميركي آخر – انتخبت للتو رئيساً يُرى أنه أقرب للصين من سابقه. إضافة إلى ذلك، فإن الدول الآسيوية نفسها ليست على وفاق تام فيما بينها، فالإرث الاستعماري بين اليابان وكوريا الجنوبية لم يُنس بعد. والدول الآسيوية لم تنس كذلك تقلب السياسة الأميركية، فهي لا يمكنها أن تضمن ثبات هذه السياسة للسنوات المقبلة، لا سيما مع إمكانية تولي رئيس جديد عام 2024؛ رئيس قد يكون أكثر انعزالية من بايدن، وأقرب إلى سياسة ترمب، إن لم يكن هو نفسه.
واعتماد هذه الدول اقتصادياً على الصين يجعلها حذرة للغاية من الإجراءات الانتقامية التي قد تتخذها الصين حيال من يساهم في هذا الإطار الاقتصادي. خصوصاً أن بعض وسائل الإعلام الصينية تهاجمه منذ أن أعلن عنه بايدن العام الماضي، وقد وصفته بعضها بأنه استراتيجية للحرب الباردة على الصين، وأن هدفه – مهما أُعلن عنه – هو تحجيم الصين والإضرار باقتصادها. كما عبرت وسائل أخرى بأنها حرب غير متكافئة بسبب علاقات الولايات المتحدة المتينة مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، والذي يمكنها من التأثير سلباً على الاقتصاد الصيني.
إن هذا الإطار، الذي وصفته الإدارة الأميركية بـ«التنسيق الاقتصادي للقرن الواحد والعشرين» لا يزال في مهده، وملامحه مبهمة، حتى مع اتضاح أهدافه. والتحدي الذي ستواجهه الولايات المتحدة يكمن في جذب الدول للانضمام إليه، فهو حتى الآن لا يسعى إلى تحرير التجارة بين الدول المنضمة إليه والولايات المتحدة، فتخفيض الرسوم الجمركية وتسهيل الوصول إلى الأسواق الأميركية ليستا ضمن أهدافه، وهو ما يعني أن مصالح الدول الآسيوية ليست واضحة حتى الآن. ولذلك فإن الطريق لا يزال طويلاً حتى تتمكن الولايات المتحدة من صياغة كامل تفاصيله بعد انتهاء فترة المفاوضات التي قد تستغرق مدة طويلة. ولكن الإعلان عنه والاحتفاء به متوقعان خلال زيارة الرئيس الأميركي لطوكيو، ليكون ضمن منجزاته قبل الانتخابات النصفية.

د. عبدالله الردادي