يواجه اللبنانيون خطر انهيار قيمة عملتهم الى مستويات كارثية شبيهة بتلك التي حصلت في دول أصبحت اليوم شعوبها شبه جائعة، ومحرومة من كل كماليّات العيش السائدة في بقية دول العالم. فهل هذا الخطر قائم فعلاً بالنسبة الى الليرة؟ وما هي الاسباب التي قد تودي بنا الى هذا المصير الأسود؟
يُجابه مصرف لبنان الأزمة المالية وانهيار قيمة الليرة اللبنانية والتضخم بطَبع كميات هائلة من العملة المحلية لتمويل نفقات الدولة وتسديد أموال المودعين على سعر صرف يبلغ 3850 ليرة حالياً، بما يعمّق الأزمة ويزيد معدل التضخّم ويساهم في تَسارع وتيرة انهيار العملة التي وصل معدّل تَضخّمها السنوي الى 400 في المئة، وتحتل بذلك ثالث أسوأ مرتبة في العالم.
وتغذّي عملية طبع الليرة وضَخّها في السوق، هبوط سعر صرف الليرة مقابل الدولار بوتيرة متسارعة حيث باتت تفقد الليرة يومياً حوالى 25 في المئة من قيمتها نتيجة تعويم السوق بالعملة المحلية من دون أن يقابلها ضَخ للدولارات. بل على العكس فإنّ الدولارات المتبقية في النظام المصرفي ما زالت تتسرّب الى الخارج رغم انّ مصرف لبنان والمصارف تتبع نظام التقنين في التحويلات المالية وتحصرها فقط بالحاجات الضرورية.
في هذا الاطار، أكد نافز ذوق، الخبير الاقتصادي والاستراتيجي في مؤسسة Oxford Economics للابحاث في لندن لـ«الجمهورية»، انّ حجم الاموال المتسرّبة شهريّاً من النظام المصرفي اللبناني يتراوح بين مليار و1.5 مليار دولار شهرياً، نتيجة عدم إقرار قانون الـCapital control، معتبراً انّ حجم تلك الاموال التي يتم تحويلها الى الخارج لا يغطّي فقط حجم الواردات الى لبنان والتي تراجعت بشكل لافت، بل يفوقه بنسبة لافتة، «بما يدلّ على انّ عمليات تحويل أموال بعض المودعين الى الخارج ما زالت مستمرة لغاية اليوم».
وشرح ذوق انّ الدولارات الفعلية المتبقية لدى النظام المصرفي اللبناني، مقسّمة بين:
– إحتياطي مصرف لبنان بالعملة الاجنبية والتي يقول مصرف لبنان انه يبلغ 27 ملياراً، إلّا انّ قيمته الفعلية لا تتعدى 20 مليار دولار بسبب اقراض البنك المركزي المصارف حوالى 7 مليارات دولار منه في الفترة الاخيرة.
– حسابات المصارف اللبنانية بالعملة الاجنبية في مصارف في الخارج.
– ودائع المصارف اللبنانية بالعملة الاجنبية في مصارف مركزية في الخارج.
وشرحَ انّ إجمالي قيمة حسابات وودائع المصارف في الخارج تراجع من 8,4 مليارات دولار في تشرين الاول من العام الماضي الى 4,9 مليارات دولار في نيسان الماضي. في حين تراجع احتياطي مصرف لبنان من 35 مليار دولار في تشرين الاول الى 27 ملياراً (7 مليارات منها تمّ إقراضها للمصارف)، علماً انه في ايار الماضي ووفقاً لآخر الارقام الرسمية المتوفرة، تراجَع حجم الاحتياطي بقيمة مليار دولار مقارنة بالشهر الذي سبقه.
وقال ذوق انّ بعض المصارف يرفض اليوم القيام بتحويلات مالية الى الخارج حتى للعملاء الذين يؤمّنون له دولارات جديدة fresh dollars بسبب تناقص قيمة حساباته لدى البنوك المراسلة في الخارج، والتي يتم استخدامها عادة لتسديد قيمة التحويلات المالية التي تتم عبر تلك المصارف في لبنان، موضحاً انّ المصارف لم تعد قادرة على تمويل حساباتها لدى البنوك المراسلة بسبب توقف التدفقات المالية الى لبنان، والتي كانت تستخدم في السابق لتغذية تلك الحسابات بدولارات اضافية، لافتاً الى انّ الدولارات الجديدة التي يؤمّنها العملاء للمصارف المحلية من اجل القيام بتحويلات مالية الى الخارج، تستخدمها المصارف داخلياً لخفض مطلوباتها من العملة الاجنبية.
وتخوّف ذوق من «أن نصل الى مرحلة سيتعذّر فيها على المصارف بشكل كامل القيام بأيّ تحويلات الى الخارج بعد استنزاف اموالها لدى المصارف المراسلة»، كما شدّد على انه في الوقت الذي يحتاج فيه البلد الى تدفّق الدولارات الى الداخل، «ما زلنا نشهد استنزافاً لها من النظام في مقابل طَبع المزيد من الاوراق النقدية للعملة المحلية، بما يؤكد انّ هبوط سعر صرف الليرة لا يمكن لجمه ولن يكون له سقف محدد طالما انه لا توجد بعد إجراءات وإصلاحات جدّية كفيلة باستعادة التدفقات المالية الى لبنان».
عقوبات على المصارف؟
في سياق متصل، يتم التداول بمعلومات عن انّ سفناً ايرانية ترسو في البحر محمّلة بالوقود تنتظر القرار اللبناني لتّتجه الى بيروت وتفرّغ حمولتها، وذلك في سياق دعوة امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى التوجّه شرقاً والاستفادة من العرض الايراني للبنان بعدما ساعدت حليفتها فنزويلا بالنفط. وفي هذا الاطار، يتخوّف اصحاب بعض المصارف من ان تقدم الحكومة على استيراد المحروقات من ايران، بما قد يعرّض مصرف لبنان، في حال اضطرّ الى فتح اعتمادات، لخطر فرض عقوبات أميركية عليه ويؤدي الى توقف البنوك المراسلة الاجنبية من التعامل مع المصارف اللبنانية بشكل كامل، والى انعزال القطاع المصرفي عن العالم وتوقف مختلف عمليات الاستيراد الى لبنان.
رنا سعرتي